القسم السابع والثلاثون
نعم، كان هذا جبل الأوليمب، وهنا تعيش الآلهة؛ كانت الإناث يرتدين ملابس رائعة نصف عارية، وكان الذكور يرتدون في الغالب معاطف سوداء وصدور قمصان مطوية تبرز خارجها. كلما اتجه أحدهم إلى مكتب الاستقبال، كان بيتر يراقبه ويتساءل، هل هذا السيد لاكمان؟ ربما كان قادرًا على التعرف على مليونير وسط حشدٍ عادي؛ ولكن في هذا المكان كان جميع الآلهة الذكور قد هيَّئوا أنفسهم ليبدوا كمليونيرات، ومن ثَم، كانت مهمة بيتر مستحيلة.
عبْر أرضية الردهة في مقابله، كان يرتفع عمود يبلغ طوله عشر أقدام إلى سقفٍ عالٍ للغاية. كان العمود مصنوعًا من الرخام الأخضر الفاتح المخطَّط، ورفع بيتر عينَيه إلى قمة العمود؛ حيث انتشرت سحابة من لونٍ أبيض كالثلج لا مثيل له. كانت هناك أربعة قرون وفرة، واحدٌ عند كل ركن، ويخرج من كل قرن وفرة حبال متشابكة مزينة بالورود، وتخرج من هذه الورود حبالٌ أخرى تحمل ما يبدو أنه ثمار تفاح وأوراق شجر والمزيد من الورود، ثم مزيد من الحبال تنتشر في تشابك يمتد على كامل السقف. لم يقطع كل هذه الروعة في عدة أماكن إلا وجوهٌ هادئة ضخمة لملائكة صبيان تبتسم؛ أطلَّ أربعة من هؤلاء الصبية الذين يبتسمون في هدوء من الجوانب الأربعة للسحابة البيضاء كالثلج، وتنقَّلت عينا بيتر من واحد إلى آخر مفتونتَين بالحسابات الدقيقة لهذه العجيبة المعمارية. كان هناك أربعة عشر عمودًا مصطفة في صف واحد، وكانت هناك أربعة صفوف مماثلة في الردهة. يعني هذا أن إجمالي عدد الأعمدة ستة وخمسون عمودًا، أو مائتان وأربعة وعشرون رأسًا من رءوس الملائكة الصبية. أخفقت جميع محاولاته لحساب كَم عدد قرون الوفرة وكم عدد الورود وكَم عدد التفاحات. كانت رءوس الملائكة الصبية متطابقة تمامًا، كانت جميعها بالحجم نفسه وشكل الابتسامة، وتعجَّب بيتر — كم يومًا سيستغرق نحَّات في نحت تفاصيل ابتسامات الملائكة الصبية البالغ عددها مائتَين وأربعة وعشرين؟
كانت هذه الروعة الباذخة تُغلف فندق هوتيل دي سوتو بأكمله، وشعر بيتر بالتأثير الذهني الذي صُمِّمت خصوصًا لإحداثه؛ شعور بالانبهار والرهبة، وإدراك أن مَن يعيشون في مثل هذا البذخ أشخاصٌ لا يعنيهم المال، وقادرون على صب الكنوز في فيض لا ينقطع. كان كل شيءٍ آخر في أنحاء المكان له الطابع نفسه؛ فكل شيء كان مصممًا لإحداث التأثير نفسه، حتى الآلهة من الذكور والإناث أنفسهم! قد تمُر بجوارك إحداهن مرتدية في شعرها تاجًا مرصعًا بالجواهر، وقد يُسلي المرء نفسه بحساب عدد الجواهر به، مثلما حسب عدد رءوس الملائكة الصبية. أو قد يشُد انتباه المرء فستانها المصنوع من الدانتيل الأسود المطرَّز بفراشات ذهبية طُرِّزت كلٌّ منها يدويًّا بصبرٍ شديد؛ وقد ينخرط المرء في التفكير في أن هذه أمتارٌ كثيرة من القماش، وكل متر مطرَّز عليه الكثير من الفراشات الذهبية! وقد يعُد المرء عدد النقاط اللامعة على نعلها السوداء أو يتتبَّع التصميمات المعقَّدة على جواربها شبه الشفافة؛ كان يمكن للمرء رؤية جواربها كاملة فيما عدا بوصةً أو اثنتَين فقط.
جلس بيتر يراقب هذه الكائنات السماوية الرائعة وهي تخرج من المصاعد وتتجه إلى غرفة الطعام في الخلف. قد ينصدم البعض من رؤية أزيائهم، ولكنها بدت لبيتر، الذي كان يتذكر صورة جبل الأوليمب، مناسبة تمامًا. كل شيء يعتمد على وجهة النظر؛ سواء تخيلت الإناث من الآلهة مكسوات بالملابس من ذقونهن إلى أصابع أقدامهن، ثم يمسكن مقصًّا ويقصُصن جزءًا كبيرًا من ملابسهن، أو تخيلتَهن من دون ما يستر أجسادهن، ويبدأن في لف أثواب من قماشٍ رقيق حول أنفسهن، ويضعن شريطًا فوق كل كتف من أكتافهن لتثبيت الأثواب في مكانها.
توجَّه بيتر إلى مكتب الاستقبال مرتَين للاستفسار عما إذا كان السيد لاكمان قد وصل، ولكنه لم يكن قد وصل بعد؛ وبدأ بيتر — الذي أصبح أكثر جرأة، مثل ثعلب خاطب أسدًا وجهًا لوجه — يتجول في البهو محدِّقًا في تجمعات الآلهة دون رهبة. كان قد لاحظ شرفةً كبيرة تدور حول الجوانب الأربعة لهذا البهو، «المَشْرَف»، كما يُطلق عليها، فقرر أن يرى ما يحدث فيها، وصعد الدرج الرخامي الأبيض المؤدي إليها، ورأى المزيد من صفوف الكراسي والأرائك المصنوعة من المخمل الرمادي الداكن. لا بد أن هذا هو المكان الذي تأتي إليه الإلهات الإناث لتمضية الوقت، وجلس بيتر متواريًا عن الأنظار قدْر الإمكان، وظل يراقب.
كانت تجلس أمامه مباشرةً واحدة من تلك الآلهة تتكئ على أريكةٍ مخملية مادةً ذراعها البيضاء العارية. كانت ذراعًا ضخمة وممتلئة، وكانت صاحبتُها ضخمة وممتلئة، ذات شعرٍ ذهبي فاتح وترتدي الكثير من الجواهر اللامعة. وكانت تنقل بصرها بتكاسُل من مكان إلى مكان. ثم استقر على بيتر للحظات، وعاد مجددًا إلى حالته الأولى، وشعر بيتر بأن هذا كان دليلًا على عدم أهميته.
ومع ذلك، استمر في اختلاس النظرات إليها من حين لآخر، ورأى بعد ذلك مشهدًا مثيرًا للاهتمام. في حِجر هذه الإلهة، كانت تقبع حقيبة مطرزة بالذهب، وفتحتها لتكشف عن مجموعة من الأدوات الغامضة التي بدأت في استخدامها؛ أولًا مرآة صغيرة من الذهب، استعرضت فيها جمالها الأخاذ؛ ثم إسفنجة بيضاء صغيرة استخدمتها ببراعة في التربيت على أنفها ووجنتَيها؛ ثم شيء أشبه بقلم رصاص أحمر بدأت في تلوين شفتَيها به؛ ثم قلم ذهبي اللون مرَّرته بخفة على حاجبَيها. ثم بدا وكأنها اكتشفت شعرةً صغيرة نمت بعدما غادرت غرفة ملابسها. لم يكن بيتر واثقًا مما تفعل، ولكنها كانت تمسِك ملقطًا، وبدا أنها تسحب شيئًا من ذقنها. ثم واصلت عملية تزين طويلة ومعقدة، دون أن تولي أي اهتمام لمن يمرُّون بجوارها.
جال بيتر ببصره أبعد ورأى أنه مثلما يحدث عندما يعطس شخص أو يتثاءب، فيشعر جميع الموجودين في الغرفة بدافع لاإرادي للعطس أو التثاؤب، تذكَّرت جميع إلهات الجمال والخصوبة والشباب الأبدي الموجودات على «المَشْرَف» فجأة مراياهن الصغيرة الذهبية أو الفضية، وإسفنجات مساحيقهن التجميلية، وأقلامهن الحمراء أو الذهبية أو السوداء. وبدأت أكياس الزِّينة الصغيرة تخرج الواحد تلو الآخر، وفكَّر بيتر، الذي كان يحدِّق في دهشة، في أن جبل الأوليمب تحول إلى صالون تجميل.
نهض بيتر مجددًا وتجول مراقبًا الإلهات، الضخمات والضئيلات، العجائز والشابات، السمينات والنحيلات، الجميلات والقبيحات، وبدا له أن أكثرهن سمنة، وشيخوخة، وقبحًا كن يحدقن بتركيز أكبر في المرايا الصغيرة. كان يراقبهن بعينَين جائعتَين لأنه كان يعلم أن وجوده في هذا المكان يعني وجوده وسط الحياة الراقية، الحياة الراقية الحقيقية، أقصى مجد قد يأمل الإنسان في تحقيقه، وكان يريد أن يعرف كل ما يمكن معرفته عنه. فظَل يتجوَّل، بمظهره البريء الواثق، ووجوه الملائكة البيضاء المائتَين والأربعة والعشرين تُطل من السقف لترسل إليه ابتساماتها الهادئة الوديعة، وكان بيتر غافلًا مثلهم تمامًا عن التعقيدات التي أعدها له القدَر فوق هذا المَشْرَف!
كانت فتاة تجلس على إحدى الأرائك الكبيرة وكأنها كائنٌ مضيء من جزر الزمرد، وشعرها بلون الشروق ووجنتاها بلون التفاح. ألقى بيتر نظرةً خاطفة واحدة عليها، وتوقف قلبه عن النبض ثلاث مراتٍ متتالية، ثم لتعويض ما فاته من وقت، بدأ قلبه يقفز كحصان سباق هارب. لم يصدق ما رأته عيناه، لكنهما أصرَّتا على ما تريان؛ فقد كانتا تعرفان جيدًا ما تريان؛ نعم، كانت عيناه قد حدَّقتا لساعاتٍ طوال في هذا الشعر الذي بلون الشروق وهاتَين الوجنتين اللتَين بلون التفاح. كانت تلك الفتاة هي نيل، الخادمة من معبد جيمجامبو!
لم تكن قد نظرت في اتجاه بيتر؛ لذا كان ثمَّة وقت يكفي للتراجع والتواري خلف أحد الأعمدة؛ وهناك وقف يتأملها غير قادر على تصديق عينَيه. لا يمكن أن تكون نيل، ولكنها كانت هي! لقد تغيَّرت نيل وانتقلت للعيش في جبل الأوليمب، لقد تحوَّلت إلى إلهة يحيط بجسدها ثوبٌ رمادي فاتح، وشريط رمادي فاتح فوق كل كتف من كتفَيها لتثبيته في مكانه! كانت نيل مستلقية في راحة تتحدث بحيوية مع شاب له وجه كلب بولدوج وسترة عشاء تشبه تلك التي تظهر في إعلانات المجلات!
ظل بيتر يحدق فيها وينتظر، ولم يتوقف قلبه عن الخفقان بطريقةٍ خاطئة. عرف بيتر خلال تلك الدقائق القليلة المخيفة كيف يكون الحب الحقيقي، إنه أكبر قوة غاشمة على الإطلاق. فقد نسي الصغيرة جيني، ونسي السيدة جيمس، الزوجة المهجورة، وأدرك بيتر أنه لم يُعجب فعليًّا إلا بامرأةٍ واحدة في العالم، وهي نيل، الخادمة الأيرلندية في معبد جيمجامبو. كان الشعراء قد رأَوا صورة رامٍ صغير مشاكس يحمل سهامًا حادة ونافذة مناسبةً لوصف حُب الشباب، وأدرك بيتر في تلك اللحظة ما كانوا يعنون، لقد نفَذ ذلك السهم إلى قلبه، وكان عليه أن يتمسك بالعمود لكيلا يسقط.