القسم الثامن

تقول الأسطورة إنه كان ثمَّة رجلٌ أسود يقول إنه يحب أن يصدم إصبع قدمه لأنه يشعر بالراحة عندما يتوقف الألم. وبناءً على المبدأ نفسه، قضى بيتر وقتًا سعيدًا في مستشفى سجن المدينة الأمريكية. فكان ينام على سريرٍ مريح، ويحصل على طعامٍ وفير، ولا يُطلَب منه فعل أي شيء على الإطلاق. بدأت مفاصله المتألمة تُشفى تدريجيًّا، وكان وزنه يزداد نصف رطل يوميًّا، وبدأ عقله المشوَّش يعمل لدراسة الظروف المحيطة به، ولاكتشاف كيف يمكنه أن يجعل هذه الظروف المريحة تستمر وأن يضيفَ إليها الرفاهيات الصغيرة التي تجعل الحياة تستحق العيش حقًّا.

كان المسئول عن المستشفى رجلًا عجوزًا يُدعى دوبمان، عُيِّن في هذا المنصب لأنه عمُّ أحد أعضاء بلدية المدينة، وظل في منصبه طوال السنوات الست الماضية، وزاد وزنه خلال تلك الفترة بسرعةٍ تماثل تقريبًا سرعة زيادة وزن بيتر. وكان قد أصبح في حالةٍ لا يُحب معها النهوض من كرسيه المريح إذا كان يمكنه تجنُّب ذلك. اكتشف بيتر ذلك؛ ومن ثَم، وجد أنه قادرٌ على أن يجعل نفسه مفيدًا بطرقٍ غير ملحوظة. وأيضًا كان السيد دوبمان يمارس رذيلةً سرًّا؛ إذ كان يستنشق مسحوق التبغ، ومراعاةً للانضباط لم يرغب في أن يعرف أحدٌ تلك الحقيقة المخزية عنه. لذا، كان ينتظر حتى ينشغل الجميع عنه قبل أن يستنشقَ بعض التبغ؛ وعرف بيتر ذلك، وكان يُشيح بوجهه بعيدًا عنه في مراعاة.

كان جميع العاملين في المستشفى يمارسون رذائلَ سرية، وكان من واجب السيد دوبمان قمْع رذائل الآخرين. كان نزلاء المستشفى يضمُّون العديد من السجناء الذين يملكون الكثير من المال ويمكنهم دفع مقابل توفير الراحة لأنفسهم. كانوا يريدون التبغ، والويسكي، والكوكايين وأنواعًا أخرى من المخدرات، وكان بعضهم يتحين الفرصة لممارسة أهوالٍ لا يمكن ذكرها. كانوا على استعداد لإنفاق كل المال الذي يمكنهم تهريبه إلى داخل المستشفى مقابل أن يُشبعوا رغباتهم بحرية. أما بالنسبة إلى العاملين في المستشفى، فكانوا جميعًا إما معيَّنين لأسبابٍ سياسية، أو منبوذين فَشِلوا في الحفاظ على وظيفة في مجال التجارة، وكانوا يبحثون عن وظيفةٍ مريحة، مثل بيتر نفسه. كانوا يتقاضَون الرشاوى وكانوا على استعداد لتقديم رشوة إلى بيتر ليخدع السيد دوبمان؛ أما السيد دوبمان، فعلى النقيض، كان على استعداد لمكافأة بيتر بالعديد من المزايا إذا ما وافق على أن يجلب له معلوماتٍ سرية. في مثل هذا الوضع، كان من الممكن لرجلٍ في مثل ذكاء بيتر أن يجمع مبلغًا معقولًا من المال.

كان بيتر يأخذ صف دوبمان في أغلب المواقف؛ فقد علَّمته تجربةٌ مريرة أن النزاهة تؤتي ثمارها في نهاية المطاف. كان بقية أفراد الطاقم يُطلِقون على دوبمان اسم «العجوز»، ولم تخلُ حياة بيتر، منذ نعومة أظفاره، من بضعة «عجائز» من هذا القبيل يكونون مصدر السلطة ومنبع راحة الإنسان. كان أولهم هو «العجوز» دراب، الذي كان يرتدي نظارةً خضراء من الصباح الباكر حتى وقتٍ متأخر من الليل، ويضع على صدره لافتةً تقول «أنا كفيف»، وكان يجعل طفلًا صغيرًا مُتعَبًا يسحَبه من يده في الشوارع. وفي الليل، عندما يعودان إلى غرفتهما فوق السطح، كان «العجوز» دراب يخلع نظَّارته الخضراء، وكان قادرًا تمامًا على رؤية بيتر، وإذا ما ارتكب بيتر أي خطأ ولو طفيفًا خلال اليوم، كان يضربه.

عندما قُبِضَ على دراب، نُقل بيتر إلى دار أيتام، وكان هناك «عجوز» آخر، ودرس الخضوع القاسي نفسه الذي يتعيَّن تعلُّمه. هرب بيتر من دار الأيتام؛ ثم جاء بيريكليس بريام مع مُسكِّن الألم الخاص به، وكان بيتر يدرُس أهواءه ويخدم مصالحه. عندما تزوج بيريكليس من أرملةٍ ثرية وطردت بيتر من المنزل، ذهب ليعيش في معبد جيمجامبو؛ حيث كان «العجوز» هذه المرة هو توشبار أكروجاس، المدير العام، وكان مخيفًا عندما تُعارِضه، ولكنه كان منبعًا سخيًّا للخيرات عندما تتعلم كيفية مداهنته، وتستغل نقاط ضعفه، وتُسهِّل حصوله على مُتَعه. طوال تلك السنوات، كان على بيتر أن «يثني ركبتَيه خضوعًا» وأصبح يفعل ذلك غريزيًّا؛ غريزة تعود إلى ما يزيد عن العشرين عامًا من حياته الواعية التي تعود إلى عشرين ألف سنة، وربما عشرة أضعاف العشرين ألف سنة تلك، وصولًا إلى العصر الذي كان فيه بيتر يجلس عند مدخل أحد الكهوف يشحذ حجر الصوان ليصنع رءوس الرماح، ويشوي نخاع العظم من أجل «عجوز» عند أطراف القبيلة، ويرى الشباب المتمردين يُطرَدون ليصبحوا فرائس للنمور السيفية الأسنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤