القسم السادس والسبعون
وهكذا، ذهب بيتر إلى إلدورادو، وساعد في زج أحد عشر رجلًا في السجن لفترات تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة عشر عامًا. ثم ذهب إلى فلاجلاند، وأدلى بشهاداته في ثلاثة محاكمات مختلفة، وأضاف سبعة ضحايا آخرين إلى قائمة ضحاياه. بحلول هذا الوقت، أدرك أن أسوأ ما يمكن أن يفعله الحُمْر هو أن يعبسوا في وجهه ويظهروا له أسنانهم الشبيهة بأسنان الفئران الواقعة في الفخ. كما تعلم أن يأخذ مهنته ببساطة أكبر، وكان في بعض الأحيان يجازف بالخروج لقضاء أمسيات ممتعة من دون حراسه. وأثناء اختبائه في الريف، كان يخرج في نزهات طويلة بغض النظر عن آلاف الحُمْر المتعطشين لدمه الذين قد يلتقيهم في طريقه.
وبينما كان بيتر يدلي بشهادته في فلاجلاند وصلت أخبار رائعة من أوروبا، وجن جنون المدينة فرحًا. وخرج الجميع، أطفال وعجائز، إلى الشوارع ورفعوا الأعلام، وطرقوا العلب المعدنية، وهتفوا من أجل السلام مع النصر. وعندما عرفوا أن الصحف كانت قد خدعتهم، انتظروا ثلاثة أيام، ثم خرجوا وكرروا الأمر نفسه مرة أخرى. شعر بيتر بالقليل من القلق في البداية، فقد كان يخشى من أن إحلال السلام قد ينهي وظيفته في إنقاذ البلاد، ثم أدرك أنه لا داعي للقلق، فالهجوم على الحُمْر كان مستمرًّا.
حدثت بعض الغارات على الاشتراكيين بينما كان بيتر في فلاجلاند، وأخبره المحققون أنه قد يأتي معهم من أجل المتعة. فتسلح بيتر بعصا سوداء ومسدس، وساعد في اقتحام مقر الاشتراكيين. لقد انتهت الحرب، ولكن بيتر شعر بأنه لا يزال رجلًا عسكريًّا وكأن الحرب لا تزال مستمرة، وعندما حاصر منسقًا يهوديًّا ضئيلًا للحزب المحلي في ركنٍ خلف مكتبه وبدأ يضربه على رأسه، أدرك بيتر ما كان يشعر به أبناؤنا في غابة أرجون. وعندما اكتشف الإثارة النابعة من تحطيم مفاتيح الآلات الكاتبة بحذائه، أدرك ما كان يشعر به الهونيون.
انضمَّت إلى المحققين مجموعة من الشباب الجامعيين الذين استمتعوا بذلك النوع من الأمور بسعادة غامرة. وبعدما فارت الدماء في رءوسهم، قرروا أنهم قد يقضون على حركة الحُمْر عن بكرة أبيها، فأغاروا على مكان يُدعى «المكتبة الدولية»، وكان يديرها رجل من هاواي. تفادى المالك الهجوم واختبأ في مطبخ مطعم صيني مجاور، وارتدى مئزرًا، ولكن لم يرَ أحد من قبل صينيًّا بشارب أسود، فهاجموه وكسروا عدة مقالي صينية فوق رأسه. ثم أخذوا محتويات «المكتبة الدولية» إلى الفناء الخلفي وأضرموا النار فيها، وأمسك المحققون والشباب الجامعيون أيدي بعضهم بعضًا وبدءوا يرقصون حول النار محاكين رقصة الهولا هولا الهاوايية.
وهكذا عاش بيتر حياةً سعيدةً لعدة أشهر. ربما لم تثمر واحدةٌ أو اثنتان من رحلاته شيئًا لأن قاضيًا عنيدًا رفض الاعتراف بأن أي شيء مما قاله أو فعله أي من أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي في أي وقت خلال السنوات العشر الماضية لا يُعتد به كشهادة تصلح للإدلاء بها لإقناع المحكمة بإدانة أي من أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي. ولكن كان أغلب القضاة مستعدين للتعاون مع كبار رجال الأعمال بهدف القضاء على خطر الحُمْر، وتخطى إجمالي ضحايا بيتر المائة قبل أن تنتهي الفترة المتفق عليها، ثم أرسل إليه جوفي الشيك الأخير وأطلق سراحه.
كان ذلك في مدينة ريتشبورت، وكان يضع في جيب سترته الداخلي أكثر من ألف دولار ادخرها، وشعر بأنه يستحق الاستمتاع بوقته. خرج ليتنزه في الطريق الأبيض المبهج في المدينة، وأمام إحدى دور السينما ابتسمت له فتاة ذات شعر ذهبي. كان ذلك خلال حقبة البيرة التي كانت نسبة الكحول فيها ثلاثة أرباع، فدعا بيتر الفتاة إلى كأس في إحدى الحانات، وعندما فتح عينيه مرة أخرى كان الظلام قد حل، وكان يعاني من صداع شديد، وبدأ يتحسس المكان من حوله واكتشف أنه يرقد في ركن مظلمة من أحد الأزقة. انتابه الرعب، ووضع يده على الجيب الداخلي حيث توجد محفظته، ولم تلمس يده إلا الفراغ. لقد فُتِك ببيتر مرة أخرى، وكالعادة كانت امرأة هي من فعل ذلك!
توجه بيتر إلى قسم الشرطة، لكنهم لم يجدوا المرأة أبدًا، وحتى إن وجدوها، لتقاسموا المال معها وليس مع بيتر. بدأ بيتر يتوسل إلى الرقيب في المكتب، ونجح في إقناع الرقيب بأنه كان جزءًا من آلية الدفاع عن البلاد، ووافق الرقيب على إرسال رسالة من عشر كلمات إلى جوفي. جلس بيتر ممسكًا بقلم رصاص وورقة، فيما يريد قوله، وتمكن من صياغته في عشر كلمات، جاءت على النحو الآتي: «امرأة أخرى أفلستني أريد عملًا كالسابق ادفَعْ رسوم هذه البرقية.» ويبدو أن جوفي جلس هو الآخر ممسكًا بقلم رصاص وورقة وحسب عدد الكلمات أيضًا؛ لأن الرد جاء في عشر كلمات، على النحو الآتي: «أيها الأحمق راسلتُ الأمينَ العام لغرفة التجارة سيجهز لك تذكرة.»
وهكذا ذهب بيتر من فوره إلى مقر غرفة التجارة الفخم، وأرسل الأمين العام رجل الأعمال الشاب النشيط الكُفء حاجبه ليشتري لبيتر تذكرةً ويضعه على متن القطار. في الأوقات العصيبة مثلما مرَّ به الآن، أدرك بيتر ما يعنيه أن تملك دعم منظمة عظيمة وقوية، مع مقرات فخمة وأموال جاهزة من أجل جميع الحالات الطارئة، حتى وإن أُخطِروا عبر التلغراف. فقطع على نفسه تعهدًا جديدًا بالعفة والاستقامة، حتى يحافظ على بقاء قوى القانون والنظام هذه إلى جانبه.