القسم التاسع
اكتشف بيتر أنه شخصٌ ذو حيثية في هذا المستشفى؛ فقد كان «الشاهد الرئيسي» في قضية جوبر المثيرة التي كانت المدينة برمَّتها تتحدث عنها، بل البلاد بأكملها في واقع الأمر. كان معروفًا أنه أصبح «شاهد ملك»؛ ولكن ظل ما كان يعرف وما أفصح عنه سرًّا عظيمًا، وكان بيتر «يُطبِق فمه» وتظاهر بالخطورة واستمتع بكونه شخصيةً مهمة.
ولكن في الوقت نفسه لم يكن هناك سببٌ يمنعه من الاستماع إلى أحاديث الآخرين؛ لم يكن هناك سببٌ يمنعه من تعريف نفسه بجميع تفاصيل تلك القضية حتى يتمكَّن مستقبلًا من الاعتناء بنفسه. استمع إلى ما قاله ذلك «العجوز» دوبمان، وإلى ما قاله جان كريستيان، مساعده السويدي، وإلى ما قاله جيرالد ليزلي، مدمن الكوكايين. كان لكل هؤلاء، من بين آخرين، أصدقاء في الخارج، أشخاص «مطلعون». كان بعضهم يقول شيئًا، وكان البعض الآخر يقول نقيضه تمامًا؛ ولكن كان بيتر يجمع تلك المعلومات معًا ويستخدم ذكاءه المشحوذ بالدهاء في تفنيدها، ولا تمُر فترةٌ طويلة قبل أن يصبح مقتنعًا بأنه قد توصَّل إلى الحقائق.
كان جيم جوبر زعيمًا عماليًّا بارزًا تمكَّن من تنظيم صفوف شركة تراكشن تراست ودعا إلى إضرابٍ هائل وتولى قيادته. كما دعا أيضًا إلى إضرابات في مجال البناء، وقال البعض إنه فجَّر المباني غير المكتملة بالديناميت وجعلها مادة لسخريته. على أي حال، كان رجال الأعمال في المدينة يريدون وضعه حيث لا يعود بوسعه إزعاجهم أكثر من ذلك؛ وعندما ألقى بعض المجانين المجهولين قنبلة ديناميت على مسار موكب يوم الاستعداد الوطني، قرَّر كبار رجال الأعمال في المدينة أن تلك هي الفرصة التي كانوا يبحثون عنها. كان جوفي، الرجل الذي تولى مسئولية بيتر، رئيس الخدمة السرية في شركة تراكشن تراست، ومنَحَه كبار رجال الأعمال في المدينة السلطة الكاملة للتصرف. كانوا يريدون نتائج؛ لذا، لم يُحاوِلوا أن يجرِّبوا حظوظهم مع شرطة المدينة الفاسدة العديمة الكفاءة. أودَعوا جوبر السجن، مع زوجته وثلاثة من جماعته، واستخدموا صحافة المدينة في نشر حملةٍ دعائية هدفها إعداد الرأي العام لإعدام أولئك الخمسة جميعهم شنقًا.
ولا شك في أن كل هذه المعلومات لم تكن لتؤرِّق بيتر، فقد كان جيم جوبر مجرد اسم بالنسبة إليه، وكان أقل أهميةً من وجبةٍ واحدة من وجباته. فهم بيتر ما فعلَه جوفي، وكانت الضغينة الوحيدة التي أكنَّها له هي أن جوفي لم يكن ذكيًّا بما يكفي لكي يُخبره بقصته من البداية، بدلًا من أن يبدأ بليِّ ذراعه حتى يكاد يخلعها من مكانها. ولكن عندما أمعن بيتر في التفكير، أدرك أن جوفي كان يقصد، بلا أدنى شك، تعليمه درسًا، لكي يضمن ولاءه. وتعلَّم بيتر الدرس بالفعل، وأصبح هدفه حاليًّا أن يوضِّح ذلك لجوفي ودوبمان.
كان جوفي قد قال له: «أطبِق فمَك»، ولم يتفوه بيتر بكلمةٍ واحدة عن قضية جوبر. ولكنه تحدَّث، بالطبع، عن أمورٍ أخرى. لا يمكن للمرء أن يتجوَّل مثل المومياء طوال اليوم، وكانت نقطة ضعف بيتر هي أنه يُحب أن يحكي عن مغامراته، وعن الطرق الذكية التي استخدَمها في خداع آخر «عجوز» التقاه. ومن ثَم، قصَّ على جيرالد ليزلي، مدمن الكوكايين، قصة بيريكليس بريام، وكيف ساعد في خداع الشعب ليُخرِجوا من جيوبهم آلاف الدولارات ويعطوه إياها، وكيف قُبض عليه وعلى بيريكليس مرتَين بتهمة الاحتيال. كما حكى عن معبد جيمجامبو، وجميع الأمور الغريبة التي لا تُصدَّق التي حدثت فيه. قدَّم باشتيان إلكالاندرا، الذي نصَّب نفسه كاهنًا أكبر لمذهب الغرائبية اليوثرانية، نفسه لأتباعه على أنه في الثمانين من عمره، بينما كان عمره في الواقع أقل من أربعين عامًا. كان يقول إنه أميرٌ فارسي، ولكن الحقيقة أنه وُلد في بلدةٍ صغيرة في إنديانا وبدأ حياته كصبي بقَّال. وكان يقول إنه يعيش على بضع ثمارٍ من الفاكهة، ولكن كانت مهمة بيتر اليومية أن يساعد في تحضير شريحة لحمٍ كبيرة أو دجاجةٍ مشويَّة من أجله. كان اللحم أو الدجاج «بغرض التضحية»، كما كان النبي يقول لمساعديه؛ وكان بيتر يحصل على بقايا لحم ودجاج التضحية، وكان يضحِّي بها في معدته خلف باب المخزن. كانت هذه واحدةً من المزايا التي اكتسبها، حفظ سر بعض السرقات التي اقترفَها المدير العام توشبار أكروجاس وعدم إخبار النبي بها.
كان معبد جيمجامبو مكانًا رائعًا. كانت هناك مذابحُ غامضة مع سبعة ستائر أمامها، وكان الكاهن الأكبر يظهر من بينها مرتديًا رداءً طويلًا كريمي اللون مع حوافَّ ذهبية وبنفسجية، وخُفٍّ مطرَّز باللون الوردي وغطاء رأس يحمل رمز المذهب. كانت محاضراته وطقوسه الدينية يحضرها المئات، العديد منهم من سيدات المجتمع الثريَّات اللاتي كُن يأتين إلى المعبد في سيارات الليموزين الخاصة بهن. كما كانت هناك مدرسة؛ حيث كان يتعلم الأطفال أساسيات الطقوس الغامضة للطائفة. كان النبي يأخذ هؤلاء الأطفال إلى مسكنه الخاص، وكانت ثمَّة شائعاتٌ رهيبة انتهت بمداهمة الشرطة للمعبد، وهروب النبي، وكذلك الكاهن الأكبر، وبيتر جادج، خادمه وكاتم أسراره.
ظن بيتر أيضًا أنه من الممتع أن يخبر جيرالد ليزلي عن مغامراته مع كنيسة هولي رولرز التي انجرف نحوها أثناء بحثه عن وظيفة. كان بيتر قد انضَم إلى هذه الطائفة، وتعلَّم فن «التحدث بلغاتٍ غير مفهومة»، وكيفية السقوط من على المقعد أثناء نوبات تشنُّج المجد السماوي. كان بيتر قد اكتسب ثقة القس جماليل لونك الذي وظفه سرًّا للترويج بين أعضاء الجماعة لفكرة زيادة راتب ذلك المتشنِّج الذي لا يتقاضى راتبًا كافيًا. ولكن تسبَّبت بعض الأمور التي عرفها بيتر في أن ينتقل إلى طائفة شوميكر سميثرز الذي كان يُحاول إقناع الجماعة بأنه يمكنه الدوران بسرعة أكبر بكثير من القس جماليل. لم يحتفظ بيتر بهذه الوظيفة الأخيرة إلا لبضعة أيام قبل أن يتم فصلُه بسبب سرقة الدونات المقلية.