كاهن آمون الأكبر ماساهرتا
لقد اختلفت الآراء بين علماء الآثار في موضوع تولي «ماساهرتا» وظيفة الكاهن الأكبر
«لآمون».
هذا ويجب ألا نخلط بينه وبين سميه ابن «حريحور» الكاهن الأكبر والملك، فنجد أن «بتري»
قد ذكر
«ماساهرتا» بين أولاد «بينوزم الأول»، وكذلك قدم لنا قائمة بآثاره
(Petrie, Hist
III. p. 266, 209)، ولكنه في الوقت نفسه لم يخصص له عنوانًا بوصفه كاهنًا
أكبر «لآمون»؛ وذلك لأنه قد ظن أنه مات قبل والده، وكذلك اعتمد الأستاذ «برستد» على ما
جاء في
لوحة «مونييه» (راجع
Br. A. R. IV § 650) فأكد أن «ماساهرتا» قد
مات قبل السنة الخامسة والعشرين من حكم والده «بينوزم». والواقع أنه عند هذا التاريخ
كان أخوه
الأصغر «منخبر رع» هو الكاهن الأكبر. وقد أبدى نفس هذا الرأي الأثري «دارسي»
١ حيث يقول: إن «بينوزم» قد مهد لابنه البكر ليكون ملكًا بعده، ولكن بموته بين
السنتين السادسة عشرة، والخامسة والعشرين من حكم والده حل محله كاهنًا أكبر أخوه «منخبر
رع».
ومن جهة أخرى نرى أن الأثري «بدج»
٢ قد خصص للكاهن الأكبر «ماساهرتا» بحق فصلًا خاصًّا بين والده وبين أخيه.
والظاهر أن الاسم «ماساهرتا» مشتق من أصل سامى، أو أفريقي معناه «الابن الإله الوحيد».
٣
والواقع أنه قد خلف «بينوزم» في وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» ابناه «ماساهرتا»، ثم
«منخبر
رع» على التوالي. وقد بقي «ماساهرتا» مجهولًا لنا حتى عُثر على تابوته وموميته في خبيئة
«الدير
البحري». والظاهر» أنه قد تسمى باسم الابن السابع للفرعون «حريحور»، ولا غرابة فإنه يحدث
كثيرًا
أن يتسمى الحفيد باسم الجد.
وأقدم أثر عليه اسمه تمثال ضخم من الجرانيت للإله «خنسو» برأس صقر، وقد كان في «بروكسل»
في
إصطبلات الملك. وقد نقش على جانبه الأيسر النقش التالي: «الأمير الوراثي، مرشد الأرضين،
والكاهن
الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «ماساهرتا» المرحوم محبوب «خنسو».» (راجع A. Z.
1882 p. 134) وكذلك له أثر آخر وهو لوحة بالكرنك نقشت عند الزاوية الغربية من
الجدار الجنوبي للمعبد الصغير الذي أعاد بناءه في الشمال من البوَّابة الأولى «لحور محب»
وهو
بقايا مبنى كان للفرعون «أمنحتب الثاني»، ونرى في هذه اللوحة صورتين للإله «آمون» ظهرًا
لظهر:
الأول يُدعى «آمون رع»، والثاني «آمون (؟)» ويلاحظ أن «آمون» الأخير يتسلم قربانًا من
شخص واقف
ومعه نقش نعرف منه أنه «ماساهرتا» وهو: عمله الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «ماساهرتا»
المرحوم ابن الملك «مري آمون» «بينوزم الأول» (Ibid p.
133).
والألقاب التي يحملها على تابوته هي الألقاب العادية التي يحملها الكاهن الأكبر «لآمون»،
ومعها بعض روايات هامة. فإنه لم يكن القائد الأكبر للجيوش في الوجهين القبلي والبحري
أو البلاد
بأجمعها فحسب، بل كان يحمل لقب السيد العظيم لمصر. ولكن على الرغم من هذه الألقاب الطنانة
فإن
القليل الذي نعرفه عنه شخصيًّا يوحي بأنه كان نكرة، إذ لم يقم بدور هام في شئون البلاد
في زمنه.
والمعتقد أن مكانته بجوار والده كانت كمكانة «بيعنخي» بجوار والده «حريحور»، ذلك أن «بينوزم»
عندما تولى عرش الملك ترك وظيفة الكهانة الكبرى «لآمون» لابنه «ماساهرتا» كما فعل من
قبله
«حريحور» مع ابنه «بيعنخي»، وبذلك كان يشغل «ماساهرتا» المكانة الثانية في «طيبة». والظاهر
أنه
مات في عهد والده.
(١) آثاره في الحيبة
والظاهر أن هذا الكاهن قد انتابته الأوجاع في أواخر أيامه، كما يدل على ذلك بعض الرسائل
التي عُثر عليها في الحيبة، وتوج في هذه الجهة بقايا عدة خطابات يرجع عهدها للأسرة الواحدة
والعشرين.
وقد نشر هذه الرسائل الأستاذ سبيجلبرج (راجع
A. Z. 53 p.
1–30) وقد دل الفحص على أنه كان يوجد في هذه الجهة حصن، وبخاصة إذا عرفنا
أن قد وجد بعض لبنات من مباني المدينة كُتب عليها طغراء الفرعون والكاهن الأكبر «لآمون»،
وكذلك اسم زوجه «إستمخب»، وكذلك اسم ابنيها «بينوزم»، وقد جاء اسم «إستمخب» على قطعة
من هذه
الخطابات (
22 1 a)، وقد لُقبت متعبدة الإله «آمون». وكذلك ورد
في أحد الرسائل تألم كبير في الخطاب رقم ٢١ من أخ الملك والكاهن الأعظم «منخبر رع» المسمى
«ماساهرتا» الكاهن الأكبر «لآمون»، وفي هذا التألم شكا هذا الكاهن من مرض ألمَّ به للإله
المحلي ليحميه من غائلته. ويدل ما تبقى لدينا من الخطاب على أن جزءًا كبيرًا منه قد فُقد.
ويدل كذلك ما بقي من الرسالة على أن هذا الكاهن الأكبر قد أرسل خطابًا لكاهن يدعي «بن-با-أهي»
وهو طريح الفراش يطلب إليه أن يكون وسيطًا بينه وبين الإله المحلي؛ ليشفيه من علته ويُبْرِئَه
من سقامه. ويفهم من مضمون الرسالة أن هذا الكاهن الأكبر «لآمون» الذي كان يعدُّ أقوى
وأعظم
إله في البلاد قد التجأ إلى إله محلي في سقامه هذا، ولا بدَّ إذن أنه كان بينه وبين هذا
الإله
المحلي صلة تربطه به، ولا يبعد أن يكون الإله المحلي للكاهن «ماساهرتا»، يدل على ذلك
أنه يقول
له: إنه ابنه وطفله، وفي الوقت نفسه يتضمن في خطابه الدعاء لأخيه «منخبر رع»، ومن ثم
نعرف أن
الأخير كان هو الأخ الوحيد للكاهن «ماساهرتا»، وهاك ما بقي من الخطاب:
… بن-با-أهي … المرض. كن رحيمًا، ونَجِّهِ وأعد له الصحة، وأبعدْ عنه كل مرض فيه! ليت
إله «بن-با-أهي» يرضى وينجي «ماساهرتا»، وليته يعيد إليه الصحة والحياة والعافية والصحة
والعمر الطويل ويمنحه شيخوخة عظيمة، ويسمع صوت «ماساهرتا» ابنه وخلفه. وليته ينجي أخا
خادمه هذا ويعيد إليه الصحة ويمنحه ثانية كما منحني — بسبب توسلي — كل شيء طيب فعله
لي.
وفضلًا عن ذلك قد جاء في قطع متفرقة من هذه الخطابات ما يشير إلى اسم «بسوسنس» و«بيعنخي»
قائد الجيش والكاهن الأكبر ابن «حريحور» مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين.
وقد خص الأستاذ «سبيجلبرج» بالدرس أربعة متون من هذه الرسائل، وهي:
- (١)
رسائل كتبها الكاهن والد الإله المسمى «حور-بن-إسي» (١-٢).
- (٢)
رسائل إلى الكاهن نفسه (٣–٥).
- (٣)
رسائل إلى كاهن الإله «بن با أهي» وقد تحدثنا عنها (٦-٧).
- (٤)
رسائل أخرى ومتون (٨–١٦).
رسالة الكاهن والد الإله «حور-بن-إسي»: إن من يفحص
أوراق الحيبة يجد أن اسم الكاهن والد الإله وكاتب المعبد «حور-بن-إسي» تابع للمعسكر (أي:
التابع لحصن الحيبة). ونعلم من الرسائل أنه يعمل في معبد الحيبة وأنه كان في خدمة الأميرة
«إستمخب».
وهاك ما تبقى من خطابه الأول: «… والد الإله وكاتب
المعبد «حور-بن-إسي» التابع للحصن إلى … كم-كمى (؟) ليتك تُعطى الحياة والعافية والصحة!
وليتك
تكون في حظوة الآلهة … التي أرجوها لك كل يوم، وإني أتحدث «لآمون رع حوراختي» عندما يشرق
وعندما يشرق وعندما يغرب، وإلى «آمون» صاحب السرور (نعت «لآمون» إله الحيبة) الإله العظيم
(في
الحيبة). ليتك تُعطى الحياة والعافية والصحة وعمرًا طويلًا وشيخوخة جميلة رفيعة وحظوة
كبيرة
أمام الآلهة والناس كل يوم. لقد سمعت الخطاب الذي أرسلته على يد «يس …» الناسج والذي
تقول
فيه: أقصِ كل الناس التابعين لقائد المشاة الذين في هذا البيت ملك «بيعنخي». وهكذا تحدثت
إلي
… انظر إن الناس الذين أرسلتهم أقصهم من البيت، وإني سآتي منحدرًا في النهر إلى الحيبة
في
الصباح (وأبقى هناك؟).»
عنوان الرسالة: … والد الإله وكاتب المعبد للإله «بن با
أهي» (المسمى) «حور بن إسي» إلى (… كمى …).
الرسالة: والد الإله وكاتب المعبد «حور-بن-إسي» التابع
للحصن إلى رئيس … «شابوتي»، ليتك تُعطى الحياة والعافية والصحة، ليتك تكون في حظوة «آمون
رع»
مالك الآلهة سيدك الطيب، وإني أتوسل إلى «آمون رع حوراختي» عند شروقه وعند غروبه لينجيك.
ليتك
تُعطى الحياة والعافية والصحة وحياة طويلة وشيخوخة جميلة رفيعة، والحظوة أمام الآلهة
والناس
كل يوم. لقد سمعت هذه الرسالة التي أرسلتها على يد «حور-بشي»، والتي قال فيها الرسول:
إنه لا
يوجد أي جواد هناك، وعندما حضرت إليك لم يكن هناك أي جواد، وعندما تأتي فإنك لا تنشغل
علينا؟
اعمل على أن تكون هذه الجياد. واحضر عندما نرسل إليك، وأرسل إلينا بعض الناس ولا تكن
غير
مطيع. تأمل اﻟ … الذين في الخبيئة واعمل معه كل سيئة، وأرسل حراسًا حول الجدران! وليت
يحضر
لنا بقائمة. وفضلًا عن ذلك لا تنزل أي رجل إلى الحقل سواء أكان جنديًّا أو نساجًا أو
عاملًا
تابعًا للأرض!
العنوان: والد الإله وكاتب المعبد «حور-بن-إسي» إلى
رئيس جنود «شابوتي».
خطاب للكاهن «حور-بن-إسي» (Pap. Hierat.
Strassburg. 26 t. III.): الكاهن والد الإله «لآمون رع» ملك
الآلهة، وكاتب ضيعة معبد «آمون رع» ملك الآلهة … القائد «باشوتي» يكتب لوالد الإله وكاتب
المعبد «حور-بن-إسي» التابع للحصن: ليتك تُعطى الحياة والعافية والصحة، وليتك تكون في
حظوة
«آمون رع» ملك الآلهة، وأن يعطيك الحياة والعافية والصحة وطول العمر وشيخوخة رفيعة جميلة،
والحظوة أمام الآلهة والناس كل يوم. وبعد، عندما يصل إليك خطابي اقبض على العبيد أتباع
«بادي
آمون» هذا الكاهن والد الإله «لآمون»، وهم الذين هربوا وولوا الأدبار نحو الصعيد وجاءوا
إلى
الخبيئة التي هم فيها، وتقبض عليهم كلهم في الزمان والمكان، وأعدهم … «آمون» خادمك، وأن
يسرع
ويحضرهم نحو الجنوب.
العنوان: «الكاهن والد الإله «لآمون» اﻟ … الكاتب
«باشوبي» إلى الكاهن والد الإله، وكاتب المعبد «حور-بن-إسي التابع للحصن».»
(pap. Hieratic, Strassburg 25 t. IV) رسالة أخرى.
«… فلان يكتب للكاهن والد الإله، وكاتب المعبد التابع للحصن «حور-بن-إسي»: ليتك تُمنح
الحياة والعافية والصحة! ليتك تكون في حظوة «آمون» سيدك الطيب، وليته يعطيك الحياة والعافية
والصحة والعمر الطويل والشيخوخة الوقورة الطيبة، وحظوات عديدة أمام الآلهة والناس كل
يوم،
والحياة والعافية والصحة … كل يوم، إن متعبدة الإله «آمون» سيدتي قد أرسلت «حور حنت ثوي»
الصياد هذا، وقد سافر منحدرًا في النهر حيث أنت خلف الصياد، وعندما يصل إليك احترمه،
ولا تدعه
يذهب، وعيِّن أناسًا تحت تصرفه، أناسًا ثقات كانوا معه من قبل. أعده وأرسله … مسرعًا
جدًّا،
ولا تجعله يتوانى! تأمل، لقد أرسلته في الخامس عشر من بئونة لأجل أن يصل إليك. فأخبرني
كما
تظن عن الوقت الذي أعدته فيه نحو الجنوب في خطابك الذي سترسله.
العنوان: من فلان إلى والد الإله، وكاتب المعبد
«حور-بن-إسي» التابع للحصن.
ويلاحظ أن متعبدة الإله «آمون» المذكورة هنا وهي «إستمخب» لا بد أنها زوج «منخبر
رع»، وقد
جاء ذكرها مرة أخرى في هذه الخطابات (راجع A. Z. 53, p.
4).
(٢) مومية الكاهن الأكبر «ماساهرتا»
وقد عُثر على تابوت الكاهن الأكبر «ماساهرتا»، وفيه
موميته في خبيئة «الدير البحري»، ولُقِّب على التابوت بالكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك
الآلهة،
والقائد الأعلى للجيش في الوجهين القبلي والبحري، كما لُقب «أوزير» السيد العظيم لمصر،
والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة «ماساهرتا» المرحوم. ورُسم على النسيج الذي على
صدره
الإله «أوزير» بصورة كبيرة بالمداد «أوزير الكائن الطيب»، مرتكزًا على العلامة الدالة
على
الغرب، ولها ذراع ومعها الكلمات: «رب الجبانة». وطول المومية قبل فك لفائفها كان حوالي
١٫٧٠
متر.
وقد فحصت في ٣٠ يونيو سنة ١٨٨٦، وقد لوحظ في الحال أن اللصوص الأحداث قد سرقوا ما
عليها
وما معها من حلي وآثار. وكان «ماساهرتا» ثقيل الجسم بدينًا، وقد ارتخى جلده وترهل في
أثناء
التحنيط، وظهرت تجاعيد الجسم غير منتظمة، ويلاحظ أن الرأس كان غليظًا منتفخًا، حتى إنه
لا
يشبه في شيء رأس والده «بينوزم».
وقد وجد في خبيئة «الدير البحري» تماثيل جنازية باسم «ماساهرتا» تشبه التي وجدت لوالده
«بينوزم» (راجع Maspero, Ibid 699).
(٣) أسرة الكاهن الأكبر «لآمون» (ماساهرتا)
(٣-١) زوجه «تايوحرت» (؟)
وتُلقب على تابوتها: «أوزير» ربة البيت ومغنية «آمون رع» ملك الآلهة «تايوحرت»
المرحومة.
وجد لهذه السيدة تابوتان، وقد اتضح أنهما كانا في الأصل لسيدة تدعى «حاتي»، وتلقب
ربة
الدار ومغنية «آمون رع» ملك الآلهة. ثم اغتصبته «تايوحرت»، ويبلغ طول موميتها ١٫٦٢
متر.
وقد كان مصوَّرًا على ظهر الكفن صورة «أوزير»: «أوزير رب الأبدية وحاكم الآخرة الإله
الطيب»، وكتب على الجسم النقش التالي: «أوزير» ربة البيت وكبيرة المغنيات لحريم «آمون
رع»
ملك الآلهة. وقد نهب اللصوص الأحداث ما مع المومية من حلي، غير أن الجسم قد بقي سليمًا
(راجع Maspero, Ibid p. 578).
(٣-٢) ابنته إستمخب
(؟) وتحمل الألقاب التالية: ابنة الكاهن الأكبر «لآمون» كبيرة الحريم للإله «مين
حورازيس» في «أبو» (كفر أبو) «إستمخب». ويقول «جوتييه» (L. R. III, p 563
Note 3) ليس لدينا ما يبرهن على أن «إستمخب» هذه كانت بنت «ماساهرتا»،
غير أن ذلك محتمل جدًّا؛ لأن اسم هذا الكاهن الأكبر يظهر مرات عدة على السرادق الجنازي.
وقد
خلط بين «إستمخب» واسم كاهنة «آمون» و«موت» و«خونسو» التي ذكر اسمها على التابوت المزدوج
المحفوظ بمتحف القاهرة. وقد قيل عنها: إنها بنت الكاهن الأكبر «لآمون» المسمى «منخبر
رع».
أما «دارسي» فعلى العكس قد ذهب (Rev. Archeol. I. p.
68) إلى أن الاختلاف في الألقاب الدينية
يدل على وجود اسمين مختلفين، وأن «إستمخب» صاحبة التابوت المزدوج هي زوج «منخبر رع» وأن
هناك «إستمخب» ثالثة صاحبة المقعد المصنوع من البرنز، وهي التي اغتصبت تابوتها «نسي خنسو»،
وهي بنت الأخيرة. ثم يستمر «جوتييه» قائلًا: ولا أعرف إذا كان ينبغي أن نعترف بهؤلاء
النسوة
الثلاث اللائي سُمين باسم واحد، أو نعترف باسمين أو حتى بواحدة، وعلى أية حال قد سمى
«إستمخب» بنت «ماساهرتا» «إستمخب الأولى».
سرادق «إستمخب»: (راجع Momies Royales, p. 584
ff)
وسواء أكانت «إستمخب» هي ابنة «ماساهرتا» أو غيره فإن السرادق المنسوب إليها يُعد
من
القطع الفنية الطريفة التي عثر عليها في خبيئة الدير البحري. وقد وجده «إميل بركش» في
الممر الطويل لهذه الخبيئة، وكان عبارة عن حزمة عظيمة من الجلد ملفوفة بصورة غير منتظمة
تَزْوَرُّ عنها العين، والظاهر أن أحد الكهنة قد وضعها وهو مسرع في الخروج من المقبرة،
وعند نشرها اتضح أنها قطعة هامة من السرادق الذي كان يظلل تحته التابوت في أثناء الاحتفال
بالجنازة. والجزء الأوسط من هذا السرادق طوله أكبر من عرضه، وينقسم ثلاث شقات من الجلد
الأزرق السماوي الذي تحوَّل إلى رمادي بفعل الزمن، والشقتان الجانبيتان قد رصعتا بنجوم
صفراء وحمراء على التوالي موزعة على أربعة وعشرين صفًّا، كل منها يشمل ثمانية نجوم، وفي
الشقة الوسطى أو الشريط الأوسط رُسمت رسوم نسور تحمي أجنحتها المنتشرة المتوفاة، ويكتنف
كل نسر متنان موحدان جاء في كل: «يعيش الكاهن الأكبر «لآمون ماساهرتا».» ويفصل الواحد
عن
جاره شريط من النجوم ذات اللون الأصفر، في الجوانب الأربعة لهذه الرقعة أربع قطع من الجلد
مؤلفة من مربعات خضراء وحمراء مجموعة في شكل رقعة الشطرنج، غير أنها ليست منتظمة تمامًا.
والشرائط التي على الجهات الطويلة من الرقعة متصلة بالوسط بحافة من الزخرف.
وعلى اليمنى نشاهد جعارين ذات أجنحة منتشرة، ثم طغراءات الفرعون «بينوزم» على التوالي
تحت إطار من حديد حراب، ويشاهد بين الإطار وطغراءات الملك «بينوزم» سطر من النقوش
المصرية: راحة هنيئة في مكانها مثل التي ضُمخت بعطورها وبخورها، ومثل التي تسطع بكل أنواع
الأزهار ذات الرائحة الحلوة كالتي في «بنت»! راحة هنيئة من يد «خنسو»؛ لأنه سيد «طيبة»
وهو الذي ينجي من يحب عندما يكون في العالم السفلي، وهو الذي يضع الآخرين ضمن الذين
يتمتعون بمؤنة لأجل روح «بنت» الكاهن الأول «لآمون» ورئيسة المغنيات للإله «مين» و«حور»
و«إزيس» في «أبو» (كفر أبو الحالي) المسماة «إستمخب». وعلى اليسار نجد الزخرف نفسه، ولكن
النقوش تختلف: راحة هنية على يد «إزيس» حامية أعضائك لتحفظ أوصالك من كل شر، وتجري عليك
قوتها السحرية كل يوم. راحة جميلة بفرح على يدي «موت» سيدة «إشرو» وربة المؤن، وسيدة
الطعام، والتي تعيش طويلًا بفضل صولجانها لتجعل عينيك تريان، وأذنيك تسمعان، ووجهك يبقى،
ويصلح لأجل روح بنت الكاهن الأول «لآمون»، ورئيسة المغنيات للإله «مين» و«حور» و«إزيس»
صاحبة «أبو» «إستمخب».
ويلاحظ أن إحدى السرادق وهي أضيقها ليس فيها أية زخرفة، وتتصل فيها الضامات بالرقعة
الوسطى بثلاثة أشرطة ضيقة.
والجهة الأخرى محلاة بزخرف مركب جدًّا. فنشاهد في الوسط طاقة من البشنين يكنفها
طغراءات ملكية، وتأتي بعد ذلك غزالتان راكعتان كل منهما على سلة ثم طاقتان من البردي،
وأخيرًا جعارين تشبه التي على الحافة الأخرى، والمتنان اللذان كُتبا تحت الجعارين يكرران
لنا اسم الأميرة بنت الكاهن الأكبر «لآمون»، ورئيسة مغنيات مين حور-إزيس «إستمخب». وفوق
ذلك نشاهد إطارًا من حديد الحراب.
وصناعة هذا السرادق غريبة جدًّا. فنلاحظ أن
النقوش الهيروغليفية والأشكال كانت مقطوعة في قطع كبيرة من الجلد، كما نقطع نحن الآن
أرقامنا وحروفنا في ألواح النحاس، وبعد ذلك كانت تخاط في الفراغ المتخلف سيور من الجلد
باللون الذي يراد أن تلون به الحلية أو الحروف، وإخفاء للترقيع الذي كان لا بد أن يكون
نتيجة لذلك، كان يبطن الجزء الخلفي بقطع من الجلد الأبيض أو الأصفر الفاتح. وقد برزت
صور
الغزلان والجعارين والأزهار بصورة واضحة ورشيقة كالتي تصوِّرها صورة المفتن على الجدران،
أو على ورقة البردي. هذا إلى أن انتخاب أشكال الحلية كان موفقًا، والألوان بهجة متناسقة
وزاهية في وقت واحد. ويدل الفحص على أن هذا السرادق على ما يظهر كان قد صنع من بقايا
سرادق آخر مماثل له، فالجزء الأوسط منه مأخوذ في الغالب من سرادق «ماساهرتا»، وأضيف إليه
على الجانبين قطع جديدة باسم «إستمخب». وقد ماتت هذه الأميرة بعد وفاة أبيها بزمن طويل،
والجزء الأوسط من هذا السرادق تبلغ مساحته ٥٫٥ × ٢٫٢٢ متر من الجهتين الصغيرتين، أما
القطعتان الجانبيتان فيبلغ طولها ١٫٦٠ متر.