القسم الخامس والستون
عاد بيتر إلى البيت الأمريكي مثقلًا بهذه التأملات؛ فقد وعده ماكجيفني بأن يلتقيه هناك في تلك الليلة. توجَّه بيتر إلى الغرفة ٤٢٧، وكان متعبًا بعد ما لاقاه من انفعال الليلة السابقة، فاستلقى على فراشه وغفا سريعًا. وعندما فتح عينَيه مرةً أخرى، لم يكن واثقًا مما إذا كان ما يراه كابوسًا، أو أنه قد مات أثناء نومه وذهب إلى الجحيم مع السيد جود. كان هناك شخصٌ يهزه، ويأمره بصوتٍ خشن قائلًا: «استيقظ!» فتح بيتر عينَيه، ورأى أن هذا الشخص هو ماكجيفني، وكان لا بأس في ذلك، فكان من الطبيعي أن يكون ماكجيفني هو من يوقظه. ولكن ما الأمر؟ كان صوت ماكجيفني غاضبًا، وكان وجه ماكجيفني مكفهرًّا ومتجهمًا، والأمر الذي لم يُصدِّق بيتر أنه يحدث أن ماكجيفني كان يحمل في يده مسدسًا أشهره في وجهه!
كان من الصعب على بيتر أن يستيقظ؛ لأنه لم يستطع أن يصدق أنه مستيقظ؛ كما كان من الصعب على ماكجيفني أن يحصل منه على أي معلومات؛ فقد كان فاغرًا فمه، ويحدِّق بعينَين مذعورتَين في فوَّهة المسدس.
«يا إلهي، سيد ماكجيفني! ما الأمر؟»
همس الرجل ذو وجه الجرذ بفحيح: «انهض!» وأطلق سبابًا. أمسك الرجل بيتر من طيَّات معطفه وبدا وكأنه حملَه حملًا ليقف على قدمَيه من دون أن يُبعِد فوَّهة المسدس عن وجهه. وكان بيتر المسكين يحاول جاهدًا أن يستجمع رباطة جأشه، ومرت بخاطره نصف دُزِّينة من الأفكار الرهيبة واحدةً تلو الأخرى. هل سمعه ماكجيفني يسبُّ السيد جود ويعلن عن نفسه كأحد الحُمْر؟ هل لفَّق بعض الحُمْر تهمة ضد بيتر؟ هل جُن ماكجيفني، وأصبح بيتر عالقًا في الغرفة مع مجنونٍ مسلَّح بمسدس؟
سأله ماكجيفني: «أين وضعتَ الأموال التي أعطيتُك إياها أولَ أمس؟» وأطلق سبابًا آخر.
اتخذ بيتر موقفًا دفاعيًّا على الفور، بالطبع. فبغضِّ النظر عن مدى خوفه، لن يتخلى بيتر عن أمواله أبدًا.
«أ … أ … أنفقتها، يا سيد ماكجيفني.»
«أنت تكذب!»
«ﻟ… ﻟ… لا.»
قال الرجل في إصرار: «أخبرني أين وضعتَ تلك الأموال!» وأصبح وجهه قبيحًا من فرْط الغضب، وبدا كأن فوَّهة المسدس ترتجف من الغضب أيضًا. أصَر بيتر على أنه أنفق هذه الأموال بالكامل. قال ماكجيفني: «اجعله يسعل، يا هاميت!» وأدرك بيتر للمرة الأولى أن ثمَّة رجلًا آخر في الغرفة؛ فقد كانت عيناه تركِّزان على فوهة المسدس لدرجة أنهما لم تنظرا حولهما.
كان هاميت ضخم الجثة، وتقدم نحو بيتر وأمسك بإحدى ذراعَيه، ولفَّها خلف ظهر بيتر ثم إلى أعلى بين لوحَي كتفَيه. عندما بدأ بيتر يصرخ، وضع هاميت يده الأخرى على فمه، حينئذٍ أدرك بيتر أن أمره قد انتهى. لا يجدُر به أن يحاول الاحتفاظ بالمال إذا كان هذا هو الثمن الذي سيدفعه. وعندما سأله ماكجيفني: «هل ستُخبرني أين المال؟» أومأ بيتر برأسه أن نعم، وحاول أن يجيب عبْر فتحتي أنفه.
رفع هاميت يده عن فم بيتر، وقال: «أين المال؟» وأجاب بيتر: «في فردة حذائي اليمنى.»
فك هاميت رباط الحذاء وخلعه من قدم بيتر، وأخرج النعل الداخلي، وكانت هناك حزمةٌ صغيرة مسطَّحة مغلَّفة بمنديل تحته، وداخل المنديل، كانت تقبع الألف دولار التي أعطاها ماكجيفني لبيتر، بالإضافة إلى الثلاثمائة دولار التي ادخرها بيتر من هدية نيلس أكيرمان، ومائتَي دولار ادخرها من راتبه. عد هاميت الأموال، ووضعَها ماكجيفني في جيبه، ثم أمر بيتر بارتداء حذائه مرةً أخرى. نفَّذ بيتر الأمر بأصابعَ مرتجفة، وفي الوقت نفسه كان يركِّز عينًا على فوَّهة المسدس، وعينًا أخرى على الرجل ذي وجه الجرذ.
«ﻣ… ﻣ… ما الأمر، يا سيد ماكجيفني؟»
جاءت الإجابة: «ستعرف في الوقت المناسب. والآن، سر أمامي إلى الطابق السفلي، وتذكَّر أني أصوِّب هذا المسدس نحوك، وبه ثماني رصاصات، وإذا حركتَ إصبعًا فسأضعها جميعًا داخل جسدك.»
ومن ثَم، نزل بيتر وماكجيفني وهاميت في مصعد الفندق، ثم إلى خارج الفندق، ودخلوا سيارة. قاد هاميت السيارة، وجلس بيتر في المقعد الخلفي مع ماكجيفني الذي ظل ممسكًا بالمسدَّس في جيب معطفه، ولم يرفع إصبعه عن الزناد وكانت فوَّهة المسدس مصوَّبة دومًا إلى وسط بيتر. أطاع بيتر جميع الأوامر دون نقاش، وتوقف عن طرح الأسئلة لأنه أدرك أنه لن يحصل على أي إجابات.
في الوقت نفسه، ظل يُعمِل عقله المرتعب من أجل أن يجد حلًّا للمشكلة. كان أفضل تخمين توصل إليه أن جوفي قرر أن يصدق قصة جو أنجيل بدلًا من قصة بيتر. ولكن ما سبب استخدام المسدسَّات مثلما يحدث في الأفلام؟ توقَّف بيتر عن التفكير يائسًا، وكان لا بأس في ذلك؛ فما حدث حقيقةً كان يتجاوز قدرة عقل بيتر أو أي عقلٍ آخر على التخمين بأشواط.