الكاهن الأكبر والملك «بسوسنس الثالث»
كان «بسوسنس» هذا ابن «بينوزم الثاني» آخر كاهن أكبر «لآمون» معاصرًا لأسرة ملوك
«تانيس»
الواحدة والعشرين، والظاهر أنه في الواقع قد سبق مباشرة في «طيبة» الكاهن الأكبر «لآمون»
المسمى
«أوبوت» الذي عاصر «شيشنق الأول» فاتحة ملوك الأسرة الثانية والعشرين البوبسطية (راجع
Rev. Archeol. 1896 t. l p. 80) ولم يكن «بسوسنس» هذا معروفًا
قبل الكشف على موميات كهنة «آمون رع» في «الدير البحري» عام ١٨٩١، وهذا هو السبب الذي
من أجله
عَدَّ «مسبرو» الكاهن الأكبر «أوبوت» الخلف المباشر للكاهن الأكبر «بينوزم الثاني».
(Maspero, Ibid. p. 723). ويلاحظ أن الأثري «فرشنسكي» قد حذفه
أولًا من بين كهنة «آمون» العظام ثم وضعه في الذيل.
١
أمَّا «بتري» فقد أراد أن يوحد الكاهن الأكبر «بسوسنس» بالملك «بسوسنس الثاني» الذي
يحمل
لقبًا مميزًا له، ومعه لقب الكاهن الأكبر «لآمون»
(Petrie, Hist. III. p.
219) وليس لدينا سجلات من عهد هذا الكاهن الأكبر غير التأشيرات التي كانت
تدون على نسيج المعبد، الذي كان يستعمل لفائف لموميات كهنة «آمون» الذين عثر عليهم عام
١٨٩١،
وهي:
- (١)
لفافة عملها الكاهن الأكبر «لآمون» «بسوسنس» بن «بينوزم» لسيده «آمون» في السنة
الخامسة (وقد قرأها «برستد» السنة الرابعة) وقد وجدت هذه اللفافة على المومية رقم
٢ ١٧.
- (٢)
لفافة عملها الكاهن الأكبر «لآمون» «بسوسنس» بن «بينوزم» لسيده «خنسو» في السنة
الثانية عشرة. وهذه اللفافة وجدت على المومية رقم ٦٥ (راجع A. S. VIII p.
27).
- (٣)
الكاهن الأكبر «لآمون» «بسوسنس» بن «بينوزم». كتبت هذه العبارة على لفائف الموميات
٤٣، ٤٨، ١٢٥، ١٣٢، الخاصة بكهنة «آمون» (راجع A. S. VIII p. 25, 31, et
34).
- (٤)
الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «بسوسنس» بن «بينوزم». كتبت هذه العبارة على
لفائف الموميتين رقم ١٣٣، ١٤٢، لكهنة «آمون» العظام.
٣
وكذلك كُتب على زوجين من الحمالات للمومية رقم ٨٣ لكهنة «آمون» العظام (راجع
A. S. VIII p. 29). وليس لدينا أية معلومات عن أعضاء أسرة
الكاهن الأكبر «بسوسنس الثالث».
(١) آثار «بسوسنس الثالث» الكاهن الأكبر والملك
العرابة المدفونة
وقد ترك لنا هذا الكاهن والفرعون نقشًا كتب بالهيراطيقية بالمداد الأحمر بحروف كبيرة
في
معبد «بتاح» في «العرابة المدفونة»، وقد نقل ما أمكن نقله «دارسي» (راجع Rec
Trav. XXI p. 98) ولما كان المتن يحتوي على فجوات، فإن ما تبقى منه أصبح
صعب الترجمة. وهاك المتن الذي يدل على أن «بسوسنس» هذا كان كاهنًا أعظم وملكًا في وقت
واحد:
«ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «رع آت» «خبرو-رع» المختار من «آمون رع»
ملك
الآلهة، والكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة ابن «رع» رب التيجان القائد «باسب خعن-نوت
محبوب آمون».» ويلاحظ أن دارسي (Ibid) قد اقترح أن يضع هذا
الفرعون الذي يحمل لقب ملك وكاهن أكبر «لآمون» في آنٍ واحد في أوائل الأسرة الحادية
والعشرين بين «حريحور» «وبيعنخي»، ولكنا نعلم الآن أنه يجب أن يوضع آخر ملك لهذه الأسرة،
وقد كان «بتري» على حق عندما وحَّد هذا الكاهن الأكبر «باسب خعنون» (بسوسنس) ابن «بينوزم
الثاني» الذي تحدثنا عنه فيما سبق.
أم القعاب
(بالعرابة) ومن بين الأواني التي وجدت في كوم «أم القعاب» «بالعرابة المدفونة» قطعة
من
الفخار نقش عليها لقب هذا الملك (راجع Ibid p. 10). ولا
نزاع في أن وجود قطع الفخار التي تحمل اسم هذا الملك بجوار المكان الذي وجد فيه النقش
السالف، يدل على أن هذا الفرعون قد لعب دورًا خاصًّا في هذه الجهة قد تكشف عنه حفائر
في
المستقبل.
الكرنك
ووجد لهذا الفرعون تمثال من حجر البروفير في خبيئة الدير البحري، وهو محفوظ الآن
«بالمتحف المصري» (راجع Legrain. Rec. Trav. XXVII. P. 72; Legrain Cat. Gen
t. III, p. 2 et PI. 1). وتدل شواهد الأحوال على أن هذا التمثال كان قد
اغتصبه «بسوسنس الثالث» (؟) و«شيشنق الأول» من «تحتمس الثالث»، الذي نجد لقبه منقوشًا
على
حلقة حزام التمثال. ويقول «لجران»: إن هذا التمثال يمدنا بمتن يُعَلِّم نهاية الأسرة
الواحدة والعشرين، وبداية الأسرة الثانية والعشرين. والواقع أنه معاصر لحكم الملك «شيشنق
الأول» وملك يدعى «حور سيخعنو». ولا نزاع في أنه من الصعب جدًّا أن نوحد هذا الملك مع
«باسب
خعنوت الثالث»؛ وذلك لأن لقبه لا يختلف عن اللقب الذي وجدناه منقوشًا على آنية العرابة
وحسب، بل كذلك نجد أن الجزء الأول من لقبه لا ينطبق على الجزء الأول من لقب «باسب خعنوت»
(بسوسنس الثالث). وأخيرًا وجد لهذا الفرعون قبضة عصا من العاج (راجع Rec
Trav. XXI. p. 10).
ومما يطيب ذكره
٤ هنا أنا نجد آخر كاهن أكبر وفرعون في آنٍ واحد من أسرة «تانيس» يضم لقب الكاهن
الأكبر «لآمون» في طغرائه، كما فعل «حريحور» أول ملوك هذه الأسرة. فنقوش قبضة العصا ونقوش
معبد «بتاح» بالعرابة ينبغي أن يرجع تاريخها لأول عهد هذا الفرعون، وهي الفترة التي كان
لا
يزال فيها «بسوسنس» يعقد بعض الأهمية على لقبه الديني في حين نجد أنه على تمثال الكرنك
وعلى
فخار «أم القعاب» لم يكتب إلا لقبه الفرعوني، أي إن هذه الآثار ترجع إلى عهد بعد عهد
آثاره
الأولى. وهذا اللقب الملكي لم يلبث أن نزعه منه «شيشنق الأول» مؤسس الأسرة الثانية والعشرين
التي كان مقرها «بوبسطة».
على أن «تانيس» لم تعد بعد محط أنظار ملوك هذه الأسرة على أثر انتهاء عهد الفرعون
«سيآمون» المزهر، إذ نجد على ما يظهر أن الملكين الآخرين اللذين كان كل منهما يدعى «بسوسنس»
وهما اللذان خلفا «سيآمون» كانا يحكمان مملكة حقيرة تمتد بين «طيبة» و«العرابة»، ولكن
بدون
فخار أو طول حكم. ولقد كان هذا البعد عن عاصمة ملكهما وضعفهما البين سببًا في أن حانت
الفرصة لتأسيس أسرة ببلدة «بوبسطة»، وهي من أصل لوبي فجعلها تنجح في توطيد سلطانها في
الدلتا، ولم تلبث بعد ذلك إلا قليلًا حتى بسطت نفوذها على وادي النيل.
وخلاصة القول أننا نعلم مما سبق أنه على الرغم من أن كهنة «آمون» العظام كانوا أصحاب
السلطان في مصر العليا وملوك «تانيس» كانوا أصحاب النفوذ والقوة في الدلتا، أن ملوك «تانيس»
كانوا هم الفراعنة الحقيقيين في البلاد كلها، وأنهم هم الذين كانوا يعينون الكاهن الأكبر
في
معظم الأحيان من بين أفراد أسرتهم، وأن الكاهن الأكبر نفسه كان يحكم البلاد كلها أحيانا
إذا
آل إليه العرش بالوراثة، ولكن بعد أن يولي كاهنًا أكبر من نسله في مكانه. وقد آثرنا أن
نتحدث فيما سبق عن الكهنة العظام في «طيبة» أولًا، ثم نشفع ذلك بالحديث عن ملوك «تانيس»،
وسيكون الكلام عليهم في مستهل الجزء التالي من هذا المؤلف إن شاء الله.