كاهن آمون الأكبر ماساهرتا
والواقع أنه قد خلف «بينوزم» في وظيفة الكاهن الأكبر «لآمون» ابناه «ماساهرتا»، ثم «منخبر رع» على التوالي. وقد بقي «ماساهرتا» مجهولًا لنا حتى عُثر على تابوته وموميته في خبيئة «الدير البحري». والظاهر» أنه قد تسمى باسم الابن السابع للفرعون «حريحور»، ولا غرابة فإنه يحدث كثيرًا أن يتسمى الحفيد باسم الجد.
والألقاب التي يحملها على تابوته هي الألقاب العادية التي يحملها الكاهن الأكبر «لآمون»، ومعها بعض روايات هامة. فإنه لم يكن القائد الأكبر للجيوش في الوجهين القبلي والبحري أو البلاد بأجمعها فحسب، بل كان يحمل لقب السيد العظيم لمصر. ولكن على الرغم من هذه الألقاب الطنانة فإن القليل الذي نعرفه عنه شخصيًّا يوحي بأنه كان نكرة، إذ لم يقم بدور هام في شئون البلاد في زمنه. والمعتقد أن مكانته بجوار والده كانت كمكانة «بيعنخي» بجوار والده «حريحور»، ذلك أن «بينوزم» عندما تولى عرش الملك ترك وظيفة الكهانة الكبرى «لآمون» لابنه «ماساهرتا» كما فعل من قبله «حريحور» مع ابنه «بيعنخي»، وبذلك كان يشغل «ماساهرتا» المكانة الثانية في «طيبة». والظاهر أنه مات في عهد والده.
(١) آثاره في الحيبة
والظاهر أن هذا الكاهن قد انتابته الأوجاع في أواخر أيامه، كما يدل على ذلك بعض الرسائل التي عُثر عليها في الحيبة، وتوج في هذه الجهة بقايا عدة خطابات يرجع عهدها للأسرة الواحدة والعشرين.
… بن-با-أهي … المرض. كن رحيمًا، ونَجِّهِ وأعد له الصحة، وأبعدْ عنه كل مرض فيه! ليت إله «بن-با-أهي» يرضى وينجي «ماساهرتا»، وليته يعيد إليه الصحة والحياة والعافية والصحة والعمر الطويل ويمنحه شيخوخة عظيمة، ويسمع صوت «ماساهرتا» ابنه وخلفه. وليته ينجي أخا خادمه هذا ويعيد إليه الصحة ويمنحه ثانية كما منحني — بسبب توسلي — كل شيء طيب فعله لي.
وفضلًا عن ذلك قد جاء في قطع متفرقة من هذه الخطابات ما يشير إلى اسم «بسوسنس» و«بيعنخي» قائد الجيش والكاهن الأكبر ابن «حريحور» مؤسس الأسرة الواحدة والعشرين.
- (١)
رسائل كتبها الكاهن والد الإله المسمى «حور-بن-إسي» (١-٢).
- (٢)
رسائل إلى الكاهن نفسه (٣–٥).
- (٣)
رسائل إلى كاهن الإله «بن با أهي» وقد تحدثنا عنها (٦-٧).
- (٤)
رسائل أخرى ومتون (٨–١٦).
«… فلان يكتب للكاهن والد الإله، وكاتب المعبد التابع للحصن «حور-بن-إسي»: ليتك تُمنح الحياة والعافية والصحة! ليتك تكون في حظوة «آمون» سيدك الطيب، وليته يعطيك الحياة والعافية والصحة والعمر الطويل والشيخوخة الوقورة الطيبة، وحظوات عديدة أمام الآلهة والناس كل يوم، والحياة والعافية والصحة … كل يوم، إن متعبدة الإله «آمون» سيدتي قد أرسلت «حور حنت ثوي» الصياد هذا، وقد سافر منحدرًا في النهر حيث أنت خلف الصياد، وعندما يصل إليك احترمه، ولا تدعه يذهب، وعيِّن أناسًا تحت تصرفه، أناسًا ثقات كانوا معه من قبل. أعده وأرسله … مسرعًا جدًّا، ولا تجعله يتوانى! تأمل، لقد أرسلته في الخامس عشر من بئونة لأجل أن يصل إليك. فأخبرني كما تظن عن الوقت الذي أعدته فيه نحو الجنوب في خطابك الذي سترسله.
(٢) مومية الكاهن الأكبر «ماساهرتا»
وقد عُثر على تابوت الكاهن الأكبر «ماساهرتا»، وفيه موميته في خبيئة «الدير البحري»، ولُقِّب على التابوت بالكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة، والقائد الأعلى للجيش في الوجهين القبلي والبحري، كما لُقب «أوزير» السيد العظيم لمصر، والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة «ماساهرتا» المرحوم. ورُسم على النسيج الذي على صدره الإله «أوزير» بصورة كبيرة بالمداد «أوزير الكائن الطيب»، مرتكزًا على العلامة الدالة على الغرب، ولها ذراع ومعها الكلمات: «رب الجبانة». وطول المومية قبل فك لفائفها كان حوالي ١٫٧٠ متر.
وقد فحصت في ٣٠ يونيو سنة ١٨٨٦، وقد لوحظ في الحال أن اللصوص الأحداث قد سرقوا ما عليها وما معها من حلي وآثار. وكان «ماساهرتا» ثقيل الجسم بدينًا، وقد ارتخى جلده وترهل في أثناء التحنيط، وظهرت تجاعيد الجسم غير منتظمة، ويلاحظ أن الرأس كان غليظًا منتفخًا، حتى إنه لا يشبه في شيء رأس والده «بينوزم».
(٣) أسرة الكاهن الأكبر «لآمون» (ماساهرتا)
(٣-١) زوجه «تايوحرت» (؟)
وتُلقب على تابوتها: «أوزير» ربة البيت ومغنية «آمون رع» ملك الآلهة «تايوحرت» المرحومة.
وجد لهذه السيدة تابوتان، وقد اتضح أنهما كانا في الأصل لسيدة تدعى «حاتي»، وتلقب ربة الدار ومغنية «آمون رع» ملك الآلهة. ثم اغتصبته «تايوحرت»، ويبلغ طول موميتها ١٫٦٢ متر.
(٣-٢) ابنته إستمخب
سرادق «إستمخب»: (راجع Momies Royales, p. 584 ff)
وسواء أكانت «إستمخب» هي ابنة «ماساهرتا» أو غيره فإن السرادق المنسوب إليها يُعد من القطع الفنية الطريفة التي عثر عليها في خبيئة الدير البحري. وقد وجده «إميل بركش» في الممر الطويل لهذه الخبيئة، وكان عبارة عن حزمة عظيمة من الجلد ملفوفة بصورة غير منتظمة تَزْوَرُّ عنها العين، والظاهر أن أحد الكهنة قد وضعها وهو مسرع في الخروج من المقبرة، وعند نشرها اتضح أنها قطعة هامة من السرادق الذي كان يظلل تحته التابوت في أثناء الاحتفال بالجنازة. والجزء الأوسط من هذا السرادق طوله أكبر من عرضه، وينقسم ثلاث شقات من الجلد الأزرق السماوي الذي تحوَّل إلى رمادي بفعل الزمن، والشقتان الجانبيتان قد رصعتا بنجوم صفراء وحمراء على التوالي موزعة على أربعة وعشرين صفًّا، كل منها يشمل ثمانية نجوم، وفي الشقة الوسطى أو الشريط الأوسط رُسمت رسوم نسور تحمي أجنحتها المنتشرة المتوفاة، ويكتنف كل نسر متنان موحدان جاء في كل: «يعيش الكاهن الأكبر «لآمون ماساهرتا».» ويفصل الواحد عن جاره شريط من النجوم ذات اللون الأصفر، في الجوانب الأربعة لهذه الرقعة أربع قطع من الجلد مؤلفة من مربعات خضراء وحمراء مجموعة في شكل رقعة الشطرنج، غير أنها ليست منتظمة تمامًا. والشرائط التي على الجهات الطويلة من الرقعة متصلة بالوسط بحافة من الزخرف.
وعلى اليمنى نشاهد جعارين ذات أجنحة منتشرة، ثم طغراءات الفرعون «بينوزم» على التوالي تحت إطار من حديد حراب، ويشاهد بين الإطار وطغراءات الملك «بينوزم» سطر من النقوش المصرية: راحة هنيئة في مكانها مثل التي ضُمخت بعطورها وبخورها، ومثل التي تسطع بكل أنواع الأزهار ذات الرائحة الحلوة كالتي في «بنت»! راحة هنيئة من يد «خنسو»؛ لأنه سيد «طيبة» وهو الذي ينجي من يحب عندما يكون في العالم السفلي، وهو الذي يضع الآخرين ضمن الذين يتمتعون بمؤنة لأجل روح «بنت» الكاهن الأول «لآمون» ورئيسة المغنيات للإله «مين» و«حور» و«إزيس» في «أبو» (كفر أبو الحالي) المسماة «إستمخب». وعلى اليسار نجد الزخرف نفسه، ولكن النقوش تختلف: راحة هنية على يد «إزيس» حامية أعضائك لتحفظ أوصالك من كل شر، وتجري عليك قوتها السحرية كل يوم. راحة جميلة بفرح على يدي «موت» سيدة «إشرو» وربة المؤن، وسيدة الطعام، والتي تعيش طويلًا بفضل صولجانها لتجعل عينيك تريان، وأذنيك تسمعان، ووجهك يبقى، ويصلح لأجل روح بنت الكاهن الأول «لآمون»، ورئيسة المغنيات للإله «مين» و«حور» و«إزيس» صاحبة «أبو» «إستمخب».
ويلاحظ أن إحدى السرادق وهي أضيقها ليس فيها أية زخرفة، وتتصل فيها الضامات بالرقعة الوسطى بثلاثة أشرطة ضيقة.
والجهة الأخرى محلاة بزخرف مركب جدًّا. فنشاهد في الوسط طاقة من البشنين يكنفها طغراءات ملكية، وتأتي بعد ذلك غزالتان راكعتان كل منهما على سلة ثم طاقتان من البردي، وأخيرًا جعارين تشبه التي على الحافة الأخرى، والمتنان اللذان كُتبا تحت الجعارين يكرران لنا اسم الأميرة بنت الكاهن الأكبر «لآمون»، ورئيسة مغنيات مين حور-إزيس «إستمخب». وفوق ذلك نشاهد إطارًا من حديد الحراب.
وصناعة هذا السرادق غريبة جدًّا. فنلاحظ أن النقوش الهيروغليفية والأشكال كانت مقطوعة في قطع كبيرة من الجلد، كما نقطع نحن الآن أرقامنا وحروفنا في ألواح النحاس، وبعد ذلك كانت تخاط في الفراغ المتخلف سيور من الجلد باللون الذي يراد أن تلون به الحلية أو الحروف، وإخفاء للترقيع الذي كان لا بد أن يكون نتيجة لذلك، كان يبطن الجزء الخلفي بقطع من الجلد الأبيض أو الأصفر الفاتح. وقد برزت صور الغزلان والجعارين والأزهار بصورة واضحة ورشيقة كالتي تصوِّرها صورة المفتن على الجدران، أو على ورقة البردي. هذا إلى أن انتخاب أشكال الحلية كان موفقًا، والألوان بهجة متناسقة وزاهية في وقت واحد. ويدل الفحص على أن هذا السرادق على ما يظهر كان قد صنع من بقايا سرادق آخر مماثل له، فالجزء الأوسط منه مأخوذ في الغالب من سرادق «ماساهرتا»، وأضيف إليه على الجانبين قطع جديدة باسم «إستمخب». وقد ماتت هذه الأميرة بعد وفاة أبيها بزمن طويل، والجزء الأوسط من هذا السرادق تبلغ مساحته ٥٫٥ × ٢٫٢٢ متر من الجهتين الصغيرتين، أما القطعتان الجانبيتان فيبلغ طولها ١٫٦٠ متر.