القسم الحادي والثمانون
كان بيتر جادج يذهب عادة مع فرق الصيد هذه. وبشكل غريب للغاية، اكتشف بيتر في نفسه «التعقيد» نفسه الذي يحتل نفوس الجنود الشباب المحبطين. ظل بيتر يقرأ أخبار الحرب طوال خمس سنوات، لكنه لم يُصِب حظًّا من القتال، ولكنه اكتشف الآن أنه يحب القتال. وكان ما حال بينه والاستمتاع بالقتال في الماضي هو خطر التعرض لإصابة، ولكن الآن، وبما أنه لم يكن ثمة خطر من هذا القبيل، كان قادرًا على الاستمتاع به. كان الناس ينعتونه بالجبن في الماضي، وظل يسمع هذا الوصف يناله حتى صَدَّقه، ولكنه أدرك الآن أن هذا ليس صحيحًا، فقد كان شجاعًا مثل أي شخص آخر في المجموعة.
في واقع الأمر، لم يقض بيتر وقتًا سعيدًا في شبابه، فلم يتعلم ضرب كرة بيضاء صغيرة في أنحاء ملعب بمضارب مختلفة الأشكال والأحجام، مثلما تعلم الأعضاء الأصغر سنًا في غرفة التجارة وجمعية التجار والصُّناع. كان بيتر أشبه برجل أعمال فاتته طفولته، ثم في السنوات اللاحقة بدأ يشعر بالحاجة إلى الاستجمام، وبدأ في ممارسة بعض أنواع الرياضة بأوامر من طبيبه. أصبحت الرياضة التي يهواها بيتر هي وضع مسدس أوتوماتيكي في جيبه، والإمساك بهراوة في يده، والاندفاع إلى داخل غرفة اجتمع فيها ثلاثين أو أربعين روسيًّا أو «يهوديًّا» من جميع الأعمار وأطوال اللحى ليحاولوا جاهدين تعلم تعقيدات هجاء اللغة الإنجليزية. كان بيتر يطلق صيحة، ويرى هذا التجمع يقفز ويتفرق في جميع الاتجاهات، فكان يطاردهم في أنحاء المكان ويكيل ضربة على الرأس عندما يلمح أحدهم، ثم كان يقفز بين حشد من الناس جُمِعوا معًا مثل الأغنام محاولين حماية رءوسهم، ويكيل لهم الضربات على الأماكن المكشوفة من أجسامهم حتى يتفرقوا مجددًا. كان يهوى إلقاء الكثير منهم على الدرج ليتدحرجوا رأسًا على عقب، أو إذا ما تمكن من جعلهم يقفزون من النوافذ، فقد كان ذلك أكثر إمتاعًا، وكان يصيح ويصرخ في وجوههم. كما تعلم بعضًا من صيحاتهم، رغم أنها بلغة غريبة غير مفهومة، وكان يسبهم بلغتهم. لا بد أن أسلافه كانوا من القرود، فبعدما أصبح يعرف هؤلاء الناس على نحو أفضل، تمكن من تقليد سلوكياتهم وأمارات الرعب التي تظهر عليهم، وكان يجعل أفراد غرفة كاملة مليئة ﺑ «الثيران» ينفجرون ضحكًا حتى تؤلمهم جنوبهم. كان ثمة ممثل «أفلام» كوميدي شهير بقدمين كبيرتين، وكان بيتر يقلد هذا الرجل، ويميل نحو عامل مسكين غارق في عرقه ويركله في مؤخرته، أو يدهس أصابع قدميه، أو ربما يبصق في عينه. وهكذا أصبح ذا شعبية كبيرة بين «الثيران»، وكانوا يصرون على أن يذهب معهم أينما ذهبوا.
في وقت لاحق، عندما شرعت الحكومة في تفكيك الحزب الشيوعي وحزب العمال الشيوعي، ازداد شعبية ومكانة بيتر أكثر فأكثر. فقد أصبحت الشرطة والمحققون الآن يجمعون السجناء ويعتقلونهم بالمئات، بدلًا من مجرد المداهمة والتحطيم، ثم ينقلونهم ويخضعونهم ﻟ «فحوصات». وكان بيتر مطلوبًا دائمًا لهذا الغرض، فمعرفته الخاصة بهم جعلته لا غنى عنه، وأصبح عمليًّا رئيس هذه الإجراءات. رتب «شورتي» جونتون والعملاء «السريون» الآخرون أن يُعقَد اجتماعَا الحزب الشيوعي وحزب العمال الشيوعي في الليلة نفسها؛ وحدث نفس هذا الأمر في جميع أنحاء البلاد، وفي صباح اليوم التالي صُدِم العالم بالأخبار التي تفيد بأن جميع هذه الاجتماعات دوهمت في الوقت نفسه، ووُضِع آلاف الشيوعيين رهن الاعتقال. وفي المدينة الأمريكية، استأجرت الحكومة الفيدرالية نحو عشرة غرف متاخمة لمكتب جوفي، ولم يتوقف جلب دفعات من السجناء طوال الليل وحتى صباح اليوم التالي، حتى بلغ عدد السجناء نحو أربعمائة إجمالًا. كُدِّس هؤلاء السجناء في تلك الغرف، ما منحهم مساحة تكفي بالكاد للجلوس، ولا شك في أنه كان هناك ضجيج رهيب، وصراخ وأنين أولئك الذين تعرضوا للضرب، ورائحة تفوق سوءًا قفص القرود في حدائق الحيوان.
احتُجز السجناء في هذا المكان لعدة أسابيع، وكان يُجلَب المزيد منهم طوال الوقت، وكان عددهم كبيرًا للغاية بدرجة دفعتهم إلى احتجاز النساء في المراحيض. ومرض العديد من السجناء، أو ادعوا المرض، وجُنَّ العديد منهم، أو ادعوا الجنون، وتوفي عديدون، أو تظاهروا بالموت. ولا شك في أن الشيوعيين والمتعاطفين كانوا في الخارج منشغلين بإثارة جلبة فظيعة حول الأمر. لم تعد بحوزتهم صحف أخرى، ولم يتمكنوا من عقد المزيد من الاجتماعات، وعندما حاولوا توزيع منشوراتهم، كانت سلطات البريد تصادرها، ولكنهم تمكنوا بطريقة ما من الحصول على بعض الدعاية، وكان عملاء بيتر «السريون» يبلغونه بهوية من يؤدي هذا العمل، وكان بيتر يرتب المزيد من المداهمات وجلب مزيد من السجناء. خلال أحد «مؤامرات التفجير» التي اكتُشِفت في شرق البلاد، اكتشفوا ورقًا ورديًّا، إما كان يُستخدَم في طباعة المنشورات، وإما لإخفاء المتفجرات، لم يتمكن أحد من معرفة ذلك يقينًا. على أي حال، وزعت الوكالات السرية التي كان جوفي على اتصال بها عينات من هذا الورق في جميع أنحاء البلاد، وعندما كانت الشرطة ترغب في التخلص من أحد هؤلاء الشياطين المساكين، كانوا يعثرون على هذا «الورق الوردي» القاتل في حوزته، وكانت الصحف تصفه بأنه أحد أعضاء مجموعة المتآمرين الذين يرسلون المتفجرات عبر البريد.