القسم الثاني والسبعون
كانت هناك طريقة واحدة فقط ليتمكن بيتر من الخروج من هذا المأزق، وهي أن يخبر روزي بالحقيقة. ولِمَ لا يفعل ذلك؟ كان يحبها بجنون، وكان يعلم أنها تحبه بجنون، وكان هناك شيء واحد فقط يقف عقبةً في طريق سعادتهما المثالية، سره العظيم. إذا أخبرها بذلك السر العظيم، سيكون بطلًا مغوارًا في نظرها، وسيكون أكثر روعة حتى من الرجال الذين يصدون هجوم الألمان على مارن ويكتبون أسماءهم على صفحات التاريخ السرمدية! فلِمَ لا يخبرها؟
كان في غرفتها في إحدى الأمسيات، وكان يحيطها بذراعيه، وكانت قد استسلمت له إلى حدٍ ما، ولكن ليس تمامًا. فتوسلت له قائلة: «أرجوك، أرجوك، يا بيتر. تخلَّ عن انتمائك لأولئك الحُمْر المريعين!» ولم يستطع بيتر أن يتحمل المزيد، فأخبرها أنه لم يكن ينتمي إلى الحُمْر حقًّا، بل عميل سري يعمل لحساب أكبر رجال الأعمال في المدينة الأمريكية لتتبع الحُمْر وإفشال أنشطتهم. وعندما أخبرها بذلك، حدقت روزي في وجهه مشدوهة، ورفضت تصديقه، وعندما أصر على ما قاله، سخرت منه، ثم غضبت في نهاية المطاف. كانت قصة سخيفة، وهل كان يتصور أنه يمكن أن يخدعها بهذه الطريقة؟
لذا بدأ بيتر، منزعجًا، في محاولة إقناعها، فأخبرها بأمر جوفي وشركة الأراضي والاستثمارات في المدينة الأمريكية، وأخبرها بأمر ماكجيفني، وكيف كان يلتقي بماكجيفني بانتظام في الغرفة ٤٢٧ في البيت الأمريكي. كما أخبرها عن الثلاثين دولارًا التي يحصل عليها أسبوعيًّا، وكيف سيزيدها قريبًا إلى أربعين، وسينفقها بالكامل عليها. وربما تتظاهر بأنها تحولت بفضله، وأصبحت تنتمي إلى الحُمْر هي أيضًا، وإذا ما استطاعت إقناع ماكجيفني بصدقها، فقد يدفع لها أجرًا هي الأخرى، وسيكون ذلك أفضل بكثير من العمل لعشر ساعات ونصف يوميًّا في مصنع إيزاك وجولدشتاين لصناديق الكرتون.
أخيرًا نجح بيتر في إقناع الفتاة. كانت مستسلمة ومرعوبة، ولم تكن مستعدة لشيء مثل هذا، فقالت إنها تحتاج إلى بعض الوقت للتفكير. ثم بدأ بيتر يشعر بالقلق بدوره. وقال لها إنه يأمل ألا ترفض، وبدأ يشرح لها مدى أهمية عمله، وأنه يؤديه بمباركة من أفضل الناس في المدينة؛ ليس كبار المصرفيين ورجال الأعمال فحسب، بل أيضًا العُمَد والمسئولين الحكوميين ومحرري الصحف ورؤساء الجامعات، وكبار رجال الدين في بارك أفينيو على غرار القس دي ويلوبي ستوتربريدج من كنيسة الرحمة الإلهية. وقالت روزي إن كل ذلك جيد بالطبع، ولكنها كانت تشعر ببعض الخوف وتحتاج إلى التفكير في الأمر. ثم أنهت لقاءهما في تلك الليلة فجأة، وعاد بيتر إلى المنزل وهو مرتبك للغاية.
بعد ساعة أو نحوها، سمع طرقًا قويًّا على باب غرفته في المنزل المستأجَر، فتوجه نحو الباب، ووجد نفسه وجهًا لوجه مع ديفيد أندروز، المحامي، ودونالد جوردون، وجون دوراند، العامل العملاق ورئيس اتحاد البحارة. لم يقولوا له حتى «كيف حالك»، ودخلوا الغرفة، وأغلق دوراند الباب خلفه، ووقف موليًا ظهره له، وعقد ذراعيه أمام صدره ووقف ينظر إلى بيتر وكأنه تمثال حجري لأحد زعماء الأزتيك. وقبل أن يتفوه أحدهم بكلمة واحدة، أدرك بيتر ما حدث. أدرك أن الأمور انتهت هذه المرة نهائيًّا، لقد انتهت مسيرته كمنقذ للأمة. ومرة أخرى، حدث كل هذا بسبب امرأة، حدث ذلك لأنه لم يأخذ بنصيحة جوفي بشأن تجاهل النساء!
ولكن طُرِدت جميع الأفكار الأخرى من ذهن بيتر بواسطة إحساس وحيد، الرعب. بدأت أسنانه تصطك وكأنه فأر جبلي غاضب، وأبت ركبتاه أن تحملاه، فجلس على حافة الفراش ينقل بصره بين هذه الوجوه الأزتيكية الحجرية الثلاثة. قال أندروز أخيرًا: «حسنًا، يا جادج. أنت إذن الجاسوس الذي كنا نبحث عنه كل هذا الوقت!»
تذكر بيتر تعليمات نيل: «أصِرَّ على قصتك، يا بيتر! أصِرَّ عليها!»
«ماذا تعني، يا سيد أندروز؟»
قال أندروز: «توقف عن ذلك، يا جادج. لقد تحدثنا للتو مع روزي، وكانت روزي جاسوستنا.»
صاح بيتر: «إنها تكذب عليكم!»
لكن أندروز قال: «هراء! لسنا على هذا القدر من السذاجة! كانت ميريام يانكوفيتش تتنصت من وراء الباب، وسمعت حديثك.»
وهكذا أدرك بيتر حينئذ أن قضيته خاسرة، ولم يتبق شيء سوى تحديد مصيره. هل جاءوا ليعاتبوه ويخاطبوا ضميره؟ أم أنهم يخططون لأخذه وشنقه وتعذيبه حتى الموت؟ كان هذا الرعب هو الذي يطارد بيتر منذ بداية مسيرته، وعندما تبين تدريجيًّا أن الأزتيكيين الثلاثة لا ينوون عنفًا، وأن كل ما يريدون منه هو أن يخبرهم بكم المعلومات التي نقلها إلى أرباب العمل، ضحك بيتر في نفسه، ثم انهار راكعًا وذرف دموع الخزي الحارقة، وقال إن كل ذلك حدث بسبب تلك الكذبة القاسية التي قالها ماكورميك عنه وعن الصغيرة جيني تود. كان قد صمد أمام الإغراءات طوال عام كامل، ولكنه خسر عمله بعد ذلك، ورفضت لجنة الدفاع عن جوبر إعطاءه أي وظيفة، وكان يتضور جوعًا، وهكذا قبل في نهاية المطاف عرض ماكجيفني بأن ينقل له أخبار الأنشطة الثورية للحُمْر المتطرفين. لكنه لم يقل شيئًا عن أي شخص لم يخالف القانون، ولم يخبر ماكجيفني بأي شيء سوى الحقيقة.
ثم واصل أندروز استجوابه. ونفى بيتر نقل أي أخبار تتعلق بقضية جوبر. ونفى بشدة أن له أي علاقة ﺑ «تلفيق» التهم لماكورميك. وعندما حاولوا ربطه بقضايا أخرى، استجمع كرامته فجأةً وقال إن أندروز لا يملك الحق في استجوابه، فهو أمريكي وطني بنسبة ١٠٠٪، وكان يحاول إنقاذ بلاده وربه من العملاء الألمان والبلشفيين الخونة.
كاد دونالد جوردون يفقد أعصابه عندما سمع ذلك. وقال: «ما كنت تفعله هو أنك كنت تدُس أشياءَ في كُتيِّباتِنا عن رافضي الخدمة العسكرية لكي تجعلَنا جميعًا متهمين!»
صرخ بيتر: «هذا كذب! لم أفعل قَط شيئًا من هذا القبيل!»
«أنت تعلم تمام العلم أنك محوت تلك العلامات بالقلم الرصاص التي رسمتُها فوق تلك الجملة في الكتيب.»
صرخ بيتر، مرارًا وتكرارًا: «لم أفعل ذلك مطلقًا!»
وفجأةً، ضم جون دوراند الضخم قبضتيه، واكفهر وجهه بغضب مكبوت. وقال هامسًا: «أنت جبان وضيع! ما يجدر بنا أن نفعله بك هو أن نقتلع لسانك الكاذب من فمك!» ثم تقدم خطوة كما لو كان ينوي حقًّا أن يفعل ذلك.
ولكن ديفيد أندروز حال تدخل. فقد كان محاميًا، وكان يعرف الفرق بين ما يمكن أن يفعله وما يمكن لرجال جوفي أن يفعلوه. قال أندروز: «لا، لا، يا جون. لن نفعل شيئًا من هذا القبيل. أظن أننا حصلنا على كل ما يمكننا الحصول عليه من هذا الرجل. سنتركه لضميره وربه وعصبيه القومية. هيا، يا دونالد.» وجذب الصبي ذا الوجه الأبيض الذي ينتمي إلى جماعة الأصدقاء بيد، والعامل العملاق باليد الأخرى، وأخرجهما من الغرفة، وسمع بيتر خطاهم وهم يهبطون درجات منزله، فرقد على فراشه ودفن وجهه بين الوسائد، وشعر بتعاسة شديدة؛ لأنه تعرض للخداع مجددًا، وكالعادة كانت امرأة هي من فعل ذلك.