القسم التاسع والأربعون
توجَّه بيتر إلى الغرفة ٤٢٧ في فندق البيت الأمريكي حيث كان ماكجيفني في انتظاره. لم يقُل ماكجيفني أي شيءٍ يدل على أي شكوك في بيتر، ولم يقُل بيتر شيئًا؛ فقد أدرك أن صفحة الماضي قد طُوِيت. كانت السلطات ستستغل هذه الهدية التي قدَّمتها لها الأقدار على طبق من فضة. فطوال سنوات كانت السلطات تريد القبض على هؤلاء الحُمْر، والآن، وبطريقةٍ سحرية وغير معقولة، تمكَّنت من ذلك!
قال ماكجيفني: «جادج، إليك القصة التي ستقولها. لقد أُلقِيَ القبضُ عليك كمشتبه به، وخضعتَ لتحقيق واستجوابٍ قاسٍ، ولكنك نجحتَ في إقناع الشرطة بأنك لا تعرف شيئًا عن المؤامرة، فأطلقوا سراحك. لقد أطلقنا سراح بعضٍ من الآخرين في الوقت نفسه حتى لا نثير الشكوك حولك، والآن، عليك العودة وسط الحُمْر واكتشاف كل ما يمكنك عنهم، وعما يفعلون، وعما يُخططون له. لا شك في أنهم يُصِرون على أن التُّهم التي وُجهت إليهم «ملفَّقة». عليك أن تكتشف ما يعرفون. ويجب أن تكون حذرًا، بالطبع، ولتُقدِم على كل خطوة بحذر؛ لأنهم سيكونون مرتابين لبعض الوقت. لقد دخلنا مسكنك وقلبناه رأسًا على عقب، فذلك سيُساعد في جعل الأمور تبدو طبيعية.»
خرج بيتر، ولكنه لم يذهب إلى مقر الحُمْر على الفور. بل أمضى ساعة في التجول في أنحاء المدينة للتأكد من أن أحدًا لا يتبعه، ثم اتصل بنيل على رقم هاتفٍ كانت قد أعطته إياه، والتقيا بعد ساعة في المنتزه، وركضت عندما رأته ملقيةً نفسها بين ذراعَيه وقبَّلته بسعادةٍ غامرة. كان عليه أن يُخبرها بكل شيء، بالطبع، وعندما عرفت أن جو أنجيل عميلٌ سري، حدَّقت في وجهه في رعب في البداية، ثم انفجرت ضاحكة حتى كادت تبكي. وعندما أخبرَها بيتر بكيفية مواجهته لهذا الوضع وتمكُّنه من النجاة منه، تأكَّد للمرة الأولى على الإطلاق من أنه فاز بقلبها.
عندما هدآ قليلًا، قالت نيل: «والآن، يا بيتر، علينا أن نتحرك على الفور. الصحف مليئة بالأخبار، ولا بد أن نيلس أكيرمان مرتعب حتى الموت. سأرسل هذا الخطاب الليلة؛ لاحظ أنني استخدمتُ آلةً كاتبة مختلفة عن تلك التي استخدمتُها المرة الماضية. لقد ذهبتُ إلى متجر للآلات الكاتبة ودفعتُ لهم المال مقابل السماح لي باستخدام إحدى الآلات الكاتبة لبضع دقائق؛ ومن ثَم، لن يتمكنوا أبدًا من تتبع هذا الخطاب ليصلوا إليَّ.»
كان الخطاب موجهًا إلى نيلسون أكيرمان في منزله ومكتوبًا عليه «شخصي». قرأه بيتر:
«هذه رسالة من صديق. للحُمْر عميل داخل منزلك. لقد رسموا مخططًا لمنزلك. تُخفي الشرطة أمورًا عنك لأنهم لم يتمكَّنوا من التوصل إلى الحقيقة، ولا يريدون أن تعرف أنهم غير أكفاء. ثمَّة رجل هو من اكتشف تلك المؤامرة بالكامل، وعليك أن تقابله. لن يسمحوا لك بلقائه إذا استطاعوا ذلك. ولكن يجب عليك أن تُطالب بلقائه. ولكن لا تذكُر هذا الخطاب. إذا لم تلتقِ الرجل المقصود، فسأراسلك مرةً أخرى. إذا ما أبقيتَ على هذا الخطاب سرًّا، فثِق في أني سأساعدك حتى النهاية. أما إذا أخبرتَ أحدًا عنه، فلن أستطيع مساعدتك.»
قالت نيل: «والآن، عندما يصل إليه هذا الخطاب، سيبدأ العمل، وعليك أن تعرف ما يجدُر بك فعله؛ لأن كل شيء يعتمد على ذلك، بلا أدنى شك.» وعليه، بدأت نيل تدرِّب بيتر على ما سيفعله عندما يلتقي ملك المدينة الأمريكية. أصبح بيتر ينظر إلى رأي نيل بإعجابٍ شديد، فحَفِظ ما عليه فعلُه بصبر، ووعد بأنه سيفعل ما قالت بحذافيره ولا شيء آخر. وكافأته نيل بسيلٍ من القبلات وعاد إلى منزله لينام قرير العين.
في صباح اليوم التالي، خرج بيتر ليؤديَ بعضَ مهامَّ كلفه بها ماكجيفني، حتى لا يدع لماكجيفني أي سببٍ للتذمر. ذهب للقاء ميريام يانكوفيتش، وهذه المرة أمسكت ميريام بكلتا يدَيه وصافحتهما بحرارة، وأدرك بيتر أنها غفرت له جريمته ضد الصغيرة جيني. عاد بيتر مناضلًا مرةً أخرى. فقَص عليها أنه خضع لاستجوابٍ قاسٍ، وقصَّت عليه هي أن الماء الذي تدفَّق من حوض الغسيل تسرَّب عبْر السقف، وسقط الجص ودمَّر عشاء عائلة عاملٍ فقير.
كما أخبرتْه بكامل تفاصيل التُّهم الملفَّقة كما رآها الحُمْر. طالب أندروز، المحامي، بحقه في رؤية السجناء، ولكن رُفض طلبه، وظلوا جميعهم محتجَزين بدون كفالة. في الليلة السابقة، حضرت ميريام اجتماعًا في منزل أندروز؛ حيث نُوقشت القضية. وأعلن جميع أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي أن ما حدث ما هو إلا تلفيقٌ تهم ولكن بأبشع صورةٍ ممكنة، فكان من الجلي أن الرسائل مزيَّفة، وأن الديناميت مدسوس بكل تأكيد من قِبل الشرطة. لقد استخدموا هذه التُّهم الملفَّقة ذريعة لإغلاق مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي، ولاعتقال عشرات الراديكاليين. والأسوأ من كل ذلك، بالطبع، هو الدعاية السلبية، تلك القصص البشعة التي ملَئوا بها الصحف. هل قرأ بيتر جريدة «تايمز» هذا الصباح؟ ثمَّة دعوةٌ غير قابلة للتفسير لإهدار دم الحُمْر!