القسم الثالث والسبعون

تمكن بيتر من رؤية كل شيء بوضوح عندما أمعن التفكير في الأمر، ورأى أنه كان في غاية الغباء. كان يجدر به أن يعرف أنه كان يتعين عليه أن يكون حذرًا في ذلك الوقت تحديدًا بعدما أصبح موضعًا للشكوك في أنه من محا علامات القلم الرصاص التي وضعها دونالد جوردون. كانوا قد اختاروا فتاة لم يرها بيتر من قبل، كانت قد جاءت وادعت أنها صديقة لميريام، وبدأت في جر بيتر من أنفه وقادته إلى حافة الهاوية ثم دفعته في داخلها. لا شك في أنها تسخر منه حاليًّا وتحكي لجميع أصدقائها عن انتصارها، وعن الثلاثين دولارًا أسبوعيًّا التي لن يراها بيتر مجددًا.

قضى بيتر جزءًا كبيرًا من الليل في تأليف القصة التي سيقصها على ماكجيفني في صباح اليوم التالي. لن يذْكُر شيئًا عن روزي ستيرن، بالطبع؛ سيقول إن الحُمْر تعقبوه حتى وصل إلى الغرفة ٤٢٧، ولا بد من أن جاسوسًا يعمل لصالحهم في مكتب جوفي. ظل بيتر يكرر على نفسه هذه القصة واجمًا، وأدرك متأخرًا هذه المرة أيضًا أنه جعل من نفسه أحمقًا. لم تكد تمضي أربع وعشرين ساعة حتى كان جميع الحُمْر في المدينة الأمريكية يعرفون التاريخ السري الحقيقي لكشف بيتر جادج جاسوس شركة تراكشن تراست. احتلت القصة صفحتين كاملتين في عدد هذا الأسبوع من جريدة «كلاريون»، وتضمنت القصة صورة لبيتر، وتفاصيل الدور الذي لعبه في العديد من التُّهم الملفقة. كانت القصة في مجملها صحيحة، ولم يستفد بيتر من حقيقة أنها كانت تخمينًا من جانب دونالد جوردون. وبالطبع، قرأ ماكجيفني وجوفي وجميع رجالهما القصة، وعرفوا حقيقة غباء بيتر التي كان بيتر يعرفها عن نفسه.

قال له ماكجيفني: «أنت لا تصلح إلا للعمل بمعول ومجرفة.» وانصرف بيتر حزينًا. لم يكن يملك في جيبه إلا بضعة دولارات لم تدم في مكانها طويلًا، ولم يكن يملك إلا النكلة الأخيرة، وأصبح يواجه ذئب الجوع مجددًا، عندما دخل ماكجيفني غرفته المستأجرة حاملًا عرضًا جديدًا. كانت ثمة مهمة واحدة متبقية، وقد يحصل عليها بيتر إذا كان يظن أنه قادر على تحمل تبعاتها.

كانت مهمة شاهد ملك. كان بيتر قد تعرف على حركة الحُمْر كاملةً، كان يعرف جميع أولئك المناهضين للحرب، والاشتراكيين، والنقابيين، وأعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي الذين أصبحوا سجناء حاليًّا. في بعض الحالات، كانت الأدلة التي تملكها الحكومة غير كافية؛ لذا قد يحصل بيتر على راتبه مرة أخرى إذا كان مستعدًّا للجلوس على منصة الشهود وقول ما يُملى عليه، وإذا تمكن من الجلوس في قاعة المحكمة دون أن يقع في حب إحدى النساء من هيئة المحلفين، أو إحدى جاسوسات الدفاع. لم تؤثر تلك التعليقات الساخرة اللاذعة في بيتر لأنه كان خائفًا للغاية من العرض الذي قدمه له ماكجيفني. أن يخرج إلى العلن ويواجه الوهج الساطع لكراهية الحُمْر! أن يضع نفسه، وهو مجرد نملة، بين قبضات العمالقة المتصارعين الهائلة!

قال ماكجيفني إن هذا الأمر قد يبدو خطيرًا حقًّا في نظر جبان رعديد مثله، ولكن كثير من الرجال امتلكوا ما يكفي من الجرأة لفعله، وما زالوا على قيد الحياة. لم يزعم ماكجيفني نفسه أنه يهتم كثيرًا بما إذا كان بيتر سيؤدي المهمة أم لا، فقد قدم له العرض بناءً على أوامر من جوفي. تلك المهمة أجرها أربعين دولارًا في الأسبوع، ويمكنه أن يقبلها أو يرفضها.

جلس بيتر في مكانه، ولم يكن في جيبه سوى خمسة سنتات وبضعة بنسات، وكان قد تأخر عن سداد إيجار غرفته لأسبوعين، ومالكة المنزل تنتظره في الردهة مثل هندي أحمر يحمل فأسه. اعترض بيتر ذاكرًا كل تلك الأمور السيئة في سجل حياته القديمة، بيريكليس بريام ومعبد جيمجامبو، وهي الأمور التي كانت قد أفسدت ظهوره كشاهد في قضية جوبر. أجاب ماكجيفني بجفاف أنه لن يستخدم هذا كعذر للاستسلام؛ سيُستدعى بيتر للشهادة باعتباره «عضوًا مُقَوَّمًا في اتحاد العمال الصناعيين العالمي»، وكلما زاد عدد الجرائم في سجله، زادت قناعة هيئة المحلفين بأنه كان «عضوًا حقيقيًّا في اتحاد العمال الصناعيين العالمي».

سأله بيتر، متى من المتوقع ظهوره؟ وأجاب ماكجيفني، الأسبوع القادم. كانوا يحاكمون سبعة عشر فردًا من «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» بتهمة المؤامرة، والمطلوب من بيتر أن يجلس على منصة الشهود ويروي ما سمعه منهم من دعوات للعنف، وتفاخر بإضرام النيران في الحظائر وحقول القمح، ووضع قنابل الفوسفور في أكوام القش، ومسامير نحاسية في أشجار الفاكهة، وأوتاد في الأخشاب المعدة للنشر، ومسحوق الصنفرة في بطانات المحركات. لا داعي لأن يقلق بيتر بشأن ما سيقوله، فسيخبره ماكجيفني بكل شيء، وسيتأكد من إطْلاعه على كل شيء، وسيجد نفسه قد نُصِّب بطلًا في الصحف التي ستوضح أنه فعل كل هذا من منطلق دوافعه الوطنية الأمريكية بنسبة ١٠٠٪، وأن الخدمة التي أداها للبلاد لا تقل خطورة عن خدمة الجنود المشاركين في الحرب.

بدا لبيتر أنهم قد يقولون ذلك دون أن تؤنبهم ضمائرهم. ولكن واصل ماكجيفني القول إنه لا يجب أن يخاف، فلم يكن في نية جوفي أن يمنح الحُمْر فرصة إخراج شاهده الرئيسي من الصورة. سيوضع بيتر في مكان آمن، وسيرافقه حارس شخصي طوال الوقت. وأثناء وجوده في المدينة للإدلاء بشهادته، سيكون محل إقامته فندق هوتيل دي سوتو.

كان هذا ما حسم الأمر بلا شك. فقد كان بيتر المسكين جالسًا ولا يملك إلا نكلة واحدة وبنسين في جيبه، ثم وُضِعت أمامه عربة من النار تجرها خيول سحرية، وكان كل ما عليه فعله هو ركوبها، ومن ثم سيُنقَل إلى جبل الأوليمب. وركبها بيتر!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤