القسم السابع والستون
كانت تلك هي الرسالة. عندما سمع بيتر فحوى الرسالة، أدرك أنه لم يعد هناك ما يُقال، وقال كل شيء. شعر وكأن وزنه أصبح فجأة أكبر مما يمكن لقدميه أن تتحملا، ورأى مقعدًا قريبًا فانزلق فيه، وجلس وعيناه المليئتان بالبؤس تتنقلان من جوفي إلى ماكجيفني، ومن ماكجيفني إلى هاميت، ثم تعودان إلى جوفي مجددًا.
كان كبير المحققين، رغم غضبه، رجلًا عمليًّا، لم يكن ليتمكن من إدارة عمل على هذا القدر من الأهمية والسرية لصالح شركة تراكشن تراست لو لم يكن كذلك. فدخل في صلب الموضوع. لن يمانع بيتر أن يخبره بكل شيء عن مؤامرة التفجير الملفقة، كيف تمكنا من إدارتها ومن يعرف بأمرها. وبما أن بيتر رجل عملي أيضًا، كان يدرك ألا فائدة من محاولة إخفاء أي شيء. فقَصَّ القصة من بدايتها إلى نهايتها، وركَّز بصفةٍ خاصة على توضيح أنه ونيل فقط من يعرفان السر، ولكن لا شك في أن نيل أخبرت حبيبها، تيد كروثرز، بالسر. ربما كان كروثرز هو من أحضر الديناميت. استنتج بيتر من الحوار التالي أن هذا الشاب الذي يشبه وجهه وجه كلب البولدوج كان أحد أخطر اللصوص في البلاد، ولا شك في أنه كان العقل المدبر للمؤامرة، وأنه من ورط نيل فيها، وأدار جميع خطواتها. تذكر بيتر فجأة جميع القبلات التي منحته إياها نيل في الحديقة، وشعر بالخجل يزحف على نفسه. نعم، لا شك في أنه ساذج عندما يتعلق الأمر بالنساء!
بدأ بيتر يدافع عن نفسه. لم يكن خطأه أن نيل تمكنت من خداعه. ففي معبد جيمجامبو، عندما كان حديث السن، كان مغرمًا بها بشدة. فلم تكن جميلة فحسب، بل كانت ذكية للغاية؛ كانت أذكى امرأة عرفها على الإطلاق. علق ماكجيفني بأنها كانت تتلاعب ببيتر منذ ذلك الحين، فقد كانت تعمل لصالح جوفي حينئذ، وكانت تجمع الأدلة لإلقاء القبض على باشتيان الكالاندرا وتفكيك الطائفة الغرائبية اليوثرانية. لقد أدت الكثير من المهام المماثلة لصالح الخدمة السرية لشركة تراكشن تراست في الوقت الذي كان فيه بيتر لا يزال يطوف البلاد مع بيريكليس بريام لبيع الأدوية المقلدة. استخدم جوفي نيل من قبل لإغواء قائد عمالي بارز في المدينة الأمريكية، وتمكنت من استدراجه إلى غرفة أحد الفنادق حيث قُبِض عليه، ومن ثم، وجهت ضربة قاصمة إلى أكبر إضراب عمالي معروف في تاريخ المدينة.
أدرك بيتر فجأة بأن لديه حجة دفاع جيدة. فلا شك في أن امرأة على هذه الشاكلة أصعب بكثير مما يستطيع التعامل معه! كان خطأ جوفي أن يوظف أشخاصًا على شاكلتها ثم يتركهم طلقاء! وبرقت في ذهن بيتر فجأة أنه لا بد أن نيل قد اكتشفت أنه بصدد لقاء لاكمان الصغير في فندق هوتيل دي سوتو، ولا بد أنها ذهبت إلى هناك متعمدة لتوريطه. عندما اعترف ماكجيفني أن هذا ربما يكون صحيحًا، شعر بيتر أن أصبح يمتلك دليل براءة، وبدأ في الدفاع عنه باستفاضة. لا شك في أنه كان أحمق، بل كان الأحمق الأكبر على الإطلاق، ولم يكن قادرًا على أن يقول شيئًا دفاعًا عن نفسه، ولكنه تعلم درسًا لن ينساه. لن يورط نفسه مع النساء مجددًا أبدًا، ولن ينعم بحياة الرفاهية، هذا إذا منحه السيد جوفي فرصةً أخرى …
بالطبع سخر منه جوفي. إنه لن يقبل بوجود أحمق مثل بيتر جادج ولو على بعد عشرة أميال من مكتبه! لكن توسل إليه بيتر بشكل أكثر تذللًا. كان يعرف الكثير عن الحُمْر، وأين يمكن أن يعثر السيد جوفي على شخص يعرفهم جيدًا مثله؟ كان الحُمْر جميعهم يثقون به، فقد كان شهيدًا حقيقيًّا، انظر إلى جميع تلك الشرائط اللاصقة على جسده! وقد أضاف لتوه إكليلًا أحمرَ آخر إلى جبينه. كان قد ذهب للقاء السيدة جود، وهناك تعرض لركلة من السيد جود، يمكنه أن يروي تلك القصة بالطبع، وربما يمكنه توريط بعض الحُمْر في مؤامرة ضد السيد جود. على أي حال، كانت بين أيديهم قضية جيدة ضد ماكورميك وبقية أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي. وبما أن الأمور قد آلت إلى ذلك، لم يعد التراجع عن تلك القضية خيارًا مطروحًا! وكان الشيء الضروري الوحيد هو شرح الأمور للسيد أكيرمان …
أدرك بيتر أن هذا التعليق لم يكن موفقًا. فقد نهض جوفي واقفًا مجددًا، وعاد يذرع الغرفة جيئة وذهابًا مُطلِقًا على بيتر أسماء جميع حيوانات المزرعة، وكشف دون أن يقصد أنه قد التقى السيد أكيرمان بالفعل، وأن السيد أكيرمان لم يتقبل بود خبر أن مكتب الخدمة السرية الذي يموله، والذي من المفترض أن يحميه، كان هو الطريق الذي دخل عبره مجرمان محترفان إلى منزله واخترقا خزنته وسرقا المجوهرات التي حسبا أن قيمتها تبلغ خمسين ألف دولار، ولكن قال السيد أكيرمان إن قيمتها تبلغ خمسة وثمانين ألف دولار. قيل لبيتر أن من حُسن حظه أن جوفي لم يزج به في الحفرة لما تبقى من حياته، أو يأخذه إلى سرداب ويمزقه إربًا إرْبًا. وفقًا للوضع الحالي، كان كل همه هو أن يتمكن من الخروج من مكتب جوفي، وأن يختفي من على سطح الأرض بأسرع ما يمكن. قال جوفي: «اذهب! أنا أعني ما أقول، اخرج!»
نهض بيتر وبدأ يسير مترنحًا نحو الباب. كان يفكر في نفسه: «هل أهددهم؟ هل أقول لهم إنني سأذهب إلى الحُمْر وأخبرهم بما أعرف؟» لا، من الأفضل ألا يفعل ذلك؛ فأصغر تلميح بذلك قد يجعل جوفي يضعه في الحفرة! ولكن، كيف يمكن لجوفي أن يطلق سراحه، ويخاطر بأن يفشي السر؟ في هذه اللحظة، لا بد أن جوفي يفكر أن بيتر قد يرحل، وفي نوبة غضب أو يأس قد يكشف الحقيقة لأحد الحُمْر، وحينئذ سيكون كل شيء قد انتهى إلى الأبد. لا، لا شك في أن جوفي لن يخاطر بذلك! سار بيتر ببطء شديد نحو الباب، وفتحه مترددًا، ثم وقف في مكانه مستندًا إلى الباب كأنه أصيب بضعف شديد ولم يعد قادرًا على الحفاظ على توازنه، وظل ينتظر، وينتظر …
وبالفعل، تحدث جوفي، وقال: «عد إلى هنا، أيها الكلب!» فاستدار بيتر وبدأ يسير نحو كبير المحققين مادًا يداه أمامه في دلالة على الخضوع، ولو كان في بلد شرقي، لكان قد خرَّ على ركبتيه ومرَّغ جبينه في التراب ثلاث مرات. صاح بيتر: «أرجوك، أرجوك، يا سيد جوفي! امنحني فرصة أخرى!»
قال جوفي في غضب: «إذا أعدتك إلى العمل مرة أخرى، هل ستفعل ما أقول لك، وليس ما تريد أن تفعله أنت؟»
«نعم، نعم، يا سيد جوفي.»
«ألن تلفق أي مؤامرات إلا ما أقوله لك؟»
«نعم، نعم، يا سيد جوفي.»
«حسنا إذن، سأمنحك فرصة أخرى. ولكني أقسم بالرب، إذا وجدتك تغمز لفتاة أخرى، سأقتلع أسنانك من فمك!»
رقص قلب بيتر في راحة. وقال: «أوه، شكرًا لك، شكرًا لك، يا سيد جوفي!»
قال جوفي: «سأدفع لك عشرين دولارًا في الأسبوع فقط لا غير. أنت تستحق أكثر، ولكني لا أستطيع أن أثق بك عندما تملك المال، ولك مطلق الحرية في قبول العرض أو رفضه.»
قال بيتر: «إنه مرضٍ تمامًا، يا سيد جوفي.»