عهد رعمسيس الرابع (حوالي ١١٦٨ عام)
حقا ماعت رع ستبن آمون | رعمسيس ماعتي مري آمون |
(١) مقدمة
تولى الحكم بعد «رعمسيس الثالث» الذي تحدثنا عنه في الجزء السابق سلسلة ملوك يحمل كل منهم اسمه، بيد أنه لم يكن واحد منهم في مضاء عزيمته وروحه الوثاب، ونشاطه العظيم، ومع ذلك فإن «رعمسيس الرابع» كان يمتاز من بين هؤلاء الرعامسة بميوله الأدبية، وحبه إقامة الآثار، كما سنتحدث عن ذلك في حينه.
(٢) تولي «رعمسيس الرابع» عرش الملك
وقد كتب أخيرًا في هذا الصدد الأستاذ «شادل» مقالًا ممتعًا؛ فحص فيه كل الأبحاث السابقة فوافق على بعض ما جاء فيها، وناقض بعضها الآخر بما لديه من حجج وبراهين. ومع ذلك لم يصل إلى نتيجة حاسمة، وقد أوردنا بعض آراء هؤلاء الكتاب في هذا الموضوع في الجزء السابق من هذه المجموعة (راجع: مصر القديمة ج٧).
والواقع أن هذا الموضوع بأكمله يُمِيط اللثام عنه ما جاء في كثير من الوثائق، التي وصلت إلينا مكتوبة على قطع «الإستراكا» العديدة التي عثر عليها في حفائر قامت حديثًا في «دير المدينة» «بطيبة الغربية». وما جاء بصدده في ورقة «هاريس» الكبرى التي تحدثنا عنها بالتفصيل في الجزء السابق؛ وكذلك ما جاء في ورقة «تورين» الخاصة بالمؤامرة التي قد دبرت لاغتيال «رعمسيس الثالث»؛ وقد فصلنا القول فيها كذلك في الجزء السالف (راجع: مصر القديمة ج٧).
وأول موضوع يجب بحثه هنا هو التاريخ الذي بدأ فيه «رعمسيس الرابع» حكم البلاد. وقد أثبت أولًا الأستاذ «شرني» — على حسب ما جاء على «الإستراكون» رقم ٣٩، التي عثر عليها في «دير المدينة»، وكذلك ما جاء على قطعة بردي محفوظة بمتحف «تورين» (رقم ١٩٤٩ + ١٩٤٦) — أن اليوم السادس عشر، من الشهر الحادي عشر، من السنة الثانية والثلاثين، هي السنة التي تغير فيها الحكم بوفاة «رعمسيس الثالث»، وتولى بعده مباشرة خلفه «رعمسيس الرابع».
وقد أُعلن ذلك رسميًّا في اليوم السالف الذكر بين عمال الجبانة في «طيبة الغربية». وهذا التاريخ يمكن التسليم بصحته قطعًا، إذ ليس هناك ما ينقضه حتى الآن.
غير أن لدينا بعض الشك والإبهام عن المدة التي كانت بين يوم وفاة الفرعون «رعمسيس الثالث»، واليوم الذي بدأ فيه «رعمسيس الرابع» حكمه.
وهنا يطيب للمرء أن يسأل إلى أي ملك يشير هذا التاريخ الأخير؟ فيقول الأستاذ «شرني»: إنه الملك «رعمسيس الرابع»، ويستند في قوله هذا على «إستراكون» أخرى رقم ٤٥ تشير إلى ذلك، وقد كُتبت في وقت واحد مع «الإستراكون» رقم ٤٤ — على ما يظهر — بيد رئيس عمال من الذين كانوا يعملون بالتناوب في جبانة «طيبة». وعلى ذلك فإنه من الجائز جدًّا أن «الإستراكون» رقم ٤٤ هي كذلك من عهد «رعمسيس الرابع».
ومن هنا استنبط أن «الإستراكون» رقم ٤٥ لا بد أن تكون من عهد «رعمسيس الخامس» وأن الملك الذي جاء ذكره فيها هو «رعمسيس الرابع»، ثم قال: إن تناوب رؤساء العمال قد حدث في مدة أطول من السابقة، وقد وصل إلى أنه في السنة الأولى من حكم «رعمسيس الرابع»، وكذلك من حكم «رعمسيس الخامس» كان رئيس العمال يعمل في نفس اليومين، ومن أجل ذلك خرج بالنتيجة التالية: وهي أن تناوب رئيس العمال لا يمكن أن يكون برهانًا قاطعًا لكلا الرأيين، ولا بد أن يكون رأي الأستاذ «شرني» غير ممكن.
ومن جهة أخرى فإن الرأي الذي أدلى به «بورخارت»، وهو القائل: بأن «الإستراكون» رقم ٤٥ تحدثنا عن تدنيس حصل لقبر «رعمسيس الرابع» المتوفى، فتكون من عهد «رعمسيس الخامس». وقد نقض هذا الرأي «شرني» بقوله: إن ترجمة «بورخارت» لهذا النص خاطئة.
والآن يجب أن نبحث فيما إذا كان يوجد لدينا مصدر تاريخي يقطع بأن تاريخ اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر من سنة تغيير الملك لا يتفق مع تاريخ تتويج أحد هذين الفرعونين اللذين نحن بصددهما، وهما «رعمسيس الرابع» و«رعمسيس الخامس». وعلى ذلك يكون من الجائز أن الملك الآخر قد توج في هذا اليوم أو على الأقل بدأ حكمه في هذا التاريخ.
ومن الضروري على أية حال أن نسأل عن معنى كلمة «ظهور» — أي: ظهور الملك — في الأصل؟ وأي يوم في السنة يتفق مع سنة تغيير الحكم كما جاء في «الإستراكون» رقم ٤٤.
والواقع أن السنة الأولى من حكم أي فرعون جديد كانت تبتدئ بيوم «الظهور» هذا، وقد اعترف كل من الأستاذ «شرني» والأثري «بورخارت» أن هذا الظهور للفرعون يكون هو وتتويجه في يوم واحد. وكلمة «الظهور» في اللغة المصرية «خعي» تعني عندما تضاف إلى الفرعون أنه قد ارتقى العرش. فهذه الكلمة لا تعني تتويج الفرعون بل تعني بداية حكمه، وهذا «الظهور» الذي به يبتدئ حساب سِنِي حكم الفرعون هو بداية زمن حكمه، ويمكن تشبيهه بإعلان تولي الملك العرش. وهذا ما ذكره الأستاذ «زيته» في كتابه الخاص بتمثيلية «الرمسيوم». (راجع مصر القديمة ج٣) إذ يقول: «إن الاحتفال بعيد التتويج يبتدئ في أماكن عدة من البلاد. وكانت هذه الأحفال تحدث قبل دفن الملك القديم، وقد كانت أيضًا موضوع التمثيلية التي كانت تمثل في هذه الآونة.»
ومن المهم إذن أن نعلم أن التتويج الخاص الذي كان يقام على هيئة رواية تمثيلية تمثل موت «أوزير» وتتويج ابنه «حور» بدلًا منه على عرش مصر يقع في المدة التي بين يومي ممات الفرعون ودفنه، لا بعد الدفن. وذلك يدلنا على الحادث الحاسم وهو أن تسلم الفرعون الجديد مقاليد الأمور كان يقع قبل انتهاء السبعين يومًا المخصصة للحداد على الفرعون المتوفى.
وكان ذلك الحادث في الواقع يُعد أول «ظهور» الفرعون، يضاف إلى ذلك أنه كان من المستحيل على أي ملك جديد أن يقضي سبعين يومًا بعد ممات سلفه دون أن يبتدئ سني حكمه، ويظهر في البلاد ملكًا فعليًّا. وليس لدينا ما يدعو إلى الشك في التحدث عن الاحتفال بعيد تتويج الملك، كما يتحدث عن «ظهوره» وكما يتحدث عن العيد الثلاثيني أو أي عيد آخر. ولكن «الظهور» الذي كان يبدأ به حساب سني الفرعون لم يكن هو عيد التتويج، بل هو بداية إعلان حكمه.
ولا يتفق هذا اليوم مع يوم ممات الفرعون؛ إذ كان «ظهوره» الأول إجراء حكوميًّا غاية في الأهمية، يجتمع من أجله عظماء الدولة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن بد من إخبار المصالح الحكومية المختلفة بتغير الجالس على العرش، كما كان من الضروري أن تؤرخ كل الوثائق، حكومية وغير حكومية — على نسق واحد — بالسنة الأولى من حكم هذا الملك الجديد. وذلك لا يتأتى بين عشية وضحاها بسبب صعوبة المواصلات، وبعد الشُّقَّة بين أطراف البلاد، وبخاصة في عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين إذ كانت عاصمة الملك وقتئذ «قنتير» (بر رعمسيس) الواقعة في شمال الدلتا، في حين كان الوزير يسكن «طيبة» الجنوب، أي إن المسافة بين البلدين كانت تبلغ حوالي ٨٣٠ كيلومترًا.
والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: كم من الوقت كان يلزم لجمع رؤساء رجال الحكومة والكهنة في مجلس البلاط. والواقع أن السعاة كان في مقدورهم أن ينقلوا الأخبار من عاصمة الملك «قنتير» إلى «طيبة» في أربعة أيام، كما كان في مقدور الوزير أن ينحدر في النهر من «طيبة» إلى «قنتير» في قارب سريع في بضعة أيام.
وعلى أية حال يجب أن يتصور الإنسان أنه كانت توجد في مصر في هذه الفترة — وبخاصة في عهد الدولة الحديثة، التي بلغت من المدنية شأوًا عظيمًا — طرق لتوصيل الأخبار الهامة بوساطة إشارات المشاعل، والدق على الطبول بحيث يمكن الوزير وهو في طيبة أن يعرف أخبار عاصمة الملك في يوم وليلة.
ومن أجل ذلك ينبغي للإنسان أن يسلم بأن أول «ظهور» للملك قد احتفل به بعد موت الفرعون بتسعة — أو عشرة — أيام، وهي المدة التي كان يمكن أن يجتمع فيها عظماء الدولة المبعثرون في أنحاء البلاد في عاصمة الملك. ومما سبق يمكن أن نستبعد الرأي القائل بأن «رعمسيس الخامس» أصبح ملكًا، وأنه احتفل في اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر بعيد «ظهوره». وبذلك يمكننا أن نؤكد تاريخيًّا تسلم «رعمسيس الرابع» في هذا اليوم مقاليد الحكم، كما أشار إلى ذلك من قبل الأستاذ «شرني».
أما التاريخ الذي كان معروفًا حتى الآن بأنه هو بداية حكم «رعمسيس الرابع»، وأعني بذلك اليوم الرابع عشر من الشهر الأول من سني تغير الحكم — وهو التاريخ الذي جاء على «الإستراكون» المحفوظة بمتحف «تورين»، وهي التي دون عليها أنشودة مدح لهذا الفرعون، فيحتمل أن يكون إما يوم الفراغ من كتابة هذا المتن، أو اليوم الذي بدأ فيه أحد أعياد التتويج بعد انقضاء مدة الحداد وليس بيوم بداية حكم هذا الفرعون. وعلى ذلك يكون حساب «بورخارت» — الذي يؤكد فيه أن اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر هو يوم تتويج الملك «رعمسيس الخامس» — لا قيمة له على حسب الزعم القائل بأن يوم التمام هو اليوم الذي يحدث فيه تتويج؛ ولهذا لا يمكن الاعتماد عليه بوصفه تاريخًا مؤكدًا.
ويظهر أن كلام «بورخارت» القائل بأن التتويج لا بد أن يحدث في يوم اكتمال القمر مجرد نظرية لم يحققها الواقع من الأمثلة التي لدينا حتى الآن، وينبغي أن يظل في دائرة النظريات ما لم يؤيده متن مصري معروف يخبرنا أن تتويجًا معينًا قد حدث في يوم تمام معين من شهر بعينه. وبذلك يمكن أن نسميه تتويج الملك القمري.
ومما سبق يمكن معارضة نظرية «بورخارت» هذه التي تحتم أن يكون تتويج الفرعون في يوم اكتمال القمر.
ويمكن أن نؤكد هنا أن «رعمسيس الرابع» قد بدأ يحكم في اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر، وأن تغيير العرش هذا قد أُعلن رسميًّا في اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر في جبانة «طيبة» على لسان قائد الشرطة. وعلى ذلك فلا بد لنا من تفسير تاريخ ثالث جاء في ورقة «هاريس»، وهو اليوم السادس من الشهر الحادي عشر. فنحن نعرف أولًا أن الأستاذ «إرمان» قد برهن على أن هذا اليوم هو يوم وفاة «رعمسيس الثالث». وبذلك يكون هذا الفرعون قد ظهر في «ورقة هاريس» على أنه يحدثنا من العالم الآخر، ولا بد أن نسلم بذلك ما لم توجد لدينا براهين قاطعة تدحض هذا الرأي.
وجوابًا على ذلك نقول: إنه في اليوم السادس من الشهر الحادي عشر مات الفرعون «رعمسيس الثالث» في مقر ملكه «قنتير» (بر رعمسيس) بالوجه البحري (راجع مصر القديمة ج٧). وبعد تسعة أيام من وفاته — وهي المدة التي تذكر لنا فيها ورقة «تورين» الخاصة بالمؤامرة على حياة الفرعون أن محكمة قد شكلت لمحاكمة المجرمين — نرى قيام الاحتفال بظهور «رعمسيس الرابع» في اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر. وفي هذا اليوم ابتدأ الحساب الجديد بسني الفرعون الجديد. وفي اليوم التالي لذلك — وهو اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر — أعلن رسميًّا تغير عرش الملك بجبانة «طيبة».
ولا نكون بعيدين عن الصواب إذا سلمنا بأن إعلان تولي الملك الجديد عرش الملك كان لا بد أن يتم في وقت واحد في جميع أنحاء البلاد، وهذا أمر تدعو إليه الحاجة إلى تسيير أمور الدولة ومصالحها الحكومية على وتيرة واحدة. فقد كان من الضروري أن تكون تواريخ كل المكاتبات الرسمية والخاصة واحدة في جميع أنحاء البلاد. وبدهي أن ذلك الإجراء كان ممكنًا وعمليًّا داخل حدود مصر نفسها، أما في مستعمراتها النائية فكان يتطلب كثيرًا من الوقت لإعلان نبأ بداية حكم الملك الجديد.
وبهذه المناسبة نجد من الأهمية بمكان بقاء «إستراكون» محفوظة بالمتحف المصري جاء عليها الإعلان الرسمي بتغير الجالس على العرش. ففي اليوم التاسع عشر من الشهر الخامس من السنة السادسة أعلن في جبانة «طيبة» موت الملك «سيتي الثاني»، وفي الوقت نفسه أعلنت بداية حكم الملك الجديد، وهذا يشبه ما حدث وذكرناه آنفًا عند تغير الجالس على العرش بعد موت «رعمسيس الثالث» في اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر على لسان رئيس الشرطة نفسه في غربي «طيبة». وخلافًا لذلك تذكر لنا نفس «الإستراكون» أن نفس اليوم قد أرخ بالسنة الأولى من حكم الفرعون الجديد، وهو «رعمسيس سبتاح» (راجع مصر القديمة ج٧).
ولا نزاع في أن وجه الشبه بين هذين المثالين، اللذين يرجع عهدهما للدولة الحديثة عن تغير الجالس على العرش لا يجعلنا نتردد في أن هذا الإجراء كان الطريقة المتبعة وقتئذ، وأن السنة الجديدة لحكم الفرعون الجديد كان يبتدئ الحساب بها رسميًّا.
وعلى ذلك فإن بداية حكم «رعمسيس الرابع» — أي: ظهوره — وهو اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر، قد نشر في اليوم التالي له مباشرة الإعلان الرسمي بتولي هذا الفرعون عرش البلاد، ومن ذلك نستنبط أنه عقب موت الملك كان يعلن في كل مصالح الحكومة الهامة أنه بعد يوم الظهور مباشرة، لا بد أن يكون التاريخ بالسنة الجديدة للفرعون الجديد. وقد كانت المدة التي تقع بين موت الفرعون وإعلانه فرعونًا على البلاد تتراوح بين تسعة وعشرة أيام، فكان بذلك لدى أولي الأمر في البلاد وقت كافٍ لإحاطة كل مصالح الحكومة علمًا بذلك.
وإذا كان ما ذكر حتى الآن لا لبس فيه، فإن الرأي الذي قررناه هنا عن طريقة تغيير الجالس على عرش الملك أيًّا كان يحتاج إلى براهين كثيرة قبل أن نحكم بأنه قاعدة ثابتة، ومع ذلك فإنه رأي يمكن الأخذ به حتى الآن إلى أن يظهر ما يزيد في تأكيده أو ما يدحضه.
وفي ختام هذا الموضوع يجب أن نضيف بعض ملاحظات عن الموقف التاريخي العام الخاص بتغير عرش الملك، الذي نحن بصدده الآن وعما فيه من أسئلة تحتاج إلى الإجابة عليها.
غير أن هذا الرأي أصبح لا قيمة له بعد أن برهن «أرمان» عند معالجته ورقة «هاريس» على أن «رعمسيس الثالث» كان يتكلم في هذه الورقة بوصفه متوفى، وفضلًا عن ذلك فإنه لم يكن هناك أية إشارة فيما خلفه لنا «رعمسيس الثالث» من آثار توحي بأنه كان مشتركًا معه في حكم البلاد. ومن هذه الحقائق يتضح لنا أن «رعمسيس الرابع» هو المؤلف لوثيقة «هاريس» الكبرى.
وعلى ذلك يسأل الإنسان: ما الأسباب التي حدت «برعمسيس الثالث» في هذه الأحوال أن يدعو الإله لخلفه أكثر من نفسه؟
وإذا كان «رعمسيس الرابع» هو الذي ألف هذا المتن دعانا ذلك إلى السؤال عن الأسباب التي دعته إلى تأليفه. وإذا نظرنا نظرة عابرة إلى قوائم ورقة «هاريس» وجدناها تحتوي على المنح التي وهبها «رعمسيس الثالث» للآلهة، ومنها يمكننا أن نعرف الجواب عن السؤال الذي سألناه هنا؛ فقد كان الفرعون الجديد ينتظر في مقابل تثبيته للمنح الهائلة التي وهبها سلفه لمعابد البلاد المختلفة أن ينال معاضدة الكهنة له، وهذه المساعدة كانت ضرورية «لرعمسيس الرابع» بصورة ملحة لتثبيت عرشه المزعزع، ولا أدل على ذلك من قيام ثورة للقضاء على حياة الجالس عليه «رعمسيس الثالث»، وقد كان من غير الممكن القضاء على الموظفين ورجال الجند الذين كانوا أكبر عضد يساعد «بنتاور» لنيل مأربه دون أن تكون طائفة الكهنة في جانبه. ولما كانت أحقية وراثة «رعمسيس الرابع» لعرش الملك غير مؤكدة وأن «بنتاور» ربما كان أكثر شرعية لتولي الملك رأى «رعمسيس الرابع» من الأمور السياسية الضرورية أن ينسب تأليف المحكمة، التي ألفت لمحاكمة المجرمين إلى «رعمسيس الثالث»، وبهذا الإجراء وبما جاء في ورقة «هاريس» على لسان «رعمسيس الثالث» أوجد لنفسه الحق في تولي عرش الكنانة، وبذلك يكون ما استنبطه «دي بك» من نتائج عن ورقة تورين غير مقنع ولا يعتمد عليه. والواقع أن الغرض من هاتين الوثيقتين لم يكن ذا صبغة دينية خالصة عميقة، بل كان الغرض منه فكرة سياسية خاصة بمهام الدولة. وعلى ذلك فإن «دي بك» عندما قال إن ورقة «تورين» ليست وثيقة قانونية بل مجرد سرد قصة خاصة بتغير الجالس على العرش، قد قرر الحقيقة، وهي في ذلك تشبه ورقة «هاريس»، من حيث إنها ذات صبغة سياسية، وأنها من المحتمل قد استعملت لتقف السلطات الهامة في البلاد عن الحوادث التي وقعت في عاصمة الملك والقصر من جراء المشاحنة على العرش.
- (١)
في اليوم السادس من الشهر الحادي عشر من عام ٣٢ مات «رعمسيس الثالث».
- (٢)
في اليوم الخامس عشر من الشهر الحادي عشر كان يوم إعلان (ظهور) خلفه «رعمسيس الرابع»، وبذلك يبتدئ حكمه.
- (٣)
في اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر أعلن رسميًّا تغير الجالس على العرش في «طيبة»، وفي الأماكن الأخرى من البلاد.
- (٤)
إن يوم وفاة الملك القديم ويوم تولي الحكم (الظهور) وكذلك يوم تتويج الملك الجديد ليست موحدة، ولا يمكن أن يكون ذلك لاعتبارات عملية.
- (٥)
إن كلًّا من ورقة «هاريس» وورقة «توين» قد ألفها «رعمسيس الرابع»، وإن الداعي لتأليفهما غرض سياسي قبل كل شيء.
وقد استعرضن متحليات بالذهب، وقائلات (؟) … إنه يخلق جيلًا بعد جيل. أنت يا أيها الحاكم إنك ستعيش إلى الأبد.
والسفن تنشرح على البحر؛ لأنه لا أمواج فيه (؟) … وترسو على البر بالهواء وبالمجاديف، وإنها لمنشرحة حين تقول: «الملك «حق ماعت رع» محبوب «آمون» يلبس التاج الأبيض ثانية. وابن «رع»-«رعمسيس» قد تسلم وظيفة والده، وجميع الأرض تقول له: إن «حور» (الملك) جميل على عرش «آمون» الذي أرسله إلينا.»
«انتهى مديح شجاعة الملك، وقد دونه كاتب الجبانة «أمن نخت» في السنة الرابعة، الشهر الأول من فصل الزرع، اليوم الخامس عشر».
وهذه الأنشودة كما نرى أغنية كانت تردد في عيد تتويج «رعمسيس الرابع»، وهي في مغزاها وما تحمل من معانٍ تشبه ما يحدث في عصرنا عند الاحتفال بعيد تتويج الملك. والغريب في هذه الأنشودة أنها الفريدة من نوعها التي عثر عليها حتى الآن بين الوثائق المصرية القديمة، فما أشبه أمس باليوم، فالسماح للمذنب الهارب بالعودة، والعفو الشامل للمحكوم عليهم بعقوبات صارمة، وتوزيع الغذاء والملابس، وفتح السجون، والإفراج عن المذنبين، كل ذلك له نظائره في عصرنا هذا.
ولكن هل ما جاء في هذه القصيدة يطابق الواقع؟
والجواب عن ذلك أنه من المحتمل كثيرًا رخاء البلاد نوعًا ما في ذلك الوقت، وبخاصة أن هذا الفرعون قد جاء بعد «رعمسيس الثالث» والده الذي كان عهده فترة رخاء نسبي في البلاد، وإن كانت شواهد الأحوال تدل على أنه في الحقبة الأخيرة من حكمه قد حدث اضطراب في صفوف العمال بسبب عدم دفع أجورهم، وقلة المؤن التي كانت تورد لهم مما أدَّى إلى إضرابهم. هذا بالإضافة إلى أن الفترة الأخيرة من حكم «رعمسيس الثالث» كانت مضطربة، وكانت حالة البلاد تسير نحو الهاوية شيئًا فشيئًا، وعلى أية حال فإن مثل هذه الأوصاف والتعابير الخلابة تكون في العادة من نسج خيال الشاعر وتمنياته، وما تصبو إليه نفسه، وما يرجو أن تكون عليه حالة البلاد حقيقة، ولكن الواقع يخالف ذلك.
(٣) آثار «رعمسيس الرابع»
يدل ما لدينا من آثار على أن هذا الفرعون لم يشن أية حروب خارج بلاده، وآثاره الحقيقية قليلة جدًّا بالنسبة لمن سبقه من الملوك العظام؛ هذا إذا ضربنا صفحًا عن الآثار التي اغتصبها من أسلافه وادعاها لنفسه ثم نقش عليها اسمه.
- (١) لوحة «رعمسيس الرابع» الكبرى:٦توجد هذه اللوحة الآن «بالمتحف المصري» تحت رقم ٧٥٧، ومسجلة برقم ٤٨٨٣١ وقد كتب عنها «مريت» عام ١٨٨١،٧ ثم نشر متنها في كتابه عن «العرابة المدفونة» ونشرها ثانية الأستاذ «بيل».٨
ويبلغ طول هذه اللوحة مترين وعشرين سنتيمترًا، وعرضها متر وعشرون سنتيمترًا، وهي منحوتة في حجر جيري.
- وصف اللوحة: يشاهد في الجزء الأعلى من هذه اللوحة قرص الشمس المجنح، وقد كتب على يمينه
وشماله بعض كلمات عادية، وهي: «بحدتي الإله العظيم المزركش الريش»، وبعد ذلك تأتي
العبارة القصيرة التالية: «السيد الذي اختاره «آمون».»
وصورة الملك الممحوَّة الآن كانت في هيئة تعبد كما يقول الأثري «بيل» وتتبعها العبارة التالية: «سيد القطرين، (حقا ماعت رع) … (رعمسيس).» وبعد ذلك نجد المتن مهشمًا، والمتن المحفوظ، وهو: تقديم «ماعت» (العدالة) لوالده «أوزير» سيد الجبانة.
والعبارات التي نقشت فوق الآلهة التي فوق الصورة هي على حسب ترتيب الآلهة كما يأتي:- (١) «أوزير … كلام يقوله …»
- (٢) «حور» حامي والده ومحبوبه.
- (٣) «إزيس» العظيمة، والأم المقدسة.
- (٤) «نفتيس» الإلهة القاطنة في «العرابة المدفونة» المحبوبة.
- (٥) الإله «مين حور نخت» القاطن في «العرابة».
- (٦) الإله «إيون موتف» (= عمود أمه) القاطن في «العرابة» والمحبوب.
- (٧) «حور الأفق».
- (٨) الإله «أنحور-شو» بن «رع» ومحبوبه.
- (٩) الإلهة «تفنوت» بنت «رع» ومحبوبته.
- (١٠) الإله «جب» القاطن في العرابة.
- (١١) الإله «تحوت» رب «الأشمونين».
- (١٢) الإلهة «حتحور».
وتحت منظر هذه الآلهة نقش ستة وثلاثون سطرًا، وهي التي تشغل وجه اللوحة، وفي أسفل هذا النقش طغراء «رعمسيس الرابع».
- متن اللوحة: ومتن اللوحة هُشمت بعض بداية أسطره وهاك النص: (١) «… من فصل الصيف في عهد
جلالة «حور» الثور القوي العائش من الصدق، رب الأعياد الثلاثينية، مثل والده
«بتاح تانن»، والمنسوب للإلهتين،٩ وحامي مصر، وغال الأقوام التسعة، «حور» الذهبي الكثير السنين، العظيم
الانتصارات، الملك الذي أنجبته الآلهة، ومن جعل الأرضين توجدان، ملك الوجه القبلي
والوجه البحري، وسيد الأرضين ورب القربان …»
(٢) «حقا ماعت رع» بن «رع» سيد التيجان مثل «حور» الأفق «رعمسيس» معطي الحياة مثل «رع» سرمديًّا.
قال ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد القطرين «حقا ماعت رع» بن «رع» سيد التيجان «رعمسيس» معطي الحياة مثل «رع»: لقد كنت عاقلًا في قلبي. والدي والسيد … مثل … (٣) … تواريخ الإله «تحوت» الذي في بيت الحياة (المدرسة) ولم أترك واحدًا منهم لم يرَ لأجل أن نبحث عن العظيم والصغير بين الآلهة والإلهات، وقد وجدت … (٤) … التاسوع كله وكل صورك أكثر خفاء من صورهم. أما عن الأيام التي يقال عنها: إنها كانت قبل أن تصير الإلهة «نوت» حاملًا في جمالك، وقد عاش … (٥) بين الآلهة كما هي الحال بين الناس، وما يمشي على أربع، والطيور، وما يسكن المياه على السواء، وإنك القمر في السماء، وإنك تعود إلى الصبا كما تحب، وتصير شيخًا عندما تريد.
(٦) وها أنت ذا تخرج لتطرد الظلمة معطرًا ومكسوًّا بالتاسوع، والتعاويذ تتلى لتعظيم جلالتهم، ولسوق أعدائهم إلى محل هلاكهم (المقصلة). وهكذا يقال.
(٧) وهذا متن مكتوب وليس بحديث معنعن، والأحياء يحسبون ليعرفوا اليوم والشهر، ويجمعون الواحد فالواحد ليعرفوا مقدار مدة حياتهم، وكذلك فإنك النيل العظيم الذي يفيض في أوائل الفصل، والآلهة والناس يعيشون من السائل الذي يتدفق منك، ولقد وجدت جلالتك كذلك بمثابة ملك للعالم السفلي في هذه الحالة … في مصر، وأنت الذي يعمل الخير للعدو الشرير أكثر من الذي عمله «الخير» في أرض الجبانة، وإنك أنت الذي ترسل المتوفى عندما يخرج ماشيًا نحو الحياة إلى باب مدينتك (العرابة) التابعة لمقاطعة «طينة». (٩) وإنهم يعلنون المرسوم من جديد أمام أبوابك العظيمة، «ومسخنت» المزدوجة١٠ على مقربة منك، وتصميماتك ثابتة تمامًا و«رع» يشرق كل يوم، ويصل إلى العالم السفلي لينفذ مصير هذه البلاد، وكذلك البلاد الأجنبية، وإنك قاعد مثله، والناس يدعونكما سويًّا باسم روح «دم دم» (اسم إله الشمس في العالم السفلي) وجلالة الإله «تحوت» بجواركما ليدون الأوامر التي تخرج من فميكما.أما عن كل ما تقولانه فإنكما فم واحد، وأوامري اليومية تنفذ «بقدرتكما». (١١) وإنك عالٍ في السماء، وفاخر في الأرض، والعالم السفلي (الجبانة) ثابت بتصميماتك حتى الأبدية، كم أنت إذن قدسي! وكم أنت عاقل! من ذا الذي يمكن أن يقرن بجلالتك حتى أنطق بمديحه؟ وإنك ممتاز لشخصك. (١٢) يا والدي وسيدي! كم أنا في حبور، وإنني حقًّا المخلص لك، وإني أضعك في قلبي يوميًّا، وها أنا ذا الذي يكشف عن خططه أمام جلالتك، وأمام المجلس العظيم الذي خلفك، وفيها (أي الخطط) (١٣) الحقيقة كلها، وليس فيها مين، وإني ملك شرعي، ولم أكن غاصبًا، وإني على عرش من أنجبني مثل ابن «إزيس» (يقصد «حور» الذي خلف والده «أوزير» على عرش الملك) ومنذ أن صرت ملكًا في مكان «حور» جلبت العدالة إلى هذه البلاد وقد كانت خلوًّا منها (١٤) وإني أعلم أنك تتألم عندما تخلو منها مصر، فقد أسست كثيرًا من القربات لروحك، وزدت على ما كان من قبلي يوميًّا، وحميت عبيد مدينتك، وحافظت على مكانك، وسننت لك مراسيم لإمداد معبدك بكل نوع من الذخائر. (١٥) حقًّا إني لم أقصِ والدي، ولم أنكر والدتي، ولم أسد النيل (أي أحوله) عن المكان الذي يجري فيه، ولم آتِ عند الإله … في معبده، وإني أعيش مما يحبه الإله يوم ولادته في جزيرة النارين١١ (١٦) وإني لم أقم شجارًا على الإله ولم أرتكب سوءًا ضد الآلهة، ولم أكسر البيضة التي وضعت للفقس (؟) ولم آكل ما يجعلني نجسًا، ولم أنزع من البائس ما يملكه، ولم أقتل الضعيف، ولم أصطد سمكًا (١٧) في بركة الإله، ولم أحتبل الطيور بالشبك، ولم أصوب سهمًا على أسد في أثناء عيد الإله «باستت» (القطة) ولم أقسم بالإله «بانب دد» (كبش منديس) في معبد الآلهة، ولم أنطق باسم «تاتنن» (الإله سكر) ولم أنتقص من خبزه، ولقد رأيت (١٨) «ماعت» بجانب «رع» وقدمتها لسيدها وأصبحت ذا ألفة مع الإله «تحوت» بكتابته في اليوم الذي يتفل فيه الإنسان على كتفه،١٢ وإني لم أهاجم رجلًا في مكان والده؛ لأني أعرف أن ذلك يجعلك مشمئزًّا.وإني لم أضم الشعير وهو لا يزال غضًّا (١٩) ولا عشب «ماتت» قبل أن يعد للحصد (؟) يا «أوزير» إني قد أوقدت لك الشعلة١٣ يوم تكفين موميتك، وإني قد أقصيت الإله «ست» عنك عندما أتلف جسمك، ونصبت ابنك «حور» خلفًا لك، يا «حور» لقد تفلت على عينيك بعد أن انتزعها مغتصبها، وإني منحتك عرش والدك «أوزير» وميراثه في كل الأرض، وجعلت صوتك يعلو يوم الحساب، وعملت على أن تخدم مصر والصحراء بوصفك حالًّا محل «حور الأفق».(٢١) يا «إزيس»، ويا «نفتيس»، لقد رفعت لكما رأسيكما، وثبت رقبتيكما في هذه الليلة التي يذبح فيها اﻟ … وثعابين سابي (وهي ثعابين رقط) أمام «ليتو بوليس» (وهي بلدة «أوسيم الحالية» عاصمة المقاطعة الثانية من مقاطعات الوجه البحري). وقد جعلت صوت «حور» يعلو يوم الحساب، ووضعت (٢٢) عقودكما حول رقبتيكما وصاحاتكما في قبضتيكما وجلاجلكما وراءكما … معكما.
يا «مين» لقد عملت على أن تقف بوصفك إلهًا منتصبًا عاليًا على قاعدتك وقد لففت لك عضو إكثارك (٢٣) بالنسيج المقدس، وجعلت الناس يحجبون وجوههم عندما تتمتع بعيدك الجميل.
يا «إيون موتف» (عمود أمه) لقد عملت على أن تعظم هؤلاء أصحاب الوجوه السرية (أي: الآلهة) (٢٤) بين الآلهة الذين يوجدون في عالم الآخرة، وإن الذين في حالتهم الأولية (كما ولدتهم أمهاتهم) يأتون نحوك بطعامهم أمام مكانك مع التاسوع.
يا «حور» الأفق، لقد طرحت لك أرضًا الثعبان «أبوفيس»، وجعلت سفينتك تسبح دون (٢٥) أن تنقلب رأسًا على عقب بوساطة «أبوفيس» في رحلتها العظيمة.
يا «أنحور» لقد وضعت لوحتك على صدرك، وريشتك على رأسك، وعقدك حول رقبتك، وحميت جسمك بتعاويذي (٢٦) وبرقى فمي، وأزلت القذى كله من على جسمك.
يا «سخمت» لقد منحتك قوتك بين كل الآلهة، وإن غضبك لعظيم، واحترامك لكبير بين الناس، (٢٧) وكل البلاد تحت سلطانك، وعملت على أن يكون في مقدورك أن تقبضي على حسب رغبتك في المملكة كلها.
يا «جب» لقد علقت لوحتك في رقبتك، ووضعت ريشتك على رأسك، وعقدك حول نحرك، وضمنت … (٢٨) حماية جسمك بتعاويذي وبرقى فمي، وأزلت كل قاذورة لوثت جسمك.
يا «تحوت» لقد منحتك محبرتك، وملأت قدحك بالماء (٢٩) وجعلتك تفصل بين الأخ وأخيه، وأبعدت عنك الشر، وجعلت قوتك تعظم، وعملت على أن تسيح في وقت العاصفة الشديدة.
(٣٠) يا «حتحور» لقد قلدتك قلادتك، وأحطت يدك بالذهب، وإن ذكراك لعظيمة، والحب نحوك عظيم في جسم حورك الجميل الذهبي زوجك. يا «حتحور» يا سيدتي!
(٣١) والواقع أن الابن يكون على حق عندما يكون طيبًا نحو والده، وعندما يمنحه عبيدًا فوق ما يحتاج، وها أنا ذا لم أترك الخيرات خلف يدي حتى أعمل لروحكما بقلب محب. أما ما نلته من حظ (٣٢) بسبب إخلاصي فهو: أن ملكي طويل على الأرض، والبلاد في أمان، والفيضانات تقدم كل أنواع المؤن والهدايا، وقلبي أصبح قويًّا، وعيني لامعة، ولبي سعيد كل يوم، وأخضعت العصاة، (٣٣) وقمعتهم على طريقي، وليت أنفاسهم تخنق في قبضتي، وليتني أجعل أنوفهم تتنفس على حسب رغبتي كما جعلتهم يفعلون ذلك! وليت ما تحيط به الشمس يصبح تحت سلطاني (٣٤) وإني أقدم ذلك لأرواحك لأنك أنت الذي أوجدتها. وليتك تصبح الحماية لي كل يوم، وكل شر يقترب من المكان الذي أنا فيه يُقصى! وليتك تصير في ركابي مع أولادي! وليتهم يصبحون أقوياء مثل الإلهين «شو» و«تفنت» تمامًا (تكرر الجملة) وليتني أسلم وظيفتي إلى ورثتي؛ لأن جلالتكم يمقت العصاة.
(٣٦) ليت ملك الوجه القبلي والوجه البحري «حقا ماعت رع» بن «رع» رب التيجان يعيش مثل والده «رع» صاحب الملك العظيم مثل «حور» بن «إزيس» «رعمسيس» معطي الحياة، لقد عمل ذلك أثرًا لوالده «أوزير» «خنتي أمنتي» الإله العظيم سيد الأبدية، ليته يعطي الحياة.
- النقوش التي على الجانب الأيمن للوحة: (١) التعبد «لأوزير»، وإرضاء روحه بوساطة ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين «حقا ماعت رع» بن «رع» رب التيجان «رعمسيس» معطي الحياة. المديح لك يا ملك الجبانة، «وننفر» (أوزير) ملك الأبدية، لقد وجدت جلالة … كلام قدسي في كل التضرعات العظيمة الهامة التي عملها لك «حور» عندما كان مع «تحوت» إرضاء لروحك؛ لتقوية بأسك (٢) بين التاسوع قائلًا: إنهم لا يعرفون اسمك، وليس لديهم خوف منك، يا من يطفو في الأيام … وهكذا فكرت في قلبي الإلهي مثبتًا التصميمات لتقوية مملكتي مدة الحياة الطويلة، والأقاليم في هدوء دون هياج، ولقد عملت الخيرات من كل صنف لمعبدك، وهي التي لم يعملها الملوك الذين عاشوا في مكاني، وأرضيت قلبك يا أيها السيد العظيم … اعمل على أن يكون الخير أمامك بسبب إخلاصي لك، أصغِ إلى تضرعي فإني ابنك.
- نقوش الجهة اليسرى: الصلاة «لرع» عندما يشرق بوساطة ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيد الأرضين «حقا ماعت رع» بن «رع» رب التيجان «رعمسيس» معطي الحياة، الصلاة لك يا من خلقت التاسوع … مخترقًا السماء، وإنك تطوف بالقبة الزرقاء في طريقك إلى العالم السفلي، وإن أعداءك يهوون إلى موطن هلاكهم، وسفينتك في سرور، وجزيرة النارين في سكينة؛ افتح أذنيك لتستطيع سماع قولي وهو: «ليتني أستطيع العودة إلى الصِّبا في زمنك، وإني عبدك المخلص لك، عبد مدينتك «سايس»: ملك الوجه القبلي والوجه البحري «حقا ماعت رع» بن «رع» «رعمسيس» معطي الحياة.»
- مغزى متن لوحة «رعمسيس الرابع» الكبرى: عثر على هذه اللوحة في «العرابة المدفونة» مقر عبادة الإله «أوزير» رب
الآخرة، وهو المعبود الشعبي العظيم الذي يتضرع إليه الناس في الحياة، ويلجئون
إليه بعد الممات؛ ليحيوا مثله حياة منعمة في عالم الآخرة.
وتدل شواهد الأحوال على أن «رعمسيس الرابع» قد نقش هذه اللوحة في أوائل حكمه، وأهداها إلى هذا الإله متأثرًا بموت والده الذي أصبح «أوزير» في العالم السفلي، وكذلك إلى الآلهة الآخرين الذين كانوا يسكنون في «العرابة المدفونة» على ما يظهر، وسنرى أنه بعد أن وجه كلامه إلى هذا الإله العظيم خاطب كلًّا من هذه الآلهة بتضرع خاص، وقد بُدئت اللوحة كالعادة في مثل هذه النقوش بالتاريخ، ثم بالألقاب الخمسة التي كان يلقب بها الفرعون عند تتويجه رسميًّا.
ثم ينتقل بعد ذلك «رعمسيس الرابع» إلى التحدث عن بيت الحياة، وهي الكلية التي كان يتعلم فيها الكتَّاب وكبار الموظفين، ولم يكن ذلك من وحي المصادفة، إذ نجد أن هذا المعهد قد ذكر كثيرًا في تقاريره الرسمية، ولا أدل على ذلك من أنه جاء في اللوحتين اللتين عثر عليهما في «العرابة» واللتين تكشفان عن عبقرية هذا الفرعون من حيث التفكير، وصياغة العبارات وحسن الأسلوب، على أنه توجد أدلة أخرى لميل هذا الملك إلى الأدب والآثار، ففي لوحتنا هذه مثل الفرعون وهو يفحص تواريخ «تحوت»١٤ التي في بيت الحياة، فيقول: «وتواريخ «تحوت» في بيت الحياة لم أتركها دون اطلاع عليها.» ثم يستمر قائلًا: «وقد وجدت … التاسوع كله، وكل صورك أكثر خفاءً من أشكالهم.» ويلاحظ هنا أن المخاطب هو الإله «أوزير» وعلى ذلك نجد «رعمسيس» يأخذ في تمجيده بوصفه إله القمر، وبوصفه النيل، وكذلك بوصفه ملك العالم السفلي، وبعد ذلك ينتقل إلى سرد أعماله الطيبة العظيمة فيقول له الفرعون: «إنك القمر «اعح» في السماء وإنك تصبح صبيًّا عندما تحب، وتصير شيخًا عندما تريد، وتخرج لتطرد الظلمة، ويعطرك التاسوع ويكسوك.» وعلى ذلك تتلو التعاويذ لتعظيم جلالة التاسوع، ولتحمل أعداءهم إلى موطن هلاكهم، ثم يقول لنا هذا الفرعون العالم: إن هذا متن مكتوب وليس بحديث معنعن، وقد وجد ليحسب به الأحياء الأيام والشهور التي يعرف بها مدى الأيام {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}. ثم يقول له كذلك: «إنك النيل العظيم الذي ينتشر على أديم مصر في باكورة فصل الفيضان، وتعيش الناس من السائل الذي يتدفق منك.» وكذلك يخاطبه بأنه ملك العالم السفلي، وأنه يعمل بالخير لعدوه الشرير — هذا إذا كان فهمنا للمتن صحيحًا — ثم يقول له: «إنك أنت الذي تبعث المتوفى عندما يخرج ماشيًا نحو الحياة من عالم الآخرة إلى باب مدينتك «العرابة المدفونة»، التي هي من أعمال مقاطعة «طينة».»وكان المعتقد أن باب عالم الآخرة يوجد في هذه المدينة حيث ينزل المتوفى إلى العالم السفلي كما نزل «أوزير» نفسه من قبل، وهناك تعلن الآلهة مرسوم «أوزير» بذلك على مقربة من البوابة العظيمة، و«مسخنت» المزدوجة التي ذكرت في هذا المتن هي المكان الذي ينزل منه الميت إلى العالم السفلي. وخطط هذا الإله ثابتة كلها، هذا بالإضافة إلى أن الإله «رع» يشرق كل يوم ثم يغرب إلى العالم السفلي لينفذ خطته في هذه البلاد والبلاد الأجنبية أيضًا، والإله «أوزير» يجلس على عرشه مثل «رع» والناس ينادونه هو والإله «رع» باسم «روح دِم دِم»، وهو اسم يطلق في الأصل على إله الشمس عندما يخترق العالم السفلي في أثناء الليل فهو و«أوزير» موحدان، ثم يستمر الملك مخاطبًا «أوزير» بأن الإله «تحوت» يسير في ركابهما؛ ليكتب لهما الأوامر التي تخرج من فميهما (أي فم أوزير ورع) هذا إلى أن كل ما يقولانه يُعد نطقًا واحدًا ثم يقول «رعمسيس»: إن أوامري اليومية التي أصدرها لهما تنفذ. ثم يعود الفرعون مخاطبًا «أوزير» منفردًا قائلًا له: «إنك رفيع في السماء، وفاخر على الأرض، والجبانة أصبحت ثابتة الأركان بخططك سرمديًّا، فكم أنت قدسي، وكم أنت حكيم، ومن ذا الذي يمكنه أن يقرن نفسه بجلالتك حتى أتحدث بمديحه؟ فأنت ممتاز في شخصك لنفسك، يا والدي وسيدي، وكم أنا في حبور، وإني لمخلص لك حقًّا، إذ أجعلك في لبي يوميًّا؛ ولذلك أكشف لك عن خططي أمامك وأمام مجلسك الأعظم الذي يشد أزرك، وهذه الخطط تنطوي على كل الحقيقة وليس فيها مين، هذا فضلًا عن أني ملك شرعي ولم أكن غاصبًا لعرش غيري، بل إني قد تسلمت عرش من أنجبني مثل ما تسلم «حور» بن «إزيس» عرش والده «أوزير».»
ويلفت النظر هنا عبارة: «أنه لم يكن غاصبًا الملك من أخ كان أحق منه بالملك.» ولعله يشير هنا إلى المؤامرة التي دُبرت لاغتيال والده على يد أحد أبنائه الذي يجوز أن يكون الوارث الشرعي، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق وهو المسمى «بنتاور» بمساعدة والدته، وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء السالف (راجع مصر القديمة ج٧). ويخاطب بعد ذلك الملك «أوزير» مفتخرًا بأنه قد جلب العدالة للبلاد بعد أن كانت خلوًّا منها؛ ولذلك أسس كثيرًا من القرب لروحه، وزاد ما كان موجودًا من قبل في المعابد الأخرى، وحمى عبيد مدينة «العرابة» من أن يشتغلوا في السخرة، وحافظ على مقام «أوزير» وسن له المراسيم لإمداد المعبد بكل أنواع الذخائر، كما فعل من قبله «سيتي الأول» على حسب ما جاء في «لوحة نوري».١٥ثم ينتقل بعد ذلك «رعمسيس الرابع» إلى وصف نفسه بما كان عليه من خلق عظيم، وما انتهجه من عدالة في معاملة الناس فيذكر لنا أنه كان على اتصال بوالده، كما أنه لم ينكر والدته، فكان يقدم لهما القربان، وأضاف إلى ذلك قائلًا: إنه لم يحول ماء النيل عن مجراه الطبيعي بل ترك كل إنسان ليأخذ نصيبه منه؛ هذا إلى أنه كان يعيش مما كان يحبه إله الشمس يوم ولادته في «جزيرة النارين»، وهذه الجزيرة تطلق على المكان الخرافي الذي تولد فيه الشمس كل يوم. ثم يقول: ولم أعمل ما يغضب إلهًا أو يسيء إلى إلهة، فلم أكسر بيضة خصصت للفقس، إذ كان ذلك يُعد إجحافًا، كما أنه لم يأكل النجس، ولم يغتصب مال بائس أو فقير، ولم يقتل ضعيفًا، ولم يصطد سمكًا في بركة إله، ولم يحتبل طيورًا بالشبك، ولم يفوِّق سهمه على أسد في عيد الإلهة «باستت» التي تمثل في صورة «قطة» وهي التي تُعد بنت الشمس، كما أنها من فصيلة الأسد، ولم يعقد الأيمان باسم الإله «بانبدد» وهو كبش «منديس» المقدس في معبد أي إله، ولم ينطق باسم الإله «تاتنن» وهو صورة من صور الإله «أوزير» زورًا، ولم ينتقص من الخبز الذي يقدم له قربانًا، وكذلك رأى الإلهة «ماعت» بجانب والداها «رع» فقدمها لسيدها، ولا يخفى أن «ماعت» تعد طعام الآلهة وغذاءهم الروحي والمادي.
ويقول الفرعون: إنه قد أصبح وثيق الاتصال بالإله «تحوت»، وذلك بتعلمه القراءة والكتابة التي كانت من خصائص هذا الإله، هذا إلى أنه لم يهاجم إنسانًا باغتصاب مكانة والده، لعلمه أن ذلك يُحفظ «أوزير» عليه، ولم يقطع شعيرًا رطبًا، ولا غيره من النباتات التي لم يحن جنيها.
ينتقل بعد ذلك «رعمسيس الرابع» إلى مخاطبة كل إله من الساكنين في «العرابة» على حدة، وهم الذين ذُكروا أول المتن وخاطبهم في نهايته، ويفتتح ذلك بتوجيه الخطاب إلى «أوزير»، فيقول له: «إنه قد أوقد الشعلة في يوم تكفينه.» وهذه العادة القديمة لا تزال حتى الآن في ريف مصر وصعيدها، وقد فصلنا القول فيها في الجزء السابع. ويقول: «إنني أقصيت عنك «ست» أخاك عندما أتلف جسمك، ونصبت ابنك خلفًا لك.» ولعله يقصد بذلك قصة «أوزير» عند تمثيلها. بعد ذلك ينتقل إلى مخاطبة «حور» قائلًا له: إنه تفل على عينه التي كان «ست» قد اقتلعها منه، وبذلك يلعب في هذه الحالة دور الإله «تحوت» الذي كان يشفي الجروح بتفله عليها، وهي عادة لا تزال شائعة في أنحاء مصر، يقوم بها أولئك المشعوذون الذين يطببون الجروح بالتفل بما يزعمونه ويدعونه لأنفسهم من ولاية، ثم أعطاه عرش «أوزير» وإرثه في مصر كلها، وجعل صوته يعلو يوم الحساب، وبذلك لعب دور الإله «رع»، هذا إلى أنه جعله يخدم مصر والصحراء، بوصفه وارث «حور» الأفق (أي إله الشمس) ثم يخاطب «إزيس» و«نفتيس» قائلًا لهما: إنه رفع رأسيهما وثبت رقبتيهما في تلك الليلة التي تقطع فيها الثعابين الرقط في «ليتو بوليس»، وهذه إشارة إلى خرافة قديمة غامضة.
ويقول للإله «مين» رب «قفط»: إنه أقام تمثاله على قاعدة، وإنه لف عضو إكثاره المنتشر في نسيج مقدس، كما جعل كل الناس يسترون وجوههم ساعة تمتع هذا الإله بعيده الجميل! — وهذا الإله معروف عند قدماء المصريين بأنه إله الخصب والنماء، وقد مثل ذلك في انتشار عضو إكثاره في الرسوم المصرية القديمة، وكثيرًا ما يُرسم بجانبه «نبات الخس»، وقد دلت البحوث الحديثة على أنه يحتوي على مادة تثير الرغبة الجنسية وتقضي على العقم، وقد استخرج منه مصل لهذا الغرض حديثًا.
ثم ينتقل إلى مخاطبة الإله «إيون موتف» (عمود أمه) أو (سند أمه) قائلًا له: إنه قد جعله يحترم الآلهة الذين يقطنون العالم السفلي، وقد أطلق عليهم أصحاب الوجوه السرية، كما جعل كل الذين في حالتهم الأولية يأتون إليه بطعامهم أمام أماكنه مع التاسوع المقدَّس.
أما «حور الأفق» (رع) فيقول له: إنه قد طرح له أرضًا الثعبان «أبوفيس» في أثناء رحلته العظيمة في السماء، وهذا الثعبان هو العدو الألد الذي يعترض الشمس عند سياحتها في السماء إلى عالم الآخرة وبالعكس.
ويخاطب «أنحور» (أنوريس) أحد مشاهير آلهة «العرابة» بقوله: «إنه قد علق له لوحته المعلنة عنه على صدره، وريشته الرفيعة على رأسه، وعقده وقلادته حول رقبته، وحمى جسمه بتعاويذه ورقى فمه، وأزال كل الأوساخ العالقة بجسمه.»
أما الإلهة «سخمت» ربة القوة، وزوج «بتاح» رب «منف» وأم الإله «نفرتم»، ومنهم يتكون ثالوث «منف»، فإنه يقول لها: «إنه منحها القوة بين كل الآلهة، وإن غضبها واحترامها عظيمان بين الرجال، وإن كل البلاد تحت سلطانها، وإنه قد منحها من القوة والسلطان ما يجعلها تقبض على من تشاء في كل البلاد.» ويقول للإله «جب» (إله الأرض) ما قاله للإلهة «سخمت»، ثم يخاطب الإله «تحوت» إله العلم والمواقيت بأنه أعطاه محبرته، وجعله يقضي بين الأخ وأخيه في المخاصمات، وطرد عنه الشر، وزاده قوة، وجعله يقوم بسياحته في أثناء العاصفة العظيمة بوصفه إله القمر.
ويقول للإلهة «حتحور» إلهة الجمال والرقص والحب: «إنه قد حلى جيدها بعقد، وزين يدها بالذهب، وإن ذكراها عظيمة، وحبها شديد في جسم «حور» الذهبي زوجها الذي يعشقها.» بعد ذلك يستمر «رعمسيس الرابع» في تعداد ما أفاض من خيرات على إلهه، وما قام به من إصلاحات في البلاد لإسعاد الآلهة.
ويلاحظ أنه قد نُقش على جانبي اللوحة التي نحن بصددها قصيدتان «لأوزير» و«رع» على التوالي يعدد في الأولى ما عمله من خيرات «لأوزير» وفي الثانية يصف سياحة «رع» في العالم السفلي، ثم يقول له: «إنه خادمه المخلص، ويطلب إليه أن يجعله غض الإهاب، نضر الشباب في كل وقت.» وهذا المطلب كان أعظم ما يصبو إليه نفس كل ملك وكل فرد في مصر القديمة، بل وكل إنسان في الوجود!
وهكذا نرى في محتويات هذه اللوحة على الرغم مما فيها من صعوبات لغوية أنها تقدم لنا صفحة عن تاريخ هذا العاهل أشير فيها إلى حوادث معينة أهمها وراثة العرش، وتوحيد «أوزير» بالنيل، وإقامة شعائره في العرابة. وكذلك نوه فيها بالآلهة الذين كانوا ملتفين حول «أوزير» في ذلك البلد المقدس الذي كان يحج إليه كل مصري، وبخاصة أشار إلى أعضاء التاسوع الأكبر من الآلهة.
- وصف اللوحة: يشاهد في الجزء الأعلى من هذه اللوحة قرص الشمس المجنح، وقد كتب على يمينه
وشماله بعض كلمات عادية، وهي: «بحدتي الإله العظيم المزركش الريش»، وبعد ذلك تأتي
العبارة القصيرة التالية: «السيد الذي اختاره «آمون».»
- (٢) لوحة «رعمسيس الرابع»١٦ الثانية:توجد هذه اللوحة الآن «بالمتحف المصري»، وقد عثر عليها «مريت» في «العرابة المدفونة»، وقد أقامها هذا العاهل في السنة الرابعة من حكمه، وهاك النص:
(١) السنة الرابعة. الشهر الثالث من الفصل الأول، اليوم العاشر من عهد جلالة الملك «رعمسيس الرابع» (الأسطر التالية حتى الخامس عشر تحتوي على ألقاب الفرعون، وصلوات «لأوزير» معتادة). (١٥) إنك ستمنحني صحة وحياة وعمرًا مديدًا وحكمًا طويلًا، وقوة في كل عضو من أعضائي، وبصرًا لعيني وسمعًا لأذني، وسرورًا لقلبي يوميًّا. (١٦) وستطعمني حتى الشبع، وتسقيني حتى الري، وستمكن نسلي ملوكًا في الأرض إلى الأبد السرمدي. (١٧) وستمنحني الرضا يوميًّا، وستصغي إلى صوتي في كل قول عندما أقصه عليك، وإنك ستعطيني بقلب محب، وستهبني نيلًا عاليًا فياضًا لأورد قرباتك الإلهية، ولأورد القربات الإلهية لكل الآلهة والإلهات الجنوبيين والشماليين، ولأحفظ الثيران المقدسة أحياء، ولأحفظ كل أهل بلادك، وكذلك ماشيتهم وخمائلهم التي صنعتها يدك. (٢٠) لأنك أنت الذي خلقتهم كلهم، ولا يمكنك أن تهجرهم لتنفذ مشاريع أخرى؛ لأن ذلك ليس بحق.
وإنك ستسر بأرض مصر — وهي أرضك — في زمني، وإنك ستضاعف لي الحياة الطويلة ضعفين، والحكم المديد الذي حكمه الملك «رعمسيس الثاني» العظيم؛ لأن الأعمال العظيمة، والإنعامات التي أقوم بها لبيتك لإمداد قربك المقدسة، وللبحث عن كل شيء ممتاز، وعن كل نوع من الإنعامات لأقوم بها يوميًّا لمحرابك طيلة هذه السنين الأربع (التي حكمها) أكثر من الأشياء التي عملها «رعمسيس الثاني» الإله العظيم في سنيه السبع والستين (التي حكمها) وإنك ستمنحني عمرًا طويلًا مع حكم مديد، وهو ما أعطيته إياه بوصفه ملكًا … على … ابنه عندما أجلس على عرشه؛ لأنك أنت الذي قلته بفمك؛ ولن يعكس … لأنك رب «هليوبوليس» العظيم، وسيد «طيبة» العظيم؛ ولأنك رب «منف» العظيم، وإنك أنت الذي فيه القوة، وما تفعله هو الذي سيكون، امنحني مكافأة على الأعمال العظيمة التي أنجزتها لك، والحياة والسعادة والصحة وطول البقاء، والحكم المديد، وإنك ستجعل … الأطراف ويحفظ الأعضاء ليكون معي بمثابة حارسي الطيب وحامي الممتاز، وإنك ستهب لي كل أرض وكل مملكة … حتى يمكن أن أقدم ما عليَّ لروحك واسمك.
مغزى هذه اللوحة: لا نزاع في أن من يقرأ هذا المتن، ويقرنه بالمتون الملكية الأخرى لا يعدم أن يجد فيه نزعة جديدة من حيث التعبير والتنسيق في الأسلوب الأدبي، ولا غرابة في ذلك فإن كل من يقرأ ما وصل إلينا من كتابات هذا الفرعون يجده يمتاز بطابع خاص مغاير لما عداه من الكتابات الفرعونية التي تكاد تكون كلها مستعارة بعضها من بعض. والمتن هنا لا يحتوي على حقائق تاريخية جديدة إلا ما ورد فيه من أن «رعمسيس الثاني» حكم سبعًا وستين سنة، وهذا الحكم الطويل هو ما يرجو «رعمسيس الثاني» مثله لنفسه من الإله «أوزير».ومما يلفت النظر في هذا المتن كذلك مخاطبة «رعمسيس الرابع» «لأوزير» وما يرجوه منه من غذاء وشراب، وراحة بال وسعادة ونيل عظيم ليحفظ به حياة الناس والحيوان التي هي من صنعه، ولا غرابة في ذلك فإن «رعمسيس الرابع» قد وحد في لوحته السابقة الإله «أوزير» بالنيل، ثم يقول لربه: إنه لا يمكنه أن يهجر كل هذه المخلوقات لتقوم بمشاريعها من أنفسها. ومما يلفت النظر كذلك أن هذا الفرعون قد غالى في تمني الحياة الطويلة والحكم المديد له ولخلفه، وهذا نفس ما تمناه له والده من الآلهة في متن ورقة هاريس (راجع ج٧).
(٣-١) بعوث «رعمسيس الرابع» إلى وادي الحمامات
اللوحة الأولى
السنة الثانية، الشهر الثاني، من الفصل الأول، اليوم الثاني عشر من حكم جلالة (يتلو ذلك الألقاب الخمسة) «رعمسيس الرابع» (وبعد ذلك تأتي النعوت العادية التي كان يتصف بها كل فرعون في هذا العهد) ثم يستمر المتن في وصف الملك قائلًا: تأمل هذا الملك الطيب الممتاز العقل مثل «تحوت»، وإنه قد نبغ في التواريخ (أي في تمحيصها) مثل واضعها (يقصد الإله تحوت) فقد فحص كتابات «بيت الحياة» وقلبه القدسي يعمل أشياء ممتازة لسيد الآلهة، وعقله قد فكر في أشياء سارة مثل … «وهي التي قد كررها له «رع» في قلبه ليجد المكان الصحيح لوضع هذا الأثر فيه إلى الأبد فيما بعد، وقد كلف (الملك) أصدقاءه المقربين لجلالته، والرؤساء والأمراء العظام للوجه القبلي والوجه البحري أجمعين، وكذلك الكتَّاب وعلماء «بيت الحياة»؛ ليقيموا هذا الأثر الخاص ببيت الأبدية (أي القبر الملكي) في هذا الجبل المكون من حجر «نخن» أمام أرض الإله: الملك «رعمسيس الرابع» محبوب «آمون رع» و«حوراختي» و«مين» رب الصحراء، و«حور» بن «أوزير» و«إزيس» العظيمة معطي الحياة.»
اللوحة الثانية
نُقشت هذه اللوحة على صخور «وادي حمامات»، ويشتمل الجزء الأعلى المستدير بعض الشيء على منظر يقدم فيه «رعمسيس الرابع» «ماعت» (العدالة) إلى ثالوث «طيبة» وهم الإله «آمون» جالسًا على عرشه والإلهة «موت» ثم «خنسو» ابنهما، وكذلك للإلهة «باستت» التي تقف خلف «خنسو»، وخلف الملك يقف الإله «مين» و«حور» بن «إزيس» والإلهة «إزيس». وأسفل هذا المنظر نقش اثنان وعشرون سطرًا:
- (١)
أنه أمكنه أن يضيف بعض تصحيحات للمتن الذي نقله «مونتيه».
- (٢) أن هذه اللوحة لم تُترجم كلها قط، وأن أحدث ترجمة لها هي ترجمة الأستاذ «برستد» (راجع Bor A. R. IV & 461–468) وقد حذف من الأصل أكثر من خمسة أسطر دون أن تترجم. وهي تقدم لنا بعض معلومات من السياسة الداخلية للفرعون في ذلك العهد كما لاحظ ذلك الأثري «بروكش» (راجع Brugsch Gesch. Aegyptens p. 620).
- (٣)
أن هذه اللوحة هي أساس معلوماتنا عن نظام الجيش في عهد الرعامسة، وقد لاحظ ذلك من قبل «بروكش»، ولن يكون من الفضول إذن أن نعود إلى ذكر ما كتبه هذا العالم الألماني، وتكملة ما فاته منه على ضوء الوثائق الأخرى.
- الترجمة: الألقاب الملكية: (١) السنة الثالثة، الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم السابع والعشرون من عهد جلالة «حور»: الثور القوي الذي يعيش من العدالة،٢٧ وصاحب الأعياد الثلاثينية مثل والده «بتاح تاتنن» والمنسوب للإلهتين، والذي يحمي مصر، ويجعل الأقواس التسعة تنحني له؛ و«حور» الذهبي: ذو السنين العديدة، والعظيم بالانتصارات، والملك الذي برأ الآلهة (٢) والذي جعل البلاد تحيا،٢٨ ملك الوجه القبلي والوجه البحري الذي يحكم الأقواس التسعة، رب الأرضين، ومن يملك القوة «رع» هو سيد «ماعت» ومختار «آمون» بن «رع» المتوج: «رع» ماعتي قد أنجبه، محبوب «آمون»، ومحبوب «آمون رع» ملك الآلهة «حوراختي»، و«بتاح» العظيم الذي في جنوب جداره، صاحب «منف»، ومحبوب «موت» و«خنسو» ومحبوب «مين» و«حور» و«إزيس»، معطي الحياة.
-
مديح الملك: (٣) وإنه إله طيب ذو تصميمات صائبة، وهو ملك يعلو اسمه حتى عنان السماء، ويشرق
في القصر مثلما يضيء «حوراختي» البلاد بنوره، ومن والدته «إزيس» قد ثبتت على جبينه
(وإزيس هنا تمثل الصل الذي على جبين الفرعون) وكل ما يحميه آتٍ عن طريقها (٤)
والخوف الذي ينبعث منها ينفذ في أجسام الرجال. وكل إنسان يلتفت نحوه عندما يظهر،
وتنشرح القلوب عندما يعلن نفسه مثل النيل عند بداية ميقاته (المحدَّد).
ومن أنجبه سيد العالمين، وهو بذرته التي مكنها على عرشه ليكون ابنه المحبوب كثيرًا، ووارثه على الأرض، وقد جعله يظهر على سلم العرش بوصفه ملك البلاد عندما اتحد الصلان على رأسه (جبينه).
وقد جعله الآن يسير إلى محرابه «برور» (البيت العظيم) ليقدم «ماعت» يوميًّا. وإنه ملك شجاع يخرب الأراضي الأجنبية، ويقضي على الآسيويين في وديانهم، وإنه مقدام، وقوي، وشجاع في هذه الأرض. ومنذ وصلت البلاد إلى عهده بدأ العصر السعيد الذي حل بمصر مثل عصر «رع» في زمن ملكه.
-
خواص هذا العهد: وعلى ذلك فإن هذا الإله الطيب هو صورة الإله «تحوت» في قوانينه، وإنه قد خرج من
جسد رب العالمين، وعندما يكون الصل على جبينه فإن سلطانه يمتد حتى عنان السماء،
وإنه خالق العدالة، ومهلك الظلم، وهو ملك يعمل على إقصاء الكذب عن البلاد، وجعلها
في هدوء في أثناء ملكه، وكل ما يشرع في عمله ينفذ تمامًا، ويفلح. وإنه ملك يذهب على
حسب مشيئته؛ لأن لديه القوة، ونشاطه عظيم. ليته يجعل مصر تتمتع «بالملايين» من
المرات.
ولما كان لبه يقظًا باحثًا عما يفيد والده الذي برأ جسمه، فإنه قد فتح طريقًا لأرض الإله لم يعرفها أحد ممن عاش قبله، وهي طريق كانت أنظار الناس قد أخطأتها إذ لم يعرفوا كيف يتخيلون الوصول إليها.٢٩
- الرحلة الملكية: وكان جلالته ذا قلب بصير؛ لأن لب والده «حور» بن «إزيس» قد أرشده إلى الطريق المؤدية إلى الغاية التي ينشد الذهاب إليها. (١٠) وقد اخترق المحاجر الثمينة ليقيم أثرًا فاخرًا لوالده (يقصد آمون رع) ولآبائه كل آلهة وإلهات مصر، وقد أقام لوحة (يحتمل أنها هي التي أقامها في «وادي حمامات»، وقد تكلمنا عنها فيما سبق) على قمة المحجر،٣٠وقد نقشت بالاسم العظيم لملك الوجهين القبلي والبحري «رع سيد ماعت» الذي اختاره «آمون» بن «رع» «رع ماعتي»، قد أنجبته محبوب «آمون».
- البعث كان محصورًا في الفحص: وعندئذ كلف جلالته كاتب بيت الحياة (المسمى) «رعمسيس-عشا-سد»، وكاتب الضياع المقدسة «حوري»، وكاهن معبد «مين» و«حور» و«إزيس» في «قفط» و«سر ماعت رع نخت» للبحث عن مواد لأجل «مكان الصدق»،٣١ في مناجم حجر «بخن» بعد أن وجد أنه ممتاز في جماله، وأنه سيكون آثارًا عظيمة مدهشة.
- بعث «رعمسيس نخت» وتأليفه: وبعد ذلك قرر جلالته أن يكلف الكاهن الأعظم «لآمون»، ومدير الأعمال «رعمسيس نخت» صادق القول، نقلها إلى مصر. وهاك أتباع الملك والعظماء الذين رافقوه: تابع الملك «وسر ماعت رع سخبر»، وتابع الملك «نخت آمون» ونائب قائد الجيش «خعمتر» ومدير الخزانة «خعمتر»، ومدير الضرائب، وحاكم المدينة «أمنموسي»، ورئيس الضرائب والمشرف على قطعان ضيعة «رعمسيس السادس» «باكنخنسو»، وضابط الفرسان «نخت آمون»، وكاتب جنود القتال «سول»، وكاتب نائب قائد الجيش «رعمسيس نخت» وعشرون كاتبًا حربيًّا، وعشرون رئيس إصطبلات القصر، والضابط قائد رؤساء كتائب الجيش «خعتمال» وعشرون رئيس كتيبة، وخمسون سائق عربة من الفرسان، ورئيس كهنة، ومدير قطعان، وكهنة، وكتبة، ومفتشون مجموعهم خمسون شخصًا، وخمسة آلاف جندي، وبحارة تابعون لجماعات صيادي الملك، وعددهم مائتان، وثمانمائة جندي من المرتزقة (عابرو) من قبيلة «عنيت»، ومائتا رجل من الضياع المقدسة، ومن أملاك الملك، ونائبا شرطة، وخمسون شرطيًّا، ورئيس الصناع «نخت آمون»، وثلاثة من رؤساء العمال لأجل أعمال المناجم، وثلاثون ومائة حمال، وقاطع أحجار، ورسامان، وأربعة من الحفارين، ويطرح من٣٢ هذه القائمة تسعمائة متوفى، فيكون المجموع ٨٣٦٨ شخصًا.
- بعث «رعمسيس نخت» أداة النقل: ونقل الأشياء الضرورية من مصر، بالماء وبعشر عربات، وبعربات أخرى تجرها ستة أزواج من الثيران، وقد سارت كلها من مصر حتى منجم حجر «نخن»،٣٣ وكان يوجد حمالون عديدون يحملون خبز «عقو» وقطع لحم، وخبز «شعي» لا يُحصى، وقد جُلبت كذلك القربان لإرضاء آلهة السماء من «طيبة» وكانت قد طهرت تطهيرًا عظيمًا، وحملت على الأكتاف؟ …
- بعث «رعمسيس نخت» الحفل الديني: وقد نحرت ثيران «ايوا»، وذبحت ثيران «انجو»؛ وقطران … وشراب «شدح»، والنبيذ متدفق كالماء، واللبن والجعة قربتا في هذا المكان، وكان صوت الكاهن المرتل يدوي عند تقديم القربان المطهرة للآلهة «مين» و«حور» و«إزيس» (٢٣) و«آمون» و«موت» «وخنسو» و«بتاح» وآلهة الجبل كلهم، وقد تسلموا بقلوب راضية القربان، وأعطيت مئات الآلاف من أعياد «سد» لابنهم المحبوب، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «رع» هو سيد العدالة مختار «آمون» رب التيجان، «رع ماعتي» قد أنجبه محبوب «آمون» معطي الحياة سرمديًّا.
- الجيش المرافق لبعث «رعمسيس نخت»: وقبل أن نترك هذا البعث يجب أن نتحدث بعض الشيء عن تكوين هذه الحملة وبخاصة من الوجهة الحربية.
-
الجنود والبعوث إلى المحاجر: فسر «مونتيه» وجود الجنود في البعوث إلى «وادي حمامات» بأنهم كانوا يُستعملون
في نقل الأحجار. وهذا الرأي يجب أن يرفض رفضًا باتًّا للأسباب التالية:
- (١) تشمل البعوث إلى المحاجر نادرًا جيشًا حارسًا لها فنجد «حنو» في الدولة الوسطى. (راجع مصر القديمة ج٣) و«رعمسيس نخت» في عهد الرعامسة هما القائدان الوحيدان على ما نعلم، اللذان صحبا معهما جنودًا عاملين ولم يستعمل «حنو» هؤلاء الجنود في الذهاب إلى «وادي حمامات» وحسب، بل كذلك لرحلة أكثر مشقة قام بها على ساحل البحر الأحمر. وفي عهد «رعمسيس الرابع» الذي نحن بصدده الآن كان هؤلاء الجنود ضروريين لاختراق إقليم لا يزال مليئًا بذكرى الحروب الحديثة العهد.
- (٢) إن كلمة جنود التي تستعمل عادة للمحاربين قد تستعمل أحيانًا لتدل على العمال عندما نتحدث عن حملة إلى محاجر.
- (٣) لم يكن أهل بدو الصحراء الشرقية على ما يظهر معادين للمصريين.
-
الرئيس الأسمى للفرقة: يأتي في المنزلة الرابعة بعد الكاهن الأكبر «لآمون»، والتابعين الملكيين في
القائمة «خعمتر»، الذي يحمل لقب نائب قائد الجيش وله كاتم سره الخاص الذي يدعى
«رعمسيس نخت»، وهو شخصية لها مكانة عظيمة (وترجم هذا اللقب «جاردنر» كاتب
التوزيع).
ووظيفة «خعمتر» الاجتماعية عظيمة لدرجة تجعلها في المكانة الأولى في هذا النظام الحربي، ويمكن أن تحل محل قائد الجيش.
-
الجنود ورؤساؤهم: والظاهر أنه كان لا بد «لرعمسيس نخت» ليخترق إقليمًا تحيط به المخاوف بعض الشيء
من مصاحبة وحدة حربية سنطلق عليها «فرقة» وقوامها خمسة آلاف رجل.
وكانت القيادة الفعلية لهذا الفيلق في يد ضابط قائد رؤساء فيلق الجيش، ولم يغفل كاتب اللوحة عن ذكر اسمه وهو «خع ممال».
وكان الفيلق يحتوي على عشرين كتيبة كل منها يشمل مائتين وخمسين رجلًا وكل كتيبة يقودها رئيس الكتيبة.
وكانت الكتيبة تقسم فرقًا تحتوي كل فرقة على خمسين رجلًا، ولم تذكر لنا اللوحة رؤساءهم.
- الإدارة الحربية: وكان لكل فيلق إدارة خاصة تدير شئونه بكل دقة، فكان له كاتب الفرقة، وكاتب الجنود يُعد موظفًا كبيرًا. وقد ذُكر في اللوحة قبل الرئيس الحقيقي. وكان الكتاب الحربيون تحت إدارة كاتب الجنود ولم نصادف كاتبًا خاصًّا بالكتيبة.
-
فرسان العربات: تدل شواهد الأحوال على أن وجود قسم للعربات في الحملة التي قام بها «رعمسيس
نخت» يوحي بأنه كان يوجد في العادة مع فيلق المشاة طائفة من المحاربين الفرسان
بالعربات. وإذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإنه كان يوجد مع فيلق المشاة المؤلف من
خمسة آلاف جندي خمسون سائق عربة، ويظهر أن هذه النظرية مقبولة، والمعلوم أن سلاح
الفرسان كان رفيع المكانة ولذلك كان قليل العدد، وقد كان ضباطه على اتصال وثيق
بالقصر الملكي، ومن المحتمل أن الفرسان والخيل والعربات كانت تتخذ مأواها بالقرب من
مقر الملك، فليس لدينا ما يمنع من أن نعد لقب سائق مقر الملك، ورئيس إصطبلات مقر
الملك بمثابة ألقاب حقيقية لا ألقاب شرف يُمنحها أقارب الفرعون أو بعض رجال
الحاشية، فقد كانت هذه في الواقع رتبًا حقيقية يُمنحها أولاد الأسر الكريمة الذين
اختاروا لأنفسهم الانخراط في سلك الجيش. ويلاحظ هنا أن المجند كان يمر أولًا في دور
التمرين قبل أن يكون فارسًا بالمعنى الحقيقي (راجع مصر القديمة ج٥).
وقد كان قسم الفرسان يحتوي على خمس وعشرين عربة قتال؛ أي لكل عربة رجلان وكان يقود هذا الجزء فارس بلقب «سائق عربة القصر»، وقد كان يدعى «نخت آمون» في خلال حملة «رعمسيس نخت».
وكانت كل عربة وخيلها وسائقها على ما يظهر تحت إدارة صف ضابط يلقب «رئيس إصطبل المقر»، أو من المحتمل أنه كان يبقى في أثناء القتال في معسكر، غير أنه كان يقوم بدور هام في العناية بالخيل والعربة.
ويلاحظ أن اللوحة لم تذكر إلا عشرين.
-
الشرطة: كان للجيش دور هام خاص محدد غير أنه من الجائز أن ينشب الشجار بين العمال، فكان
على رجال الشرطة أن يفصلوا فيه، وقد كان يصحب الحملة خمسون من رجال الشرطة، وكان
هذا العدد كافيًا للمحافظة على الأمن بين ثلاثة آلاف عامل، هذا مع العلم بأن الجيش
كان لزامًا عليه أن يتدخل بقوة في الأمور الخطيرة.
والظاهر أن «رعمسيس نخت» كان يرافقه قسم من رجال الشرطة، وهكذا نجد أن مبدأ تأليف كل فصيلة من خمسين رجلًا كان متبعًا، ومن الجائز أن الكتيبة في الشرطة كانت تتألف من نفس العدد الذي تتألف منه في المشاة وهو مائتان وخمسون. أما موضوع قيادة رجال الشرطة، فموضوع دقيق وليس لدينا في متن هذه اللوحة معلومات مباشرة يمكن الاعتماد عليها، ويمكن أن نستخلص بعض الحقائق عن ذلك من متون أخرى، فمثلًا نجد في الأثر الخاص بالنسب وهو المحفوظ الآن بمتحف «نابولي» (راجع مصر القديمة الجزء السادس): الرئيس الأعلى للشرطة «أمنحنت» … «يقول للنواب الكبار الذين على رأس الشرطة ولكل شرطة هذه المدينة …»
ومن المتن السابق نفهم أن رئيس الكتيبة (؟) هو النائب الكبير، وهذه طريقة لإظهار العلاقات الوثيقة التي توجد بين الرئيس ومرءوسيه، وهذا شرط لا بد منه لحسن سير العمل في مصلحة هامة من مصالح الدولة؛ فالضابط لا يصدر أوامر بل يحل محل رئيسه على رأس الكتيبة. والآن يمكن أن نعود إلى النقش فيجب أن نعد النائب بمثابة رئيس كتيبة (؟) الشرطة وهو يمثل شخصيًّا الضابط رئيسه ولكنه ليس الرئيس المباشر للخمسين شرطيًّا.
ولا نزاع في أن هذه البعثة إلى «وادي حمامات» كانت تعد أكبر بعثة أرسلت إلى تلك الجهات حتى الآن. وكان قد أرسل «منتو حتب الثالث» حملة عظيمة يبلغ قوام رجالها نحو ثلاثة آلاف رجل، ولكن «منتو حتب» يمتاز بأنه قد مهد الطريق وعبَّدها من «قفط» حتى البحر الأحمر، ومن ثم أصبح في مقدور أخلافه إرسال البعثات إلى هذه الأصقاع الوعرة. (راجع مصر القديمة ج٣).
(٣-٢) معبد خنسو
القربان التي يقدمها «رعمسيس الرابع» في الأحفال لثالوث «طيبة» بمعبد «خنسو»
وكتب أمام ساقي الإله ما يأتي: «إني أجعل قوتك تسيطر على كل البلاد الأجنبية.»
ونقش أمام ساق «خنسو»: «إني أجعل عمرك عمر «رع» في السماء (أي عمر الشمس).»
وشعيرة تقديم القربان الملكية كانت تؤدى في المعابد أو في المقابر على السواء، ويلاحظ هنا أن الديانة المصرية كانت ذات صبغة نفعية محضة، ففي المعابد كان تقديم الملك القربان للإله لأجل أن يمنحه الحياة الإلهية.
وهذا المتن يشير بطبيعة الحال إلى الشجار الذي نشب بين «حور» و«ست»، فقد انتزع «ست» من «حور» عينه وفي مقابل ذلك نزع «حور» خصيتي «ست»، وقد كان «تحوت» هو الذي أصلح بين الخصمين وردَّ إلى كل منهما ما انتُزِعَ منه.
الخلاصة
لقد جرت العادة أن ينظر إلى أنواع الفن المختلفة في العهد الأخير من عصر الرعامسة بعين الاحتقار، ولكن هذه النقوش التي تحدثنا عنها في معبد «خنسو» تبرهن على العكس من ذلك، وتظهر لنا أنه كان لا يزال في هذه الفترة من التاريخ المصري مفتنون لا تنقص مواهبهم عن مواهب من سبقهم في شيء. ففي المنظر الذي نحن بصدده نجد أن رءوس «آمون رع» و«موت» وموائد القربان والملك والإلهة الممثلة في صورة رخمة، جميعها تلفت النظر بجمال فنها من كل الوجوه لدرجة أنه لولا أن النقوش غائرة وأن طغراءَي «رعمسيس الرابع» قد دُوِّنت فيها لقلنا: إن هذه الصورة من عمل «سيتي الأول»، أو إنها تعد من بين هذه المناظر الجميلة التي أخرجت في عهد «رعمسيس الثاني».
هذا ويلاحظ أن أهمية هذا المنظر لم تكن أثرية وحسب، بل كذلك لها قيمة دينية وبخاصة شعيرة تقديم القربان الملكية في الديانة المصرية في العصور المختلفة.
(٣-٣) الكرنك
وقد نقش «رعمسيس الرابع» بعض مناظر طريفة على عمد قاعة العمد الكبيرة في معبد الكرنك، وكلها مناظر دينية يقدم فيها القربان للآلهة العظام، وبخاصة الإله الأعظم «آمون رع» ملك الآلهة، فنشاهده في منظر يقدم «ماعت» (العدالة) للإله «آمون رع» ملك الآلهة، وخلفه الإلهة «آمونت» زوج «آمون» ساكنة الكرنك، والإله «مين» والإلهة «إزيس».
وفي قاعة الأعياد في حجرة القربان وضع «رعمسيس الرابع» نفسه مكان «تحتمس الثالث» صاحب المعبد.
السنة الثالثة، الشهر الثالث من فصل الصيف، في عهد جلالة «حور» الثور القوي، العائش من العدالة، رب الأعياد الثلاثينية مثل والده «بتاح تاتنن» المنسوب للإلهتين، حامي مصر، وغال الأقواس التسعة «حور» الذهبي، الكثير السنين، العظيم الانتصارات، الملك الذي أوجدته الآلهة، ومن يجعل الأرضين تعيشان، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «حقا ماعت رع» بن رع، محبوب الآلهة، ورب التيجان «رعمسيس»، ومحبوب «مين» صاحب الريشتين المرفوعتين، و«أوزير» رب الأبدية، «وحور» بن «إزيس»، و«إزيس» الأم العظيمة الإلهية، والإله الطيب العائش، صاحب الخطط النافذة، رب النور الذي فيه حتى عنان السماء، وإنه يشرق في المحراب كما يشرق في الأفق مضيئًا الأرضين بجماله، ووالدته «إزيس» ثابتة فوقه، حامية له، سيد ما على … والخوف منه في قلوب الناس بوساطتها، وكل إنسان يتجه نحو إشراقه، والقلوب تنشرح عند ظهوره مثل النيل …
(٤) الأوراق البردية من عصر «رعمسيس الرابع»
(٤-١) ورقة مالت٤٩
هذه البردية تحتوي على ثلاث ورقات اشتراها البارون «مالت» من مزاد عمل لبيع آثار «أنسطاسي» عام ١٨٥٧، وقد ترجمها «مسبرو» وهاك ترجمتها:
الورقة الأولى
- (١)
أربعة جلود ممتازة، وقيمتها ثمانية دبنات من النحاس (أي ٧٢٨ جرام أي إن الدبن = ٩١ جرامًا).
- (٢)
جلد مبطن بجلد جميل وقيمته خمسة دبنات من النحاس.
- (٣)
عصًا من خشب شجر «عونت» مطعمة بخشب «عقو»، وقيمتها أربعة دبنات من النحاس.
- (٤)
عصًا من خشب «عونت» قيمتها دبن واحد من النحاس.
- (٥)
قميص ملون قيمته دبن واحد من النحاس.
- (٦)
رداء ملون قيمته دبن واحد من النحاس.
- (٧)
فأس قيمتها دبنان من النحاس.
- (٨)
قمح: حقيبتان ونصف حقيبة.
- (٩)
دقيق: حقيبة واحدة.
- (١٠)
رداء ملون من يد التابع «ثاري».
- (١١)
رداء ملون من نسيج «سماو»: واحد.
نحاس: ثلاثة دبنات.
وهذا على حسب ما قد قيل لي: «ينبغي أن يعطونيه، ولكن لم أعطَ خبزًا قط للمعبد الذي أنا فيه، ولم أعطَ أية ثيران (؟) ولم أعطَ أوزًّا.»
الورقة الثانية
يقول المشرف على الثيران «باكنخنسو» التابع لمعبد «آمون رع» ملك الآلهة لرجل الشرطة (مازوي): «مانخت ست»، ولرجل الشرطة «نخت ست»، وللمفتش «باوتخ» التابع لمقصورة الملك «وسر رع خع ستبن رع مري آمون» له الحياة والفلاح والصحة، وللمفتش «با إوو» وللمفتش «وسخت»، وكذلك لكل حراس مائدة معبد «آمون» الذين في إقليم «خر» ما يأتي: عندما يصل إليكم «نخت-آمون» النائب، عليكم أن تخرجوا معه، وتقوموا بعمل طراد لي في المستنقعات التي يقودكم إليها، وما ستصطادونه كلوا منه، ولا تأتوا لتقدموا لي حسابًا (عما تأكلونه) وإذا جاء «آمون رع» ملك الآلهة أو الفرعون (له الحياة والفلاح والصحة) ابنه، أو إذا ذهبت لترى من سيأتي للقيام بالطراد لي، فلا تذهب لتقعد بلا عمل؛ لأن كل واحد منكم هو خادمي، وسأذهب إليكم لأوقع العقاب على المتقاعد منكم، وسأعاقبه. (؟) تأمل هذا بوصفك مرسلًا لتقوم بهمة، واحفظ خطابي فإنه سيكون لنا حجة في يوم آخر.
الورقة الثالثة
المشرف على الماشية «باكنخنسو»، والمشرف على مائدة «آمون رع» ملك الآلهة يقدم واجباته لكاتب المائدة «إري عا» التابع لمخزن الضرائب، راجيًا له الحياة والصحة والقوة، ورضا «آمون رع» ملك الآلهة: إني أتضرع إلى «برع-حوراختي» عند شروقه وعند غروبه لتكون في صحة جيدة، ولتبقى حيًّا، ولتتصابى كل يوم. رسالة: عندما حضر أمين الخزانة «خعمتيرا» عندي في قرية «خر» تسلمت خطابًا، وقيل لي فيه: جهز ألف القطعة من الخشب، وعشرة الآلاف حقيبة من الفحم كما اتفق عليه بيننا، واعمل على أن يكون الخشب في أمان؛ لأن ذلك يعادل ما عليَّ من ضريبة سنوية، وتأمل، فإن المشرف على خزانة الفرعون له الحياة والفلاح والصحة قد أتى وأحضر إليَّ أمرًا خاصًّا بألف القطعة من الخشب، وعشرة الآلاف مدٍّ من الفحم. وقد أمرت زيادة على ذلك بقطع ألف القطعة من الخشب، وعشرة الآلاف مدٍّ من الفحم، وقد وضعتها على مرسى قرية «خر»، وكذلك أمرت بقطع سبعمائة قطعة خشب أخرى، وعشرة آلاف مدٍّ من الفحم، ووضعتها على مرسى «برمنتو»، وعندما أقابلك سأسمع ما ستقول، وإذا … (بقية الخطاب مهشمة ولا يمكن أن يفهم شيء منها).
هذه الرسائل الثلاث تكشف لنا عن صفحة من المراسلات الإدارية في العهد الفرعوني خلال الأسرة العشرين. والخطابات كتبها الكاتب «باكنخنسو». وتدل شواهد الأحوال على أنها كتبت في زمن واحد. ولذلك وجدت في ملف واحد وهي من عهد الفرعون «رعمسيس الرابع».
والخطاب الأول مذكرة عن أشياء اقتبست من تقرير النائب «نخت آمون». وكثيرًا ما نعثر على أمثال هذه المذكرات فيما بقي لدينا من الأوراق البردية التي عثر عليها في مصر القديمة. والمقصود هنا عدة أشياء حصل عليها النائب من يد التابع «تحتمس»، ومن شخص آخر يدعى «ثاروي». وهذه المواد مختلفة أنواعها، فالمادتان الأوليان من الجلد الجميل، وقد قدر ثمن كل قطعة منهما بما يعادل دبنين من النحاس، والثانية من الجلد المبطن الذي كان يستعمل للدروع، وثمن القطعة خمسة دبنات من النحاس، أي ما يوازي حوالي ٤٥٥ جرامًا من النحاس.
ثم تأتي بعد ذلك مواد من الخشب يحتمل أنه السرو، وقد صنعت منه عصًا مطعمة بنوع آخر من الخشب لم يعرف كنهه بعد، وعمل من النوع الثاني هراوة. وثمن الأولى أربعة دبنات (٣٦٤ جرامًا) من النحاس، وثمن الثانية دبن واحد (٩١ جرامًا) من النحاس.
أما بقية المواد فهي من النسيج الملون الذي يستعمل في صنع الملابس. وبعد ذلك ذُكرت حقيبتان من القمح، وحقيبة من الدقيق، ولم يأتِ ثمنها في المتن.
ثم ذُكرت فأس قُدِّر ثمنها بدبنين (١٨٢ جرامًا) من النحاس. وأخيرًا جاء في هذه القائمة ثلاثة دبنات من النحاس.
وقد ختم النائب «نخت آمون» خطابه — كما هو المعتاد في كثير من برديات هذا العهد — بالشكوى من عدم إعطائه المواد التي جاءت في هذا الخطاب — على الرغم من الأوامر المشددة التي تصدرها المراجع العليا — وهي: الخبز، والأوز، والثيران.
ويلاحظ أن ما حفظ لنا في ورقة «مالت» يدل على أن الإدارة في مصر في العهد الإغريقي، من حيث عدم الدقة — وفي كل شيء آخر — كانت كالتقاليد الفرعونية القديمة.
أما الرسالة الثانية فيظهر مما جاء فيها أن الموظف «باكنخنسو» كان يصدر الأوامر لكثير من مرءوسيه لتسخيرهم في أعمال خاصة، فنجده هنا يسخرهم للقيام بالصيد كما يشاهد ذلك في المناظر التي صُوِّرت على جدران المقابر. وكان على هؤلاء المسخرين أن يصطادوا في الأدغال تحت مراقبة «نخت آمون» الذي ندب لهذا الغرض.
ويظهر أن هذا الطراد كان يتم دفعة واحدة، دون أن يشتغل القائمون به في أي عمل آخر مهما كان السبب الداعي إليه حتى ولو كان ذلك للحضور لتقديم تقرير، أو للحضور المفاجئ للفرعون الذي كان يسكن على مقربة منه، أو بسبب وصول شخصية ما لم تذكر، ويحتمل أن يكون الشرطي «ماسوتخ» وهو الذي ذُكر أولًا في المقدمة، أو «نخت آمون» هو الذي سيأتي ليحقق حضور كل فرد من الأفراد الذين كلفوا بهذا الطراد.
وهذا ما يعضد النظرية الثانية، أي إنهم كانوا يأخذون من صيدهم نصيبًا.
أما المتن الذي كتب على الورقة الثالثة فهو أطولها وأكثرها تمزيقًا. وفي هذه الرسالة لا يخاطب الكاتب «باكنخنسو» مرءوسيه بل يخاطب أحد الرؤساء أو مواطنًا مساويًا له، ويظهر ذلك من لهجة رسالته، فبعد التحيات العادية يقص للمرسل إليه تنفيذ أمر وصل إليه بوساطة كاتب يدعى «خعمتيرا»، غير أن المعنى المقصود لم يمكن فهمه؛ وذلك لأن التمزيق الذي حدث في الورقة جعل المعنى مغلقًا، ولغرابة الموضوع الذي تبحثه الوثيقة.
وتدل شواهد الأحوال على أن الكاتب «إري عا» قد أرسل إلى الكاتب «باكنخنسو» أمرًا أو رجاء؛ ليحضر له ألف قطعة من الخشب، فيقول المتن: وهذه «ألف القطعة من الخشب» مما يدل على أن الموضوع كان معلومًا من قبل في خطاب آخر سابق لذلك، وكذلك عشرة آلاف قطعة من الخشب، وكان لزامًا عليه أن يضع هذه الكميات في مكان أمين؛ لأنها تعادل قيمة الضريبة التي كان يجب أن يدفعها «إري عا» للخزانة. وقد كان جواب «باكنخنسو» على هذا الطلب أنه قد حضر موظف من الخزانة فسلم إليه الخشب. وعلى ذلك فإن «باكنخنسو» أمر بقطع كمية أخرى من الخشب، ووضعها على مرسى محطين مختلفين، وهي ألف وعشرة آلاف قطعة من الخشب من بلدة «خر»، وخمسمائة قطعة من الخشب، وعشرة آلاف حقيبة من الفحم، وكلها كانت مهيأة للشحن في السفن (وبقية الرسالة مهشمة يصعب ترجمتها).
والواقع أن هذه أول مرة نصادف فيها في المخاطبات ذكر كميات عظيمة من الخشب مثل هذه. ونحن نعلم من جانبنا أن مصر ليست بأرض غابات وأشجار عالية، والظاهر إذن أن المقصود هنا هو شجر صغير الحجم كانت تؤخذ سيقانه وتربط حزمًا ثم تعد، كما كان يؤخذ بعضها، ويعمل منه الفحم المعروف لدينا بالفحم البلدي.
ويجد الباحث في هذه الرسائل الحكومية كيفية جمع الضرائب، إذ نفهم من محتوياتها أنها كانت تُجبى من الفلاحين المزارعين، وكذلك من الصناع كل على حسب ما خصص به.
وهذه الأشياء كانت تقدر قيمتها نقدًا أحيانًا مثل العصي والجلود، أو عينًا كالقمح والدقيق والخشب والفحم، أو نقدًا بالدبن. يضاف إلى ذلك أن نظام الضياع كان لا يزال موجودًا، وأن السخرة كانت شائعة؛ إذ كان على عمال الضياع — على ما يظهر — أن يقوموا بالصيد لصاحب الضيعة دفعة واحدة إلى أن ينتهي، حتى إنهم كانوا يتناولون طعامهم في المكان الذي ذهب ليصطاد فيه.
(٤-٢) بردية وإستراكون خاصتان بالوحي٥١ من عهد «رعمسيس الرابع»
بردية المتحف المصري رقم ١٠٣٣٥٥٢
هذه الوثيقة — على وجه عام — محفوظة حفظًا لا بأس به، وقد أُرخت بالسنة الثانية من حكم ملك لم يسم باسمه، وعلى ظهرها (السطر الثامن) طغراءات الفرعونين: «رعمسيس الثالث» و«ستنخت». وهذا يحدد لنا — تقريبًا — زمن كتابتها.
(٤) وكرر له الخادم «أمنمويا» أسماء أشخاص البلد، فهز الإله رأسه عند ذكر اسم المزارع «باثاو مديأمون» قائلًا: «إنه هو الذي سرقها.» وقال المزارع «باثاو مديأمون» في حضرة الإله: «إنه كذب، فإني لست أنا الذي سرقها.» وعند ذلك غضب الإله جدًّا.
(٦) وذهب مرة ثانية المزارع «باثاو مديأمون» أمام «آمون» صاحب «تاشنيت» (حي في طيبة أيضًا) قائلًا: «إني الآن قريب من إلهي في حين أني كنت قد ذهبت لآخر، ولقد أخذ خمسة … إلى محكمته.» وقد هز الإله رأسه نحوه بهذه الحالة قائلًا: «إنه هو الذي أخذها.» فقال المزارع «باثاو مديأمون»: «إنه كذب.» فأجاب الإله قائلًا: «خذوه أمام «آمون» صاحب «بوقنن» (حي في طيبة أيضًا) أمام شهود عديدين.»
وقد كان أصحابه وهم الذين كانت لهم علاقة باعترافه هم الذين جروه أمام الإله وكانوا معه شهادًا عند الاعتراف.
وقد جعل الإله الخادم «أمنمويا» يحلف يمينًا قائلًا: «إن الأشياء المسروقة لم تسترد منه.»
وهذه الوثيقة تحدثنا أن تمثال «آمون بخنتي» كان قد جيء به لاحتفال، وكان بطبيعة الحال محمولًا على أكتاف الكهنة بعض اليوم خلال عيد الحرم (عيد الأقصر) ومن المحتمل أنه في ذلك اليوم — وهو اليوم الذي يذهب فيه «آمون الكرنك» في موكب إلى الأقصر — كان كل الآلهة المحليين «لآمون» يؤخذون كذلك إلى الأقصر، أو كانوا يشتركون بطريقة ما في هذا الاحتفال، أو يحتمل أن كل «آمون» كان له يوم حفل خاص خلال انعقاد هذا العيد.
والواقع أن لدينا في مصر الحديثة ما يشبه هذا الاحتفال، فنجد مثلًا عند الاحتفال بالمولد الكبير «للسيد البدوي» أن كثيرًا من وفود أتباع الأولياء القاطنين في البلدان والقرى يذهبون إليه، وكل وفد منهم يحمل غطاء ضريح لشيخ بلدته وقلنسوته علامة على حضور صاحبهما، ثم يطاف بهما حول القرية أو المدينة التي بها الاحتفال إلى أن يصل إلى مكان الاحتفال بولي البلدة نفسها.
وعلى أية حال فإنه خلال حمل كهنة الإله لتمثاله في حالتنا هذه تقدَّم له شخص يدعى «أمنمويا» طالبًا محادثته في معضلة اعترضته. وذلك أن «أمنمويا» هذا كان حارسًا لمخزن الملك لمعبد «آمون» صاحب «بخنتي» بطبيعة الحال، وقد كان يقض مضجعه أن خمسة القمصان من النسيج الملون، التي كانت في حيازته قد سرقت منه فهل للإله أن يرد له البضاعة المسروقة؟ فأجاب الإله بهز رأسه علامة على قبول ملتمسه (ويلاحظ هنا أننا نجد في مصر بقايا هذه العادة حتى الآن، وذلك أنه عندما يسرق شيء من فرد ما يذهب المسروق منه إلى ضريح أحد المشايخ، أو إلى الولي الذي يوجد في القرية ويزوره، ثم يقدم إليه شكواه ويطلب إليه إعادة ما سرق منه قائلًا له وهو على أهبة مغادرة ضريحه: «هز المقام يا شيخ فلان.» وهذا هو نفس ما كان يتطلبه المصري القديم من تمثال الإله بأن يهز رأسه بالقبول).
وبعد ذلك أخذ «أمنمويا» في سرد قائمة بأسماء الناس كلهم الذين يسكنون بلدته، وعند ذكر اسم المزارع «باثاو مديأمون» هز الإله رأسه ثم مُثِّل كأنه يقول: إنه هو الذي سرقها (الملابس) فأسرع «باثاو مديأمون» بإنكار هذه التهمة. ومن ثم نعلم أن الإله كان في شدة الغضب لهذا الإنكار.
ولكن «باثاو مديأمون» لم يكتفِ بذلك، بل لجأ إلى إله آخر محلي يدعى «آمون تاشنيت»، وهذا الإله الأخير — على ما يظهر — كان إله الحي الذي يسكنه «باثاو مديأمون»؛ لأن المتهم يقول: «إني الآن قريب من إلهي» في حين أن لفظة «الآخر» في المتن يظهر أنها تشير إلى «آمون بخنتي»، وهنا تعترضنا جملة فيها خمسة ألفاظ لا نفهم معناها.
وعلى الرغم من أن المتهم قد سعى إلى استمالة إلهه المحلي، فإنه قد حكم عليه ولكنه لما استمر في عناده وإنكاره ارتكاب الجريمة أمر الإله بأن يؤخذ إلى «آمون بوقنن» في حضرة شهود عديدين، ولا نعلم ما حدث في هذا التحقيق.
ويبتدئ المتن الذي على ظهر الورقة مبينًا أن «باثاو مديأمون» قد أتى به مرة أخرى أمام «آمون بخنتي» للمرة الثالثة. ولكن الوثيقة لم تذكر لنا حضوره أمام هذا الإله مرتين؛ مما يدل على أن الوثيقة لا تشمل إلا مقتطفات من وثيقة أخرى رسمية، ومن أجل ذلك تركنا في ظلام دامس بالنسبة لما حدث في المقابلة الثانية بين «باثاو مديأمون» و«آمون بخنتي»، ولكن قد حدثت بداهة أمور أثرت على حالة الرجل العقلية، وذلك أنه في مقابلته الثالثة سأل السؤال التالي: «هل أنا الذي أخذت الملابس؟» وقد أجاب الإله على ذلك بالإثبات، وذلك بهز رأسه بعنف قائلًا: «إنه هو الذي أخذها.» وفضلًا عن الإدلاء بهذا الجواب فإن الإله أمر بتوقيع العقاب عليه في حضرة أهل البلد. وهذا لا بد يعني أن أحد كهنة «آمون بخنتي» — عملًا بالتعليمات الإلهية — ضرب الرجل، مما جعله ينزل عن عناده ويعترف بأنه سرق الملابس. وهذا التأكيد من جانب الإله للمرة الثالثة بأن «باثاو مديأمون» كان مجرمًا قد أقنع بطبيعة الحال أصحاب المتهم ومعضديه؛ لأنهم هم الذين «جذبوه» أمام الإله.
ولا نزاع في أنهم قد طرحوه أرضًا، عندما كان ينفذ فيه عقاب الإله الذي جعله يعترف بالجريمة. ويستمر البيان السابق قائلًا: «وكانوا معه بمثابة شهود عند الاعتراف بالجريمة.» ولا بد أن اشتراك أصحابه أنفسهم في توقيع العقاب عليه كان ذا أثر عظيم على «باثاو مديأمون»، وربما كان ذلك هو المحرض الأخير له على اعترافه بالسرقة. وبعد أن فرغ من عقاب المجرم ذكر الإله للقوم الحاضرين أن «باثاو مديأمون» قد اعترف بجريمته، وأنه وعد بإعادة البضاعة المسروقة التي عبر عنها بأنها ملابس الفرعون (أي من مال الفرعون وهو الضريبة التي كانت تحصل).
غير أن الضرب والإخضاع لم يكن نهاية عقاب «باثاو مديأمون»، فقد رأينا أنه بعد نطق الإله جاء مفتش بيت محفة الملك «ستنخت» المسمى «بنحرور» ووقع عقابًا آخر على المتهم فجلده مائة جلدة بجريدة نخل، وجعله يحلف ألا ينقض ما اعترف به وإلا رمى به إلى التمساح.
ويلاحظ أن ما جاء بالسطرين «٢٠، ٢١» من وجه الورقة يقدم لنا لمحة هامة عن الرسميات القانونية المصرية، وذلك أنه — حتى بعد أن اعترف «باثاو مديأمون» بجريمته، ووعد بإعادة القمصان المسروقة — أمر الإله المجني عليه «أمنمويا» بأن يحلف يمينًا أنه لم يتسلمها حتى الآن.
وإنه لم المهم جدًّا أن نعرف هنا على وجه التأكيد معنى «أن الإله هز رأسه». والواقع أن ما بقي لنا من أمثال هذه الصور — التي يلجأ فيها الشاكي إلى الإله؛ ليحصل على إجابة بوساطة الوحي — تنحصر في قارب يمثل محرابًا محمولًا على أكتاف كهنة عديدين. ويلاحظ أن الحجرة المخصصة للإله — وهي التي تحتوي على صورته في القارب — كانت مغطاة بستارة، وكان التمثال نفسه مختفيًا عن الأنظار. ويخيل للإنسان أن الستارة كانت تجر عندما كان يأتي النطق بالوحي، وأن الكهنة كانوا يؤدون ذلك بحيلة ما بحيث تهتز رأس الإله. أو هل نفرض أن القارب المقدس نفسه كان يهتز بعنف وهو على أكتاف الكهنة؟
وفي اعتقادي أن الفكرة الأخيرة هي الصحيحة إذ نجدها تمثل في أيامنا الحالية. وذلك أنه عند وفاة أحد الأولياء نرى أن أتباعه يحملونه على أعناقهم لدفنه، وعندما يأتون إلى الأماكن التي كانت محببة إليه يدفعون به — على الرغم منهم كما يزعمون — ويدخلونها جريًا كأنهم لا إرادة لهم في ذلك، أو نجدهم أحيانًا يقفون به عند أماكن خاصة، ولا يستطيعون الحركة لمدة ما.
ونفهم من هذا المتن — ومن غيره مما سنذكره أو ذكرناه — أن تمثال الإله الذي يستشار لم يكن ليجيب بهز رأسه وحسب، بل كان يتحدث أيضًا. والمفروض حينئذ أنه كانت تسمع كلمات بالفعل تخرج بطبيعة الحال من فم الكاهن الذي فرض أن الإله يتقمصه، وعلى ذلك كان يمثله فعلًا. وبهذه المناسبة نذكر أن الملكة «حتشبسوت» كانت تتضرع يومًا عند السلم (المؤدي إلى التمثال الجالس على عرشه) إلى سيد الآلهة، فسمع أمر خارج من المكان العظيم — وهو وحي من الإله نفسه. ومن الأمور البارزة في نظام إجراء العدالة بالالتجاء إلى إله — أن الشخص المتهم — على ما يظهر — لم يكن لديه مانع من معارضة الإله الذي أعلن أنه مذنب! إذ نجد — كما سبق — أن «باثاو مديأمون» قد أُحضر أمام ثلاثة تماثيل عبادة مختلفين، وقد جرت بينه وبينهم محادثات خمس قبل أن يعترف بأنه لص. وهذا يلقي ضوءًا منيرًا على حالة المصري العقلية نحو أي إله من هذه الآلهة.
وتدل شواهد الأحوال على أنه كان يظن أن في مقدوره تضليل الإله — كما يسعى الفرد أحيانًا في تضليل القاضي أو الحاكم.
إستراكون عن الوحي
السنة الرابعة، الفصل الرابع من شهر الزرع، اليوم الأخير من الشهر. في هذا اليوم بلغ العامل «كننا» بن «سيوازد» الملك «أمنحتب» رب المدينة قائلًا: «ساعدني يا سيدي الطيب، إني أنا الذي بنيت مسكن العامل «بيخال» عندما خرب، والآن تأمل فإن العامل «مرسخمت» بن «مسننا» لم يسهل لي أن أسكن فيه قائلًا: إن الإله هو الذي قال لي: «قسمه معك على الرغم من أنه لم يبنِ فيه معي … قسم».» وهكذا تكلم قائلًا للإله (؟) ثم كرر ذلك كاتب الجبانة «حور شرى» (؟) له (أي الإله) وقال هو (أي الإله): «أعط المسكن «كننا» صاحبه ثانية؛ لأنه ملكه بأمرٍ من الفرعون، وليس لأحد أن يقسمه.» وهكذا قال هو (الإله) في حضرة رئيس العمال «نختم موت» ورئيس العمال «عنحور خعوي» والكاتب «حوري»، وحاملي الإله، وكل العمال في باب مقبرة رئيسهم «قاحا» وحلف يمينًا قائلًا: «بحياة «آمون» وبحياة الفرعون سيدي بوصفه الأمير الذي قوته الموت، إذا رجعت في ذلك فإني أستحق أن أجلد مائة جلدة، وأحرم نصيبي (من المقابر التي توزع بين عمال الجبانة).»
وهذا المتن سجل يلتجئ فيه صاحبه إلى الإله «أمنحتب» (الملك أمنحتب الأول) الذي كان يعد إله قرية العمال وجبانتهم (راجع مصر القديمة ج٤) ليحصل على حكم قانوني بالبيت الذي عليه النزاع.
وقد أكد لنا المدعي «كننا» أنه مُنع ظلمًا من اتخاذ مسكنه في المكان المعروف باسم «بيت بيخال» الذي هدم وأعاد هو بناءه. أما المدعى عليه وهو شخص يُدعى «مرسخمت»، فقد ادعى أنه استشار الإله (أي «أمنحتب الأول» الذي كان يعد وقتئذ إله الجبانة) فأكد له أن البيت كان قسمه بينه وبين «كننا». هذا على الرغم من أن «مرسخمت» كما قيل ليس له أي شأن في إعادة بناء البيت. ومما يؤسف له أن معظم وجه «الإستراكون» بعد الجواب المزعوم الذي فاه به «أمنحتب» لصالح «مرسخمت» قد فُقد، ولا نعلم إذا كان ما قد بقي لنا من هذا المتن هو بعض أو كل جواب الإله، وعلى أية حال فإن من المحتمل أن يكون الفرض الصحيح هو الأخير، وعندما فرغ «كننا» من الكلام كرر كاتب الجبانة «حور شري» أن ما ادعاه أمام الإله هو الذي حققه له جوابه.
(٤-٣) مقبرة «رعمسيس الرابع» وتصميم ورقة «تورين»٦٠
منذ حوالي ثلاث وثمانين سنة وضع أمام العالم الأثري «لبسيوس» تصميم مقبرة ملكية في «طيبة»، وقد عثر على هذا التصميم بين ذخائر أوراق البردي المحفوظة الآن بمتحف «تورين»، وإلى ذلك العهد كانت معظم مقابر «وادي الملوك» من عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين معروفة، ونُشر تصميمات عدد منها في المؤلف الذي خلَّد حملة «نابوليون» على مصر. وقد فحص «لبسيوس» هذا التصميم الذي عثر عليه بين أوراق البردي في «تورين»، ووجد أن مقاييسه تتفق ومقاييس قبر «رعمسيس الرابع». غير أن المقاييس المفصلة التي كانت في متناوله عن المقبرة نفسها لم تكن دقيقة. وقد تناول بعده بعض العلماء فحص هذه المقاييس، ونخص بالذكر منهم «شاباس» و«مريت»، ثم عاد «لبسيوس» عام ١٨٨٤م وتناول الموضوع بالبحث على ضوء المقاييس التي عملها «مريت». ومنذ ذلك العهد تُرك تصميم «تورين» في زوايا النسيان، على الرغم من العناية العظيمة التي خصت بها مقابر «أبواب الملوك» آنئذ. على أن الإهمال الذي خصت به هذه الورقة لم يختلف عن الإهمال، الذي يشمل هذا الكنز العظيم من أوراق البردي المحفوظة في متحف «تورين»، ومعظمها من عهد الرعامسة، إلى أن قام بنشر بعضها حديثًا بعض العلماء، وقد قام أخيرًا بدرس هذا التصميم كل من الأثريين «كارتر» والأستاذ «جاردنر» معًا. والأخير يعد من أبرز علماء اللغة المصرية في عصرنا، وقد أخذ «كارتر» على عاتقه عمل المقاييس كما درس المتن في الأصل الأستاذ «جاردنر»، وقد أعطى المتن الذي على ظهر الورقة عناية خاصة، ووجد أنه يحتوي على مقاييس لم تكن معروفة من قبل.
وقد فحص الأستاذ «جاردنر» الذي كتب المقال في فقرتين منه وجه الورقة وهما خاصتان على وجه عام بترجمة النقوش، وكتب فقرة ثالثة قرن فيها المعلومات التي في وجه الورقة بالمعلومات التي يمكن استنباطها من طبيعة القبر الأصلي، واستخلص منها النتائج التي أمكنه استنباطها كما سنورده هنا.
ولم يطمح المصري إلى عمل رسوم على حسب نسبة مقياس رسم، فقد كان يكفي عنده أن تكون حجراته قد رسمت في تصميمه بالترتيب الصحيح، مع تقدير تقريبي للصورة والنسب الحقيقية.
والآن نعود إلى ذكر الكتابات الدينية التي تصف لنا أجزاء القبر المختلفة كما جاءت في الورقة.
ويلاحظ أن اسم قاعة الانتظار أو الاستقبال لا يوجد على وجه ورقة «تورين» وحدها بل يوجد كذلك على تصميم «إستراكون» المتحف المصري، حيث تدل على أول حجرة من ثلاث الحجرات التي تتألف منها النهاية الداخلية لقبر «رعمسيس التاسع»، وهذا القبر يختلف عن قبر «رعمسيس الرابع» في أن حجرة التابوت فيه تقع في أقصى نهاية القبر وهي مفصولة بقاعة ذات عمد عن قاعة الانتظار، ولا نزاع في أن الاسم «قاعة الانتظار»، كان الغرض منه الدلالة على المكان الذي يمكن لأقارب الملك ورجال الحاشية والرعايا الانتظار فيها، قبل أن يسمح لهم بالدخول إلى حضرة الفرعون العلية.
وتشير عبارة «بيت الذهب» هنا إلى حجرة الدفن؛ لأن ملوك مصر كانوا يدفنون ومعهم كل حليهم وكل الأشياء الغالية حولهم. وقد فسر «كارتر» هذه العبارة بأن اللون الأساسي للحجرة كان الأصفر الغامق، وهو اللون العادي لهذه الحجر؛ ولذلك سميت «بيت الذهب» والتعبير بالأصفر عن الذهب معروف لدينا (الأصفر الرنان). وتشير عبارة «مع التاسوع المقدس الذي في العالم السفلي» على ما يظهر إلى صور الآلهة المصنوعة من الخشب المطلي بالقار وهي خاصة بالمدافن الملكية، أو قد تشير إلى صور الآلهة الخاصين بالمقابر الملكية، وهم الذين يرسم عدد عظيم منهم على جدران هذه المقابر، ولكن سنرى بعد أن الآلهة كان لها محاريب في القبر لتوضع فيها.
ويقدِّم لنا المجموعان الأولان مقدار الأبعاد من مدخل القبر حتى حجرة التابوت، ومن حجرة التابوت حتى نهاية القبر، وهذان البعدان هما الطول الكلي للقبر وهو ١٣٦ ذراعًا وشبران + ٢٤ ذراعًا وثلاثة أشبار = ١٦٠ ذراعًا وخمسة أشبار.
«الخزانة التي على اليد اليسرى، وطولها عشر أذرع، وعرضها ثلاث أذرع، وارتفاعها ثلاث أذرع وثلاثة أشبار.»
وأخيرًا قرن الأستاذ «جاردنر» النتائج التي وصل إليها من درس تصميم ورقة «تورين»، والقبر الأصلي ووصل منها إلى نتائج مرضية. وقد كان المفهوم من قبل أن هذا التصميم بعيد عن الدقة كل البعد. بيد أن المقاييس التي أخذها الأثري «كارتر» لهذا القبر تنفي هذا الزعم إلى حد بعيد؛ فقد وجد أنه من بين سبعة وعشرين مقياسًا تتفق خمسة عشر منها في كل من الطبيعة والورقة، وثمانية صحيحة إلى حد بعيد، وأخطاؤها بسيطة جدًّا تعد بمقياس بضع أصابع.
أما أربعة المقاييس الباقية فنجد أن خطأها في الورقة ظاهر. ولا توجد لذلك أسباب مقبولة.
وهذه النتيجة المرضية تتعارض مع ما وصل إليه «لبسيوس» في بحثه الأخير؛ ويرجع سبب الاختلاف إلى عدم وجود تناسب في مقاييس أبعاد القبر، وبخاصة مقاييس حجرة التابوت وهي المقاييس التي أخذها كل من «كارتر» و«مريت» وقد اعتمد «لبسيوس» على مقاييس «مريت»، وهي التي لوحظ أن بعضها خاطئ، هذا إلى أخطاء حسابية وقع فيها «لبسيوس» نفسه.
ويقول «أليت سميث»: إن هذه المومية هي إحدى الموميات التي وجدها «لوريه» عام ١٨٩٨ في مقبرة «أمنحتب الثاني»، وقد فكت لفائفها في ٢٤ يونيو سنة ١٩٠٥ بمتحف القاهرة. وقد جرد اللصوص الأقدمون المومية من كل أكفانها، وقد أعيدت لها أكفانها في الأسرة التالية، وكانت بعض خرق وضعت حول المومية مع بعض لفائف بسيطة لحفظ هذه الخرق في مكانها. وأخيرًا وضع كفن حول هذه الخرق، وقد كتب اسم «رعمسيس الرابع» بالمداد الأسود على هذا الكفن الخارجي، وكذلك على غطاء التابوت الخشبي الذي وجدت فيه المومية. وكان طول «رعمسيس الرابع» ١٫٦٠٢ متر، وكان أصلع تقريبًا ولم يبقَ له من الشعر إلا إطار ضيق باقٍ على صدغيه والقفا. وقد دل فحص عظامه على أن عمره لا يقل عن خمسين سنة ويحتمل أكثر. والجسم لا يزال في حالة جيدة غير أن اللفافات قد لصقت بالجلد. وكان وجهه حليقًا تمامًا ويحتاج إلى عدسة ليرى بها الإنسان مكان منابت الشعر المحلوق على الشفتين والذقن.
وفي كل عين من العينين اللتين قد انتزعتا وجدت بصلة صغيرة موضوعة تحت الجفن؛ لتحاكي العين الحقيقية. وقد كان نجاح هذه العملية أكثر مما كان يتصوره الإنسان. فقد كان لون البصلة المجففة الأصفر التي وسعت الجفنين يتناسق مع لون الجلد، وأصبح مظهر الوجه طبيعيًّا.
وقد كان استعمال العين الصناعية تجديدًا معروفًا متبعًا في عهد الأسرة العشرين، وأصبح عادة متبعة فيما بعد.
ويلاحظ أن الجزء اللين من الأنف قد فرطحته لفائف المحنط، غير أنه مما لا شك فيه أن «رعمسيس الرابع» كان أقنى الأنف مثل أسلافه ملوك الأسرة التاسعة عشرة، هذا بالإضافة إلى أسنانه العليا البارزة التي تشبه أسنان ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وكذلك «سيتي الثاني» من الأسرة التاسعة عشرة.
وقد فتح هذا القبر في عهد البطالمة، وقد وجد على جدرانه كذلك نقش باللاتينية من العهد الإمبراطوري الروماني خط بسرعة؛ هذا إلى صورة من العهد …
ويوصل إلى مدخل هذا القبر سلم قديم ذو سطح مائل، ويشاهد في أعلى المدخل الرئيسي قرص الشمس، وبداخله صورتا إله الشمس الأولى برأس كبش، وهو إله الشمس عند الغروب، والأخرى إله الشمس المشرقة في صورة جُعَل، وترى على جانبي قرص الشمس الإلهتان «إزيس» و«نفتيس» يتعبدان له.
ويشاهَد في الدهليز الأول على اليسار الفرعون يتعبد للإله «حرمخيس» برأس صقر وقد مثلت الشمس مارة بين الأفقين. ويأتي بعد ذلك متن أنشودة للشمس تتألف من خمسة وأربعين سطرًا، وتسمى كتاب «مديح رع» ويحتوي الدهليز الثاني على نقش طويل يتحدث عن عبادة «رع».
وفي الدهليز الثالث صور خرافية ومتون من كتاب «ما يوجد في عالم الآخرة»، وكتاب الكهوف وهما من الكتب التي تصور عادة في المقابر الملكية.
بعد ذلك ينتقل الزائر إلى الدهليز الرابع فيشاهد على جدرانه متونًا طويلة تتألف منها الفصول من ١٢٣–١٢٧ من كتاب الموتى، وهذه الفصول تحدثنا عما يقوله المتوفى يوم الحساب أمام «أوزير»؛ ليبرئ نفسه من الخطايا والذنوب.
ويدخل بعد ذلك الزائر حجرة الدفن التي كان يثوي فيها الفرعون، وقد كسرها اللصوص في الأزمان القديمة ونهبوا محتوياتها كما ذكرنا من قبل، ويبلغ طولها إحدى عشرة قدمًا ونصف قدم، وارتفاعها تسع أقدام، وقد نقش على جدرانها مناظر تستحق الملاحظة، فنشاهد على الجدار الأيسر صور الفصلين الأول والثاني من «كتاب البوابات» ومتونها، ونجد إيضاحًا للفصل الأول صورة الملك راكعًا أمام إله الشمس في القسم الأول من العالم السفلي مقدمًا له رمز العدالة. وترى أرواح الشريرين الذين وضعهم الإله «آتوم» في الأغلال، ويشاهد أن بعضهم قد خر صريعًا. وفي الفصل الثاني نشاهد ثانية إله الشمس الذي كان قد مر الآن بالبوابة التي يحرسها ثعبان إلى القسم الثاني من العالم السفلي، وهنا نشاهد الإله «آتوم» متكئًا على عصاه يلاحظ الثعبان الشرير «أبوفيس» الذي أصبح لا حول له ولا قوة، وامتنع عنه إصدار أي أذى بتعاويذ خاصة تليت عليه.
والفصل الثالث من هذا الكتاب نقش على الجدران اليمنى لهذه الحجرة، ووضح بالصور، فنرى أن قارب الشمس قد دخل الآن القسم الثالث من العالم السفلي، وهنا نشاهد من بين الصور اثنتي عشرة إلهة فصلت بثعبان إلى نصفين كل منهما ست، وهي تمثل ست ساعات قبل منتصف الليل ثم ما بعده، وهذا الجزء من الشعائر ينتهي بالفصل الرابع من كتاب البوابات، عندما يكون قارب الشمس قد انتقل إلى القسم الرابع من العالم السفلي.
ويشاهد مصورًا على سقف هذه الحجرة الإلهة «نوت»، وعلى جسمها رسمت أبراج السماء.
وبعد حجرة الدفن دهليز نقش على جدرانه سياحة الشمس في العالم السفلي، ويلاحظ الزائر على عتب الباب المؤدي إلى الحجرة النهائية صورة سفينة الشمس موضوعة على صورة «بولهول» مزدوج. كما نشاهد على جدران الحجرة الأخيرة صور سرير، وكرسي، وصندوقين، وأواني الأحشاء العادية، ويحتمل أن هذه الأشياء كلها كانت موجودة فعلًا في هذه الحجرة وقت دفن الفرعون.
(٤-٤) معبد «رعمسيس الرابع» الجنازي
(٤-٥) نقل تماثيل الملك «رعمسيس الرابع»
ذكرت لنا ورقة محفوظة بمتحف «تورين»، نقل بعض تماثيل هذا الفرعون جاء فيها أنه قد عملت الترتيبات لتوريد القمح للعمال، وكذلك مهدت طريق طولها ثلاثون وسبعمائة ذراع، وعرضها خمس وخمسون ذراعًا، وكان انحدارها إلى أعلى ستين ذراعًا، وكذلك صنعت عشرون ومائة «روقات» (ويبلغ مساحة الروقات ٣٠ × ٧ أذرع من ألواح الخشب وعروقه، وكلمة روقات يظهر أنها مشتقة من الفعل السامي رق أو نشر، أو رقق؛ أي أصبح رقيقًا أو رفيعًا، وذلك يعني أن عروقًا من الخشب كانت توضع فوق الأديم، وتغطى بألواح ليمكن سحب التماثيل عليها بسهولة).
(٥) الموظفون والحياة الاجتماعية في عهد «رعمسيس الرابع»
(٥-١) الكاهن الأعظم «لآمون» (رعمسيس نخت) وأسرته
بعد أن اختفى «رعمسيس الثالث» من مسرح الحياة آلت مقاليد الملك من بعده لابنه «رعمسيس الرابع»، الذي لم يرث من والده صفة الملك الحازم، فانتهز كهنة «آمون» العظام فرصة ضعف أخلاف «رعمسيس الثالث»، وأخذوا يستولون على السلطة في البلاد شيئًا فشيئًا إلى أن جمعوا مقاليد الملك في أيديهم، وكانت الخطوة الأولى في هذه السبيل أن تربع أفراد أسرة من الكهنة على كرسي رياسة «آمون» في «طيبة»، وهذه كانت المرة الأولى في تاريخ أرض الكنانة، التي نجد فيها هذه الوظيفة تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن.
ورئيس هذه الأسرة هو الكاهن الأول «لآمون» المسمى «رعمسيس نخت» في عهد الفرعون «رعمسيس الرابع»، وقد خلفه كما سنرى من بعد اثنان من أولاده على التوالي وهما «نسآمون» ثم «أمنحتب»، والأخير هو الذي جاء قبل الكاهن والملك «حريحور» مباشرة.
والآثار التي تركها لنا «رعمسيس نخت» تمدنا بمعلومات قيمة عن تاريخ حياته، ونخص بالذكر منها التمثالين اللذين عثر عليهما «لجران» في خبيئة «الكرنك». ويمتاز أحدهما بدقة صنعه، ورشاقة شكله؛ فقد مثل مرتديًا ثوبه الديني الرسمي الفضفاض ذا الثنايا، وعلى رأسه الشعر المستعار الغزير الخاص.
بعصر الرعامسة، وقد مثل راكعًا وهو يقبض بين يديه على مائدة جلس عليها ثالوث «طيبة». أما التمثال الثاني فعلى الرغم من أنه أقل رشاقة في صنعه من السابق فإنه يعد من أهم قطع النحت الممتازة، التي وصلت إلينا من مدرسة فن النحت الطيبية، وقد أصبح هذا التمثال الكلاسيكي يعرف بتمثال كاهن القرد — والقرد هنا هو الإله «تحوت» الذي كان يمثل أحيانًا في صورة القرد — فقد مثل هذا الكاهن جالسًا القرفصاء، وعلى حجره بردية منشورة أمامه، وعلى رأسه شعر مستعار ويرتدي ملابس رسمية، وكأنه كان يفكر أو يتلو صلوات في سره بحالة ذهول من الورقة التي أمامه. ويُرى جاثمًا فوق كتفه قرد صغير كثيف الشعر ينظر إليه من على رأسه، ومعنى ذلك أن الإله «تحوت» هو الذي قد ظهر في هذا الوضع غير المعتاد، وقد كان من الصعب على المثَّال أن يوفق بين صورة الكاهن، وصورة هذا الحيوان بهيئة ليست زرية ولا قبيحة.
ومن ثم نعلم أن مسقط رأس والد «رعمسيس نخت» هو بلدة «هرمو بوليس» (الأشمونين الحالية) وهذا يفسر لنا بوضوح السبب الذي جعل «رعمسيس نخت» يمثل مع القرد في هذا الوضع الفريد في بابه، وهو الذي أصبح الكاهن الأكبر للإله «آمون» في «الكرنك»، ومع ذلك فقد استمر في تقديس إله أجداده، فوضع نفسه تحت حماية الإله «تحوت» الذي كان يمثل في صورة قرد، ويعد أعظم معبودات بلدة الأشمونين في كل عصور التاريخ المصري القديم.
ومن الجائز أن «مري باستت» والد «رعمسيس نخت» كان من أصحاب الحظوة عند «رعمسيس الثالث»، وفي عهد «رعمسيس الرابع» أرسله في الحملة التي بعث بها في وادي «روآنا» في السنة الثانية من حكمه، وهو الذي نقش على صخور وادي حمامات اللوحات التي تحدثنا عنها فيما سبق.
ومما يلفت النظر في أمر هذا العظيم أن الفرعون لوثوقه فيه قد نصبه كاتم سره ومدير أملاكه في الأرضين؛ مما جعله على اتصال مستمر بالقصر، وقد نقش على قاعدة هذا التمثال المهدي: «ابنه الأكبر الذي يجعل اسمه حيًّا، الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «نسيآمون».» وهذا المتن الصغير له أهمية عظيمة؛ لا لأننا نعرف منه أنه كان يوجد كاهن أكبر «لآمون» يدعى «نسيآمون» وحسب؛ بل كذلك لأننا نفهم منه أن «نسيآمون» هذا قد ورث «رعمسيس نخت» في وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» في الكرنك مباشرة بعده.
ومن جهة أخرى توجد وثيقة نعلم منها أن الكاهن الأعظم «رعمسيس نخت» كانت له ابنة تدعى «عزوت» (؟) وتحمل لقب رئيسة كهنة حظيات «آمون»، وهو لقب كانت تحمله أمها من قبلها. وقد تزوجت الأولى رجلًا يدعى «أمنمؤيت» وكان يحمل لقب الكاهن الثالث للإله «آمون»، وفي الوقت نفسه كان يلقب الكاهن أعظم الرائين للإله «رع» في «طيبة» والكاهن الأول للإلهة «موت»، وقد نقش على أحد جدران مقبرة هذا الكاهن منظر مثل فيه يتسلم مكافآت من الذهب والفضة في السنة السابعة والعشرين من حكم الفرعون «رعمسيس الثالث».
والظاهر على أية حال أن «أمنمؤيت» هذا قد مات قبل والد زوجه، وقد عاش عدة سنين بعد أن تسلم مكافأته هذه؛ لأننا وجدنا منقوشًا على جدار آخر من قبره طغراء «رعمسيس الرابع»، وعلى مقربة من المنظر الذي فيه يتسلم «أمنمؤيت» هداياه نجد امرأته تقدم قربانًا لوالدها الحاكم والكاهن والد الإله ورئيس الأسرار في السماء وعلى الأرض وفي العالم السفلي، ومدير البيت العظيم لقصر «رعمسيس الثالث» في ضيعة «آمون» في غربي «طيبة»، والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الإله «رعمسيس نخت».
ومن المحتمل جدًّا أن «رعمسيس نخت» أصبح في هذا العهد كاهنًا أول، وعلى أية حال فإن فترة توليته وظيفة الكهانة العليا كانت في عهد «رعمسيس الرابع» وأخلافه. ومن الجائز أنه قد تقلد وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» دون أن يصعد إليها تدريجًا على حسب النظام المتبع، والظاهر أنه لم يتعدَّ في ترقيته في سلك الكهانة وظيفة الكاهن والد الإله مثل «منخبر رع سنب»، ومثل «بتاح موسى» اللذين تحدثنا عنهما فيما سبق (راجع مصر القديمة ج٤، ج٥).
وهذه المرتبة كانت على ما نعلم كافية لأن تضفي على حاملها صفة الكهانة. على أن رقيه إلى أعلى مرتبة يصل إليها كاهن لم تنحصر فقط في أنه أصبح رئيس كهنة «طيبة»، والكاهن أعظم الرائين للإله «رع-أتون» في «طيبة»، بل منح كذلك اللقب العظيم رئيس كهنة الوجه القبلي والوجه البحري، فكان مثله في ذلك كمثل رؤساء كهنة «آمون» الأقوياء في عهد الأسرة الثامنة عشرة، وبعض الكهنة العظام في الأسرة التاسعة عشرة.
وقد كان متمتعًا بكل الحظوة الملكية، فكان يحمل لقب الأمين الكبير، والواقع أنه كان كاتم أسرار الفرعون مثل والده «مري باستت».
وكذلك كان مثله كمثل أعظم كهنة «آمون» الأول يحمل لقب مدير أعمال العمارة، وبتقلده هذه الوظيفة لم يكن يدير الأعمال الخاصة بالإله «آمون» في الكرنك وحسب، بل كان كذلك مثل أسلافه «حابو سنب» و«بتاح موسى» و«باكنخنسو» و«رومع روي» يدير كل أعمال العمارة في البلاد من مبانٍ ومقابر وتماثيل، مما كان الفرعون يأمر بإنجازها.
وهذه الحملة كانت مجهزة بكل الأدوات اللازمة لجيش مستعد للقيام بحملة، فكان فيها المشرفون ورجال الخزانة ورجال الإدارة والأدلاء والحكام والمعدات، أما المفتنون في المناجم وقطع الأحجار والرسم والنحت، فقد بلغ عددهم حوالي ١٣٠ رجلًا تحت إدارة اثنين من مهندسي المناجم، وهما: «أمنوسى» و«باكنخنسو».
وقد ترك لنا أحد رجال هذه الحملة البارزين — وهو رئيس فرقة — لوحة كتبت باسمه في أسفل صخرة على حافة الطريق، وذكر فيها اسم «رعمسيس نخت» وسجل ذكرى حملته. وعلى الرغم من أن هذه اللوحة قد نقشت نقشًا خشنًا وأن المتن في بعض الأماكن يحتوي أخطاء فإنه في مجموعه ظاهر وهو: «السنة الثالثة، الشهر الأول من الفصل الثالث، اليوم السادس والعشرون … ذهب قائد العربة … «رعمسيس» (؟) ابن مدير البيت «مري زدت» لأخذ الأحجار من المكان الصحيح مع مدير الأعمال الكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة «رعمسيس نخت».»
وكان يتمتع هذا الكاهن الأعظم «لآمون» بنفوذ في «طيبة» ومصر، ولكن لا نجده يشغل أية وظيفة عامة غير وظيفة مهندس العمارة.
(٥-٢) الوزراء
ذكرنا فيما سبق أن «رعمسيس نخت» رئيس كهنة «آمون» لم يكن يومًا من الأيام وزيرًا لهذا الفرعون ولا لغيره من ملوك هذه الأسرة.
نفررنبت
(٥-٣) مقبرة «أنحور خعوي» مقدم رب الأرضين في مكان الصدق في جبانة دير المدينة٦٩
وصف «لبسيوس» قبر هذا الموظف في أثناء البعثة التي قام بها في مصر لتدوين الآثار المصرية والنوبية.
والظاهر أن هؤلاء الملوك الذين رسموا هنا كانوا مؤلهين عند الشعب المصري في تلك الفترة، وقد مثلوا في مقبرة «أنحور خعوي» في صفين بالترتيب التالي:
(١) «أمنحتب الأول». (٢) «نب بحتي رع» (أحمس الأول). (٣) الملكة «أعح حتب». (٤) الملكة «مريت آمون». (٥) الملكة «سات آمون». (٦) الملك «سا آمون». (٧) الملك «سات كامس». (٨) الملكة «حنت محيت». (٩) الملكة «تاو سرت». (١٠) الملكة «أحمس». (١١) الطفل «أوزير سابا إير».
وهذه الصورة موجودة في القبر الذي نحن بصدده الآن وهو قبر «أنحور خعوي»، الذي عاش في عهد «رعمسيس الرابع» كما ذكرنا، وهي صورة المثال الذي رسم كل صورة من صور هذا القبر، ومن التوقيع الذي تركه لنا نعلم أن التخطيط الذي وجد على قطعة «الإستراكون» — التي عثر عليها بجوار هذا القبر — يمثله أيضًا لأنه باسمه، والفرق بين الصورتين هو أنه في الصورة الأصلية التي على جدار المقبرة نجد أن الرسام رسم على لوحة في حين أنه في الصورة التي على «الإستراكون» يشاهد وهو يغمس قلمه في محبرة، ويكتب أو يرسم على ورقة في حجره، ويلاحظ كذلك أن المنضدة لا توجد في النسخة التي يجلس عليها «حوي»، كما نلاحظ بعض تغير عن الأصل في جلسته وكذلك في الثوب ذي الثنايا التي لا توجد في الثوب الأصلي وكذلك في وصف الشعر، هذا ويلاحظ فرق في تصوير القدم في كلتا الصورتين. والواقع أن الفرق عظيم بين الأصل والتقليد، حتى إن المرء لا يشك بحق في أن الصورتين لا تمثلان شخصًا واحدًا بعينه لولا أن توحيدهما قد أكد كتابة، فقد جاء على النسخة المصورة على قطعة الحجر الجيري: «الأمير الوراثي وكاتب الملك «حوي».» وكذلك تحمل هذا الاسم الصورة التي مثلت في قبر «أنحور خعوي»، وبهذا يكون ما اقترحه «لبسيوش» في تكملة الحرف الممحو حق. والواقع أن كلمة «ربعتي» كانت تطلق غالبًا في هذا العهد على ولي العهد، غير أنه كان يستعمل كذلك لقب شرف؛ وهذه هي الحالة هنا لأن «حوي» كان على ما يظهر يحتل مكانة علية، ولا يبعد أنه كان قد حظي بهذا اللقب، إذ كان يرسم للفرعون القطع الفنية الفريدة.
والرسام «حوي» قد عاصر كلًّا من «رعمسيس الثالث» و«رعمسيس الرابع» في «طيبة»، حيث كان يقوم بأعمال الرسم والتصوير في جبانة «طيبة» وغيرها، وبخاصة المقبرة العظيمة التي نحن بصددها الآن. على أن قيمة هذا المفتن لا يمكن تقديرها من رسوم هذه المقبرة، بل صورته التي رسمها لنفسه وهي كما قلنا نسيج وَحْدِها. ومن كيفية تصوير شعره المرسل طبعيًّا، ومن إظهار أخمص القدم في الرسم نعلم أن هذه النزعة ترجع إلى عهد بداية الدولة الحديثة، حيث كانت محاكاة الطبيعة تلعب دورًا هامًّا، وهذا الأسلوب الحر الذي مكن رسام إستراكون «برلين»، وجعله يشتط عن الأصل في بعض النقط لم يجعله يحيد عن التمسك بإظهار الأجزاء البارزة في الصورة وهي الشعر الطبعي المرسل والقدم بصورتهما الأصلية، سواء أكانت صورة منقولة عن الأصل أم كانت قد رسمت من المخيلة، وعلى كل حال فإنه يلاحظ في الصورتين أن الوضع قد تغير، ولكن الجوهر قد بقي محفوظًا فيهما مما يدل على أنهما من يد مفتن واحد ولمفتن واحد بعينه.
وعلى الجدار الخلفي كانت توجد صورة للإله «أوزير». وعلى الجدار الأيسر مُثل المتوفى واقفًا ومعه أخته، وقد نقش فوقهما: «التعبد لك يا رب الأبدية، يا «أوزير» يا حاكم الخلود لروح «أوزير» مقدم العمال في مكان الصدق «أنحور خعوي» المرحوم أبديًّا، وأخته ربة البيت مغنية «آمون رع» ملك الآلهة، «وعبت» المبرأة، وابنه ومحبوبه الخادم في بيت مكان الصدق «قننور» المبرأ، وابنه «حورامس»، وابنه «أنحور خعوي»، وابنه «باثري».»
وعلى الجهة اليسرى يشاهد المتوفى وزوجه يتسلمان القربان من أولادهما، وتحتوي على أزهار ومرآة وأدوات أخرى، وقد كتب فوق الرجل وزوجه ما يأتي: ««أوزير» مقدم العمال في مكان الصدق، ومدير الأعمال في «الأفقين بيت الأبدية» وصانع تماثيل الآلهة كلها في بيوت الذهب «أنحور خعوي» المبرأ، وأخته ربة البيت، ومغنية آمون «وعبت» المبرأة وأمامهما ذكرت أسماء أبنائهما وبناتهما، وهي ابنه محبوبه خادم مكان الصدق «قنن حور» المبرأ أبديًّا، وابنه خادم مكان الصدق «حورامس» المبرأ، وأخته «شري رع»، وابنته «توي» (؟) وابنته «تاوحمت»، وابنته «نفرتاري محب» المبرأة، وابنته «مرسجرت» وأخته … محبوبته … وأخته «نفرتاري» المبرأة وابنته محبوبته «نبومحب» المبرأة، وابنته محبوبته «تابدت إن» المبرأة.»
وعلى اليسار من ذلك يجلس المتوفى وزوجه في محراب وأمامهما روحان في صورة طائرين، وعلى اليسار متن مؤلف من أحد عشر سطرًا عمودية تبتدئ هكذا: «قربان يقدمه الملك «لرع» و«أنحور» و«تحوت» و«ماعت» و«وننفر» رب الغفران، وللثلاثين بحارًا أتباع «حور» و«لحور» لأجل القربان، وللإله «حقاوت رجو» و«سيا» ليجعلوني أدخل إلى ساحة الثلاثين، وأصير إلهًا بين الثلاثين بحارًا، وأصير بالقرب من «محن» (الثعبان العظيم الذي يكون مع إله الشمس في سياحته في عالم الآخرة).»
وبعد ذلك نشاهد المتوفى يجلس إلى مائدة قربان وأمامه نقش ذكر فيه اسمه واسم زوجته وابنه «حورامس»، ثم يتلو ذلك من جهة اليسار: المتوفى جالسًا وأمامه نقش آخر بعضه مهشم ذكر فيه بعض أولاده وألقابهم. وممن لم يرد ذكرهم قبل ذلك: ابنه خادم مكان الصدق «حونرا» المبرأ.
وفي الصف الأسفل من هذا يظهر أولًا من جهة اليسار من كومة قمح المتوفى وزوجه صورة طفل من نبات القمح الذي أخرج شطأه، ويصحب هذا المنظر المتن التالي: ««أوزير» مقدم العمال في بيت الصدق في طيبة الغربية، ومدير الأعمال في الأفقين أبديًّا «أنحور خعوي» المبرأ، وزوجه ربة البيت الممدوحة من «حتحور»، و«عبت» المبرأة، وابنها محبوبها «أنحور خعوي» المرحوم الذي يسمى «أريو» المبرأ.»
وعلى اليسار من صورة المتوفى وزوجه يشاهد أحد أبنائهما يقدم القربان ومعه المتن التالي: «ابنه كاهن رب الأرضين «حقا ماعت رع ستبن» (رعمسيس الرابع) معطي الحياة «آمون حرحعب» … «سيتي» … حامل الصاجات في بيت الصدق «بامحدق» المبرأ، وابنه «نب أمنت» المبرأ، وابنه رسام بيت الصدق «مين حور» المبرأ.»
- (١)
إطلاق البخور من يد ابنه خادم مكان الصدق «آمون محب رع»، وأخته ربة البيت «حنت شنو» المبرأة، وابنه «تنرامنت».
- (٢)
«أوزير» مقدم بيت الصدق «أنحور خعوي» المبرأ، وأخته ربة البيت «وعبت»، ووالدها «أوزير» مقدم بيت الصدق «آتي» (؟) والده مقدم بيت الصدق … (؟)
ويلاحظ في هذا المتن توحيد «آمون» بالنيل في اسم ابن المتوفى «آمون باحعب» مثل «آمون رع»، وكذلك يلاحظ ظهور اسم الإله «ست» في هذا العصر.
وفي الشمال من الحجرة الأولى المقببة باب ضيق بابه مقبب، وكذلك مخرج ضيق يؤدي إلى حجرة ثانية مقببة كذلك، وفي السقف خارجة من الخشب غير أنها قد سقطت على الأرض.
- (١)
الكاهن المطهر للإله «بتاح» في أماكنه الجميلة كلها «قننا» المبرأ.
- (٢)
ابنه الرسام في الأفقين إلى الأبد «حورمين» المبرأ.
- (٣)
ابنه خادم مكان الصدق المبرأ «أمنمحب».
- (٤)
ابنه خادم مكان الصدق «حورامس» المبرأ.
- (٥)
أخته خادمة مكان الصدق «حاييت».
- (٦)
أخوه خادم مكان الصدق «بوكشوف».
- (٧)
أخوه الكاهن المطهر لرب الأرضين «باسشمون» (؟).
- (٨)
أخوه حامل الصاجات (؟) في مكان الصدق «قحا».
وفي آخر الصف يجلس المتوفى وزوجه وفي يده الصولجان «سخم» وخلفه كتب اسم ابنه «قننا»، وخلف اسم زوجته نقش: ابنتها «نفرتاري» المبرأة، وابنتها محبوبتها «تانزمت خايت»، وابنتها محبوبتها «تب أمحب»، وابنتها «قوي» المبرأة سرمديًّا.
ويشاهد أمامهما خصي عريان يضرب على العود، ونقش خلفه نقش طويل نسبيًّا وهو: «ما قاله المقرب من «أوزير» كبير عمال «بيت الصدق» «أنحور خعوي» المبرأ:
أقول: إني حاكم وإني رجل محق لدرجة عظيمة … وإني أصنع تماثيل الإله كما صوِّر في الفرج؟»
(٦) صورة أرنب غريب بذيل طويل كالأسد، لسانه بارز ويقبض بمخلابه الأيسر على سكين ويذبح بها ثعبانًا عظيمًا تحت شجرة خضراء، وفاكهتها حمراء، وقد نقش عليه المتن التالي: «فصل في إبعاد العدو عن المكان الذي فيه «أبوفيس»؛ ليكون هذا الإله (أي رع) في عيد مع بحارته، والآلهة الذين يأتون بالقرب منكم؛ وليصير القلب مبرأ بوساطة «أوزير» رئيس العمال في مكان الصدق بطيبة الغربية: «أنحور خعوي» وزوجه «وعبت» … عمله أخوه الكاتب في (الأفقين أبديًّا) «حورامس».»
وعلى يمين هذا المنظر منظران آخران الواحد فوق الآخر، وقد وضع على أعلاهما شبكة نقش فوقها: فصل في الخروج بالأحبولة بوساطة «أوزير» … وفي أسفل هذا يقف رجل مرتدٍ ملابس بيضاء ممسك بقضيب طويل ومعه المتن التالي: ««أوزير» مقدم العمال في مكان الصدق «نخت موت» المبرأ، وابنه «خنسو» المبرأ.»
الصف الأعلى
-
(١)
يشاهد المتوفى مرتديًا ملابس بيضاء ممسكًا بقضيب طويل، وقد وقف أمام بيت أبيض ترسل الشمس أشعتها عليه، ومعه المتن التالي: «فصل في الخروج نهارًا» … إلخ (وهذا الفصل من كتاب الموتى بتلاوته يمكن المتوفى أن يخرج نهارًا؛ ليتمتع بضوء الشمس ثم يعود إلى قبره في أثناء الليل) بوساطة «أوزير أنحور خعوي» وزوجه ربة البيت «وعبت».
-
(٢)
منظر ثانٍ قُسم قسمين: يجلس في القسم الأعلى المتوفى وزوجه في قارب، وعند السكان يقف ابنه «أنحور خعوي» المبرأ، وأمام القارب النقش التالي: «فصل في السياحة في النهر صعودًا بوساطة «أنحور خعوي» …»
وفي الصف الأسفل يشاهد جعران كبير يقبض بفمه على عقد كبير، ومعه المتن التالي: «هذا فصل في أن تصير في أية صورة تحبها بوساطة مقدم العمال في بيت الصدق «أنحور خوي» …»
-
(٣)
المتوفى يقوده الإله «تحوت» إلى «أوزير» ومعه المتن التالي: ««أوزير» رب الأبدية وحاكم الآخرة «وننفر خنتي أمنتي» (أول أهل الغرب) و«تحوت» رب البلاغة وكاتب الصدق «لرع».»
فصل في النزول إلى محكمة «أوزير» بوساطة مقدم عمال بيت الصدق «أنحور خعوي» المرحوم: «إن «أوزير» قد برأني من عدوه على يد «تحوت» ملك الأبدية، وبرأني أمام عدوه مما يقوله عندما يقترب من الغرب في الجبانة العظيمة.»
-
(٤)
ذكر هنا مناداة قاضي الأموات فقط.
-
(٥)
يشاهد المتوفى يقوده إله برأس قرد إلى حوض مستطيل أسود في وسطه ماء أحمر يجلس فيه قرد أليف ينادي المتوفى قائلًا: «الصلاة لآلهة جزيرة النار.» (المكان الذي تولد فيه الشمس يوميًّا).
ويلاحظ هنا أنه كان من عادة القردة — ولا تزال — تصيح عند طلوع الشمس وعند غروبها، كأنها ترحب بالإله «رع»، وهذه الظاهرة يمكن ملاحظتها في غابات أواسط أفريقيا حتى الآن.
وفوق هذا المنظر نشاهد سفينة محلاة برأس صقر يحمل قرص الشمس المُحلى بصلٍّ، وفي الأسفل قارب ومعه الآلهة: «إزيس» و«تحوت» و«خبري» و«حور» و«أوزير» مقدم العمال …
-
(٦)
صورة أربعة أقاليم للعالم السفلي (١) الإقليم الأول والثاني والثالث والرابع كل باسمه.
الجهة الشرقية الشمالية: الصف الأسفل من جهة اليمين
-
(١)
يجلس المتوفيان على كرسي، وقد كتب خلف اسميهما اسم إحدى بناتهما: ابنته «شري رع» المبرأة.
-
(٢)
وقد كتب خلف اسم المتوفى اسم أخته وابنته «شري رع» و«توي»، وقد كتبتا بصيغة المذكر بدلًا من المؤنث (ابنه بدلًا من ابنته) وأمامه يأتي صف ممن يقربون القربان إليه (١) الأول يلبس جلد فهد في يده إناء يصب منه الماء وهو الرسام في بيت الصدق «حورا مين» المبرأ الذي يعمل رسامًا «لآمون»، وبعد ذلك يأتي (٢) خادم مكان الصدق «قني مين» المبرأ (٣) خادم بيت الصدق «نت آمون» المبرأ (٤) خادم بيت الصدق «حايت» المبرأ (٥) خادم بيت الصدق «أمنمانت» (٦) خادم بيت الصدق «حورا» المبرأ (٧) ابنه «مين خعوي» الكاهن المطهر المرتل لكل الآلهة … (٨) وأخته ربة البيت «حنت خنو» المبرأة (٩) خادم مكان الصدق الكاهن المطهر لرب الأرضين «نفرحتب» المبرأ (١٠) أخته ربة البيت «توي» المبرأة (١١) خادم مكان الصدق «نفرحتب» المبرأ (١٢) مغنية «آمون رع» رب تيجان الأرضين «تاحم شو» المبرأة (١٣) أختها مغنية «آمون-رع» ملك الآلهة «نفرتاري» المبرأة (١٤) ابنته «حنت رو» المبرأة (١٥) ابنتها «تاورت» المبرأة (١٦) ابنتها «تاخت-تم تاشن»؟ (١٧) «تاسز مونست» المبرأة أبديًّا (١٨) مغنية «آمون» «تانت بسي»٧٧ المبرأة (١٩) ابنتها «تاحنوت» المبرأة.
وبعد ذلك يشاهَد المتوفيان جالسين ومعهما طفل على الشمال، وخلف اسميهما كتب اسم أولاده «قننا» و«حورامس» و«أنحور خعو» و«آمون باحعبي».
وفوق الطفل الذي مثل في صورة عذراء كتب ما يأتي: ابنة ابنه «عنقت ثانختت» وعلى حجر المتوفى يشاهد طفل آخر يلعب وهو: ابن ابنه «أنحور خعوي» وأمام المتوفى تقف كذلك عذراء: ابنة ابنه «باك بتاح» المبرأة.
وكذلك تجلس على الأرض طفلة: ابنة ابنه «حنت وعت» المبرأة.
هذا إلى قرابين تقدم للمتوفين: الكاهن الأول للإلهة «أوزير» «أمننختو» المبرأ أبديًّا. الكاهن المطهر للإله «بتاح» في الأماكن الجميلة كلها «قننا» المبرأ. ابنه الرسام في بيت الصدق وصانع التماثيل لكل …
فصل … (؟) أخته ربة البيت مغنية «آمون رع» ملك الآلهة «مري آمون دواو» المبرأ، ابنتها «حنت نترو» المبرأة.
ابنها «حورا» المبرأ، ابنتها «إزيس» المبرأة ربة سرور القلب في راحة.
وسط الصف من اليمين
-
(١)
الإلهة «حتحور» ممسكة بساق بردي (وهو النبات الذي كانت تمسك به الإلهات خاصة «حتحور» القاطنة في طيبة سيدة ضيعة العدالتين في طيبة) …
-
(٢)
المتوفى أمام ثعبان ضخم … الصلاة لوجهك يا «ساتا» (اسم الثعبان) الذي يخرج من المحيط الأزلي هذا الوارث للإلهة «أوزير» …
-
(٣)
المتوفى أمام ثلاثة من أولاد آوى: أولاد آوى الأربعة الذين يجرون السفينة (سفينة الشمس).
-
(٤)
مومية المتوفى وأمامها إله برأس صقر، ويضع في أنفه آلة لفتح الأنف ومعه المتن التالي: «فصل في فتح فم «أوزير» … إلخ مقدم عمال مكان الصدق … إن فمك يفتح. وفتح فمك بوساطة «بتاح» … وفتح «حور» فمك وفتح لك عينيك.» (علامة على الإحياء ثانية بعد الموت وهذه كانت شعيرة متبعة).
-
(٥)
المتوفى يجلس أمام رمز الروح: «فصل في إحضار الطعام من حقول «يارو» … فصل في بداية الطريق إلى عالم الغرب الجميل.»
وهذه كانت شعائر تعلم للمتوفى بعد الموت والغرض منها بقاء المتوفى حيًّا في عالم الآخرة.
-
(٦)
الصقر الذي على علامة الغرب. فصل في أن يصير الإنسان مثل الآلهة الذين هم فيها (الآخرة) «أوزير».
ومن هذا القبر عثر على قطعة من جدار عليها رأس إنسان وهو المتوفى صاحب المقبرة، وكذلك بقايا متن ديني وهي الآن بمتحف برلين (رقم ١٦١٩).
والألقاب التي كان يحملها هي:
(١) مقدم عمال بيت الصدق. (٢) مدير الأعمال في «الأفقين أبديًّا»، وهو اسم يطلق على معبد مدينة «هابو».
(٣) وصانع تماثيل الملوك كلها من بيوت الذهب، (وقد تركت لنا صور الملوك الذين صنعت تماثيلهم على يد المفتن «حوي» في المقبرة).
أما زوجه «وعبت» فكانت تحمل الألقاب التالية: (١) ربة البيت، (٢) مغنية «آمون رع» رب تيجان الأرضين، (٣) المقربة من الإلهة «حتحور».
أما أولاده الذكور فكل منهم كان يذكر بوظيفته، فمنهم الخادم في بيت «مكان الصدق»، وهو اسم يطلق على جبانة «طيبة» في دير المدينة في ذلك الوقت.
وكان منهم كاهن رب الأرضين أي: «رعمسيس الرابع» والرسام في بيت الصدق «حورمين». وكاهن الإله «بتاح» في أماكنه الجميلة كلها «قننا» والرسام الكاتب في الأفقين أبديًّا «حورامس» والكاهن والمرتل لكل الآلهة.
وكذلك ذكرت بناته وكان منهن من تعمل كاهنة كما ذكر إخوته وأخواته، وكان معظمهم يتقلد وظائف فنية ودينية عظيمة.
ويلاحظ عند ذكر أولاده أن بعضهم كان يتميز عن البعض الآخر، فقد كان ينعت بأنه ابنه محبوبه أو ابنته محبوبته.
يضاف إلى ذلك أن بعض أحفاده قد صور وهو يداعبه، فنشاهده يجلس أحدهم على حجره والآخر يلعب أمامه، مما يدل على أن «أنحور خعوي» وزوجه قد بلغا من العمر أرذله.
(٢) والظاهر من معظم الوظائف التي كان يحملها أولاد «أنحور خعوي» وإخوته وأخواته أن عددًا عظيمًا منهم كانوا يسكنون في الجهة الغربية، إذ كانت معظم هذه الألقاب تنحصر إما في الأعمال الإدارية الخاصة بجبانة دير المدينة، أو أعمال الكهانة الخاصة بالملك والإله «آمون» و«بتاح» رب الصناعات والحرف.
وتدل النقوش الدينية كذلك على أن عبادة الآلهة «آمون» و«بتاح» و«أوزير» كانت هي العبادة السائدة في تلك الفترة، فالإله «آمون» كان إله الدولة الأعظم كما كان في أوائل الأسرة الثامنة عشرة، وقد وحد بالإله «رع» أقدم الآلهة، وصار اسمه «آمون رع». أما الإله «بتاح» فكان بطبيعة الحال من الآلهة الممتازين في القسم الغربي من طيبة في مدينة العمال؛ لأنه رب الصناعات والحرف، وكان الإله «أوزير» إله الآخرة الذي يرجع إليه مصير كل فرد أو ملك، وله منزلة خاصة في نفوس الشعب عامة.
ولكن الغريب أن إله «آمون» قد وحد كذلك بإله النيل «حعبي»، ويمكن تفسير ذلك بأن الإله «آمون رع» يمثل إله الشمس، فهو يشرق في عالم الوجود في أثناء النهار ويضيء العالم، ثم يغيب في الغرب في عالم الأموات. وكذلك النيل يفيض فيغمر الأرض بخيره ويغيض فتجدب الأرض وتموت، ثم يعود ثانية إلى الظهور والخصب وهكذا. هذا فضلًا عن أن الإله «آمون» قد أضاف لنفسه صفات كل الآلهة الآخرين في تلك الفترة من تاريخ البلاد.
وقد ذكر من بين الآلهة الإله «تحوت» كاتب العدالة، وهو في الواقع وكيل الإله «رع» ورب العلوم والبلاغة والمواقيت.
وقد استعمل «أنحور خعوي» في نقوش قبره بعض فصول كتاب الموتى وكتاب الطريقين وكتاب البوابات، كما نشاهد ذلك في مقابر الملوك وبخاصة فصل الخروج من القبر في رابعة النهار، وذلك أن المتوفى كان دائمًا يحب أن ينفي عن نفسه صفة الموت والتزام ظلمات القبر، فكان يكتب كتابة خاصة على بردية أو على جدران القبر؛ ليتمكن بتلاوتها من الخروج إلى عالم الدنيا والعودة ثانية إلى قبره ليلًا عندما يريد. وكذلك دوَّن فصلًا للقضاء على الثعبان «أبوفيس»، الذي كان أكبر عدو لإله الشمس في سياحته السماوية، وكان المتوفى دائمًا — في تلك الفترة من تاريخ البلاد الديني — يرغب في أن يكون أحد أتباع إله الشمس في سياحته من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق يوميًّا، وقد كان هذا الشرف للملوك فقط غير أنه قد أصبح حقًّا مشاعًا لعامة الشعب.
وكذلك نجد المتوفى قد كتب فصلًا لإحضار الطعام له من حقول «يارو»، التي كانت بمثابة جنة المأوى، كما كتب فصلًا آخر لتسهيل الطريق إلى الآخرة ليكون مثل الآلهة الذين فيها. وأخيرًا نجده قد دوَّن فصلًا آخر يمكنه بقراءته أن يتشكل بأية صورة يريدها، وفي النهاية يكتب تعويذة يصبح بها في صورة الطائر «بنو» (الروح) ليمكنه أن يدخل إلى قبره ويخرج منه في أي وقت أراد.
ولدينا في هذه المقبرة كذلك فصل أو تعويذة يمكن المتوفى بتلاوتها أن يسترد قلبه ويسير في ركاب الإله «سكر» (إله الآخرة وهو صورة من «أوزير») في أعياده وأن يأكل مما تنتجه حقول «يارو»، ويشرب من ماء بحيرتها. ثم نجد المتوفى هنا لا ينسى ساعات ملاهيه، فيكتب فصلًا عن الصيد بالشباك في عالم الآخرة كما كان يعمل في عالم الدنيا.
ومن المراسيم التي بقيت مستعملة حتى هذا العهد زيارة مومية المتوفى «العرابة المدفونة»، التي فيها قبر الإله «أوزير»، فقد كانت المومية تحج إلى هذا البيت المقدس ثم تعود حيث تدفن في مثواها الأخير. ولا نعلم إذا كان هذا التقليد يعمل فعلًا أو كان يكتب في النقوش وحسب في تلك الفترة كما تحدثنا عن ذلك في غير هذا المكان.
أما مراسيم القربان فتدل النقوش على أنها كانت تقام كالمعتاد في كل زمان ومكان، وكان الذين يكلفون بها هم أولاد المتوفى وأقاربه بمثابة كهنة له. وعلى أية حال نلاحظ في مقبرة «أنحور خعوي» هذا أن أواصر الأسرة كانت متينة جدًّا إلى حد بعيد، فنجد فيها أولاده وإخوته وأحفاده كلهم ملتفين حوله يقربون إليه، وكذلك ذكر والد المتوفى وذكر والد زوجه وأقاربها. والواقع أن هذه الرابطة الأسرية القوية التي نشاهدها في أفراد أسرة هذا العظيم، تشعر أولًا بأن «أنحور خعوي» كان ذا مكانة عظيمة في إدارة البلاد، كما تدل على أنهم كانوا على ما يظهر يسكنون في جهة واحدة. ولا غرابة في أن يكونوا قد اتخذوا موطنهم في الجهة الغربية من «طيبة»، وبخاصة عندما نعلم أن رب الأسرة كان يشغل منصب مدير أعمال الفرعون، أي إنه هو الذي كان يقوم بتنفيذ كل أعمال البناء للفرعون، وكان يستخدم معظم أقاربه في مساعدته، فكان منهم الكاتب والرسام والكاهن، كما كان أقرباؤه من النساء المغنيات للإله «آمون» رب تيجان الأرضين و«آمون رع» ملك الآلهة، وكذلك كان من بين أقاربه الكاهن الأول «لأوزير»، ومن ثم نعلم أن أقاربه كانوا يشغلون وظائف رئيسية في أنحاء البلاد وبخاصة في «العرابة المدفونة» مقر «أوزير». ولا نعلم بالضبط مسقط رأس هذا العظيم، وإن كانت شواهد الأحوال تدل على أنه من مقاطعة «طينة»، وبخاصة أن اسمه «أنحور خعوي» ومعناه «أنحور يضيء». و«أنحور» هذا هو أحد الآلهة البارزين في تلك المقاطعة، هذا بالإضافة إلى أن أحد أقاربه كان كاهنًا أول للإله «أوزير».
ويلفت النظر في الأسماء التي جاء ذكرها في هذه المقبرة أن عددًا عظيمًا منها كان مركبًا تركيبًا مزجيًّا مع الآلهة المشهورين، مثل «بتاح» و«آمون» و«مين» و«رع»، كما كانت النساء تسمى باسم بعض الملكات المشهورات في هذا العهد مثل «نفرتاري».
(٥-٤) «تر» رئيس الكهنة والكاهن الأكبر للإله «منتو»
يوم الخميس ٦ مارس سنة ١٨٨٤ … وجدت قبرًا آخر خلف بيت يوسف في «قرنة مرعى»، وقد عمل للكاهن الأكبر للإله «منتو» في عهد «رعمسيس الرابع».
وإذا جمعنا المعلومات التي ذكرها «ديفز» ونقش وادي الحمامات، الذي ذكرناه الآن أمكننا أن نضع ملخصًا لحياة هذا الموظف العظيم الذي عاش في عهد الأسرة العشرين: عاش «تر» في عهد «رعمسيس الثالث»؛ وذلك لأننا نجد طغراء هذا الفرعون في قبره، وقد كان يشغل وظيفة الكاهن الأكبر للإله «منتو» في السنة الأولى من عهد «رعمسيس الرابع»، والظاهر أنه في عهد «رعمسيس الثالث» بدأ في تزيين قبره باسمه وألقابه؛ غير أن هذا القبر لم يكن من عمله بل اغتصبه، وتدل المناظر التي صوِّرت على الجدار الشمالي من الممر على أنها من طراز نقوش الأسرة الثامنة عشرة.
وفي نهاية حياته كان يحمل الألقاب التالية: «رئيس كهنة الآلهة، والكاهن الأكبر لمنتو»، وهذا يدل على أنه في زمنه كان من أعظم رجال الدين في «طيبة».
وتدل النقوش على أن «تر» لم يذهب مع البعث، الذي قام على رأسه «رعمسيس نخت» في السنة الثالثة من حكم «رعمسيس الرابع».
ويعتقد كل من «جاردنر» و«ويجول» أن «تر» قد غير اسمه باسم «حقا ماعت رع». والواقع أن هذه العادة وجدت في كل عصور التاريخ المصري، فنجد في عهد الأسرة العشرين أن أسماء كبار الموظفين كانت تركب مع اسم الملك ولقبه. وقد استعمل بعض العظماء في تأليف اسمهم الطغراء الثانية «لرعمسيس الرابع»، ومن الصعب التحقق من ذلك؛ لأن الطغراءات الثانية للرعامسة كانت كلها موحدة.
والواقع أنه قد ظهر من الفحص أن اسم «تر» قد وجد على جدران هذه المقبرة، واسم «حقا ماعت رع»، غير أن هذين الاسمين لم يوجدا قط في المقبرة مقترنين في نقش واحد، فإذا كان اسم «حقا ماعت رع» واسم «تر» هما اسم لشخص واحد، فإن «تر» قد اتخذ لنفسه اسمًا جديدًا لا لقبًا في العهد الأخير من حكم «رعمسيس الرابع»، عندما غير الفرعون طغراءيه، ويمكن أن نفرض أن «تر» لم يسمَّ «حقا ماعت رع» إلا بعد موت «رعمسيس الرابع» الذي لم يحكم إلا ست سنوات فقط.
وعلى ذلك فإنا نجد أن الفرعونين اللذين استعملا نعت «الذي يجعل الأرضين تحيا» أو منشئ الأرضين غير الملك «رعمسيس الرابع» هما: الفرعونان «آي» و«حور محب». (راجع مصر القديمة ج٥). وفي السطر الثالث في اللوحة التي نحن بصددها الآن نجد التعبير «صاحب التصميمات الصائبة»، وهذا هو اللقب الحوري للفرعون «حور محب».
ومنذ السنة الرابع من حكم «رعمسيس الرابع» نجده قد نحت ألقابه ونعوته في معبدي «الأقصر» و«الكرنك» أسفل متون وصور خاصة بالملك «حور محب».
وعلى أثر اعتلائه عرش الملك نجد أنه قد شرع في إقامة معبده الجنازي أمام معبد الملك «آي» والفرعون «حور محب».
وأخيرًا وجد في هذه المعابد ودائع أسس خاصة بالفرعون «رعمسيس الرابع» (راجع R. Anthes Holscher. Orient, Instit etc., The Excavations of Medinet Habu Vol. II. The Temple of the 18th Dyn. p. 114–117 & pl. 58).
وإنه لمن الخطر أن نستنبط نتيجة من توافق هذه الأشياء، ولكن — مع ذلك — لم يكن بد من ذكرها هنا، والتبصر بما تنطوي عليه.
والآن هل ينبغي لنا أن نضيف تسعمائة الشخص السالفي الذكر أو نحذفهم من المجموع الكلي وهو ٨٣٦٨، وقد اختلف الباحثون في ذلك، فيقول كل من «بركش» و«بتري» و«ويجل» و«برستد» و«ليفبر» و«مونتيه» بإضافة هذا العدد، ولكن «إرمان» يعتقد بوجوب حذفها من المجموع الكلي. والظاهر أن الرأي الأخير هو الصائب. والترجمة الحرفية لهذه العبارة هي: «الأموات الذين أبعدوا عن هذه القائمة، أي إن الأموات لم يحسبوا هنا. وقد جاء الخطأ من تفسير هذه العبارة بسرعة زائدة، ويجب أن نبحث الموضوع بنظام.»
فإذا جمعنا دون احتساب التسعمائة وجدنا المجموع ٨٣٦٢ شخصًا، وقد انتقد المصريون كثيرًا لخطئهم في ست وحدات، والواقع أن القائلين بإضافة المتوفين التسعمائة قد نسوا أن ذلك يزيد في خطئهم لدرجة عظيمة لا يمكن معها أن ننسب إلى الكتاب المصريين جهلًا كهذا بالحساب.
ويمكن أن نعترض بأن الكتاب المصريين قد عرفوا عدد المفقودين في القائمة نفسها، وأنهم كانوا على علم بحالة البعث يوميًّا، فكانوا يحذفون اسمًا، ويغيرون عددًا في كل مرة يموت فيها شخص؛ وعلى هذا فإن العدد ٨٣٦٨ هو عدد مصحح؟
والجواب على ذلك سهل، فمن المؤكد أن الصنفين الكبيري العدد من الرجال هما الجنود وهيئة عمال الضياع المقدسة وأملاك الفرعون، وهم الذين كانت تحدث فيهم الوفاة بكثرة، ويؤكد لنا ذلك أن اللوحة ذكرت لنا فيما يخص هؤلاء أن عدد الجنود كان خمسة آلاف، وأن عدد الآخرين كان ألفين، فهل في الإمكان القول بأن هذين العددين قد صححا؟
وما الذي كان يتطلبه الكتاب؟ هو أن تفصل الموتى في قائمة تحفظ جانبًا، ثم تعمل عملية حسابية بسيطة، وهي أن يطرح من المجموع الكلي تسعمائة شخص؛ وذلك لأنه لا يمكننا أن نمحو الأسماء أو نعير الألقاب.
والجملة التي عليها النقاش يجب أن تعد جملة معترضة، وقد قلنا من قبل: إنه قد نسخ من «وادي الحمامات» القائمة الخاصة بأعضاء الحملة التي كانت قد وضعت في «طيبة» قبل قيام البعث، وقبل تدوين المجموع أشير من باب الدقة برقم مستدير إلى أولئك الذين كانوا قد فقدوا في هذا التاريخ. وقد أعلن كل واحد من قبل، وأنه من الجائز أن يحذف الأموات من كل صنف من رجال البعث، أو يحذف تسعمائة من المجموع لمعرفة عدد الأشخاص الذين عادوا من «وادي الحمامات»، وبعد ذلك نقش المجموع الأصلي لأسباب خاصة:
أولًا: كان الغرض أن يذكر أكبر عدد ليحرك خيال من لم يقرأ التفاصيل مكتفيًا بقراءة العدد الكلي. وعلى ذلك نعلم أنه عند الرحيل من «طيبة» كان عدد البعث ٨٣٦٨ شخصًا، ولكنهم أصبحوا حوالي ٧٥٠٠ شخصًا عندما غادروا «وادي حمامات» …