القسم الثالث والخمسون

وصل بهما مسار الحديث إلى مسألة الخطط العملية، وكان بيتر قد جهَّز بعض المقترحات. بادئ ذي بدء، يجب ألا يُلمحَ السيد أكيرمان، سواء للمسئولين الشُّرَطِيين أو لجوفي، أنه غير راضٍ عما يبذلون من جهد. ويجب أن يوفِّر بعض الوقت للقاء بيتر من آنٍ لآخر، ويجب أن يتخذ هو وبيتر، بشكلٍ سري للغاية، بعض الخطوات لتأمين السيد أكيرمان تلك الحماية التي جعلتها أهميته للمجتمع ضرورية. أوَّل ما يجب فعله هو اكتشاف إذا ما كان هناك خائنٌ داخل منزل السيد أكيرمان أم لا؛ ولهذا الغرض يجب زرعُ جاسوس، محقِّق من الدرجة الأولى يعمل داخل المنزل بصفةٍ ما. تكمُن العقبة الوحيدة في أن هناك عددًا قليلًا للغاية من المحققين المستحقين للثقة؛ فقد كانوا جميعهم تقريبًا أوغادًا، وإن لم يكونوا أوغادًا، فذلك لأنهم لا يملكون الذكاء الكافي ليكونوا كذلك؛ جميعهم أغبياء، وأيٌّ من المنتمين للحُمْر يمكنه أن يسبر أغوارهم في غضون خمس دقائق.

قال بيتر: «ولكني سأخبرك بما فكَّرتُ به. إن زوجتي عبقرية، وبينما كنا نتحدث عن ذلك الآن، فكَّرتُ أنه لو استطعتُ إحضار إديث هنا لبضعة أيام، فسأكتشف كل شيء عن جميع مَن هم في منزلك، أقاربك وخدمك على حدٍّ سواء.»

سأله المصرفي: «هل هي محقِّقة محترفة؟»

قال بيتر: «لا، يا سيدي. كانت ممثلة؛ اسمها إديث يوستاس؛ ربما سمعتَ عن عملها في المسرح.»

قال السيد أكيرمان: «لا، أنا مشغول لدرجة لا تمكِّنني من ارتياد المسارح.»

قال بيتر: «بالطبع. حسنًا، لا أعرف ما إذا كانت ستكون مستعدةً للقيام بذلك؛ فهي لا تحب أن أختلط مع هؤلاء الحُمْر، وكانت تتوسَّل إليَّ أن أتوقَّف عن ذلك منذ فترةٍ طويلة، وكنتُ على وشك أن أَعِدها بذلك. ولكن إذا أخبرتُها عن مشكلتك فقد تفعل ذلك، فقط كمعروف.»

ولكن كيف يمكن إدخال زوجة بيتر إلى منزل أكيرمان دون إثارة الشكوك؟ طرح بيتر هذا السؤال، مشيرًا إلى أن زوجته من طبقةٍ اجتماعيةٍ راقية ولا تصلح أن تتظاهر بأنها خادمة. وأضاف السيد أكيرمان أنه لا يوظِّف خدَمه بنفسه، كما أنه لا يوظِّف محاسبي مصرفه بنفسه. وسيكون مثيرًا للشكوك أن يقترحَها على مدير منزله. ولكنه قال في نهاية المطاف إن لديه ابنةَ أخٍ تأتي لزيارته أحيانًا، وستأتي على الفور إذا طُلِب منها ذلك، وستأتي إديث يوستاس متظاهرةً بأنها خادمتُها. كان بيتر واثقًا من أن إديث ستتعلم هذا الدَّور بسرعة، فقد مثَّلته مرات عدة على خشبة المسرح، وفي الواقع، كان هذا هو دورها المفضل. وعَد السيد أكيرمان بإرسال رسالةٍ إلى ابنة أخيه لتلتقي إديث في فندق هوتيل دي سوتو في عصر اليوم نفسه.

ثم قطَع المصرفي المُسِن على نفسه وعدًا مغلظًا بأنه لن ينبس بكلمة عن هذا الأمر إلا لابنة أخيه. وكان بيتر مُفرِطًا في الإلحاح والتشديد، فأكَّد على الرجل ألا يقول شيئًا للشرطة، وألا يُخبر أي أحدٍ من أسرته، ولا حتى سكرتير السيد أكيرمان الخاص. بعد أن تلقَّى السيد أكيرمان ذلك التأكيد، بدأ بدَوره يؤكد على بيتر الفكرة التي يعتبرها الأكثر أهمية في العالم: «لا أريد أن أُقتل، يا جادج، أقول لك إنني لا أريد أن أُقتل!» ووعده بيتر وعدًا جادًّا بأن يجعل شغلَه الشاغل الاستماع إلى جميع محادثات الحُمْر التي تتعلق بالسيد أكيرمان.

عندما همَّ بيتر بالانصراف، أدخل السيد أكيرمان أصابعَه المرتجفة في جيب معطفه وأخرج قسيمةَ نقدٍ جديدة ولامعة، ثم فردَها، ورأى بيتر أنها قسيمةٌ بقيمة خمسمائة دولار، قسيمةٌ جديدة من إصدارات المصرف الوطني الأول للمدينة الأمريكية، الذي يترأس السيد أكيرمان مجلس إدارته. قال أكيرمان: «تلك هديةٌ صغيرة من أجلك، يا جادج. أريدك أن تُدرِك أنك إذا حميتَني من هؤلاء الأشرار، فسأرعاك جيدًا. أريدك من الآن فصاعدًا أن تكون واحدًا من رجالي.»

قال بيتر: «بالطبع، يا سيدي، سأكون كذلك، يا سيدي. أشكرك جزيل الشكر، يا سيدي.» ثم وضَع القسيمة في جيبه وأحنَى ظهره وهو يتراجع خطوةً بخطوة نحو الباب. قال المصرفي: «لقد نسيتَ قُبعتَك.»

قال بيتر وجسده يرتعش: «أوه، نعم.» وعاد مرةً أخرى إلى مقعده وأخذ القُبعة من تحته، وانحنَى مرةً أخرى.

قال الرجل العجوز: «وتذكَّر، يا جادج. لا أريد أن أُقتل! لا أريد أن يصلوا إليَّ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤