القسم الرابع والسبعون
اصطحب ماكجيفني بيتر إلى مكتب جوفي، ولم يضع جوفي وقتًا في المقدمات، بل استدار نحو مكتبه، وأخرج وثيقةً طويلةً مطبوعةً بالآلة الكاتبة عبارة عن تقرير كامل عما يحاول الادعاء إثباته على أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي السبعة عشرة. أولًا، قص بيتر ما رآه وسمعه بنفسه، لم يكن قد سمع الكثير، ولكنه كان بدايةً جيدة، حاملًا لتعليق قصته عليه. كانت قاعة اتحاد العمال الصناعيين العالمي مكانًا لاجتماع العمال المؤقتين والمشردين من جميع أنحاء البلاد، «العمال الجائلين» الذين تعرضوا لأقوى الضربات من العالم، والذين ردوا الصاع صاعين في بعض الأحيان. لم يكن هناك ظلم لم يتعرض له هؤلاء الرجال، وكانوا يردون الضربة بمثيلتها في بعض الأحيان. كما كان هناك ثرثارون بينهم، أولئك الذين يعبرون عن مشاعرهم بتهديد أعدائهم بالانتقام. وكان يندس بينهم من وقتٍ لآخر مجرم حقيقي، ومن وقتٍ لآخر محرض مأجور، مثل بيتر جادج أو جو أنجيل. قص بيتر أسوأ ما سمع، وكل ما يعرفه عن الرجال المعتقلين، وكتب جوفي كل كلمة قالها، ثم بدأ عمله وفقًا لتلك الكلمات. ثمة رجل يُدعى آلف جينيس تشاجر مع مزارع في مقاطعة ويتلاند، وأُحْرِقت حظيرة بالقرب من مكانه، وسيرسل جوفي سيارة وبعض المحققين مع بيتر، وسيزورون موقع الحريق والقرية المجاورة، وسيتعرفون على المنطقة، وسيشهد بيتر أنه كان مع جينيس عندما أضرم هو ونصف دُزِّينة من المدعى عليهم النار في تلك الحظيرة.
لم يكن بيتر ينوي المشاركة في أمر خطير لهذا الحد، ولكن جوفي كان جادًا للغاية، وتعامل مع الأمور وكأنها طبيعية لدرجة أن بيتر خشي أن يظهر بمظهر الجبان. ففي نهاية المطاف، كان هذا زمن حرب، وكان مئات من الرجال يضحون بحياتهم كل يوم في غابة أرجون، فلِمَ لا يخاطر بيتر قليلًا ليجتث أعداء بلاده الأخطر من جذورهم؟
وهكذا انطلق بيتر واثنان من المحققين في رحلة ممتعة عبر الريف. ثم أُعيد بيتر وأُعِدَّت له إقامةٌ مريحة في غرفةٍ في الطابق الثاني عشر من فندق هوتيل دي سوتو، حيث كرَّس وقته كاملًا لدراسة الوثائق المطبوعة بالآلة الكاتبة التي جلبها له ماكجيفني، وحفظ القصة التي سيرويها عن ظهر قلب. كان أحد رجال جوفي يتجول باستمرار جيئة وذهابًا في الممر خارج الغرفة رابطًا مسدسه على فخذه؛ كانوا يُحضِرون لبيتر ثلاث وجبات كل يوم، فضلًا عن زجاجة بيرة وعلبة سجائر. وكان بيتر يقرأ في الصحف عن الأفعال البطولية لأبنائنا المشاركين في الحرب مرتين يوميًّا، وكان يقرأ أيضًا عن أحدث مخططات التفجير التي تُكتَشَف في جميع أنحاء البلاد، وعن المحاكمات المختلفة بموجب قانون التجسس.
كان بيتر يشعر بالحماسة عندما يقرأ خبرًا عن نفسه في جريدة حقيقية. حتى الآن، لم يكن قد ذُكِر اسمه إلا في الصحف العمالية، والصحف الاشتراكية مثل «كلاريون»، التي لا تُحتسب، ولكن نشرت جريدة «تايمز» المدينة الأمريكية قصة طويلة عن كيفية «زرع» مكتب المدعي العام لعميل سري داخل اتحاد العمال الصناعيين العالمي، وكيف ظل هذا الرجل، الذي يُدعى بيتر جادج، يعمل كواحد منهم طوال السنتين الماضيتين، وأنه سيكشف قصة اتحاد العمال الصناعيين العالمي المخزية كاملةً على منصة الشهود.
قبل يومين من المحاكمة، اصطحب ماكجيفني ومحقق آخر بيتر إلى مكتب المدعي العام، وأمضى القسم الأكبر من اليوم في اجتماع مع السيد بورشارد ونائبه، السيد ستانارد، اللذَيْن سينظران القضية. أخبر ماكجيفني بيتر أن المدعي العام ليس ضالعًا في عملهما السري، وأنه يعتقد حقًّا أن قصة بيتر حقيقية بالكامل، ولكن بيتر تشكك في أن ما أخبره به كان تمويهًا لحفظ ماء وجه السيد بورشارد، ولحمايته في حال حاول بيتر «إسقاطه». لاحظ بيتر أنه كلما ترك فجوةً في قصته، كان المدعي العام والنائب يطلبان منه أن يملأها، وكان يتمكن من تخمين ما يجب ملئها به.
كانت أصول هنري كلاي بورشارد تعود إلى أقصى جنوب البلاد، وكان يستخدم أسلوب الخطابة الذي عفا عليه الزمن منذ فترة طويلة. كان يطيل شعره الأسود الثقيل قليلًا، وعندما يصعد إلى المنصة، كان يطلب من الحضور إيقاف الضوضاء، ويمد يديه ويقول بنبرة عاطفية متهدجة: «النساء، بارك الله فيهن!» وكان يقول أيضًا: «أنا صديق للإنسان العادي. ينبض قلبي بالتعاطف مع أولئك الذين يشكلون العمود الفقري الحقيقي لأمريكا، عمال المتاجر والمزارع.» ثم كان جميع الحاضرين في غرفة التجارة وجمعية التجار والصُّناع يصفقون، ويرسلون شيكاتهم إلى صندوق الحملة الانتخابية لصديق البسطاء هذا. كان نائب السيد بورشارد، السيد ستانارد، ثعلبًا قانونيًّا يخبر رئيسه بما عليه أن يفعل وكيف يفعله، وكان رجلًا ضئيل الحجم نحيلًا يبدو كدودة كتب، وكان يجلس مثبتًا عينيه الحادَّتَين عليك لتسبرا أغوارك وتُراقبا نقاط ضعفك مع الاستعداد لطعنك بواحد من سيوفه القانونية. فيما عدا ذلك، كان رجلًا ودودًا قد يمازحك خلال راحة الظهيرة، على افتراض أنك ستتفهم أن كل ما يفعله من لوازم عمله، ولم يقصد به أن يتسبب في أي أضرار.