القسم التاسع والستون
أصبح بيتر يشعر بسعادة غامرة لأن السلطات أصبحت مستنفَرة بشكل كامل، وعندما كان يقدم لهم حقائق جديدة، كان يشعر بالرضا عندما يراهم يُقْدِمون على التصرف بناءً عليها. كانت الإجراءات تُتخَذ بواسطة العملاء الفيدراليين، أو مكتب المدعي العام، أو شرطة المدينة والمحققين، ولكن كان بيتر يعرف أنه وبقية عملاء جوفي هم من يديرون الأمور من خلف الكواليس. كان جوفي يملك المال، فقد كان يعمل لصالح الرجال الذين ينتمون حقيقةً إلى المدينة الأمريكية، وهكذا كان جوفي هو الرئيس الحقيقي. وكان الحال على نفس المنوال في جميع أنحاء البلاد، فكان عملاء الغرف التجارية وجمعيات التجار والصناع، وكذلك «رابطة تحسين أمريكا»، ومنظمات مماثلة تعمل في الخفاء، يوقفون أعمال الحُمْر.
كان يديرون كل شيء بأسلوبهم؛ لأن البلاد كانت في حالة حرب، وكان هياج الحرب يستعر كالنار في الهشيم في جميع أنحاء البلاد، وكان كل ما عليك فعله هو تدعي أن رجلًا مؤيد للألمان أو أنه بلشفي، وأن تدعم ادعاءك بما يكفي من الحماسة، وستتمكن من جمع حشد من الناس والذهاب إلى منزله وجلده بالسوط أو تغطيته بالقطران والريش أو قتله. ظل رجال الأعمال الكبار يكرهون المحرضين لسنوات، وحانت الآن أخيرًا فرصتهم للتخلص منهم، فقد وضعوا في كل بلدة وفي كل متجر ومطحنة ومنجم شخصًا مثل بيتر جادج، «جيمي هيجينز»، ولكن من الجانب «الأبيض»، يتجسس و«يتلصص» على «جيمي هيجينز» من الجانب «الأحمر». وفي كل مكان، كان لديهم أشخاص مثل جوفي وماكجيفني لتنظيم هذه الأنشطة، وكان لديهم «رجال الذراع الطولى» بمسدساتهم المعلقة على أفخاذهم ويضعون شارات نواب الشرطة وشارات أخرى داخل معاطفهم كانت تمنحهم حقًّا غير محدود في حماية البلاد من الخونة.
كان في معسكرات التدريب ثلاثة أو أربعة ملايين رجل، وكانت تصل كل أسبوع قوافل كبيرة من الموانئ الشرقية، محملة بقوات ذاهبة إلى «الحرب». كانت ذخائر وإمدادات تُقدَّر بمليارات الدولارات تذهب، وكذلك كان كامل الشوق والحماسة الوطنية في البلاد يذهب أيضًا إلى «الحرب». قرأ بيتر المزيد من الخطب والعظات والمقالات، وكان فخورًا وسعيدًا، إذ كان يعلم أنه يلعب دورًا متواضعًا في هذه المغامرة العظيمة. عندما قرأ أن أكبر قادة الصناعة والمال كانوا يبيعون خدماتهم للحكومة مقابل دولار واحد في السنة، فبأي عين سيشتكي، وهو الذي كان يحصل على عشرين دولارًا كل أسبوع؟ عندما أعلن بعض الحُمْر في اجتماعاتهم أو في «منشوراتهم» أن قادة الصناعة والمال هؤلاء ليسوا سوى رؤساء الشركات التي كانت تفرض على الحكومة أسعارًا ضخمة وتحقق أرباحًا تتراوح بين ثلاثة وعشرة أضعاف الأرباح التي كانوا يحققونها قبل الحرب، كان بيتر يدرك أنه يستمع إلى بلشفي خطير للغاية، وكان يحمل اسم الرجل إلى ماكجيفني، وكان ماكجيفني يجري بعض اتصالاته السرية، وكان الرجل يجد نفسه فجأة بدون وظيفة، أو قد يُلاحِقه قسم الصحة في المدينة قضائيًّا بتهمة ترك سلة قمامة بدون غطاء.
بعد إلحاح مستمر، نجح الراديكاليون في إقناع القاضي بإطلاق سراح ماكورميك وبقية المتآمرين بكفالة قدرها خمسون ألف دولار لكل منهم. تسبب هذا القرار في انزعاج كبير لبيتر، فقد كان من الجلي أنه عندما تزج بأحد الحُمْر في السجن، فإنك تجعل منه شهيدًا في نظر بقية الحُمْر، بل وتجعل منه شخصيةً بارزةً في نظر المجتمع بأكمله، وإذا أطلقت سراحه مجددًا، تصبح خطاباته وتحريضاته أكثر تأثيرًا بعشر مرات من ذي قبل. فيتعين عليك إما أن تُبقي المحرضين في السجن إلى الأبد، أو ألا تزج بهم في السجن من الأساس. لكن القضاة لم يكونوا يرون ذلك، وكانت رءوسهم مليئة بالكثير من الهراء القانوني، وسمحوا لديفيد أندروز وبقية المحامين الحُمْر بخداعهم. خرج هربرت أشتون وجماعته الاشتراكية أيضًا بكفالة، وكانت جريدة «كلاريون» لا تزال تُنشَر وتُباع علنًا في أكشاك بيع الجرائد. وعلى الرغم من أنها لم تعد تجرؤ على معارضة الحرب، فإنها نشرت كل شيء غير مهذب أمكنها جمعه عن «المؤسسة التجارية العملاقة» المعروفة باسم الحكومة البريطانية، وأيضًا عن «المصرفيين الفرنسيين»، و«الإمبرياليين الإيطاليين». وطالبت بالديمقراطية لكل من أيرلندا ومصر والهند، ودافعت بلا حياء عن البلشفيين، أولئك المتآمرين الموالين لألمانيا والمعارضين لتحرير المرأة.
وهكذا مضى بيتر في جمع المزيد من الأدلة التي تدين طاقم جريدة «كلاريون»، وتدين اتحاد العمال الصناعيين العالمي. قرأ بيتر في وقت لاحق أخبارًا جيدة أفادت أن الحكومة قد اعتقلت المئات من قادة اتحاد العمال الصناعيين العالمي في جميع أنحاء البلاد، وكذلك القادة الشيوعيين على مستوى البلاد، وسيحاكَمون جميعهم بتهمة التآمر. ثم بدأت محاكمة ماكورميك، وهندرسون، وجوس ومن معهم، وأمسك بيتر بجريدة «تايمز» في صباح أحد الأيام، وقرأ على صفحتها الأولى بعض الأخبار التي حبست أنفاسه. كان جو أنجيل، أحد قادة مؤامرة التفجير، قد تحول إلى شاهد ملك! فقد أقر للمدعي العام بالدور الذي لعبه هو نفسه في خطة تفجير منزل نيلس أكيرمان، بل أقر أيضًا بكل ما فعله الآخرون؛ كيفية الحصول على الديناميت وتحضيره، وأسماء جميع المواطنين البارزين في المجتمع الذين كانوا سيشاركون نيلس أكيرمان مصيره! ظل بيتر يقرأ بشكل مستمر، وقد انقطعت أنفاسه في تعجب، وعندما انتهى من قراءة الخبر، انفجر ضاحكًا. يا إلهي، هذا لا يُصدَّق! كان بيتر قد لفق تهمةً لأحد رجال جوفي، ولا شك في أن جوفي لم يستطع إرسال هذا الرجل إلى السجن؛ لذا حوَّله إلى شاهد ملك، وأطلق سراحه، مكافأةً له على الوشاية بالآخرين!
أصبحت روزنامة المحكمة مكتظة بقضايا «التجسس»؛ رجال الدين المناهضين للحرب الذين حاولوا إلقاء خطب، والقادة العماليين الذين حاولوا التحريض على إضرابات، وأعضاء الرابطة المناهضة للتجنيد الإجباري وتلاميذهم المتهربين من الخدمة العسكرية والمتكاسلين، والفوضويين والشيوعيين وأعضاء جماعة الأصدقاء، وأعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي، والاشتراكيين و«شهود يهْوَه». كانت هناك عدة محاكمات تجري في الوقت نفسه طوال الوقت، وكان لبيتر دور في كل قضية تقريبًا، كان يُطلَب من بيتر الحصول على بعض الأدلة، أو التحقق من هيئة محلفين، أو تدبير تهديد بسيط لأحد شهود الدفاع. كان بيتر متورطًا في مصير كل قضية، وكان يعتبر كل إدانة نصرًا شخصيًّا له. ولأنه كانت هناك دومًا إدانات، بدأ بيتر ينتفخ مجددًا بالحماسة الوطنية، وتوارت ذكرى نيل دولين وتيد كروثرز في غياهب ذاكرته. عندما حُكِم على «ماك» وزملائه المفجرين بالسجن عشرين عامًا لكل منهم، شعر بيتر أنه قد كفَّر عن كل خطاياه، وتجرأ على التلميح لماكجيفني على استحياء بأن تكاليف المعيشة ترتفع طوال الوقت، وأنه أوفى بوعده بعدم النظر حتى لامرأة طوال ستة أشهر. قال ماكجيفني ألا بأس بذلك، وأنه سيرفع راتبه إلى ثلاثين دولارًا أسبوعيًّا.