القسم الثالث والأربعون

أصبحت الخطة الآن مكتملة باستثناء جلب ماكورميك إلى الاجتماع في صباح اليوم التالي. كانت نيل قد أعدَّت خطابًا مستعجلًا موجَّهًا إلى منزل ماكورميك سيُرسل عبْر مكتب البريد. وحدَّدت موعد تسليمه في نحو السابعة صباحًا، وبداخله رسالة مكتوبة بالآلة الكاتبة كان نصها كالآتي:

«ماك: تعالَ إلى الغرفة ١٧ من الاستوديوهات في الثامنة صباحًا. الأمر مهمٌّ للغاية. أصبحت خطَّتنا جاهزة الآن، لقد أنجزت الجزء الذي كُلفت به. جو.»

كانت نيل ترى أن ماكورميك سيظن أن أنجيل هو من أرسل هذه الرسالة. إنه لن يعرف ما الأمر الذي تتحدث عنه الرسالة، ولكن هذا سيجعله أكثر حرصًا على الحضور لاكتشافه. الخطوة الجوهرية هي أن يُداهم المحقِّقون المكانَ لحظة اجتماع المتآمرين معًا؛ لأنهم بمجرد أن يقارنوا الرسائل التي وصلتهم سيرتابون في الأمر وقد يتفرقون على الفور. يجب أن يكون رجال ماكجيفني جاهزين، ويجب أن يُبلغَ بذلك قبل فترة تكفي لتجهيزهم.

ولكن كانت ثمَّة عقبةٌ كبيرة؛ إذا توفَّر لماكجيفني وقتٌ كافٍ، فسيطلب التحدث إلى بيتر، وكانت نيل واثقةً من أن بيتر لن يتحمل أن يخضع لاستجوابٍ تفصيلي على يد ماكجيفني. بالطبع وافقَها بيتر على هذه الخطة؛ وكاد قلبه أن يتوقف لمجرد التفكير في مثل هذه المِحنة. ما كان بيتر يريده حقًّا هو الانسحاب من الأمر برُمَّته على الفور، ولكنه لم يجرؤ على قول ذلك، لم يجرؤ على مواجهة الاحتقار الشديد الذي ستَصُبُّه عليه شريكته. شبَّك بيتر يدَيه وجزَّ على أسنانه، وعندما سقطت إنارة الشارع على وجهه، أشاح به بعيدًا حتى لا ترى نيل الرعب المهين البادي عليه. ولكن نيل رأته على أي حال، وفكَّرت في أنها تتعامل مع جبانٍ رعديد ممتقَع الوجه، وبدأت العمل على هذا الأساس، فخطَّطت للأمر، وكلَّفت بيتر بمهام، ولازمته لتتأكد من أنه نفَّذها.

كان مع بيتر رقم هاتف منزل ماكجيفني، والذي كان من المفتَرض ألا يستخدمه إلا في أقصى الحالات الطارئة. وكان عليه أن يستخدمه الآن ليخبر ماكجيفني بأنه قد كشف للتو مؤامرةً دبَّرها بعض أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي، تحت قيادة بات ماكورميك، وهم يستعدون حاليًّا لتفجير بعض الأشخاص بقنابل الديناميت. كانت معهم بعض القنابل في حقيبة ملابس في مقرهم، وهم يهمُّون بالخروج واضعين قنابلَ أخرى في جيوبهم. وعلى بيتر أن يتبعَهم وإلا فسيفقد أثرهم، وقد تُرتَكَب جريمةٌ قبل أن يتمكَّن من التدخُّل لمنعها. وعلى ماكجيفني أن يأمر عملاءه بتجهيز سياراتهم ليهجُموا على أي مكانٍ يحدِّده بيتر. سيتبع بيتر المتآمرين، وسيتصل بماكجيفني مرةً أخرى عند أول فرصةٍ سانحة.

أصرَّت نيل بشدة على أن يتصل بيتر بماكجيفني في اللحظة الأخيرة، وألا يكون ثمَّة وقتٌ لطرح الأسئلة، وألا يجيب عن أي أسئلة تُطرح عليه. يجب أن يتظاهر بأنه في حالة من الهياج والإثارة، وكان بيتر واثقًا من أنه لن يكون في حاجة إلى التظاهر! تدرَّب مع نيل على كل كلمة سيقولها، وكيف سيقطع المكالمة وينهيها. ثم دخل إلى صيدليةٍ تعمل طوال الليل تقع على مرمَى حجَر من المقر، ومن كشك هاتف داخل الصيدلية، اتصل بمنزل ماكجيفني.

كان ماكجيفني يسكن في شقة، ومَر بعض الوقت قبل أن سمع بيتر صوت رئيسه في العمل المتذمر الناعس. ولكن جعلَه بيتر يُفيق سريعًا بأن قال: «سيد ماكجيفني، هناك مؤامرة لتفجير قنابل ديناميت!»

«ماذا …؟»

«أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي معهم قنابل في حقيبة! وهم على وشك تفجير شخصٍ ما الليلة.»

«يا إلهي! ماذا تعني؟ من تحديدًا؟»

«لا أعرف بعدُ. لقد سمعتُ جزءًا من المؤامرة فحسب، ويجب أن أذهب. بدءوا يتحركون، ويجب أن أتبعَهم. قد أفقد أثرهم، وحينئذٍ سيكون الوقت قد فات. هل تسمعُني، يجب أن أتبعَهم!»

«أسمعك. ماذا تريد مني أن أفعل؟»

«سأتصل بك مرةً أخرى عند أول فرصةٍ سانحة. جهِّز رجالك، عشرة رجال! جهِّز سيارات حتى تتمكَّن من الحضور سريعًا. هل تفهمني؟»

«نعم، ولكن …»

«لا أستطيع التحدُّث أكثر من ذلك، قد أفقد أثرهم، لا يمكنني إضاعة ثانيةٍ واحدة! ابقَ بجوار الهاتف واجعَل رجالك مستعدين؛ جهِّز كل شيء. هل تفهمُني؟»

«نعم، ولكن اسمع يا رجل! هل أنت واثق من أنكَ لستَ مخطئًا؟»

صاح بيتر، وصوتُه يرتفع من فرْط الانفعال، وقال: «نعم، نعم، أنا واثق! أقول لك إن معهم قنابل ديناميت … الكثير منها! إنه رجلٌ يدعى نيلس.»

«نيلس ماذا؟»

«الرجل الذي سيقتلونه. يجب أن أذهب الآن، كن جاهزًا. وداعًا!» أنهى بيتر المكالمة. جعله الدَّور الذي كان يؤديه ينفعل بشدة لدرجة أنه خرج من الصيدلية قفزًا، كما لو كان يجدُر به حقًّا أن يلحق ببعض المتآمرين من اتحاد العمال الصناعيين العالمي الذين يحملون قنبلة ديناميت!

ولكن كانت نيل تنتظره، وسارا معًا في الشارع مجددًا حتى وصلا إلى منتزه صغير، وجلسا على إحدى الأرائك؛ لأن ساقَي بيتر لم تعودا قادرتَين على حمله. تجوَّلت نيل في المتنزَّه لتتأكد من أن أحدًا لا يجلس على أيٍّ من الأرائك الأخرى المحيطة بهما، ثم عادت وراجعت المشهد التالي مع بيتر. يجب أن يراجعا ذلك المشهد بعنايةٍ شديدة لأنه سرعان ما سيحين الوقت الذي لن تكون فيه نيل مع بيتر لتدريبه، ويجب أن يكون مستعدًّا للاعتماد على نفسه. كان بيتر يعرف ذلك، ولم تستطع ساقاه حمله. كان يريد أن يتراجع ويعلن أنه لا يستطيع المضي قُدمًا في تنفيذ الخطة، وكان يريد الذهاب إلى ماكجيفني والاعتراف بكل شيء. شعرت نيل بما يدور في نفسه وأرادت أن توفِّر عليه الإذلال الذي سيتعرض له إذا ما كُشفت الخطة، فجلست بجواره على الأريكة ووضعت يدها على يده بينما تتحدث إليه، وبعد قليل شعر بيتر برعشةٍ سحرية تتملكه. فتجرَّأ على إحاطة نيل بذراعَيه ليرتشف المزيد من هذا الشعور اللذيذ؛ وسمحت نيل بهذا العناق، بل شجَّعته على ذلك للمرة الأولى على الإطلاق. كان بيتر بطلًا الآن، وكان يُقدِم على مغامرة جريئة ومستميتة، وكان سيُتِمُّها كرجلٍ حقيقي ويفوز بإعجاب نيل الحقيقي. صاحت نيل قائلة: «بلادنا في حالة حرب! وهؤلاء الشياطين يحاولون إيقافها!»

سرعان ما كان بيتر جاهزًا لمواجهة العالم بأَسْره؛ كان على استعداد لأن يذهب بنفسه إلى ملِك المدينة الأمريكية ويُفجِّره بقنبلة ديناميت! ظل على تلك الحالة حتى ساعات الصباح الأولى، جالسًا على الأريكة معانقًا فتاته بين ذراعَيه، متمنيًا لو زادت من الوقت المكرَّس للاهتمام بحبه لها، وقلَّلت من الوقت المكرَّس للتدرب على الدور الذي يؤديه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤