القسم السابع والخمسون

ذهب بيتر إلى البيت الأمريكي والتقى ماكجيفني وكُلِّف بمهمة تناسبت تمامًا مع حالته المزاجية. قال الرجل ذو وجه الجرذ إن وقت العمل قد حان. كانت اللجنة التنفيذية المحلية لاتحاد العمال الصناعيين العالمي قد صاغت التماسًا إلى المنظَّمة الرئيسية لمساعدتهم، وكان من المقرر أن تجتمع اللجنة التنفيذية في مساء ذلك اليوم، وكان على بيتر أن يتواصل مع جرادي، أمين اللجنة، ويعرف منه أين سيُعقَد الاجتماع، ويقترح عليه أن يُدعَى إلى الاجتماع جميع أعضاء الاتحاد، والحُمْر الآخرون أيضًا. قال ماكجيفني إن رجال الأعمال في المدينة كانوا بصدد توجيه ضربتهم الكبرى في تلك الليلة، وكان أعضاء غرفة التجارة الأصغر سنًّا وجمعية التجار والمصنعين قد اجتمعوا وأعدوا خطةً سرية، وكان كل ما يريدونه هو أن يجتمع الحُمْر في مكانٍ واحد.

ومن ثَم، انطلق بيتر وعثَر على شون جرادي، الصبي الأيرلندي الشاب الذي كان يحتفظ بقوائم عضوية المنظمة ووثائقَ أخرى في مكانٍ سري للغاية لم يتمكَّن بيتر نفسه من العثور عليه. أخبره بيتر بأحدث الأخبار عن معاناة ماك في «الحفرة»، وعن دخول جوس، البحَّار، المستشفى مع هندرسون. بالَغ بيتر في التعبير عن غضبه لدرجة أن جرادي أخبره في نهاية المطاف بموعد اجتماع ذلك المساء ومكانه، وقال بيتر إنه يجدُر بهم أن يجمَعوا بعض أصدقائهم ويعملوا على إيجاد طريقة لتوزيع منشوراتهم الاحتجاجية بسرعة؛ فقد أصبح من الجلي أنه لم يعُد بإمكانهم استخدام البريد. ما الفائدة من قرارات اللجان التنفيذية إذا كان المطلوب هو تحرُّك جميع الأعضاء؟ قال جرادي حسنًا، سيُخطِرون الأعضاء النشطين والمتعاطفين، وكلَّف بيتر بمهمة إجراء الاتصالات الهاتفية والتنقل في أنحاء المدينة لنقل الخبر إلى دُزِّينة من الأشخاص.

في تمام السادسة من مساء ذلك اليوم، نقل بيتر النتائج إلى ماكجيفني، ثم تلقَّى صدمة. قال الرجل ذو وجه الجرذ: «يجب أن تحضُر ذلك الاجتماع بنفسك. يجب ألا تغامر بإثارة الشكوك حولك.»

صاح بيتر: «ولكن، يا إلهي! ماذا سيحدث هناك؟»

أجابه ماكجيفني: «ليس عليك أن تقلق بشأن هذا. سأتأكد من أنك محمي.»

كان من المقرر أن يُعقد الاجتماع في منزل أدا روث، الشاعرة، وكان من شأن ماكجيفني أن جعل بيتر يصف له هذا المنزل. خلف غرفة المعيشة كانت ثمَّة ردهة، وفي هذه الردهة كانت ثمَّة خزانة ملابس كبيرة. مع أول بادرة خطر، على بيتر أن يذهب إلى هذا المكان. وعليه أن يدخل الخزانة، وسيكون ماكجيفني حاضرًا، وسيُحاصِرون بيتر ويتظاهرون بضربه، ولكن في الواقع، سيحمونه مما يحدُث للباقين. بدأت ركبتا بيتر ترتعشان، واعترض على الفكرة غاضبًا؛ فما الذي يمكن أن يحدُث له إن حدث شيء لماكجيفني، أو لسيارته، ولم يتمكَّن من الوصول في الوقت المناسب؟ قال ماكجيفني لبيتر إنه لا داعي للقلق؛ فله قيمةٌ كبيرة لديهم ولن يُغامروا بخسارته. سيكون ماكجيفني موجودًا، وكل ما على بيتر فعله هو الصراخ وإثارة الفوضى، وأخيرًا السقوط فاقدًا الوعي، وسيحمله ماكجيفني، وهاميت، وكومينجز إلى سيارتهم ويأخذونه بعيدًا!

كان بيتر خائفًا لدرجة أنه لم يستطع تناول العشاء وظل يتجول في الشارع يُحادث نفسه ويشُد من أزرها. كان عليه أن يتوقف وينظر إلى الأعلام الأمريكية التي لا تزال ترفرف من المباني، وقراءة الطبعة المسائية من جريدة «تايمز» المدينة الأمريكية، لكي يشحذ حماسته الوطنية من جديد. عندما انطلق متجهًا إلى منزل المُسِن المعاق الذي كتب القصيدة المناهضة للحرب، شعر وكأنه أحد الجنود الشباب الذين انطلقوا للمشاركة في الحرب.

كانت أدا روث حاضرة، وكذلك والدتها، تلك العجوز العجفاء التي لا تعرف شيئًا عن كل هذه التحركات العالمية المروِّعة، والتي لم يكن لتوسلاتها أي تأثير يُذكر على ابنتها المُلهَمة؛ كانت ابنة عم أدا حاضرةً أيضًا، تلك المعلمة العجوز النحيلة سكرتيرة مجلس الشعب؛ وكانت هناك أيضًا ميريام يانكوفيتش، وسادي تود، ودونالد جوردون. في الطريق التقى بيتر بتوم دوجان، وأعلن له الشاعر الحزين أنه كتب قصيدةً جديدة عن سجن ماك في «الحفرة». ثم وصل جرادي، السكرتير، بعدهما مباشرةً وجيوبه مكتظَّة بالأوراق. كان جرادي، الصبي الأيرلندي الطويل القامة، ذو العينَين الداكنتَين، والمزاج المتقلب، ما يُسمِّيه الاشتراكيون «جيمي هيجينز»؛ أي أحد الرجال الذين يؤدون العمل الشاق والممِل للحركة، والذين دائمًا ما تجدهم موجودين مهما حدث، ومستعدين دائمًا لتحمل مسئولية جديدة على كاهلهم. لم يكن جرادي يهتم لأمر الاشتراكيين، بل كان يهتم فقط لأمر «الحَراك الصناعي»، ولكنه لم يكن يمانع أن يُطلَق عليه لقب «جيمي هيجينز»، وقال إن بيتر أحدهم أيضًا، وابتسم بيتر لنفسه مفكرًا أن لقب «جيمي هيجينز» كان آخر لقب في العالم ينطبق عليه. كان بيتر في طريقه إلى الاستقلال والازدهار، ولم يخطُر بباله أنه قد يكون «جيمي هيجينز» بالنسبة «للبِيض» وليس للحُمْر!

أخرج جرادي أوراقه، وبدأ يتحدث مع دونالد جوردون عن مجريات الأمسية. كان قد تلقَّى برقيةً من المقر الوطني لاتحاد العمال الصناعيين العالمي تَعِد بتقديم الدعم، وكان وجهه النحيل المتطلع مشرقًا بالفخر بينما يعرضها على الناس. ثم أعلن أن «باد» كونور سيكون حاضرًا؛ وهو منظِّم أحداث معروف كان برفقة ماكورميك في بلاد النفط، وجلب معه أخبارًا تفيد بأن العمال هناك يوشكون على إطلاق إضرابٍ كبير. ثم وصلت السيدة جينينجز، وكانت امرأةً ضئيلة الحجم معذَّبة يقتلها السرطان ببطء، وطلَب زوجها الطلاق من المحكمة لأنها تبرَّعت بالمال لاتحاد العمال الصناعيين العالمي. وجاء معها ليساعدها «آندي» آدمز، مُشَغِّل آلاتٍ كبير طُرِد من عمله بسبب كثرة حديثه عن «التحرك المؤثِّر». أخرج من جيبه نسخة من جريدة «إيفينينج تليجراف»، وقرأ بضعة أسطر من أحد المقالات يدين «التحرك المؤثِّر» واصفًا إياه بأنه يعني التفجير، ولم يكن يعني ذلك بالطبع، ويتساءل عن الفترة التي ستنقضي قبل أن يستخدم المناصرون للقانون والنظام في المدينة الأمريكية القليل من «التحرك المؤثِّر» من طرفهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤