القسم السبعون
بالطبع لم يكن تصريح بيتر لماكجيفني حقيقيًّا تمامًا، فقد طالت عيناه عددًا من النساء، ولكن كانت المشكلة تكمن في ألا واحدة منهن قد التفتت إليه. بادئ ذي بدء، حاول التودد إلى ميريام يانكوفيتش، التي كانت ممتلئة الجسم وجميلة الطلعة، ولكن ميريام كانت مشغولة البال بالكامل بماكورميك السجين؛ وبعد تجربتها مع بوب أوجدن، دخلت ميريام المستشفى، ولم يرغب بيتر في التلاعب بمريضة. كان بيتر يتعامل بلطف مع بعض الفتيات الحُمْر، وبدا أنهن أُعجِبن به، وكن يتعاملن معه كرفيق جيد، ولكن، بشكل أو بآخر، لم يبدُ أنهن يتصرفن وفقًا لنظريات ماكجيفني عن «الحب المتحرر». قرر بيتر أن يعثر لنفسه على فتاة ليست من جماعة الحُمْر، فهذا سيمنحه فترة راحة من حين لآخر، والقليل من المرح، فنادرًا ما كان الحُمْر يمرحون، وكانت فكرتهم في المغامرة هي الانفراد بأنفسهم في غرفة وترديد النشيد الأممي أو نشيد العلم الأحمر همسًا، حتى لا تتمكن الشرطة من سماعهم.
عصر يوم السبت، ذهب بيتر إلى متجر ملابس يديره اشتراكي، واشترى لنفسه قبعةً جديدةً وبدلةً جديدةً بالآجل. ثم خرج إلى الشارع، ورأى فتاةً صغيرةً أنيقةً تدخل إلى معرضٍ للصور، فتبعها، وبدآ يتعارفان وتناولا العشاء معًا. كانت الفتاة ما يسميه بيتر «أنيقة الملبس»، وتبين أنها تعمل في صالون للعناية بالأظافر. كانت فكرتها عن المرح تتوافق مع فكرة بيتر عنه، وأنفق بيتر كل ما كان يملك من مال مساء ذلك السبت، وقرر أنه إذا استطاع الحصول على معلومات جديدة عن الحُمْر خلال الأسبوع، سيطلب من ماكجيفني أربعين دولارًا.
كان صباح اليوم التالي هو أحد الفصح، والتقى بيتر بفتاته التي تعمل في صالون العناية بالأظافر وخرجا في موعد، وذهبا للتنزه في شارع بارك أفينيو، الشارع الراقي في المدينة الأمريكية ومكان «موكب الفصح». كانت الحرب دائرة، وكانت العديد من البيوت تعلق الأعلام، وكان العديد من الرجال يرتدون الزي العسكري، وكانت جميع الخطب تدور حول الموضوعات الحربية. بدا أن المسيح قد بُعِث من جديد لتجهيز العالم للديمقراطية، ومنح جميع شعوب العالم حقها في تقرير مصيرها؛ وكان بيتر والآنسة فريسبي يرتديان أفضل ملابسهما، ويشاهدان الحشود في «موكب الفصح»، وكانت الآنسة فريسبي تدرس أزياء النساء وزينتهن، وكانت تستمع إلى أجزاء من محادثاتهن وتنقلها إلى بيتر، وجعلت بيتر يشعر أنه عاد إلى جبل الأوليمب مجددًا.
دخلا إلى إحدى الكنائس الراقية في شارع بارك أفينيو؛ كانت تُسمى كنيسة الرحمة الإلهية، وكان جوها «راقيًا» للغاية بفضل استخدام الشموع والبخور، رغم أنك لن تتمكن من شم رائحة البخور في هذه المناسبة بسبب رائحة زهور الفصح وعطور النساء. اقتيد بيتر وصديقته إلى أحد الأرائك المغطاة بالجلد، واستمعا للقس دي ويلوبي ستوتربريدج، الخطيب الشهير، وهو يلقي واحدة من تلك الخطب الوطنية التي كانت تُنشر في جريدة «التايمز» صباح كل يوم اثنين تقريبًا. اقتبس القس دي ويلوبي ستوتربريدج بعضًا من نصوص العهد القديم التي تتحدث عن القضاء على أعداء الرب، وتَغنى بنصر الأسلحة الأمريكية، والتفوق الساحق للذخائر الأمريكية، وأدان البلشفيين وجميع الخونة الآخرين، وطالب بقمعهم على الفور، لم يقل صراحةً أنه كان ضمن الحشد الذي جلد أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي وحطم مطابع الشيوعيين وآلاتهم الكاتبة، ولكنه أوضح بشكل لا لبس فيه أن هذا ما يريد، وانتفخ صدر بيتر بالفخر والسعادة. كان إدراك المرء أنه يخدم بلاده ويحافظ على علمها خفاقًا في السماء أمر عظيم، ولكن الأكثر عظمة هو إدراكه أنه مجند لخدمة الرب، وأن السماء وجميع سكانها في صفه، وأن كل ما فعله كان مقبولًا لدى قس مُرَسَّم من السماء، ويتحدث داخل معبد الرب المقدس وسط النوافذ الملونة، والشموع المشتعلة، ورائحة البخور الساحرة، وروائح زهور الفصح وعطور الخزامى واللافندر التي تفوح من مناديل السيدات الرقيقات الرائعات من جبل الأوليمب. لا شك في أن هذا كان خلطًا للأساطير معًا، ولكن لم يهتم أحد بتعليم بيتر في صغره، ولا يمكن لوم بيتر على رؤية العظماء من الأرض على حقيقتهم، والإيمان بما علَّموه إياه.
خرجت الجوقة بزيها الأبيض، وخَبتْ موسيقى «تقدموا يا جنود المسيحية»، وخرج بيتر وفتاته من كنيسة الرحمة الإلهية وعادا يتجولان في الشارع، وعندما أزكمت رائحة الخُيَلاء أنفيهما، توجها إلى الحديقة، حيث كانت هناك أماكن خاصة للشباب المرتبطين. لكن للأسف، كانت الأقدار التي تحاول جاهدة إفساد محاولات بيتر للحب قد أعدت مقلبًا قاسيًا ذلك الصباح. عند مدخل الحديقة، التقَى بيتر بالرفيق شنيتزلمان، الجزار القصير البدين الذي ينتمي إلى «الحزب البلشفي المحلي» في المدينة الأمريكية. حاول بيتر أن ينظر في الاتجاه الآخر ويمر بجواره مسرعًا، ولكن لم يسمح الرفيق شنيتزلمان بذلك. فقد تبعه راكضًا مادًا يده البدينة أمامه، وقد رسم ابتسامة مشرقة على وجهه الوردي ذي الملامح الجرمانية، وصاح: «آه، رفيق جادج! كيف حالك هذا الصباح؟»
قال بيتر ببرود: «أنا بخير، شكرا لك.» وحاول أن يمضي قدمًا.
لكن الرفيق شنيتزلمان أمسك بيده، وقال: «حسنًا! كنت تشاهد موكب عيد الفصح! ما رأيك؟ إذا استطعنا أن نجعل جميع عبيد الرواتب يأتون ويشاهدون الموكب، سنحولهم جميعًا إلى البلشفية سريعًا! ما رأيك، أيها الرفيق جادج؟»
قال بيتر ببرود أكبر: «نعم، أظن ذلك.»
قال الرفيق شنيتزلمان ضاحكًا: «سنريهم فيمَ يُنفق المال، أليس كذلك، أيها الرفيق جادج!» فقال بيتر بسرعة: «حسنًا، إلى اللقاء.» ودون أن يُعَرِّفه بفتاته، جذبها من ذراعها ومضى مسرعًا.
ولكن، الضرر كان قد وقع بالفعل، للأسف! كانا قد سارا دقيقةً أو اثنتين في صمت ثقيل. ثم فجأةً، توقفت الفتاة التي تعمل في العناية بالأظافر عن السير، وواجهت بيتر وسألته: «يا سيد جادج، ماذا يعني ذلك؟»
وبالطبع لم يستطع بيتر الإجابة. لم يجرؤ على النظر في عينيها البراقتين، وظل يداعب حجارة الطريق بطرف حذائه، فقالت الفتاة في إصرار: «أريد أن أعرف ماذا يعني ذلك. هل أنت أحد هؤلاء الحُمْر؟»
ماذا كان بوسع بيتر المسكين قوله؟ كيف يمكنه أن يشرح صلته بذلك الرجل ذو الملامح واللكنة الجرمانية؟
ضربت الفتاة الأرض بقدمها في غضب ونفاد صبر، وقالت: «إذن أنت أحد هؤلاء الحُمْر! أنت أحد أولئك الخونة الموالين لألمانيا! أنت محتال، جاسوس!»
كان بيتر عاجزًا عن الحركة من فرط الحرج والذهول، فحاول التحدث قائلًا: «آنسة فريسبي، لا يمكنني أن أشرح لكِ …»
«لماذا لا يمكنك أن تشرح؟ لماذا لا يستطيع رجل صادق أن يشرح موقفه؟»
«لكن - لكن - أنا لست ما تظنين – هذا ليس صحيحًا! أنا- أنا-» كان بيتر على وشك أن يقول: «أنا وطني! أنا أمريكي حقيقي بنسبة ١٠٠٪، أنا أحمي بلدي من هؤلاء الخونة!» لكن الشرف المهني أجبره على الصمت، فضربت الفتاة الصغيرة الأرض بقدمها مرة أخرى، واتقدت عيناها في غضب.
«لقد تجرأت على التعرف إليَّ! وتجرأت على أخذي إلى الكنيسة! لو كان يوجد شرطي في الجوار، كنت سأبلغ عنك، كنت سأرسلك إلى السجن!» وبدأت تدير عينيها حولها بحثًا عن شرطي بالفعل! لكن من المتعارف عليه أنك لن تعثر على شرطي في الجوار عندما تبحث عن أحدهم، فضربت الآنسة فريسبي الأرض بقدمها مرة أخرى وصاحت في وجه بيتر قائلة: «وداعًا، أيها الرفيق جادج!» كان التشديد الذي وضعته على كلمة «رفيق» كافيًا لتجميد أكثر أرواح الحُمْر اتقادًا، واستدارت سريعًا وأصدر فستانها فحيحًا وسارت مبتعدة، ووقف بيتر في مكانه ينظر بحزن إلى كعبها الفرنسي الصغير وهو يبتعد مُطقطِقًا: طراك، طراك، كراك على الطريق الحصوي. وعندما اختفى الكعب تمامًا عن الأنظار، بحث بيتر عن الكرسي الأقرب منه وجلس دافنًا وجهه بين يديه، في تجسيد حي للبؤس. هل هناك رجل في العالم تعس الحظ مع النساء باستمرار كحاله؟