بين الأمل واليأس
وصلت إلى أسوان كالساهر الذي طوى الليالي وصالًا بغير راحة، ثم ركن بجنبه لحظة واحدة إلى طرف الفراش.
إنه في سهرته يواصل الحركة ولا يبالي متى يرقد ليستريح، ولكنه يرقد لحظة واحدة فلا يدري متى هو قادر على النهوض.
كنت أجور على جسدي ولا أعرف لهذا الجور حدودًا يرجع عنها؛ لأن تلك الحدود لم تصدمني قط بصخرة من صخورها، ولا بحاجز من حواجزها …
وكنت أحضر ندوة الزملاء عند ميدان المديرية بالزقازيق، ثم أعبر المدينة في ليالي الشتاء إلى مسكني على حافة كفر الصيادين … فلا أكترث للمطر ولا للبرد، ولا ألبس المعطف، ولا أحمله تخففًا من مؤنة حمله على الذراع، وهو معلق في حجرة الدار يعلوه الغبار …
وكنت أقضي اليوم في حدائق القبة على وجبة واحدة من الخبز والجبن، أو من الخبز والفول، ولا يخطر لي أن إهمال الغذاء ضرر أذكره لحظة بعد ذهاب الجوع.
وكنت أفتح الكتاب الجديد، فيروقني ما قرأته فيه، فلا ألقيه من يدي حتى أفرغ منه آخر الليل، ولا ضياء في البيت غير شمعة أو مصباح ذي فتيل …
وكنت أحسب أن سفرتي إلى أسوان ضرورة ألجأتني إليها قلة «المصروف» في القاهرة، فلما وصلت إلى أسوان علمت أنها ضرورة ما في ذلك جدال … ولكنها ضرورة الإفلاس في ذخيرة البنية وأعصابها، وليست بضرورة الإفلاس في ذخيرة الجيب! …
وقد وقع في خلدي أنني أزداد نشاطًا في بلدتي؛ لأنها مصحة للجسم ومصحة للنفس بين الأقرباء والأعزاء، فعجبت بعد أيام حين رأيتني أفقد النشاط لأيسر الأعمال، وكنت أحسبه تيارًا متجددًا لا يقبل النفاد …
تجمعت المتاعب دفعة واحدة، وبدا لي كأنني مريض بكل داء، معروف وغير معروف … ولا مرض هناك غير الركود والإعياء بإجماع الأطباء، ومنهم الفطاحل العالميون الذين يفدون إلى المدينة مشتغلين، أو يفدون إليها في حواشي الأمراء …
وتملكتني فكرة الموت العاجل، فأدهشني أنني لم أجد في قرارة وجداني فزعًا من هذه الفكرة، وكدت أقول لنفسي: إنني أطلبها ولا أنفر منها …!
وإخال أن صدمة اليأس كانت أشد على عزيمتي من صدمة المرض، أو على الأصح، من صدمة الإعياء …
وأشد ما أصابني من هذا اليأس أنه كان يأسًا من جميع الآمال، ولم يكن يأسًا من أمل واحد …
خلاصة الأمل
كان يأسًا من معنى الحياة، ومن كل غاية في الحياة؛ لأنني قبل ذلك بشهر عكفت على القراءة في كتب «الفلسفة المادية»، وأكثرت من النظر في مذهب النشوء والارتقاء، فلاح لي أنه أصدق من أقوال خصومه المتعصبين الذين تصدوا للرد عليه بين الأوروبيين باسم الدين، ولاح لي من النظرة الأولى على غير روية فيه أنه يهبط بالإنسان إلى حضيض الحيوان، ولا يُبقي بينه وبين السماء معراجًا واحدًا يرتفع عليه …
وكذلك كتبت في مقدمة كتابي «خلاصة اليومية» أن «الإنسان حيوان راقٍ ولكنه حيوان» …
وقصة «الخلاصة» هذه هي قصة الأمل الذي بقي عندي يومئذ في شهرة الأدب، وفي عدد الأيام التي أقضيها قبل ظهور هذا الكتاب، وكنت أظنني مبالغًا إذا حسبتها بأكثر من الأيام!
هو الموت إذن كما استقر في خلدي بلا أثر ولا خبر … وهو الموت إذن أمضي إليه صفر اليدين من مجد الأدب ومن مجد الدنيا، ومن كل مجد يبقى بعد ذويه …
وهل هذا يليق؟ يا ضيعة لرجاء المجد المتطلع إلى عشاقه وعباده؟ … فهل أقل من هدية في اليد تجبر خاطر العرف على أبواب الأبدية؟ وهل يقال: إنه يجلس على الأبواب في انتظار زيارة فارغة اليدين؟
ويجوز أنني كنت أطيق في تلك الغاشية أن أوفي القربان المطلوب بتصنيف كتاب من وحي الساعة والمناسبة، ولكنني عدلت عنه لضيق الوقت، والشك في اتساع الأجل … ويجوز أنني قنعت بما تيسر ووجدت أن الخطب أهون من أن أتكلف له عملًا أحاوله، وأستنفد به الفضلة الباقية من مطالب العمر المحدود … فإذا كان ما تيسر كافيًا فذاك، وإن كان للمجد ضريبة أغلى مما تيسر فله أن يتقاضاها حيث يلقاها … فلا خير في وجود بغير الموجود …
وما تيسر يومئذ هو «خلاصة اليومية».
يوميات اليأس!
و«اليومية» هذه هي دفتر صغير كنت أقيد فيه الخواطر والتعليقات، وأبادر إلى إيداعه أبيات الشعر التي نظمتها ولم أتممها قبل أن أنساها، أو رءوس الموضوعات التي نظرت فيها ولم أفرغ من دراستها، أو ملاحظات الطريق ونوادر الأحاديث العابرة التي أعاودها في مناسباتها، وقد اجتمع عندي من هذه اليوميات دفاتر ثلاث سنوات … فلما وقع في وهمي أنني سأذهب — بغير أثر ولا خبر — تصفحت هذه الدفاتر، ونقلت منها صفحات متفرقة تشتمل على جميع نماذجها، وبعثت بها إلى صديق في القاهرة أقول له: إن هذه الصفحات هي كل ما أتركه إذا تركت الحياة، فإن وجدني أهلًا للذكر ووجدها أهلًا للنشر فتلك كرامة الصديق الراحل على الصديق الباقي، وإلا فلا حرج عليه أن يهمل نشرها ويسلمها للنسيان يطويها حيث طواها في زاوية من زواياه …
ولبثت هذه «الخلاصة» المخطوطة سلاحًا من أسلحة الفكاهة والنكاية يشحذه إخواننا الذين عرفوا القصة ولم يتورعوا عن استغلالها … فمنهم من يقول متململًا: متى تظهر خلاصة اليومية؟ لقد طال الأمد على انتظارها … ومنهم من يقول مستمهلًا كلما شكرت أو التمست العلاج: على رسلك بالله …! إن المطابع مشغولة في هذه الأيام … فاصبر هنيهة حتى تفرغ لطبع خلاصتك وأمثالها …!
وما برحوا يستعجلونني ويستمهلونني حتى أرحتهم وأرحت نفسي بطبع خلاصة اليومية بعد أن أضفت إليها وحذفت منها، وكان من التوفيقات التي لم أترقبها أنها نفدت في أقل من ستة شهور، فلم يبق من ألفي نسخة طبعتها منها غير مائة أو نيف ومائة، وهو نجاح غريب لكتاب ولدته فكرة يائسة من الحياة …
الأكاذيب المتفق عليها!
ولقد عاش معي وهم الموت حقبة في أسوان، وعاش معي حقبة أخرى في القاهرة … بعد أن رجعت إليها في وقدة الصيف، ولكنني التفت فلم أجده معي في شاطئ الإسكندرية يوم ذهبت إليها لأول مرة، بل وجدتني مع عرائس البحر وعرائس الشعر في لجة من لجج الأمل والمغامرة، وبرحت الإسكندرية بعد شهرين لأبحث عن عمل بالقاهرة … أين؟ أفي الصحافة؟ كلا … فما زالت الصحافة في مثل محنتها التي عهدتها يوم انتهيت من عملي فيها … أفي التدريس؟ … كلا أيضًا … فإن المدارس قد بدأت عملها، ولا معرفة لي بأحد من أصحابها …
ولم يطل بحثي هذه المرة؛ فإنني وجدت «المأوى» الذي لا بد منه في عمل بين الصحافة والوظيفة، أو بين خدمة الميري والخدمة الحرة، فعملت في قلم السكرتارية بديوان الأوقاف …
كان الأستاذ «عبد الرحمن البرقوقي» — رحمه الله — قد أصدر مجلته «البيان»، وكتبت فيها بعض الفصول، ومنها تلخيص لكتاب «ماكس نوردو» المشهور عن أكاذيب المدنية الحاضرة …
وكان من دأب الشيخ البرقوقي أن يسأل شيوخ الأدب رأيهم في مقالات المجلة وأبوابها … فسأل حافظ عوض، وسأل مصطفى صادق الرافعي، وسأل محمد المويلحي صاحب عيسى بن هشام، فانتقد حافظ عوض عنوان الكتاب كما ترجمته المجلة، وزاد انتقاده في ثقة الشيخ بكاتب هذه السطور؛ لأنني ترجمت عنوان الكتاب «بالأكاذيب المتفق عليها»، واقترح الشيخ البرقوقي أن «نسجعه» ليوافق أسماء الكتب فجعلناه «الأكاذيب المقررة في المدنية الحاضرة» … فلما جاءه النقد من بعيد — وهو على عادته سريع التصديق — قال لي: إنه لن يرفض رأيي مطاوعة لرأي السجعة بعد الآن …
وسأل مصطفى صادق الرافعي فزاده انتقاده ثقة بي كذلك؛ لأنه قال لي: إنه يسمع حكمه في البيان العربي، ويرفضه فيما عداه، ولا سيما كتابه «الفكر ومباحث العصر الحديث»، وقد أنحى الرافعي على «نوردو» وعلى كاتب هذه السطور، فحسنت هذه الشهادة المعكوسة عند الشيخ …
ولقي صاحبنا المويلحي فسأله عني قائلًا: بماذا يشتغل هذا الشاب؟
قال الشيخ: بلا شيء!
قال: أتراه يعيش على شيء من ميراث جده العقاد؟
فأفهمه الشيخ أنني لا أنتمي إلى «السيد حسن موسى العقاد» المشهور، وأنه لا قرابة بيني وبين ذلك البيت، وأنني أعيش بالقليل مما يردني من أهلي، وبالقليل من أجور المقالات أو فصول الكتب المترجمة … فقال المويلحي مبتسمًا: «إنه أولى بالوظيفة من أكثر «التنابلة» الذين عندنا في هذا «الديوان»، فطلبتها؛ فأجيب طلبي لساعته بغير امتحان …»
وقد كان ديوان الأوقاف في تلك الحقبة مجمع الأدباء والشعراء من شيوخ وشبان … كان فيه محمد المويلحي، وأحمد الأزهري صاحب مجلة الأزهر، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري، وعبد العزيز البشري، وحسين الجمل، وحسن الدرس، وعلي شوقي، ومحمود عماد، ومصطفى الماحي، وغيرهم من «المحررين» المغمورين … وكان عملي الأول فيه مساعدًا لكاتب المجلس الأعلى بقلم السكرتارية، وهي وظيفة من أخطر وظائف الديوان في ذلك الحين.
سمسرة الخديو
وكأنما هي قسمة واحدة تلقاني على صور متعددة في جهات مختلفة … فكلما اشتغلت بعمل من الأعمال وجدته في إبان أزمة من أزماته، أو مرحلة من مراحل الاضطراب في تاريخه، وأول هذه الأعمال عملي في وظائف الحكومة بإقليمي قنا والشرقية …
ففي هذين الإقليمين بدأت أول حركة من حركات الشكاية الاجتماعية بين الموظفين بعد الاحتلال، ولم تزل قائمة حتى انتهت بزيادة الحد الأدنى لمرتبات الوظائف إلى خمسة جنيهات، والشروع في تعديل نظام العلاوات وقانون المعاشات.
واشتغلتا بالتحرير الصحفي يوم كانت الصحافة المصرية في أحرج أوقاتها بعد قيام الأحزاب، وقبل إعادة قانون المطبوعات …
ثم هأنذا أشتغل بديوان الأوقاف، وهو ميدان المعركة الحامية بين السلطة الشرعية والسلطة الفعلية، وطلاب الإصلاح، ولست بآسف على هذه القسمة التي تسوقني إلى الأعمال في إبان أزماتها ومراحل اضطرابها، فقد كانت أنفع لتربيتي النفسية من فترات الهدوء والاستقرار … وكان عملي في ديوان الأوقاف بين سنتي ١٩١٢ و١٩١٤ أكثر من عملي في وظيفة من وظائف الارتزاق، فقد كنت أجهل الكثير من حقائق بلدي، ومن أسرار شئونه العامة لو لم أقض تينك السنتين في ذلك الديوان …
كانت يد الخديو مطلقة في وظائفه وأمواله … وكان مع الأسف الشديد يحتكرها لإشباع نهمه من المال والدسيسة، ولا يأبى أن يسف إلى الاختلاس من أموال الصدقات، واستباحة السمسرة على صفقات الاستبدال … وشاعت في تلك الأيام قصة أرض المطاعنة التي أخذ فيها الخديو لنفسه ستين ألف جنيه باسم «العمولة أو الوساطة»، وعاد بعدها فتعقب كل من عارضوه ووقفوا له في طريقه من الموظفين النزهاء، فعاقبهم على الأمانة واليقظة بالفصل والإهمال … وكان المحتلون يحاربون الخديو على تقليد النزاع بين السلطتين، ويأبون عليه أن يستأثر بهذه الحكومة الصغيرة في داخل الحكومة الكبيرة، ويعلمون أنهم لا يستطيعون المساس بالمعاهد الدينية، فيرجعون سرًّا إلى الآستانة لجس النبض في دار الخلافة، والتماس الفتوى من شيخ الإسلام بجواز الرقابة الرسمية على نظار الأوقاف، وعلى ناظرهم الكبير وهو أمير البلاد …
وكان طلاب الإصلاح يهتمون بأمر واحد، وهو القضاء على المفاسد في ديوان يرتبط به نظام المعاهد الدينية أشد الارتباط … فلا أمل في إصلاح هذه المعاهد، ولا في إصلاح القضاء الشرعي معها، ولا في إصلاح الأزهر بفروعه ما لم تكن إدارة الأوقاف خاضعة للرقابة العلنية خارجة من تلك العزلة، التي جعلتها أشبه شيء بضيعة من ضياع الخاصة الخديوية، مع الفارق بين ضيعة يغار عليها مالكها، وضيعة يبددها من يملك الأمر فيها …
مقالات بلا توقيع
وبين هذا المضطرب عملت في الديوان … والقلم الذي عملت فيه هو حومة المعركة في ميدانها؛ لأنه القلم الذي تمر به مذكرات مجلس الإدارة ومذكرات المجلس الأعلى، وهذه هي المذكرات التي تعرض فيها مسائل الموظفين وقضايا الصفقات …
والسنة التي عملت فيها بالديوان هي السنة التي انتهت بتحويله من ديوان إلى نظارة، وصدور الأمر بعرض ميزانيته على مجلس النظارة، والجمعية التشريعية …
ولقد كانت فضائح الأوقاف سرًّا مباحًا لكل من يميل إليه بأذنيه … فليس فيها من باب أولى سر يخفى على موظف في قلم السكرتارية يتصل كل يوم بموظفي الديوان ممن يشتغلون بمسائل المذكرات، التي تعرض على مجلس الإدارة أو المجلس الأعلى …
وقد هالني ما علمت من فضائح الديوان بعد فترة وجيزة، وإن كنت لا أجهل قبل ذلك أنها شيء يهول …
وكنت أتكلم ولا أتحفظ …
وربما كتبت إلى الصحف بعض المقترحات لإصلاح الديوان بغير توقيع، وربما تحدثت بها في المجالس التي أختلف إليها، وكلها في بيئات الأدباء المدرسين بمدارس العباسية الأهلية حيث كنت أقيم …
وكان الأستاذ حسين روحي الإيراني صاحب إحدى المدارس الكبيرة في العباسية البحرية، وكان يعمل في ساعات من اليوم بالترجمة في دار الوكالة البريطانية، فجاءني عصاري ذات يوم يقول معتذرًا: أرجو أن تغتفر لي غلطة وقعت فيها بغير إذنك!
قلت: خيرًا … فما أظن أنني عرضة منك لغلطة تضير؟
قال: إنهم سألوني اليوم عن مقترحاتك في الصحف وأنا أترجمها لهم، فقلت: إنني أعرف كاتبها، وذكرت لهم أنني أراك في كثير من الأيام … فهل يغضبك ما فعلت؟
قلت: إنني كما تعلم كنت مستعدًّا أن أكتب في الصحف بتوقيعي لو كنت أستطيع ذلك مرتين، دون أن يبادروني بالفصل من الوظيفة، فلا لوم عليك ولا حرج عليَّ …
قال: ليس هذا كل ما في المسألة … فإن السكرتير الشرقي يريد أن يلقاك فهل لديك مانع؟
قلت: لا مانع لديه، فما المانع لدي؟
قالوا: لا يزال صغيرًا
وبعد يومين لقيت مستر ستورز مع الأستاذ حسين روحي، فاستهل الحديث بالكلام على الأدب وعلى برنارد شو … ثم استطرد إلى الكلام على الصحافة، وأكثر من الكلام على صحيفة «المؤيد» وقرائها ومحرريها، ثم مضى مستطردًا إلى الكلام على الأوقاف، فسألني عن صفقة منوية على أرض يملكها عين مشهور من أعيان القليوبية، وعجبت لعلمه بخبرها وهي لا تزال في دور التحضير الأول، ولما تصل مذكرة من مذكراتها إلى قلم السكرتارية …
ثم بدرت منه كلمة جافية لا أدري كيف جرى بها لسانه، إلا أن يكون قد تعود الجهر بأمثالها، ولم يتعود من أحد أن ينكرها عليه، فقال: ألا ترى أن حرمان الأوقاف من الرقابة الأجنبية هي علة هذه المفاسد التي شاعت فيها؟!
فصدمتني هذه الكلمات النابية، ولم ألبث أن أجبتها بحدة ظاهرة، فقلت: إن المجلس البلدي الإسكندري يتمتع برقابة أجنبية من كل جنس وملة، ولا أظنكم تحسبونه مثلًا من أمثلة النزاهة والنظام …
فتنبه وسكت، ثم استأنف الحديث ليختمه بعبارة صالحة للختام، واستأذن هنيهة ثم عاد قائلًا: إن اللورد — يعني كتشنر — كان يسره أن يراك لولا أنه يخرج الساعة إلى موعد سريع …
فنهضت وودعت، وصادفني اللورد على باب المكتب، فأومأ بالتحية ومضى في طريقه، وجاءني الأستاذ حسين روحي في المساء يقول ويضحك: ماذا صنعت يا أخانا … إن الرجل أجفل من جوابك الصارم، ولكنه قال: إن حديثك كان شائقًا جدًّا …
•••
وأراد الأستاذ روحي أن يصرف الموضوع، فقال: إن مسألة «المؤيد» كانت عندهم أهم من مسألة الأوقاف، ويلوح لي أنهم كانوا يودون لو توليت تحريره، وكانوا يظنونك أكبر سنًّا من عشرةٍ لعشرين، ولكنهم حسبوا عليك جريرة الشباب، وقالوا: إنه لا يزال صغيرًا.
وهكذا عدنا إلى حديث الصحافة من طريق ديوان الأوقاف، وهكذا سنعود إليه بعد قليل …