القسم التاسع والثلاثون
كان ثمَّة موعدٌ بين بيتر وماكجيفني عند منتصف الليل، وكان عليه الآن أن يذهب إليه ويعترف بهذا الفشل المهين. قال إنه بذل قصارى جهده، وإنه سأل عنه مكتب الاستقبال، وظل ينتظر لفترة طويلة، ولكن لم يُبلغْه موظَّفو الفندق بوصول لاكمان. كان هذا ما حدث حقًّا، ولكنه لم يهدئ من غضب ماكجيفني الذي اكفهَر وجهه غضبًا، وقال: «كان من الممكن أن نحصل منه على عدة آلاف من الدولارات! إنه أكبر سمكة كان يمكن أن تعلق في صنارتنا على الإطلاق.»
سأل بيتر الحزين: «ألن يأتي مرةً أخرى؟»
قال الآخر: «لا. سيمسكون به في مدينته الأصلية.»
سأل بيتر بسذاجة: «ولكن ألن يكون ذلك كافيًا؟»
رد عليه ماكجيفني قائلًا: «أيها الأحمق اللعين! كنا نريد الإمساك به هنا؛ حيث يمكننا أن نحصل على ما لديه من معلومات بأنفسنا.»
لم يكن الرجل ذو وجه الجرذ ينوي أن يخبر بيتر بكل هذا، ولكن في خضم غضبه، أفصح بكل شيء. كان قد خطط واثنان من أصدقائه لأن «يدينوا» هذا الشاب المليونير بشيء، ويُخوِّفوه حتى يفقد عقله، ويُوهِموه بأنه يجب أن يدفع آلافًا كثيرة من الدولارات ليتركوه يمضي في حال سبيله. وكان بيتر سيحصل على حصته من هذه العملية، ولكنه كان أحمق كبيرًا وسمح للطائر بالهروب من شبكته!
اقترح بيتر أن يتبع الشاب إلى مدينته الأصلية ويعثر على طريقة لاجتذابه مرةً أخرى للدخول في نطاق سلطة ماكجيفني. وبعد أن ثار ماكجيفني لبعض الوقت، قرَّر أن هذا الاقتراح قد يكون صائبًا، وقال إنه سيعرض الاقتراح على الآخرين، وسيخبر بيتر بالنتيجة. ولكن للأسف، عندما كان بيتر يقرأ الجريدة المسائية في اليوم التالي، قرأ خبرًا في الصفحة الرئيسية يتحدث عن اعتقال الشاب لاكمان بمجرد خروجه من القطار في مدينته الأصلية في صباح اليوم نفسه، كما دُوهمت مدرسته، وزُج بنصف دُزِّينة من معلميها في السجن، وصُودر طنٌّ من كتب الحُمْر، وكُشف النقاب عن عددٍ كبير للغاية من المؤامرات الخطيرة لزعزعة الأمن القومي!
«حسنًا. قابلني في غرفة الانتظار في متجر جوجنهايم في تمام الثانية بعد الظهر اليوم. ولكني أستحلفك بالله أن تنسى اسم نيل دولين. مع تحياتي، إديث يوستاس.»
ارتدى بيتر أفضل ملابسه، كما فعل أثناء شهر عسله المؤقت مع الزوجة المهجورة، وانطلق قبل الموعد بساعة كاملة. ووصلت نيل، متأنقةً أيضًا، وكانت كل قطعة قماش في الثوب مصممة بحيث تجعل نظرة واحدة تقع عليها تخبر الناظر بأن من يرتديها من أعلى الطبقات الاجتماعية، وأنه لا يهتم بالتكلفة. كانت نيل تنظر خلفها من وقت لآخر أثناء الحديث، وأوضحت أن تيد كروثرز، الرجل ذا وجه البولدوج، لا يُطاق، ومن الصعب التملص منه؛ لأنه لا يوجد ما يفعله طوال اليوم.
لم تكن قاعة الانتظار في متجرٍ شاملٍ هي المكان الذي كان بيتر سيختاره للتعبير عن مكنونات صدره؛ ولكنه كان مضطرًّا للاستفادة منه قدْر الإمكان، فأخبر نيل أنه يحبها، وأنه لن يستطيع أن يحب غيرها أبدًا، وأنه أصبح يملك الكثير من المال الآن، وأنه وصل إلى درجةٍ عالية على سلم الرخاء. لم تسخر نيل منه كما كانت تفعل سابقًا في معبد جيمجامبو؛ لأنه كان من الواضح أن بيتر جادج لم يعُد خادمًا، بل أصبح رجلًا اختبر العالم بطابعٍ غامض مثير. أرادت نيل أن تعرف على الفور ماذا يعمل، فأجاب أنه لا يستطيع إخبارها بذلك؛ فهو سرٌّ على جانبٍ كبير من الخطورة، وأنه أقسم على ألا يخبر أحدًا. كانت تلك الفترة هي فترة الجواسيس الألمان ومؤامرات القنابل، عندما كان الملوك، والقياصرة، والأباطرة، والحكام يُغرقون أمريكا بالكنوز للكثير من الأغراض المبالغ فيها، كما كانت فترة التعاقدات الحكومية والصفقات السرية، عندما كانت الأروقة وأماكن الاجتماعات الخاصة في الفنادق مثل فندق دي سوتو تشهد جمع ثروات وخسارتها طوال الوقت. لذا، كان من السهل على نيل أن تصدق في وجود سرٍّ حقيقي، ولأنها امرأة، فقد كرست كامل قدراتها لمهمة تخمين هذا السر.
لم تطلب مرةً أخرى من بيتر أن يخبرها بالسر، ولكنها تركته يتحدث، ووجهت دفة الحديث بذكاء، ولم تمر فترة طويلة قبل أن تكتشف أن بيتر كان على علاقةٍ وثيقة بعدد كبير من الحُمْر الأشد إحباطًا، كما أنه يعرف كل شيء عن أدق تفاصيل قضية جوبر، وعن كبار المدينة الأمريكية الذين رصدوا مليون دولار لشنق جوبر، وعن الطرق المختلفة التي أُنفق عليها هذا المال وعمليات التلاعب التي جرت لضمان إدانته. ربطت نيل المعلومات التي توصلت إليها معًا، ولم تمُر فترة طويلة قبل أن تتوصل إلى الحقيقة، وواجهت بيتر فجأةً بهذه الحقيقة، وأُلجِم بيتر من فرْط ذهوله، ثم انهار واعترف لنيل بكل شيء، وأخبرها بجميع خططه، وإنجازاته، ومغامراته، ولكنه لم يذكر الصغيرة جيني أو الزوجة المهجورة.
أخبرها عن الأموال التي يجنيها والتي من المتوقع أن يجنيها، كما أخبرها عن لاكمان وعرض على نيل الصحيفة التي تحتوي على صور المليونير الشاب ومدرسته. قالت نيل: «يا له من شاب وسيم! يا للخسارة!»
سألها بيتر متحيرًا: «ماذا تعنين؟» هل يمكن أن تكون نيل متعاطفة مع هؤلاء الحُمْر؟
أجابت: «أعني أن قيمته عندك أكثر من بقيتهم أجمعين.»
كانت نيل امرأة، وكان عقلها يفكر من المنظور العملي للأمور. قالت: «اسمع يا بيتر، لقد سمحتَ لهؤلاء «الأوغاد» بخداعك. إنهم يحصلون على الغنائم، ويعطونك الفتات. إنك بحاجة إلى شخصٍ يعتني بك.»
قفز قلب بيتر بين ضلوعه، وصاح: «هل تفعلين ذلك؟»
قالت الفتاة: «أنا مرتبطة بتيد. سيقطع رقبتي، ورقبتك أيضًا، إن عرف أنني هنا. ولكني سأحاول تحرير نفسي من قبضته، وبعد ذلك ربما أفعل؛ لن أعدك بشيء، ولكني سأفكر في مشكلتك يا بيتر، ولا شك في أني سأحاول مساعدتك حتى لا يتمكن ماكجيفني وجوفي وأولئك الرفاق من خداعك أكثر من ذلك.»
قالت إنها لا بد أن تحصل على بعض الوقت للتفكير في الأمر مليًّا، ولإجراء بعض التحقيقات عن الأشخاص المعنيين؛ على ما يبدو، كانت تعرف بعضهم. وستلتقي بيتر مرةً أخرى في اليوم التالي، وفي مكان أكثر خصوصية من هذا المكان. وذكرت اسم مكان في حديقة المدينة من السهل العثور عليه، ولكنه في الوقت نفسه بعيد بما يكفي لعقد اجتماعٍ هادئ.