القسم الثامن والخمسون

ظل الحضور يتوافدون حتى وصل عددهم إلى نحو ثلاثين شخصًا، ثم بدأ الاجتماع على الفور. كان من الواضح، كما قال جرادي، إن السلطات لفَّقت متعمدةً مؤامرة التفجير من أجل امتلاك ذريعة للقضاء على منظمة اتحاد العمال الصناعيين العالمي؛ فقد أغلقوا المقر، وصادروا كل شيء، الآلات الكاتبة والأثاث المكتبي والكتب، بما في ذلك كتاب عن التخريب أعطوه لمحرر جريدة «التايمز المسائية»! أطلق الحضور صوتَ صفيرٍ غاضب لدى سماعهم اسم الجريدة. كما كانوا قد بدءوا يعترضون بريد المنظمة، وكان على القائمين على اتحاد العمال الصناعيين العالمي أن يتخلصوا من كتبهم بأقصى سرعةٍ ممكنة. كانوا يُقاتلون في معركة بقاء، ويجب أن يعثُروا على طرق لإيصال الحقيقة للناس. إذا كان هناك من يملك أي اقتراحاتٍ لتحقيق ذلك، فقد حان وقتُ الإفصاح عنها.

بدأت الاقتراحات تصدر الواحد تلو الآخر، وفي الوقت نفسه، كان بيتر يجلس كما لو كانت الدبابيس تملأ كرسيه. لماذا لم يأتِ الأعضاء الأصغر سنًّا في غرفة التجارة وجمعية التجار والمصنِّعين ويفعلوا ما ينوون فعله دون مزيد من التأخير؟ هل يتوقَّعون أن يجلس بيتر في مكانه طوال الليل، يرتجف من الخوف، ودون أن يتناول عشاءه؟

فجأة، هبَّ بيتر من مكانه. فقد جاءت صرخة من الخارج، وصمت دونالد جوردون، الذي كان يُلقي خطابًا، فجأةً، وتبادَل الحضور النظرات، وهبَّ بعضُهم واقفين. ثم سمعوا المزيد من الصيحات التي تحوَّلت إلى صرخات، وتوجَّه بعض الحضور نحو الأبواب الأمامية، وتوجَّه البعض الآخر إلى الأبواب الخلفية، وتوجَّه آخرون نحو النوافذ والدرَج. لم يُضِع بيتر وقتًا، فغاص داخل خزانة الملابس في الردهة خلف غرفة المعيشة، وتحرك إلى الركن الأبعد من الخزانة، وغطَّى نفسه ببعض الملابس، وما جعله في أمانٍ أكثر أن عدة أشخاص كدَّسوا أجسامهم فوقه.

استمع بيتر من مكانه الآمن إلى الفوضى التي سادت المكان. امتلأ المكان بصرخات النساء، وشتائم الرجال المتقاتلين، وأصوات انقلاب الأثاث، والهراوات والمفاتيح الإنجليزية وهي تهوي على رءوس الناس. كان الأعضاء الأصغر سنًّا في غرفة التجارة وجمعية التجار والمصنِّعين قد وصلوا بقوة تكفي لتأكيد تحقيق هدفهم. كان يُوجَد عددٌ منهم يكفي لملء الغرفة، وسد جميع المداخل، واثنان أو ثلاثة لحراسة كل نافذة، وسربٌ طائر لمراقبة أي شخصٍ يقفز من السطح أو يحاول الاختباء بين أشجار الحديقة.

ظل بيتر مختبئًا يستمع إلى الصخَب الغاضب، وبعد فترة سمع صرخات الأشخاص المكدَّسين فوقه، وأدرك أنهم كانوا يُسحَبون ويُضرَبون، ثم شعر بأيدٍ تمتد وتمسك به، فتكوَّر على نفسه يبكي من الخوف، ولكن لم يمسَّه أحد، وبعد قليل، رأى رجلًا يرتدي قناعًا أسود ولكن يمكن تحديد هُويته بسهولة؛ إذ كان ماكجيفني. لم يشعُر بيتر في حياته بسعادة لرؤية وجه إنسانٍ أكبر من سعادته لرؤية وجه الجُرَذ الملثَّم هذا! كان ماكجيفني ممسكًا بهراوة في يده، وكان يوجِّه ضرباتٍ قوية إلى الملابس المكومة حول بيتر. ومن خلف ماكجيفني، كان هاميت وكومينجز يتوليان مهمة إجراءات الضبط، وكانا من وقت لآخر يوجِّهان ضربات من تلقاء نفسَيهما.

انتهى أغلب القتال داخل المنزل وخارجه بسرعة؛ فكل من دخل قتالًا إما قُبض عليه أو هُزِم. ثم بدأ عددٌ من عملاء جوفي، الذين كانوا يدرسون هؤلاء الحُمْر طوال عام أو اثنين ويعرفونهم جميعًا، في انتقاء الأشخاص الذين يريدونهم بشكلٍ خاص، وتفتيشهم بحثًا عن أسلحة، ثم تكبيلهم. اقترب أحد هؤلاء الرجال من بيتر، الذي سقط مغشيًّا عليه على الفَور، وأغلق عينَيه؛ فحملَه هاميت من تحت إبطَيه وكومينجز من قدمَيه، وسار ماكجيفني بجواره كحارسٍ شخصي، قائلًا من وقت لآخر: «نريد هذا الرجل، وسنتولى أمره.»

حملوا بيتر إلى الخارج، وفي الظلام، فتح بيتر عينَيه بما يكفي ليرى أن الشارع مليء بالسيارات، وأنه كان يتم تحميل الحُمْر فيها. سار أصدقاء بيتر حاملين إياه إلى إحدى السيارات وانطلقوا بها مبتعدين، ثم استفاق بيتر، وجلس أربعتُهم يضحكون حتى آلمتهم جوانبهم، ويربِّت بعضُهم على ظهور بعض، وتحدَّثوا عن المشاهد المُرْضية التي رأوها. هل رأى هاميت ذلك الجرح الذي أصيب به جرادي فوق عينَيه، وكيف غرق في دمائه؟ حسنًا، أراد أن ينتمي إلى الحُمْر، فساعدوه في أن يكون منهم من الداخل والخارج! هل رأى ماكجيفني كيف أن «باك» إليس، أحد رجالهم، قد كسر أنف الشاعر المشرَّد؟ ولا شك في أن الشاب أوجدن، نجل رئيس غرفة التجارة، قد أظهر ما يشعُر به تجاه تلك الماشية، إناثًا كنَّ أو ذكورًا؛ فعندما صفعته تلك العاهرة يانكوفيتش، أمسكَها من ثديَيْها حتى كاد يخرجهما من مكانهما، فصرخت وفقدت وعيها!

نعم، لقد أخرجوهم من جُحرهم. ولكن لم ينتهِ الأمر بعدُ؛ فسيُنهون العمل بأكمله الليلة، بعون الله! سيذيقون المناهضين للحرب طعمها، وسيضعون حدًّا للإرهاب الأحمر في المدينة الأمريكية! يمكن لبيتر أن يرافقهم إذا أراد رؤية كيف يُنجزون عملهم؛ فهم في طريقهم إلى الريف، وسيكون الظلام مخيمًا، وإذا ارتدى قناعًا، فسيكون آمنًا تمامًا. وافق بيتر؛ فقد كان دمه فائرًا، وكانت روحه تتوق إلى الصيد، أراد أن يشهد الموت بعينَيه، بغضِّ النظر عن أي شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤