القسم الأربعون
كان بيتر قد اكتسب بعض الجرأة بفضل مديح نيل له وما قالته عن أهميته، حتى إنه لم يعُد إلى ماكجيفني ليتلقَّى توبيخه الثاني على قضية لاكمان. كان قد بدأ يفيض به الكيل من توبيخ ماكجيفني له؛ إذا لم يكن ماكجيفني يعجبه ما يفعل بيتر، فليذهب ويتظاهر بأنه أحد الحُمْر لبعض الوقت. ظل بيتر يتجول في الشوارع طوال اليوم وقسمًا من الليل، يفكر في نيل، ويتشوق لأن تنفذ نصف الوعود التي وعدته بها.
التقيا في اليوم التالي في الحديقة. لم يكن أحد يتبعهما، وعثرا على مكانٍ خاص، وسمحت نيل له بتقبيلها عدة مرات، وأثناء القبلات، كشفت له عن خطة مرعبة. كان بيتر يرى أنه يُعَد مدبرًا بارعًا للمكائد، ولكن احترامه لنفسه انهار إلى العدم عندما سمع الفكرة الرائعة التي نضجت في خلال أربع وعشرين ساعة في عقل نيل دولين، المعروفة أيضًا بإديث يوستاس.
كان بيتر يضطلع بالعمل الشاق، وكان هؤلاء الكبار يستغلونه، ويمنحونه إكراميةً من حين لآخر، بينما يجمعون هم ثرواتٍ من المعلومات التي كان يجلبها لهم. لقد كشف ماكجيفني الأمر في قضية لاكمان؛ ولتكن على يقين في أنهم يجنون أموالًا، أموالًا طائلة، من جميع القضايا الأخرى. ما يجب على بيتر فعله هو أن يعمل على قضيةٍ خاصة به، ويجني منها الكثير من المال، ويجعل نفسه واحدًا من الكبار. كان بيتر يعرف الحقائق، وكان يعرف الناس، وشاهد في قضية جوبر تحديدًا كيف تم «تلفيق» التُّهم، وعليه الآن أن يلفق تهمة لأحد من أجل صالحه هو، تهمة تُدر عليه المال. كان من واجبه تخليص البلاد من جميع هؤلاء الحُمْر، ولكن لمَ لا يجني بعض المال أيضًا؟
قضت نيل الليلة بطولها تفكر في الأمر، وتحاول اختيار الشخص المناسب. واستقر تفكيرها على المصرفي العجوز «نيلس» أكيرمان. كان أكيرمان فاحش الثراء؛ فكان يُطلق عليه ملك المال في المدينة الأمريكية. كما أنه كان مسنًّا، وكانت نيل تعرف أنه جبان، وكان طريح الفراش في الوقت الحالي، وعندما يمرض الرجل، فإنه يصبح أكثر جبنًا. ما على بيتر أن يفعله هو أن يكتشف مؤامرة تفجير ضد العجوز «نيلس» أكيرمان. قد يتحدث بيتر عن الفكرة مع بعض الحُمْر الذين يعرفهم ويجعلهم يهتمون، أو قد يلفق بعض الرسائل ليُعثَر عليها معهم ويخفي بعض الديناميت في غرفهم. وعندما تُكتشَف المؤامرة، ستحدث ضجة كبيرة، ولا شك في أن الملك سيسمع بها، وبالدور الذي لعبه بيتر في اكتشافها، ومن المؤكد أنه سيكافئ بيتر على ذلك. وربما يرتب بيتر الأمور بحيث يصبح عميلًا سريًّا لحماية الملك من الحُمْر. وبذلك، يجمع بيتر أموالًا طائلة، بل وقد يُوَظِّف جوفي وماكجيفني ليعملوا تحت إمرته، بدلًا من توظيفهم هم له.
لو أن بيتر كان وحده، فهل كان سيجرؤ على التفكير في فكرة خطيرة كهذه؟ أم كان سيظل «رعديدًا»؛ شخصًا جبانًا، ضحية خوفه وغروره؟ على أي حال، لم يكن بيتر وحيدًا؛ كانت معه نيل، وكان من الضروري أن يظهر أمام نيل كشخصٍ جريء ومقدام. ومثلما كان الحال في أيام المعبد الخوالي، كان من الضروري أن يجمع بيتر الكثير من المال لكي يبعد نيل عن جميع الرجال الآخرين. لذا، قال بيتر حسنًا، سيُنفِّذ هذه الخطة، وبدأ يناقش نيل حول الشخصيات المختلفة التي يمكنه استغلالها.
كان الخيار الأكثر احتمالًا هو بات ماكورميك. فقد كان «ماك»، بوجهه القاسي وعاداته الغامضة الخفية، مناسبًا تمامًا لتصور بيتر لمفجر الديناميت. هذا بالإضافة إلى أن «ماك» كان عدو بيتر الشخصي. كان «ماك» قد عاد للتو من رحلته التنظيمية في حقول النفط وكان يسيء لبيتر ويثير الشائعات حوله في مختلف الجماعات الراديكالية. كان «ماك» هو الأحمر الأكثر خطورة بينهم جميعًا! ولا بد أن يكون أحد المفجرين!
كان الخيار المحتمل الآخر هو جو أنجيل، الذي التقاه بيتر أخيرًا في أحد تجمعات «رابطة أدا روث المناهضة للتجنيد الإجباري». كان الناس يتمازحون حول اسم هذا الشاب فقد كان اسمًا على مُسمًّى من ناحية مظهره؛ فاسْم «أنجيل» يعني ملاكًا، وكان يبدو كذلك بعينَيه الزرقاوَين الفاتحتَين اللتَين كانتا تبدوان وكأنهما هبطتا من السماء، وشعره الذهبي اللامع، وحتى الغمازتَين الصغيرتَين في وجنتيه. ولكن عندما كان جو يفتح فمه، كنت تكتشف أنه ملاك من الطبقة الدنيا. فقد كان الأكثر جرأة وتحديًا من بين جميع الحُمْر الذين قابلهم بيتر حتى الآن. كان قد سخر من أدا روث وموقفها الأدبي العاطفي تجاه موضوع التجنيد الإجباري. فلم يكن نظم القصائد وتمرير القرارات يفيدان القضية، ولم يكن حتى رفض الرجال ارتداء الزي العسكري مفيدًا للقضية، بل ما سيفيدها هو قبول الرجال للبنادق التي تُقدم لهم، ثم يدربون أنفسهم على استخدامها، ثم يوجهون بنادقهم نحو الاتجاه الآخر عندما يحين الوقت المناسب. كان التحريض والتنظيم مقبولَين في موضعهما المناسب، ولكن عندما تتجرأ الحكومة على تحدي العمال وإجبارهم على الانضمام إلى الجيش، ستحتاج الحركة الراديكالية إلى الرجال العمليين.
كان جو أنجيل قد ذهب إلى منطقة الحطابين وكان يعرف مزاج العمال الحقيقيين، أولئك الرجال «الأقوياء» من الغابات. لم يكن هؤلاء الرجال يتكلمون كثيرًا، وكانوا قد كونوا لجانًا سرية مستعدة للسيطرة على الأمور بمجرد إخراج الرأسماليين وحكوماتهم من الصورة. وفي الوقت نفسه، إذا تصرف مأمور أو مدَّعٍ عام بطريقة غير لائقة، فإنهم «سيتخلصون منه». كانت هذه هي العبارة المفضلة لدى «أنجيل ذي العينَين الزرقاوَين». فقد كان يستخدمها كل نصف ساعة تقريبًا بينما يحكي عن مغامراته. كان يقول: «نعم، أصبح يتصرف بطريقة غير لائقة، ولكننا تخلصنا منه دون مشكلات.»