القسم الثامن والأربعون

صرفوا بيتر مؤقتًا، وأرسلوه إلى زنزانته. بقي هناك لمدة يومَين دون أن يُخبرَه أحد بما يحدث، أو بما سيئول إليه مصيره. لم يسمحوا بدخول الجرائد إلى السجن، لكنهم تركوا لبيتر ما كان معه من مال؛ ومن ثَم، نجح في اليوم الثاني في رشوة أحد حُراسه الذي أحضر له نسخة من جريدة «تايمز» المدينة الأمريكية التي نشرت جميع تفاصيل الأحداث المثيرة على صفحتها الأولى.

ظلت جريدة «تايمز»، على مدار ثلاثين عامًا، تدعَم القانون والنظام ضد جميع القوى الحمراء الداعية للفوضى والثورة؛ ظلت جريدة «تايمز»، على مدار ثلاثين عامًا، تعلن أن قادة العمال، والمفوضين الجائلين، والاشتراكيين، والفوضويين، يملكون التوجُّه نفسه، وأنهم جميعًا يعتمدون في الأساس على أداةٍ واحدة، قنبلة الديناميت. وأخيرًا، تأكَّدت مصداقية جريدة «تايمز» في ذلك اليوم، كان هذا اليوم أعظم يوم في تاريخ جريدة «تايمز»! لقد استغلوا الحدث أفضل استغلال، فلم ينشُروا الخبر على الصفحة الأولى فحسب، بل في صفحتَين أخريَين أيضًا، مصحوبًا بصور لجميع المتآمرين البارزين، بما في ذلك بيتر، وصور لمقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي، والحقيبة، وأعواد الديناميت والفتيل والساعة، وكذلك «الاستوديو» الذي قُبض فيه على الحُمْر، وصورة لنيكيتين، الفوضوي الروسي الذي يملك هذا الوكر. كما نشرت أعمدة مليئة بالتكهُّنات بشأن القضية، وبيانات موقعة ومقابلات مع رجال دين ومصرفيين بارزين، رئيس غرفة التجارة وأمين بورصة العقارات. ونشرت أيضًا مقالًا رئيسيًّا مكونًا من عمودَين، يشير إلى أن جريدة «تايمز» ظلت تخبر الناس بذلك طوال ثلاثين عامًا، وأنها من ربَط هذه القضية بقضية جوبر، وقضية لاكمان، وقضية رجال الدين الثلاثة المناهضين للحرب الذين اعتُقلوا قبل عدة أيام لمحاولتهم قراءة عظة الجبل في اجتماعٍ عام.

وكان بيتر يعلم أنه هو، بيتر جادج، مَن تسبَّب في كل هذا! كانت جميع قوى القانون والنظام مدينة بكل شيء لعميلٍ سري غامض متواضع! لن يحصل بيتر على أي تقدير، بالطبع؛ فمأمور الشرطة والمدَّعي العام كانوا يُصدرون البيانات الرسمية، وينسبون الشرف لأنفسهم، ودون أي تلميح بأنهم مدينون بأي شيء لقسم الخدمة السرية لشركة تراكشن تراست. كان ذلك ضروريًّا، بالطبع؛ فمن أجل الحفاظ على المظاهر، كان يجب التظاهر بأن السلطات العامة هي مَن نفَّذت العملية برُمَّتها، وأنها قد أدَّت وظيفتها القانونية بشكلٍ رسمي ومناسب. ولا يجب بأي حالٍ من الأحوال أن يعرف المواطنون أن هذه الأنشطة مموَّلة وموجَّهة من قِبل الشركات التجارية الكُبرى في المدينة. ولكن هذا لم يمنَع بيتر من الشعور بالضيق! كان، ماكجيفني، وبقية رجال جوفي ناقمين على المسئولين الحكوميين؛ فقد كانوا يعتبرونهم «جبناء»؛ كان يتوفَّر للمسئولين قدْرٌ قليل جدًّا من المال لينفقوه، وقدْرٌ محدود للغاية من السلطة. إذا كنتَ تريد أن تحقق أي شيء في أمريكا فعليًّا، فلا تلجأ إلى أي مسئولٍ حكومي، بل تلجأ إلى كبار رجال الأعمال الذين يملكون «الإمكانات»، واعتادوا على تحقيق الأمور بسرعة وكفاءة. وكان ذلك ينطبق على الجاسوسية مثلما ينطبق على كل شيءٍ آخر.

بين الحين والآخر، كان بيتر يدرك مدى قربه من الهلاك التام. وكانت تنتابه نوباتٌ من الرعب يتخيل نفسه فيها حبيسًا في الحفرة، وجوفي يُعذِّبه ليستخرج الحقيقة منه. ولكنه كان قادرًا على تهدئة هذه المخاوف. كان متأكدًا أن مؤامرة الديناميت هذه ستمثل إغراءً كبيرًا للغاية للسلطات، وسيُشاركون فيها رغم أنفهم. سيُضطرون إلى مجاراتها، وسيُضطرون إلى مناصرة بيتر.

وبالفعل، في مساء اليوم الثاني، جاء سجَّان وقال: «سيُطلَق سراحك.» واقتيد بيتر عبْر الأبواب ذات القضبان وأُطلِقَ سراحه دون كلمةٍ أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤