القسم السابع والأربعون
كان كل شيء قد انتهى بالنسبة إلى بيتر. سيعود إلى الحفرة! سيتعرض للتعذيب بقية حياته! كانت ترِن في أذنَيه صرخات عشرة آلاف روحٍ ضائعة ونغمات عشرة آلاف بوق من أبواق الجحيم، ولكن في خِضَم كل هذه الضوضاء والفوضى، بطريقةٍ ما سمع بيتر صوت نيل يهمس مرارًا وتكرارًا: «ابقَ مُصِرًّا على قصتك، يا بيتر، ابقَ مُصِرًّا عليها!»
بسط بيتر يدَيه وتحرك نحو الرجل الذي أشار إليه بأصابع الاتهام، وقال «يا سيد جوفي، لا أعرف شيئًا عنه سوى ما أخبرتكم به، والله على ما أقول شهيد. هذا ما حدث، وإذا أخبركم جو أنجيل بغير ذلك، فهو كاذب.»
«ولكن لماذا يكذب؟»
«لا أعرف، لا أعرف شيئًا عن ذلك!»
في هذه اللحظة، كان بيتر يحصد ثمار تدرُّبه طوال حياته ليكون متآمرًا. رغم كل ما كان يشعُر به بيتر من خوف ويأس، لم يتوقف عقله الباطن عن العمل، وظل يفكِّر في مؤامرات، فقال: «ربما كان أنجيل يدبِّر شيئًا ضدكم! ربما كان يضع خطةً خاصة به، وأتيتُ أنا وأفسدتُها، ربما كشفتُ مؤامرته مبكرًا جدًّا. لكني أقول لكم إن ما أخبرتُكم به حقيقي.» ومنح الارتياع الشديد بيتر القوة للتحقُّق من مدى ثقة جوفي فيما يقول. فبينما كان يقترب منه، استطاع بيتر أن يقرأ في عينَي المحقق أنه ليس واثقًا حقًّا كما قال بالكلمات.
سأل المحقق: «هل رأيتَ هذه الحقيبة من قبل؟»
أجابه بيتر: «لا، لم أرَ أي حقيبة! لا أعرف أصلًا بوجود حقيبة. كل ما أعرفه هو أنني سمعتُ جو أنجيل يقول «حقيبة»، وسمعته يقول «ديناميت».»
«هل رأيتَ أي شخص يكتب شيئًا في المكان؟»
قال بيتر: «لا، لم أرَ أحدًا يكتب شيئًا، لكني رأيتُ هندرسون جالسًا على الطاولة يعمل على بعض الأوراق التي أخرجها من جيبه، ورأيته يمزِّق شيئًا ويُلقيه في سلة المهملات.» رأى بيتر الآخرين يتبادلون نظراتٍ ذات مغزًى، فأدرك أنه بدأ يحرز تقدمًا.
بعد لحظة حدث تشتيت ساعد في إنقاذه. رنَّ جرس الهاتف، فردَّ مأمور الشرطة وأومأ لجوفي الذي تحرك نحوه وأمسك سماعة الهاتف، وصاح بحماسة: «كتاب؟ مخطَّط من أي نوع؟ حسنًا، فلتخبر أحد رجالك بأن يأخذ السيارة ويحضر ذلك الكتاب والمخطَّط إلينا هنا في مكتب المأمور في أسرع وقتٍ ممكن، ولا تُضِع لحظةً واحدة؛ فقد يعتمد كل شيء على ذلك.»
ثم التفت جوفي لينظر إلى الآخرين. وقال: «يقول إنهم وجدوا كتابًا عن التخريب في المكتبة، وفيه مخطَّط لمنزلٍ ما. اسم ماكورميك مُدوَّن على الكتاب.»
ظهر التعجُّب على وجوه الجميع، وحصل بيتر على وقتٍ كافٍ ليفكِّر قبل أن تلتفت إليه المجموعة مجددًا. ثم استجوبه مأمور الشرطة، واستجوبه نائب المدعي العام، ولكنه ظل مُصِرًّا على قصته، ثم صاح قائلًا: «يا إلهي! هل تظنون أنني يمكن أن أفقد عقلي لدرجة تلفيق تهمة مثل هذه؟ من أين حصلتُ على كل هذه الأشياء؟ من أين حصلتُ على الديناميت؟» كاد بيتر يعَض لسانه حتى يقطعه عندما أدرك الزلة الفظيعة التي وقع فيها. لم يكن أحدٌ قد أخبره بأن الحقيبة تحتوي على ديناميت! كيف عرف إذن أنها كانت تحتوي على ديناميت؟ بدأ يحاول يائسًا أن يفكِّر في طريقة سمع تلك المعلومة بواسطتها، ولكن، لحسن الحظ، لم يلحظ أيٌّ من الرجال الخمسة ذلك. كانوا جميعًا يعرفون أن ثمَّة ديناميتًا في الحقيبة؛ كانوا واثقين تمامًا من ذلك، وأغفَلوا تمامًا حقيقة أنه ليس من المفتَرض أن يعرف بيتر ذلك. يمكن للمرء أن يقترب بشدة من حافة الهلاك ومع ذلك ينجو!
سارع بيتر بتحويل دفة الحديث بعيدًا عن تلك النقطة الشائكة، فقال: «هل ينكر جو أنجيل أنه كان يهمس لجيري رود؟»
قال جوفي: «إنه لا يذكُر أنه فعل، ربما تحدَّث معه على انفراد، ولكن ليس بخصوص أمرٍ سري، لم تكن هناك أي مؤامرة.»
«هل ينكر أنه تحدَّث عن الديناميت؟»
«ربما تحدَّثوا عنه في نقاشٍ عام، ولكنه لم يهمس سرًّا بأي شيء.»
صرخ بيتر الذي تفتَّقت قريحته الألمعية عن سبيل للهرب: «لكنني سمعتُه! أنا واثقٌ مما سمعت! كان ذلك قبل أن يهمُّوا بالانصراف، بعدما أطفأ أحدهم الأنوار. كان يقف موليًا ظهره لي، بينما كنتُ في طريقي إلى رف الكتب خلفه.»
في تلك اللحظة، تدخَّل نائب المدعي العام. كان شابًّا أكثر عُرضةً للخداع من الآخرين، وسأل بيتر: «هل أنت واثقٌ من أنه كان جو أنجيل؟»
قال بيتر: «يا إلهي! بالطبع، كان هو! لا يمكن أن أُخطئ في ذلك.» لكنه ترك صوتَه يخفت، وسمح لنبرة تدل على الحَيرة تظهر فيه.
«لقد قلتَ إنه كان يهمس، أليس كذلك؟»
«نعم، كان يهمس.»
«ولكن، أليس من الممكن أن يكون شخصًا آخر؟»
قال بيتر: «عجبًا، لا أدري ما يجدُر بي قوله. كنت واثقًا من أنه جو أنجيل؛ ولكني أدرتُ ظهري لأتحدث إلى جرادي، السكرتير، ثم استدرتُ وسرتُ نحو رف الكتب.»
«كم عدد الرجال الذين كانوا في الغرفة؟»
«حوالي عشرين، على ما أظن.»
«هل أُطفئت الأنوار قبل أن تُعطيَه ظهرك، أم بعد ذلك؟»
قال بيتر: «لا أتذكَّر ذلك؛ ربما بعد ذلك.» ثم صرخ بيتر المرتبك المسكين فجأة قائلًا: «يجعلني ذلك أشعر وكأني أحمق. لا شك في أنه كان يجدُر بي أن أتحدث إلى الرجل وأتأكد من كونه جو أنجيل قبل أن أُعطيَه ظهري مجددًا، لكنني كنتُ متأكدًا أنه هو. لم تخطُر ببالي احتمالية أن يكون شخصًا آخر.»
«ولكنك واثقٌ من أن جيري رود هو من كان يتحدث إليه، أليس كذلك؟»
«أجل، كان جيري رود؛ لأن وجهه كان في مواجهتي.»
«هل كان رود أم الرجل الآخر الذي أجاب بعبارة «قط التخ»؟» أربك هذا السؤال بيتر وورَّطه، ما جعلهم يُخضِعونه لعملية استجواب طويلة، جاء محقِّق في منتصفها يحمل كتابًا عن التخريب مع اسم ماكورميك مدونًا في صفحته الأولى، ومخطَّطًا لمنزلٍ ما بين صفحاته.
التفُّوا جميعهم حول مخطَّط المنزل ليُلقوا نظرة عليه، وخطرت لعدد منهم الفكرة نفسها؛ هل يمكن أن يكون هذا مخطَّطًا لمنزل نيلس أكيرمان؟ استدار مأمور الشرطة نحو هاتفه واتصل بسكرتير المصرفي الكبير. وطلب منه أن يتفضل بوصف منزل السيد أكيرمان، واستمع المأمور إلى الوصف، وهو يقول: «هناك علامة صليب مرسومة على هذا المخطَّط عند الجانب الشمالي من المنزل، ناحية الغرب قليلًا من وسط المنزل. إلامَ يمكن أن يشير ذلك؟» ثم قال: «يا إلهي!» وعاد يقول: «هل يمكنك أن تأتي إلى مكتبي على الفَور وتُحضر معك المخطَّط الذي رسمه المهندس المعماري للمنزل حتى يُمكننا المقارنة بين المخطَّطَين؟» ألتفت المأمور نحو الآخرين، وقال: «تشير علامة الصليب إلى شرفة غرفة نوم السيد أكيرمان في الطابق الثاني!»
ومن ثَم، نسوا شكوكهم حول بيتر لفترة قصيرة. فقد كان تتبُّع تفاصيل المؤامرة وتجميعها مثل تجميعِ قطعِ أحجية. وبدَوا جميعهم واثقين من أن هذا الرجل الصغير التافه الذي كانوا يستجوبونه لا يمكن أن يُعد مؤامرةً ذكية ومعقَّدة مثل تلك. لا، لا بد من وجود عقلٍ مدبر، متآمر شيطاني يعمل على نشر دمارٍ هائل في المدينة الأمريكية!