القسم الرابع والخمسون
كان أوَّل ما فعله بيتر عندما عاد إلى المدينة هو أن ذهب إلى مصرف السيد أكيرمان لتغيير تلك القسيمة بقيمة خمسمائة دولار. نظر الصرَّاف إليه متجهمًا، وفحص القسيمة بعناية، لكنه أعطى بيتر خمس ورقاتٍ نقدية قيمة كل منها مائة دولار دون تعليق. أخفَى بيتر ثلاثةً منها في مكانٍ آمن، ووضع الاثنتَين الأخريَين في محفظته، وذهب ليقابل نيل في الموعد المحدد.
أخبر بيتر نيل بكل ما حدث، وأين ستلتقي ابنة أخ السيد أكيرمان. سألته نيل على الفور: «ماذا أعطاك؟» وعندما أخرج بيتر الورقتَين النقديتَين، صاحت: «يا إلهي! ذلك العجوز البخيل!» فقال بيتر: «قال إنه سيعطيني المزيد لاحقًا.»
قالت نيل: «تلك الكلمات لم تكلِّفه شيئًا. يجب أن نضغَط عليه.» ثم أضافت: «يجدُر بك أن تدعَني أعتني بهذا المال من أجلك، يا بيتر.»
قال بيتر: «حسنًا. يجب أن يكون معي بعض المال من أجل نفقاتي الخاصة.»
«ألم تتقاضَ راتبك؟»
«بلى، تقاضيتُه، ولكن …»
قالت نيل: «يمكنني أن أحتفظ به في أمانٍ من أجلك. وعندما تحتاج إليه ذات يوم ستكون سعيدًا عندما تجده في انتظارك. إنك لم تدخر شيئًا بمفردك؛ فهذه وظيفة المرأة.»
حاول بيتر التفاوض معها، لكنه اكتشف أن أسلوب التفاوض الذي كان يتبعه مع ماكجيفني لم يكن يصلح معها؛ فقد رمقته بنظراتها الدافئة، الأمر الذي جعل رأس بيتر يدور، ولم يدرِ بنفسه إلا وهو يمُد يده لها ويدَعُها تأخذ الورقتَين النقديتَين. ثم ابتسمت له ابتسامة ملؤها الحنان جعلته يجرؤ على تذكيرها قائلًا: «نيل، لعلمكِ، لقد أصبحتِ زوجتي الآن!»
أجابته نيل: «نعم، نعم، بالطبع. لكن علينا أن نتخلَّص من تيد كروثرز بطريقةٍ ما. إنه يُراقبني طوال الوقت، وأواجه متاعبَ جمة لأقدِّم له أعذارًا كلما أردتُ الخروج.»
سألها بيتر في شغف: «كيف ستتخلصين منه؟»
أجابت: «سنُضطر إلى الهرب؛ بمجرد أن ننفِّذ خطتنا الجديدة …»
زفَر بيتر في حزن، وقال: «سنهرب مجددًا؟»
ضحكت الفتاة. ثم قالت: «تمهَّل! سأحصل على الكثير من المال من نيلس أكيرمان هذه المرة! ثم عندما نحقِّق أرباحنا، سنهرب، وسنكون مستعدِّين لأن نعيش حياتنا. تمهَّل … لا تتحدث معي عن الحب الآن لأن عقلي مشغول بالكامل بخططي، ولا أستطيع التفكير في أي شيءٍ آخر.»
افترقا بعد ذلك، وذهب بيتر لمقابلة ماكجيفني في البيت الأمريكي. كانت نيل قد قالت له: «واجِهه!» لكن هذا الأمر لم يكن سهل التنفيذ لأن ماكجيفني كان يسحبه ويجرُّه ويقلبه رأسًا على عقب ومن الداخل إلى الخارج لكي يُخبره بكل ما حدث بينه وبين نيلس أكيرمان. بحق الرب، كم كان هؤلاء الرجال مستميتين على مصدر رزقهم! أكَّد بيتر وأصر على أنه لعب بشكلٍ عادل تمامًا، وأنه لم يُخبِر نيلس أكيرمان بأي شيءٍ إلا الحقيقة مثلما فعل مع جوفي وماكجيفني. قال إن الشرطة فعلت ما عليها، وأن قِسم جوفي لم يتوانَ عن مراقبة الحُمْر طوال الوقت.
سأله الرجل ذو وجه الجرذ: «ماذا يريد منك أن تفعل؟»
أجابه بيتر: «كل ما يريده هو التأكد من أن يعرف جميع الأحداث المهمة، وأراد مني أن أَعدَه بأن تصله جميع المعلومات التي جمعتُها بخصوص المؤامرة المحيكة ضده، ووعدتُه بالطبع بأننا سنُعطيه جميع هذه المعلومات.»
سأله ماكجيفني: «هل ستقابله مرةً أخرى؟»
«لم يقل شيئًا بخصوص ذلك.»
«هل حصل على عنوانك؟»
«لا، أظن أنه إذا أراد لقائي، فسيكون من خلالك كالمرة السابقة.»
قال ماكجيفني: «حسنًا، هل أعطاك أي أموال؟»
قال بيتر: «نعم، أعطاني مائتَي دولار، وقال إن هناك المزيد من هذه الأموال؛ لذا يجدر بنا أن نعمل بكد لمساعدته. قال إنه لا يريد أن يُقتل، وكَرَّر ذلك دُزِّينة من المرات، على ما أظن. قضى أغلب وقت مقابلتنا يكرِّر هذه العبارة. إنه مريض، وهو خائف للغاية.»
في نهاية اللقاء، تكرَّم ماكجيفني بشكر بيتر على وفائه وبدأ يُملي عليه المزيد من الأوامر.
كان الحُمْر بصدد إطلاق صيحةٍ عالية. فقد نجح أندروز، المحامي، في الحصول على أمرٍ من المحكمة برؤية الرجال المعتقَلين، وبالطبع أعلن السجناءُ جميعُهم أن القضية مدبَّرة. وأصبح الحُمْر على استعداد لإرسال منشورات إلى زملائهم الحُمْر في جميع أنحاء البلاد، يطلبون الدعاية والأموال لمجابهة ذلك «التلفيق».
كانوا يتحركون في سريةٍ تامة، وأراد ماكجيفني أن يعرف مصدر تمويلهم. كما أراد نسخةً من المنشورات التي يطبعونها، ومعرفة من أين ومتى ستُرسل هذه المنشورات. كان جوفي قد ذهب للقاء مسئولي هيئة البريد، واتفَقوا على مصادرة هذه المنشورات وإعدامها دون أن يعلم الحُمْر ذلك.
فركَ بيتر يدَيه في سرور. لقد بدأ العمل الحقيقي! فقد كانت ملاحقة هؤلاء المجرمين هي الطريقة التي ما برح بيتر يحُث على اتباعها! قال الرجل ذو وجه الجُرذ إن هذا لا يُقارَن بما سيفعلونه في غضون بضعة أيام. فليواصل بيتر عمله، وسيرى! فهذا الوقت، بينما لا يزال العامة متأثرين بمؤامرة الديناميت هذه، هو الوقت المناسب لإنجاز الأمور.