القسم السادس والثلاثون

قال ماكجيفني ذات يوم: «سأخبرك بأمرٍ مثير للاهتمام. ستنضَم إلى الطبقة الراقية لبعض الوقت!»

قال الرجل ذو وجه الجرذ إن هناك شابًّا في مدينةٍ مجاورة، يُقال إنه مليونير، ألَّف كتابًا مناهضًا للحرب، وكان مصدر تمويل الكثير من الحركات المحرضة والداعية للسلام. قال ماكجيفني: «ينفق هؤلاء الناس الكثير من المال على المطبوعات، وسمعنا أن هذا الشاب لاكمان هو مصدر هذه الأموال. وعرفنا أنه سيكون في المدينة غدًا، ونريد منك أن تعرف كل شيء عنه.»

وعليه، كان بيتر على موعد مع مليونير! لم يكن بيتر قد تعرَّف على أيٍّ من هذه الكائنات المحظوظة سابقًا، ولكنه كان معجبًا بهم؛ دائمًا ما كان معجبًا بهم. منذ أن تعلم القراءة، كان يحب أن يقرأ قصصًا تتحدث عنهم في الصحف مصحوبةً بصور لهم ولقصورهم. كان يقرأ هذه القصص كما يقرأ الطفل القصص الخيالية. كانوا كائنات أحلامه، كائنات تنتمي إلى عالم يسمو فوق الواقع، يسمو فوق الألم والمتاعب.

عندما كان بيتر خادمًا في معبد جيمجامبو، مكرسًا نفسه للطائفة الغرائبية اليوثرانية، وجد لوحةً معلقة في القاعة الرئيسية مكتوبًا عليها «جبل الأوليمب»، تعرض دُزِّينة من الآلهة الذكور والإناث مستلقين في دعة على أرائك حريرية، يرشفون عصير الفواكه من كئوسٍ ذهبية وينظرون إلى أسفل إلى مشاكل العالم التي لا تهمهم كثيرًا. كان بيتر يتلصص من خلف الستائر ويرى الكاهن الأكبر يخرج من خلف الأستار السرية السبعة، ويرفع صوته المجلجل ملقيًا أنشودة تفسر الحياة لتابعاته من سيدات المجتمع الدائمات الإعجاب بكل ما يقول. كان دائمًا ما يشير إلى تلك اللوحة ويصف تلك العصور الأوليمبية الذهبية عندما نشأت الطائفة اليوثرانية. كان العالم قد تغيَّر كثيرًا منذ ذلك الحين، ولكن للأسوأ؛ وعلى أولئك الذين يملكون القدرة أن يجعلوا إعادة الجمال والروعة إلى العالم، وتطوير إمكانيات الوجود الرائعة، مهمتهم.

بالطبع لم يكن بيتر يؤمن فعليًّا بأي شيءٍ مما كان يحدث في معبد جيمجامبو، ولكنه كان معجبًا بثرائه، وبالطابع الحصري لمرتاديه؛ وترسَّخت بشكلٍ نهائي في ذهنه فكرة أن جبل الأوليمب حقيقي، وعندما كان يحاول تخيل المليونيرات وأسلوب حياتهم، كانت تقفز إلى مخيلته صورة هؤلاء الآلهة من الذكور والإناث، المستلقين على الأرائك الحريرية ويشربون عصير الفواكه!

منذ أن عرف بيتر بأمر الحُمْر الذين يريدون تفجير قصور المليونيرات، أصبحت مناصرته لآلهته من الذكور والإناث أكبر من أي وقت مضى. وكان تحمسه لهم يزداد أكثر كلما سمع هجومًا عليهم؛ كان يتمنى أن يلتقي ببعضهم، وأن يقدم لهم فروض الولاء والطاعة بكل حماسة، ولكن باحترام. شعر برضًا يتخلل نفسه عندما تخيل وجوده في أحد القصور مسترخيًا على أريكة حريرية ويشرح لمليونير كيفية إدراكه قيمة الجمال والروعة في هذا العالم.

أصبح الآن على وشك مقابلة أحدهم؛ فكان من بين مهامه أن يحقق في أمر أحدهم! كان ثمَّة خطبٌ ما يتعلق بهذا المليونير تحديدًا؛ كان من أولئك المخبولين الذين يتعاطفون مع المفجِّرين والقتلة لسببٍ ما. كان بيتر قد التقى «حُمْرًا أرستقراطيين» في منزل الأختَين تود، أولئك السيدات اللامعات الضخام اللاتي كن يحضرن في سياراتٍ لامعة ضخمة للاستماع إليه وهو يحكي ما مر به في السجن. ولكنه لم يكن متأكدًا مما إذا كن مليونيرات بالفعل أم لا، وعندما كان يسأل سادي عنهن تحديدًا، كانت تجيبه بغموض أن كل شخص في الحركة الراديكالية يستطيع شراء سيارة أو بدلةٍ رسمية تمنحه الصحف لقب مليونير.

ولكن لاكمان الشاب كان مليونيرًا حقيقيًّا، كما أكد له ماكجيفني بكل ثقة؛ ومن ثَم، كان بيتر حرًّا في أن يُعجب به على الرغم من كل أفكاره الغريبة التي أوضحها الرجل ذو وجه الجرذ باستمتاعٍ شديد. كان الشاب لاكمان يدير مدرسة للصبية، وعندما يُخطئ أحدهم، كان المعلم يعاقِب نفسه بدلًا من الصبي! قال ماكجيفني إن بيتر لا بد أن يتظاهر باهتمامه بهذا النوع من «التعليم»، ويجب على الأقل أن يعرف عناوين كتب لاكمان.

سأله بيتر: «ولكن هل سيُعيرني أي اهتمام؟»

قال ماكجيفني: «سيفعل بالتأكيد. هذا هو المقصد؛ لقد كنتَ في السجن، وأقدمتَ حقًّا على فعلٍ مناهض للحرب. ما عليك فعله هو محاولة أن تجعله يهتم برابطتك المعارضة للتجنيد الإجباري. أخبره بأنك تريد تحويلها إلى منظمةٍ قومية، وأنك تريد أن تفعل شيئًا غير الكلام.»

كان الشاب لاكمان يقيم في فندق هوتيل دي سوتو؛ ورقص قلب بيتر طربًا عندما سمع ذلك. كان فندق هوتيل دي سوتو هو جبل الأوليمب في المدينة الأمريكية! كان بيتر قد مَر أمام المبنى الأبيض الضخم، ورأى أبوابه البرونزية التي تُفتَح للخارج، وأسعد أهل الأرض حظًّا يخرجون منه ليركبوا عرباتهم السحرية، ولكن لم يخطر بباله يومًا أنه قد يمُر عبْر تلك الأبواب البرونزية ويرى بعينَيه ما تُواري خلفها من غموض!

سأل مخاطبًا ماكجيفني: «هل سيسمحون لي بالدخول؟» فضحك الآخر. وقال: «ما عليك سوى أن تسير وكأنك تملك المكان. ارفع رأسك، وتظاهر بأنك عشتَ في هذا المكان طوال حياتك.»

كان من السهل على ماكجيفني أن يقول ذلك، لكن لم يكن من السهل على بيتر أن يتخيله. ومع ذلك سيحاول؛ لا بد أن ماكجيفني على حق، فقد كان ذلك الأمر نفسه الذي أكَّدته عليه السيدة جيمس عدة مرات. يجب أن تراقب ما يفعله الآخرون، وتدرب نفسك عليه، ثم تفعله وكأنك لم تفعل غيره في حياتك. الحياة برمتها خدعةٌ كبيرة، وستحسِّن من قدرتك على الخداع عبْر ثقتك في أن جميع الآخرين يمارسون الخداع بالقَدْر نفسه من الجهد.

في السابعة من مساء ذلك اليوم، كان بيتر يصعد الدرَج المؤدي إلى الأبواب البرونزية السحرية، ويلمسها؛ وبالفعل، فتح الحراس بزيهم الأزرق الأبواب دون كلمة، ولم يرفع أولئك الأقزام ذوو الأزرار النحاسية أعينهم لينظروا إلى بيتر بينما يتجه بخطواتٍ واثقة إلى مكتب الاستقبال ويسأل عن السيد لاكمان.

أحاله موظفٌ يتعامل بتعالٍ إلى عامل هاتف أكثر تعاليًا، الذي تكرَّم وتحدث عبْر بوقه وأخبره أن السيد لاكمان قد خرج، وأنه ترك رسالةً تقول إنه سيعود في الثامنة. كان بيتر على وشك الخروج والتجول في الشوارع لمدة ساعة، ثم تذكَّر فجأة أن الجميع يخادعون، فسار عبْر الردهة وجلس على أحد المقاعد الجلدية الضخمة، التي كانت كبيرةً بما يكفي لتتسع لثلاثة رجال في مثل حجمه. جلس على المقعد، واستمر في الجلوس، ولم يتفوَّه أحد بكلمة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤