القسم التاسع والخمسون

كان المحرك يطلق هديرًا ناعمًا، وكانت السيارة تمضي بخفة مسرعةً كما لو كانت تطير بجناحَين عبْر ضواحي المدينة الأمريكية متجهةً نحو الريف الذي يليها. كانت هناك سياراتٌ أمامها، وسياراتٌ أخرى خلفها، وصنعت السيارات طابورًا طويلًا من الأنوار البيضاء يطير مخترقًا الريف. وصلت السيارات إلى بستان من أشجار الصنوبر الكبيرة، التي تتراوح سماكة جذوعها ما بين قدمَين إلى ثلاث أقدام، صانعةً ما يشبه أقواس الكنائس، وغطت الأرضَ تحتها سجادةٌ بنيةٌ ناعمة. كانت مكانًا شهيرًا للتنزه تجتمع فيه جميع السيارات وفقًا لمواعيدَ مسبقة. كان من الجلي أن كل شيء كان مرتبًا بشكلٍ مسبق بتلك الكفاءة التي تُعد مصدر فخر الأمريكيين الحقيقيين بنسبة ١٠٠٪. كان رجل يرتدي قناعًا أسود على وجهه يقف في وسط البستان، ويُلقي تعليماته صارخًا عبْر بوق، وكانت كل سيارة عندما تصل إلى المكان تصطَف بجوار السيارة السابقة لها لتصنع دائرةً واسعة يبلغ قطرها أكثر من مائة قدم. كانت السيارات التابعة للأعضاء الأصغر سنًّا في غرفة التجارة وجمعية التجار والمصنعين ملتزمة؛ كانوا معتادين على الوقوف بدقة في أماكنهم وفقًا لأوامر الرجل الممسك بالبوق عندما يأتون لحضور الحفلات، أو عندما يأتي الأعضاء الأصغر سنًّا وزوجاتهم وخطيباتهم مرتدين ملابسهم المصنوعة من الحرير الناعم والستان، يمشون الهُوينى لحضور حفلات العشاء والرقص.

ظلت السيارات تتوافد حتى لم يعُد متبقيًا إلا مكان يكفي لوقوف سيارة واحدة. ثم صدر أمر بصوتٍ عالٍ: «السيارة الرقم واحد!» خرجت مجموعة من الرجال من إحدى السيارات يجرُّون سجينًا مكبل اليدين. كان مايكل دوبين، الخياط اليهودي الشاب الذي قضى خمسة عشر يومًا في السجن مع بيتر. كان مايكل طالبًا وحالمًا، وغير معتاد على مشاهد العنف، كما كان ينتمي إلى عِرق يعبِّر عن مشاعره جهارًا؛ ولذلك كان يُعَدُّ مزعجًا للأمريكيين الحقيقيين بنسبة ١٠٠٪. صرخ مايكل وأنَّ بينما كان الرجال الملثَّمون يفكُّون قيوده ويخلعون معطفه عنه ويمزِّقون قميصه من الخلف. ثم جرُّوه إلى شجرة في وسط الدائرة، شجرة أصغر حجمًا من بقية الأشجار تناسبت تمامًا مع التقاء معصمَيه من حولها وتكبيلهما مجددًا. وقف مايكل مقيدًا إلى الشجرة تحت الأنوار المبهرة لثلاثين أو أربعين سيارة، يتلوى ويتأوه، بينما كان أحد الرجال الملثمين بالأسود يخلع عنه معطفه ويستعد للعمل. أخرج الرجل سوطًا أسود طويلًا، ثم تسمَّر مكانه للحظات، وبصوتٍ عالٍ، صرخ الرجل الذي يحمل البوق: «ابدأ!» شق السوطُ الهواء مطلِقًا صفيرًا ثم سقط على ظهر مايكل مسببًا جراحًا في لحمه نزفت منها الدماء. انطلقت صرخة ألم، وبدأ الضحية في التلوي والدوران والركل كما لو كان يُسِلم روحه. صفَّر السوط مرةً أخرى، ومرةً أخرى سُمِعت الضربة بينما تمزَّق اللحم، وظهر شريطٌ أحمر آخر.

كان أعضاء الغرفة التجارية وجمعية التجار والمصنعين الأصغر سنًّا جاهزين تمامًا لأعمال هذا المساء. لم يكونوا شاحبين ونحافًا، أو جائعين ومجهدين، كما كان سجناؤهم، بل كانوا سمانًا ومتوردين، ومفعَمين بالصحة. كأن آباءهم أدركوا مدى خطورة الحُمْر منذ سنواتٍ طوال، وكذلك الخطوات التي يجب الإقدام عليها للحفاظ على الأمريكيين الحقيقيين بنسبة ١٠٠٪، فاستورد الآباء لعبة تُمارَس عبر ضرب كراتٍ بيضاء صغيرة في أنحاء ملعب باستخدام مضارب من أنواع وأحجام مختلفة. كما أنشَئوا مقرات نوادٍ رائعة هنا في الضواحي، وخصَّصوا مئات الأفدنة من الأرض لهذه اللعبة، وكانوا يُنهون أعمالهم تجارية كانت أو صناعية في ساعةٍ مبكرة من عصر كل يوم ليذهبوا إلى تلك الملاعب ويحافظوا على لياقتهم البدنية. كانوا ينظمون بطولات، ويتنافسون فيما بينهم، ويتبادلون قصصًا عن الضربات القوية التي حققوها باستخدام مضاربهم، وعن مئات الضربات التي تمكنوا من تحقيقها في عصر يومٍ واحد. لذا كان الرجل الذي يحمل السوط الأسود «لائقًا بدنيًّا»، ولم يحتج إلى التوقف لالتقاط أنفاسه. وظل ينهال بالضربات الواحدة تلو الأخرى بحركةٍ رائعةٍ متناغمة، واستمر على هذه الحال دون تعب ينهال بالضربات مرارًا وتكرارًا. هل نسي؟

هل كان يظن أن هذه كرةٌ صغيرة بيضاء يؤرجح مضربه لضربها؟ استمر في الضرب حتى أصبح من المستحيل عدُّ الكدمات، حتى أصبح ظهر مايكل دوبين بأكمله كتلةً من اللحم النيء النازف. توقفت صرخات مايكل دوبين، وانتهت معاناته المتشنِّجة، وتدلت رأسه بلا حَراك، وانخفض جسده أكثر فأكثر نحو قاعدة الشجرة.

في نهاية المطاف، تقدم منظِّم المراسم وأمر بالتوقف، ومسح الرجل الذي يحمل السوط جبينَه المتعرق بكُمِّ قميصه، وجرَّ الرجال الآخرون جسد مايكل دوبين، وسحبوه لبضع أقدام إلى ناحيةٍ ما وألقَوه على وجهه بين أوراق أشجار الصنوبر.

نادى منظم المراسم قائلًا: «السيارة رقم اثنين!» كان صوته واضحًا وآمرًا، كما لو كان ينادي بأرقام رقصة الرباعيات، ومن سيارةٍ أخرى خرجت مجموعةٌ أخرى من الرجال تجُر سجينًا آخر. كان هذا السجين هو بيرت جليكاس، رجلًا «قوي البِنية» وأحد أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد العمال الصناعيين العالمي كان قد فقد سِنَّين في إضراب حصاد حدث قبل بضعة أسابيع. بينما كانوا يخلعون عنه معطفه، تمكَّن من تحرير إحدى يدَيه، فطفق يهزُّها في وجه المتفرجين خلف أضواء السيارات البيضاء، وصاح: «فليلعنكم الرب!» فقيَّدوه، وتقدم رجلٌ آخر وأمسك بالسوط، وبصَق على يدَيه لجلب الحظ، وبدأ يضرب بقوةٍ مضاعفة، ومع كل ضربة، كان جليكاس يصرخ مطلقًا سبابًا جديدًا، كان يسب باللغة الإنجليزية في البداية، ثم بلغةٍ أجنبيةٍ ما، وكأنه يدخُل في حالة هذيان. ولكن في نهاية المطاف، توقفت شتائمه، وفقد الوعي هو أيضًا، ففُكَّت قيوده وجُرَّ بعيدًا وأُلقي بجوار الرجل الأول. نادى منظم المراسم: «السيارة رقم ثلاثة!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤