القسم السادس والأربعون

جرَّ رجال الشرطة بيتر إلى الشارع عبْر تجمهُر من سكان المنطقة، وألقَوه داخل إحدى السيارات، وانطلَقوا به إلى مخفر الشرطة حيث سجَّلوه على النحو المناسب ووضعوه في زنزانة. شعر بيتر بالقلق على الفور لأنه لم يكن قد اتفق مع هاميت على الفترة التي سيقضيها في السجن. ولكن أتى أحد السجَّانين قبل أن يكمل عقرب الساعات دورةً واحدة وأخذه إلى غرفةٍ خاصة حيث وجد نفسه في مواجهة ماكجيفني وهاميت، بالإضافة إلى مأمور شرطة المدينة، وأحد نواب المدعي العام، وأخيرًا الشخص الأهم وسط المجموعة، جوفي. فقد كان رئيس المحققين في شركة تراكشن تراست المسئول عن بيتر.

قال جوفي: «جادج، ما تلك العملية التي فرضتَها علينا؟»

صدم السؤال بيتر وكأنه لكمة في وجهه. وسقط قلبه بين قدمَيه، وفغَر فاه في ذهول، وبدا كالأبله. يا إله الكون!

ولكنه تذكَّر آخر كلمات نيل: «اصمد، يا بيتر، اصمد!» فصرخ قائلًا: «ماذا تعني، يا سيد جوفي؟»

قال جوفي: «اجلس على ذلك الكرسي هناك. والآن، أخبرنا بما تعرفه عن هذا الأمر برمته. ابدأ من البداية وأخبرنا بكل شيء، كل كلمة.» بدأ بيتر يقُص ما حدث. كان في اجتماع في مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي في الليلة الماضية. ودار نقاشٌ طويل حول عدم إقدام المنظمة على فعل شيء، وما يمكن فعله لمناهضة التجنيد الإجباري. ذكَر بيتر بالتفصيل الجدل الذي دار، ومناقشة اللجوء للعنف، واستخدام الديناميت والقتل، وذِكْر نيلس أكيرمان ورجال الأعمال الآخرين الذين يجب التخلُّص منهم. أسهَب بيتر في وصف هذه التفاصيل وبالَغ فيها كثيرًا؛ كان هذا هو الموضع الوحيد الذي كانت نيل قد قالت إن المبالغة فيه لن تضُره.

ثم قال إنه لاحظ بعد انتهاء الاجتماع أن عدة رجال كانوا يتهامسون فيما بينهم، فتظاهر بأنه يأخذ كتابًا من رف المكتبة، واقترب من جو أنجيل وجيري رود، وسمع كلماتٍ متفرقة وجُملًا مبتورة، «ديناميت»، «حقيبة في الخزانة»، «نيلس»، وأشياء من هذا القبيل. وعندما خرجت المجموعة، لاحظ أن جيوب أنجيل منتفخة، ففكَّر في أنه يضع فيها قنابل، وأنهم كانوا على وشك تنفيذ عمليةٍ ما. فهُرع إلى الصيدلية واتصل بماكجيفني. استغرق الوصول إلى ماكجيفني فترةً طويلة، وعندما أبلغ رسالته وخرج إلى الشارع مجددًا، كانت المجموعة قد اختفت عن الأنظار. كان بيتر يائسًا، وكان يشعُر بالخجل من مواجهة ماكجيفني، فظل يتجوَّل في الشوارع لساعاتٍ بحثًا عن المجموعة. وأمضى بقية الليلة في المنتزه. ولكنه اكتشف في الصباح قصاصة الورق تلك في جيبه، وأدرك أن شخصًا ما دسَّها له في جيبه ويريد منه أن يشارك في المؤامرة، فأبلغ ماكجيفني بالأمر، وهذا كل ما يعرفه.

بدأ ماكجيفني في استجوابه. بما أنه قد سمع جو أنجيل يتحدث إلى جيري رود، هل سمعه يتحدث إلى أي أحدٍ آخر؟ هل سمع الحديث الدائر بين أيٍّ من الآخرين؟ ما الذي سمع جو أنجيل يقوله بالضبط؟ يجب على بيتر أن يعيد كل كلمة من جديد. وكما أوصته نيل، تذكَّر جملةً أخرى، وردد على أسماعهم هذه الجملة: «وضعها ماك في «قط التخ». ورأى الآخرين يتبادلون النظرات فيما بينهم، ثم قال: «هذا ما سمعتُه بالضبط، تلك الكلمات فقط. ولم أدرِ ماذا تعني!»

قال رئيس الشرطة الذي كان رجلًا ضخم الجثة ذا شاربٍ بني ويضع قطعةً من التبغ في جانب فمه: «قط التخ؟ هذا يعني «التخريب»، أليس كذلك؟»

قال الرجل ذو وجه الجرذ: «نعم.»

سأل جوفي بيتر: «هل لديك أي معلومات من المكتب تتعلق بالتخريب؟»

فكَّر بيتر. ثم قال: «لا، ليس لديَّ.»

تحدثوا فيما بينهم لبضع دقائق. ثم قال الرئيس إنهم أخرجوا كل متعلقات ماكورميك من غرفته وقد يعثرون فيها على بعض الأدلة لحل ذلك اللغز. اتجه جوفي نحو الهاتف وطلَب رقمًا يعرفه بيتر جيدًا، رقم مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي، وقال: «هل هذا أنت، يا أل؟ نريد أن نعرف إذا ما كان هناك أي شيء في تلك الغرف يتعلق بالتخريب. هل عثرتم على شيء — أجهزة أو صور، أو كتابات — أي شيء؟» جاء الرد بالنفي بالطبع؛ لأن جوفي قال: «استمر في عملك، زِد من البحث، وإذا عثَرتَ على شيء، فاتصل بي في مكتب الرئيس بسرعة، فقد يمنحنا دليلًا نحتاج إليه.»

وضع جوفي سماعة الهاتف، ثم التفت نحو بيتر، وقال: «والآن يا جادج، هذه هي قصتك كاملة، أليس كذلك؟ هل هذا كل ما تريد إخبارنا به؟»

«نعم، يا سيدي.»

«حسنًا، عليك أن تُوقِف هذا الهراء على الفور. إننا نعلم أنك دبَّرت المكيدة برمتها، ولن نسمح لك بخداعنا.»

حدَّق بيتر في وجه جوفي، عاجزًا عن الكلام، وخطا جوفي خطوتَين مقتربًا من بيتر، وحاجباه يجتمعان في تكشيرةٍ مريعة، وقبضتاه مضمومتان. انقلبت معدة بيتر رعبًا عندما تذكَّر ما حدَث له بعد حادث التفجير في يوم الاستعداد الوطني. هل سيتعرض لمثل ما تعرض له مرةً أخرى؟

استطرد رئيس المحققين في حديثه قائلًا: «سنكشف جميع الأوراق الآن يا جادج. لقد أخبرتنا بجميع هذه الأمور عن أنجيل — حديثه مع جيري رود، وجيوبه الممتلئة بالقنابل وكل الأمور الأخرى — وهو ينكر كل كلمة منها.»

صاح بيتر: «ولكن، ﻳ… ﻳ… يا إلهي! سيد جوفي. بالطبع سينكرها!» لم يستطع بيتر تصديق ما سمع؛ أنهم يأخذون إنكار مُفَجِّر بجدية، بل ويُخبرونه بذلك!

رد عليه جوفي قائلًا: «هذا صحيح، يا جادج، ولكن قد يكون من الأفضل أن تعرف الحقيقة الآن بدلًا من لاحقًا؛ أنجيل أحد رجالنا، وهو يعمل متخفيًا بين «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» منذ العام الماضي.»

مادت الأرض ببيتر، وغاص رأسًا على عقب، لأسفل، حتى وصَل إلى أعمق نقطة من الرعب واليأس اللانهائيَّين. كان جو أنجيل عميلًا سريًّا مثله! الملاك ذو العينَين الزرقاوَين، الذي تحدث عن التفجير بالديناميت والاغتيالات في مئات التجمُّعات الراديكالية، الذي أذهل الثوار الأكثر جرأة بكلماته المتهورة؛ أنجيل جاسوس، وكان بيتر قد دبر «مؤامرة» لإدانته!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤