القسم الثمانون
عاد اتحاد العمال الصناعيين العالمي للظهور مرة أخرى في المدينة الأمريكية، بل وتجرأ على افتتاح مقر آخر له. لم يجرؤ بيتر على الذهاب إلى المكان بنفسه، ولكنه دَرَّبَ بضعة شباب أحضرهم له ماكجيفني، وعلمهم المصطلحات التي يستخدمها الحُمْر، وكيفية التسلل إلى الحركة. ولم تمر فترة طويلة قبل أن يصبح أحدهم أمينًا للحزب للمحلي، وكان بيتر، الذي كان يشرف على أنشطتهم، يتلقى تقاريرهم مرتين أسبوعيًّا عن كل ما يخطط له «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» ويفعلونه. كان بيتر وجلاديس يفكران في كيفية تلفيق مؤامرة تفجير أخرى للفت الانتباه إلى هؤلاء الرجال الخطرين، عندما كان بيتر يتصفح الجريدة الصباحية ذات يوم، واكتشف أن العناية الإلهية قد سلمت له العدو لقمة سائغة.
في منطقة الحطابين في أقصى الشمال الغربي، في بلدة صغيرة تدعى سنتراليا، تعرض مقر «اتحاد العمال الصناعيين العالمي» للتفتيش ودُمِّر تمامًا، مثلما حدث في المدينة الأمريكية. فحددوا لأنفسهم مكانًا آخر ليجتمعوا فيه، ومرة أخرى عقد أعضاء غرفة التجارة وجمعية التجار والصُّناع اجتماعًا سريًّا وقرروا القضاء عليهم. تواصل «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» مع السلطات طلبًا للحماية، وعندما رفضت السلطات حمايتهم، طبعوا منشورًا يناشد الجمهور أن يحميهم. ولكن هذا لم يثن رجال الأعمال عن الاستمرار في تنفيذ خططهم، فنظموا موكبًا للجنود العائدين في ذكرى يوم الهدنة، وأعادوا توجيه هذا الموكب خارج مساره حتى يمر أمام مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي. حمل بعض الأعضاء الأكثر حماسة حبالًا، الأمر الذي كان يرمز لما كانوا ينوون فعله، ثم أوقفوا الموكب أمام المقر، وأطلقوا صيحةً وبدءوا في اقتحام القاعة. تمكنوا من تحطيم الباب، وكانوا قد قطعوا نصف الطريق عبره عندما فتح «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» النار من الداخل، الأمر الذي أدى إلى مصرع عدد من المشاركين في الموكب.
وبالطبع، اندفع الحشد بغضب جارف، وضربوا الرجال في القاعة ففقد بعضهم الوعي؛ ثم زجوا بهم في السجن، وضربوهم وعذبوهم، وأخرجوا أحدهم من السجن وأخذوه في سيارة، وبعدما شوهوه كما شوهوا شون جرادي، علقوه من أحد الجسور مشنوقًا. ولا شك في أنهم تأكدوا من أن القصص التي تنشرها صحف سنتراليا في تلك الليلة هي القصص التي يريدونها، وفي صباح اليوم التالي، قرأ الشعب الأمريكي بالكامل أن مجموعة من «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» قد سلحوا أنفسهم بالبنادق، واختبئوا على سطح مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي، وأطلقوا النار عمدًا وبدم بارد على موكب سلمي لقدامى المحاربين غير المسلحين.
وبالطبع، عمَّ الغضب أنحاء البلاد، وأدرك أمثال جوفي وماكجيفني وجادج في جميع أنحاء الولايات المتحدة أن فرصتهم قد حانت. أمر بيتر الأمين العام المحلي لاتحاد العمال الصناعيين العالمي في المدينة الأمريكية أن يعقد اجتماعًا ذلك المساء بغرض إصدار بيان يعلن أن القصص التي نشرتها صحف سنتراليا كاذبة. في الوقت نفسه، دعا رجل آخر من رجال جوفي، وكان ضابط جيش سابق لا يزال يرتدي زيه الرسمي، إلى عقد اجتماع للفيلق الأمريكي، وألقى خطابًا غاضبًا على الجنود، وفي تمام التاسعة من تلك الليلة، خرج نحو أربعين منهم من سياراتهم مسلحين بمفاتيح إنجليزية ضخمة، وداهموا مقر اتحاد العمال الصناعيين العالمي، وضربوا أعضائه على رءوسهم بالمفاتيح الإنجليزية، الأمر الذي أدى إلى قفز بعضهم من النوافذ وانكسار أرجلهم. في صباح اليوم التالي، نشرت جريدة «تايمز» المدينة الأمريكية خبرًا عن الحادث مصحوبًا بعبارات الاستحسان، وأصدر المدعي العام بورشارد بيانًا عامًّا يفيد بأنه لن تُبذل أي جهود لمعاقبة هؤلاء الجنود، لقد كان «أعضاء اتحاد العمال الصناعيين العالمي» يريدون «تحركًا مباشرًا»، وها هم قد حصلوا عليه، ومن المفترض أنهم راضون.
بعد ذلك واصل جنود الفيلق الأمريكي، بعدما شجعهم هذا الاحتفاء، وبتحريض من ضابط الجيش السابق التابع لجوفي، غزو وتدمير جميع أماكن تجمعات الراديكاليين في المدينة. فدمروا مكتب مجلة «كلاريون» ومقر الحزب الاشتراكي مجددًا، وصادروا أطنانًا أخرى من الكتب. كما دمروا بعض المكتبات، ثم قسموا أنفسهم إلى مجموعات صغيرة وفحصوا جميع أكشاك بيع الجرائد في المدينة، وأينما وجدوا مجلات تابعة للحُمْر مثل «الأمة» أو «الجمهورية الجديدة»، كانوا يمزقون نسخها ويهددون البائعين بالاعتقال. أغاروا كذلك على مقر جمعية أدبية تسمى نادي راسكين، يرتادها في الغالب سيدات مسنات لطيفات، الأمر الذي تسبب في إصابة بعض من تلك السيدات المسنات بالهستيريا. ثم اكتشفوا «نادي الشعب الروسي» الذي لم يكونوا قد التفتوا إليه حتى تلك اللحظة لأنه كان مؤسسة تعليمية. ولكن لا شك في أنه لا يمكن الوثوق في أي روسي في تلك الأيام، فقد كانوا جميعهم إما بلشفيين، وإما في طريقهم لأن يصبحوا بلشفيين، ولا فارق بين الحالتين، فرتب جوفي لمداهمة لهذا المبنى، وضُرِب نحو مائتي روسي بالهراوات وأُلقوا على الدرج أو من النوافذ، وكُسرت جمجمة مدرس رياضيات مسن، وضُرِب مدرس موسيقى وحُطِّمَ بعض أسنانه.
كان ثمة عدة ملايين من الشباب الأمريكي الذين أُجبروا على ارتداء الزي العسكري، ووُضعت البنادق في أيديهم، ودُربوا على الرماية واستخدام الحراب، ولكنهم لم يشاركوا في أي معركة. كان هؤلاء الشباب، كما يُقال، «يتحرقون للقتال»، وكانت هذه فرصتهم. كان الأمر ممتعًا مثل حرب الخنادق تمامًا، بل وكان يتميز عنها بانعدام خطورته. عندما عادت فرق المداهمة، لم يكن هناك أعضاء مفقودين، ولا ضحايا لإرسال خبر وفاتهم تلغرافيًّا إلى آبائهم المفجوعين. اجتمعت بضع نساء حمقاوات وحاولن تنظيم موكب للاحتجاج على الحصار المفروض على روسيا، فهاجم المداهمون أولئك النساء، وحطموا راياتهن، ومزقوا ملابسهن، واعتقلت الشرطة ما تبقى منهن وزجت بهن في السجن. وحدث أن رجلًا شهيرًا من «هواة الرياضة»، رجلًا دائم التردد على مضمار السباق، ظهر مرتديًا ربطة عنق حمراء، وظن المداهمون أنه بلشفي، فانهالوا عليه ضربًا حتى كادوا يودون بحياته. بعد ذلك احتج أناس يعتقدون أنه من غير المناسب انتهاك الكثير من القوانين أثناء الدفاع عن القانون والنظام، فرتب مكتب المدعي العام تعيين الجنود الشباب نوابًا للشرطة، ومنحهم شارات قانونية ونظامية.