رعمسيس السادس
(١) مقبرة «بننوت»
وفي خلال إقامته في بلاد النوبة أقام تمثالًا هناك للفرعون «رعمسيس السادس» في معبد «الدر»، وقد أرسل له الملك مكافأة على ذلك طبقين من الفضة، وقد وقف على عبادة هذا التمثال قرابين كانت تورد بصفة منظمة من المراكز الخمسة المتاخمة. وقد حدد «بننوت» هذه المراكز بدقة بالغة في النقوش التي تركها لنا على جدران قبره، ومنها نستقي على وجه التقريب معظم ما نعلمه عن نظم الحكم المصري في هذه الأصقاع النوبية، وبخاصة عندما نعلم أن «بننوت» كان يستعين بأقاربه في تسيير أمور الحكم في هذه الأصقاع، فقد كان اثنان من عشيرته يحمل كل منهما لقب خازن رب الأرضين في «عنيبة»، وآخر يحمل لقب كاتب بيت المال وعمدة «عنيبة» (؟).
وقد أجاب ابن الملك بما يأتي: «سأفعل هذا! تأمل إنه اليوم السعيد وسيحتفل به في كل أرض.»
ليت «آمون رع» ملك الآلهة يحبوك! وليت الإله «منتو» رب «أرمنت» يحبوك، وليت روح الفرعون له الفلاح والحياة، السيد الطيب يحبوك، وهؤلاء هم الذين جعلوك تصنع تمثال «رعمسيس السادس» بن «آمون» المحبوب مثل «آمون»، والمحبوب مثل «حور» سيد «معام» (عنيبة) … وإنه ذبح الثائرين.
اصغَ يا نائب «واوات»، يا «بننوت» إلى «آمون» في «الكرنك»؛ إن هذه الأشياء قد تحدث عنها في بلاط الفرعون السيد الطيب. ليت «آمون رع» ملك الآلهة يحبوك، وليت «حوراختي» يحبوك، وليت «منتو» يحبوك، وليت روح الفرعون له الحياة والفلاح والصحة؛ الإله الطيب يحبوك، وهو الذي قد فرح بما تفعله في إقليم السود، وفي بلاد «أكاتي»، وإنك أنت الذي جعلتهم يحضرون أسرى أمام الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، والسيد الطيب يدفع ضريبتك … تأمل! إني أعطيتك الإناءين الفضيين حتى تعطر نفسك بالأصماغ؛ زد أنت … في أرض الفرعون له الحياة والفلاح والصحة حيث أنت.
أما جواب «بننوت» على ذلك فقد كان قصيرًا، وقد وُجد مهشمًا، وكل ما يمكن استخلاصه منه هو أنه كان بطبيعة الحال إطراء للفرعون له الحياة والفلاح والصحة، سيده الطيب.
وقد ذكر لنا «بننوت» الأراضي التي تجبى منها القرابين التي كانت تقدم لتمثال «رعمسيس السادس»، ولا نزاع في أن النقوش الخاصة بهذا التمثال وقرابينه كانت مأخوذة من السجلات الرسمية الخاصة به، وهذه الأراضي تحوي خمس مساحات مختلفة كل واحدة منها محددة بحدودها الأربعة الأصلية.
وهاك أسماء هذه الأقاليم:
- الحدود: الحد الجنوبي هو أراضي ضيعة زوج الملك «نفرتاري» الموجودة في «عنيبة». والحد الشرقي الصحراء، والشمالي حقول كتان الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، والحد الغربي النيل.
- المساحة: «٣ إترو» (والإترو …)
- الحدود: الحد الجنوبي أراضي ضيعة التمثال التي تحت إدارة الكاهن الأول «أمنمؤبت» والحد الشرقي الجبل العظيم، والشمالي حقول الكتان ملك الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، وهي التي في يدي نائب «واوات» والغربي النيل.
- المساحة: ٢ إترو.
- الحدود: الحد الجنوبي أراضي ضيعة التمثال، وهي التي تحت إدارة نائب «واوات» المسمى «مري»، والشرقي لجبل الكبير، والشمالي أراضي الراعي «باحو» والغربي النيل.
- المساحة: ٤ إترو.
- الحدود: الشرقي الجبل الكبير، والجنوبي حقول كتان الفرعون له الحياة والفلاح والصحة شرقي الجبل الكبير، والشمالي حقل «أراسا»، والغربي النيل.
- المساحة: ٦ إترو.
- الملخص: مجموع الأراضي التي أعطيها (أي التمثال) خمسة عشر «إترو» ويتألف من ذلك … الحقول العلوية، وقد (تسلمها) كاتب الضيعة النائب «بنوت» بن «هرونفر» حاكم «واوات» … بمثابة حقول أجرت له ويدفع لها ثورًا يذبح سنويًّا.
- الحدود: الحد الغربي أمام الأرض الحصباء ملك النائب «بننوت»، والجنوبي الأرض الحصباء ملك النائب «بننوت»، والشمالي هو … الحقول التي في ضيعة الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، والشرقي هو الجزء الأمامي من الأرض الحصباء ملك النائب «بننوت».
- المساحة: ٨ إترو.
- اللعنة على المعتدي: «أما كل إنسان سيهملها فإن «آمون» ملك الآلهة سيقفو أثره، والآلهة «موت» ستقفو أثر زوجه، والإله «خنسو» سيقفو أثر أولاده، وإن الجوع سيأخذه، والعطش سيلحقه، وسيغمى عليه وينتابه المرض.»
هذا هو أهم متن في المقبرة، أما وصفها العام فكما يأتي:
وجدران الحجرة الرئيسية مغطاة بمناظر لا تزال ألوانها محفوظة حتى الآن، ولم تهشم هذه المناظر إلا في بعض أجزاء في الركن الجنوبي الشرقي. والمقبرة مفتوحة الآن، وقد دفن فيها العظيم «بننوت» النائب أو نائب «واوات»، وهو الذي كان يحمل كذلك لقب كبير بيت المال للفرعون، وعمدة «عنيبة»، ورئيس المحاجر، ومدير بيت «حور» رب «عنيبة».
وقد قدم «بننوت» أراضي وأثاث معبد لعبادة تمثال سيده «رعمسيس السادس»، وفي مقابل ذلك — كما قلنا — أغدق عليه هذا الفرعون الإنعامات والهدايا. وكانت زوجه «تاحقا» مغنية في معبد «عنيبة».
ويلاحظ في الصور والنقوش التي في الحجرة الرئيسية أن هناك نظامًا متبعًا؛ فنجد النصف الشرقي خاصًّا بعالم الدنيا، ويحتوي على حوادث خاصة بصاحب المقبرة وقرابين تقدم للآلهة وللمتوفى.
-
القسم الشرقي من جدار القاعة الرئيسية: (أ) يشاهد على جدران المدخل من الجهة اليمنى (راجع Aniba II, Tafel
101 = L. D. III, 229 c) نقش تذكاري خاص بالوقف الذي تحدثنا عنه فيما
سبق، وهو لإمداد تمثال الفرعون «رعمسيس السادس» بالقرابين في معبد «عنيبة».
وعلى يمين هذا النقش يشاهد في أعلى الجدار ثالوث «طيبة»، وهم: «آمون» (وقد لون باللون الأزرق) و«موت» (وكانت ترتدي ملابس بيضاء) ثم الإله «خنسو» ممثلًا برأس صقر. وفي أسفل هذا المنظر يشاهد «بننوت»، ومدير مخزن الغلال «نبررع» يتعبدان، ويلاحظ هنا أن «نبررع» ليس من مرءوسي «بننوت»، ولكنه قد صور هنا؛ لأن له علاقة ما بإدارة هذا الوقف.
ويشاهد على الجهة اليسرى من أعلى الإله «بتاح»، وقد لون وجهه بالأزرق وملابسه بيضاء، والإله «تحوت». وفي أسفل هذا المنظر صورت امرأتان.
(ب) الجدار الشرقي الضيق (راجع Ibid. Tafel 102. = L. D. III, PI. 230). -
الصف الأعلى من اليسار إلى اليمين: (١) (يشاهد نائب «كوش» — الذي لم يذكر اسمه ولكن ذكر لقبه — واقفًا منحنيًا أمام
مقصورة الفرعون «رعمسيس السادس»، الذي يلبس التاج الأزرق وفي يده اليسرى علامة الحياة).
وعلى حسب ما جاء في النقوش يكلفه الفرعون إعطاء إناءين من الفضة للنائب «بننوت»، وهذان
الإناءان خاصان بالعطور.
(٢) يرى بعد ذلك منظر آخر مثل فيه نائب «كوش» يتبعه مدير البيت «مري»، ويقفان أمام تمثال الفرعون الواقف على قاعدة، ويحيط بذراعيه علمان واحد منهما برأس كبش ويرمز للإله «حور».
(٣) وأخيرًا نرى في نفس الصف الأعلى صورة «بننوت» بذراعيه منتشرتين، وفي كل من يديه إناء من الإناءين اللذين أهداهما له الفرعون، هذا ويشاهد اثنان من أتباعه يزينانه. (انظر الشكل ٢). -
الصف الأسفل من اليسار إلى اليمين: (١) يشاهد «بننوت» يصب الماء على مائدة قربان مزينة بالأزهار وملأى بالمأكولات. وقد
نقش في السطرين العموديين اللذين أمامه صيغة القربان العادية، وقد تضرع فيها للإلهة
«أوزير حتيا» و«لأوزير نخت» و«لأوزير بننوت»، و«أوزير أمنمأبت»٥ ولزوجاته اللاتي في عالم الآخرة، وهؤلاء كلهم بوصفهم أجدادًا متوفين من
أسرة «بننوت»، وكلهم قد صوروا على النصف الشرقي من الجدار الشمالي في الصف الأسفل (راجع
Tafel 153 a).
(٢) والمنظر الثاني يشاهد فيه «بننوت» يصب الماء على مائدة قربان بمثابة قربان لوالدته «تاخعت»، ولامرأة أخرى يحتمل أنها جدته وكانتا جالستين أمامه وقد مُحي اسم الأخيرة؛ وخلف هاتين المرأتين يشاهد صفان من الأشخاص: خمسة رجال في الصف الأعلى، وخمس نساء في الصف الأسفل. ويتألف صف الرجال من كهنة (خدمة الإله) كما يتألف صف النساء من مغنيات، غير أنه قد غاب عنا نسبة هؤلاء الكهنة والمغنيات لصاحب المقبرة «بننوت»؛ وأخيرًا نشاهد في منظر زواج «بننوت» المسماة «تاخعت» تتبعها ابنتها «تحنت» وامرأتان أخريان، وهما مرسومتان على لوحة (Ibid. Tafel. 101 a = L. D. III, 229 c)، وهن يقدمن القربان أمام أربعة أشخاص: رجلان في الصف الأعلى، وامرأتان في الصف الأسفل. والزوجان الأولان هما والدا «بننوت»، والزوجان الآخران هما جداه.
- الصف الأعلى: يشاهد «بننوت» وزوجه وأولاده الذكور الستة يتقدمون متعبدين أمام الإله «رع-حوراختي» برأس صقر جالسًا على عرشه، ويلاحظ أن الرجال يحمل كل منهم في يده اليسرى سيقان بردي، واليد اليمنى مرفوعة تعبدًا. أما المرأة فتحمل صاجات.
-
الصف الأسفل من اليسار إلى اليمين: (١) يشاهد «بننوت» وزوجه يتعبدان للإله «أوزير» الجالس على عرشه، وقد ظهر أمامه على
زهرة صور أولاد «أوزير» الأربعة، وخلفه رسمت علامة الغرب.
ويمسك «بننوت» في يده اليسرى ثلاث سيقان من البردي، كما تمسك زوجه بيسراها الصاجات، وكل منهما يرفع يده اليمنى تعبدًا كما في المنظر السابق.
(٢) أما الأشخاص الثمانية الذين رسموا في هذا الصف فهم تابعون للمنظر السابق، (راجع Ibid. Tafel 102).
- النصف الغربي من الحجرة الرئيسية على اليسار: جدار المدخل من جهة الجنوب (راجع Ibid Tafel 104 a = L. D. III, 232 b.).
-
الصف الأعلى: (١) يشاهد «بننوت» أمام قاعة العدالة.
(٢) محاكمة: يشاهد «بننوت» وزوجه يدخلان من باب القاعة ويقفان بيدين مرفوعتين. ثم يشاهد في المنظر التالي على يمين الإله «أنوبيس» يزن القلب، ويجلس بجانب الميزان المارد الذي في صورة فرس البحر (وهو الذي يلتهم قلب المتوفى إذا خفت موازينه) وبعد ذلك يشاهد على اليمين الإله «تحوت» يكتب النتيجة على إضمامة بردي، وهذه الصورة تستمر على الجدار الضيق الغربي في الصف الأعلى.
- الصف الأسفل: مثل فيه الاحتفال بفتح الفم أمام المقبرة، فعلى اليمين نشاهد كاهنًا ممسكًا بالمومية، وبجوارها أرملة المتوفى تندبه راكعة، ويأتي بعد ذلك كاهن آخر (الكاهن سم) وقد مثل وهو يصب الماء، ثم كاهن ثالث في إحدى يديه زهرة وفي الأخرى الإناء «حسي»، ثم كاهن رابع يرتل الشعائر، وخلف هؤلاء الكهنة يأتي المشيعون للجنازة منهم ثلاثة أبناء (تسمى النقوش ثلاثة بأسمائهم، وخلافًا لذلك يلقب واحد بابن ابنه وأخته وآخر تصفه بوارث إرثه، كما تذكر ست نساء تحمل كل منهن لقب مغنية، ويحتمل أنهن بنات المتوفى غير أنهن لم ينعتن بهذا النعت).
-
الصف الأعلى من الشمال إلى اليمين: (١) يقود الإله «حور» بن «إزيس» صاحب المقبرة «بننوت» وزوجه أمام «أوزير»، ويحمل
«بننوت» في يده إناء عطور على شكل القلب، ويشاهد «أوزير» على عرشه في محراب وأمامه زهرة
ذات ساق عليها صورة أولاد «أوزير» الأربعة، وتقف خلفه أختاه «إزيس» و«نفتيس». ويلاحظ
أن
باب المحراب مفتوح وأمامه مائدة قربان.
(٢) بعد ذلك يأتي مشهد آخر يرى فيه الإله «أنوبيس» على سرير المتوفى وبالقرب منه على الجانبين يشاهد كل من «إزيس» و«نفتيس» راكعتين منتحبتين، وتضع كل واحدة منهما إحدى يديها على رأسها والأخرى على علامة تدل على الخلود، والمتن التابع لهذا المنظر يحتوي جملًا من الفصل الخامس والعشرين بعد المائة من كتاب الموتى، وهو الفصل الذي يعترف فيه الراحل بعدم ارتكاب أي ذنب (راجع مصر القديمة ج٥).
-
الصف الأسفل من الشمال إلى اليمين: (١) يشاهد فيه «بننوت» يتعبد للآلهة الثلاثة الجالسين على قاعدة وهم: الإله
«رع-حوراختي» برأس صقر، والإله «آتوم» لابسًا التاج المزدوج، ثم الإله «خبري» وعلى رأسه
«جُعَل».
(٢) ويتبع ذلك منظر مثل فيه «بننوت» وزوجه يتعبدان.
(٣) وأخيرًا نشاهد منظرًا مؤلفًا من ثلاثة صفوف بعضها فوق بعض، وهذا المنظر مأخوذ من الفصل العاشر بعد المائة من كتاب الموتى، وهو يمثل العمل في حقول المنعمين.
-
الصف الأعلى من اليسار إلى اليمين: (١) يشاهد المتوفى راكعًا وهو يتعبد بيدين مرفوعتين أمام البقرة «حتحور» سيدة
الجبانة، وقد أحيطت بسيقان البردي وهي خارجة من المدفن الجبلي الهرمي الشكل، وبجوار
البقرة «حتور» تقف الإلهة «تاورت» التي صورت في هيئة فرس البحر، وفي إحدى يديها عصا وفي
الأخرى عقرب٦ (وهي إلهة الولادة).
(٢) وفي المنظر الذي يلي السابق يشاهد «بننوت» وزوجه يتعبدان للإله «رع خبري» جالسًا على عرشه وقد مثل برأس إنسان.
-
الصف الأسفل من اليسار إلى اليمين: (١) يشاهد الإله «رع حور» برأس صقر جالسًا على عرشه في مقصورة، وأمام هذه المقصورة
يشاهد المتوفى يطهر بالماء بواسطة الإلهين «تحوت» و«أنوبيس».
(٢) وفي المنظر التالي يُرى المتوفى وفي يده سيقان بردي وزوجه وفي يدها صاجات، وكلاهما يتعبد للإله «بتاح سكر-أوزير» برأس إنسان.
ومما يلاحظ في وثيقة الوقف التي تركها لنا «بننوت» أنه يشير إلى ضياع الملكة «نفرتاري»، وكذلك إلى حقول الكتان الملكية، وهذا يدل على أنه كان للبيت المالك ضياع خاصة في بلاد النوبة، وأن الفرعون كان لا يزال له نفوذ قوي في هذه الأصقاع النائية، على الرغم من تدهور الأحوال في مصر نفسها. وأخيرًا نلحظ أن بلاد النوبة كانت حقلًا عظيمًا لزراعة الكتان كما يظهر ذلك من وثيقة الوقف.
ونقوش مقبرة «بننوت» تعد نموذجًا لنقوش كبار الموظفين في هذا العصر؛ فإذا قرنا بين نقوش هذه المقبرة ونقوش مقبرة «أنحور خعوي» الذي عاش في عهد الفرعون «رعمسيس الرابع» (راجع عهد رعمسيس الرابع) وجدنا بينهما أوجه شبه كبيرة تكشف لنا عن الحالة الدينية والاجتماعية في هذا العصر، فنجد أن كلًّا من «أنحور خعوي» و«بننوت» قد حرص على رسم أفراد أسرته وأجداده بصورة مفصلة، وكذلك نلحظ أن معظم أفراد هذه الأسر كان ذكورهم يشغلون وظائف الكهنة للآلهة، كما كانت الآنسات يشتغلن مغنيات للآلهة في المعبد. هذا وقد حرص كل منهما على أن يمثل صورة جنازته وحسابه في الآخرة، وعلى اقتباس فصول من «كتاب الموتى» للدلالة على ما كان يرغب المتوفى أن يكون فيه من نعيم مقيم، وبخاصة بعد أن أصبح مُبرأً من الذنوب كلها أمام الإله «أوزير»، كما فصلنا ذلك في المناظر التي على جدران مقبرة «بننوت»؛ وهذه النقوش تدل من جهة أخرى على أن العبادة كانت موحدة في كلا القطرين كما كانت الحال من أقدم العهود.
(٢) بلدة «عنيبة» وأهميتها
إن أقدم أثر ذكر لنا في بلدة «عنيبة» يرجع تاريخه على ما يظهر إلى عهد الهكسوس؛ وذلك في القائمة التي نشرها الأستاذ «جاردنر» عن حصون بلاد النوبة (راجع مصر القديمة ج٣) واسم البلد القديم هو «معام» وقد اختلف المؤرخون في موقع «معام» هذه، ولكن المؤكد أن موقعها هو بلدة «عنيبة» الحالية. وإقليم «معام» يشمل المواقع القديمة التي كانت على الشاطئين الشرقي والغربي؛ هذا بالإضافة إلى الجزيرة الواقعة في النيل التي تسمى جزيرة «إبريم» وجزيرة «الرأس»، وقد وجد نقش ذكر عليه اسم الجزيرة: جزيرة «معام».
(٢-١) معبد «عنيبة»
ومعبد هذه البلدة قد تهدم تمامًا ولم يبقَ له أثر، وكان للإله «حور» سيد «معام» الذي مثل بصورة صقر يحمل على رأسه قرص الشمس، أو بإنسان له رأس صقر، ويلبس التاج المزدوج. وهو نفس الإله «حور»، الذي كان يعبد في «بوهن» (وادي حلفا) باسم سيد «بوهن» وفي «دكا» و«كوبان» باسم «سيد باكي».
وترجع مكانتها الممتازة من الناحية السياسية والثقافية في بلاد النوبة السفلية إلى خصب تربتها، وكثرة خيراتها؛ ولذلك كانت تعد محطة عظيمة لطرق التجارة الآتية من واحدة «دنقل» الواقعة في الصحراء الغربية. ولا نعلم إذا كانت هناك طريق تجارة على الشاطئ الشرقي عند «إبريم» مخترقًا الوديان حتى البحر الأحمر أم لا. ويقول «ويجول»: إن «عنيبة» تحتل مكانة استراتيجية عظيمة الأهمية، ومن المحتمل أنه كانت توجد في قديم الزمان شلالات عند قصر «أبريم»، وعلى ذلك كان لا بد من إقامة حصن هناك لحماية السفن الذاهبة جنوبًا، ولمهاجمة العدو المنقض من جهة الشمال، غير أننا لا نعرف شيئًا عن هذا الشلال، ومن الجائز أن تحصين «معام» كان يستعمل لملاحظة التجارة على النيل، كما كان يعد مركزًا لجمع الضرائب على السفن التي تمر من هناك.
- (أ)
تدل أقدم الآثار التي عثر عليها في هذه الجهة على وجود مستعمرة، يرجع عهدها إلى العصر الثاني القديم من تاريخ بلاد النوبة (أي عصر الأسرات المصري المبكر).
- (ب)
أما في العصر النوبي الثالث وهو ما يقابل عهد الدولة القديمة المصرية، فلم نجد له أثرًا يذكر في «عنيبة»، كما كانت الحال في الجهات الأخرى لبلاد النوبة، ومن الجائز أن «عنيبة» وكذلك كل بلاد النوبة السفلية قد حاقت بها خسائر على يد أحد فراعنة هذا العهد الذين قاموا بغزوات في هذه الجهات كما جاء على حجر «بلرم»، ومنها حملة في عهد الملك «سنفرو» (الأسرة الرابعة) وقد غنم فيها سبعة آلاف أسير وعشرين ألف رأس من الماشية.
ولا نعلم إلى أي حد في عهد الأسرة السادسة قد امتدت مشروعات القوافل، التي كان يرسلها أمراء مقاطعة «أسوان» وعظماء تجارها من «إلفنتين» إلى بلاد النوبة والسودان؛ وذلك لأن أسماء الأماكن النوبية التي جاءت في المتون المصرية لم يمكن تحقيق مواضعها حتى الآن. وهذا العصر هو الذي أسس فيه المصانع التجارية في «كرما» التي اتخذها رجال القوافل نقطة ارتكاز، ومن المحتمل أنه في هذا العهد قد أقام المصريون محطًّا أو حصنًا، كما يدل على ذلك الآثار الباقية (راجع Steindorff, Aniba II). - (جـ) وعندما استوطن قوم مجموعة C ٧ وادي النيل في البقعة، التي تقع بين الشلال الأول والثاني في نهاية الأسرة السادسة أصبحت «عنيبة» بجوار «دكة» أهم بلدة ممثلة لهذا العهد. وفي الحروب التي نشبت بين الأهالي الأصليين وبين الأقوام الجائلين، قاسى الأهالي الذين كانوا على ما يظهر في الحصن عذاب الحريق الذي جعل عاليه سافله، وهذا العهد هو أقدم جزء في الجبانة N يمكن معرفته، وهو الذي يعرف بمجموعة C القديمة.
- (د) وفي نهاية الأسرة الحادية عشرة ابتدأ عهد تغلب مصر الحربي على بلاد النوبة. وقد أقام «سنوسرت الأول» حصن «عنيبة» في مكان الحصن القديم (وهو الذي يعرف بالحصن الثاني) وفي خلال الأسرة الثانية عشرة أقيمت زيادات محسة على هذا الحصن. وفي هذا العهد أقيمت للمرة الأولى جبانة مصرية في منبسط الصحراء وهي المعروفة بالجبانة حرف S. وعلى الرغم من وجود أثر الفاتح المصري، فإن الثقافة النوبية مجموعة C كانت لا تزال هي الثقافة المزدهرة تمامًا. ولم تتوارَ هذه المدنية إلا في نهاية الدولة الوسطى، كما يظهر لنا ذلك من الفخار المنسوب إلى هذه المدنية فقد أخذ يختفي تدريجًا. والمقابر العديدة الخاصة بالجبانة حرف N، وبخاصة المقام سقفها بحجر مقطوع من المحاجر، والقباب المبنية باللبن قد ظهرت في هذا العهد، وكذلك في العهدين الثالث والرابع للمستعمرة أي: في مجموعة C الوسطى.
- (هـ) ولما كان قد قُضي على قوة مصر السياسية في عهد الهكسوس، فإن ثقافة مجموعة C النوبية قد انتعشت من جديد، وهذا العهد يعرف بعهد ثقافة مجموعة C المتأخرة.
- (و) وعندما تمصرت بلاد النوبة في أوائل الدولة الحديثة اختفت ثقافة مجموعة C. ولدينا كثير من الموظفين المصريين الذين سكنوا في «عنيبة»، ودفنوا في مقابر خاصة أقيمت لهم، كما يوجد آخرون ممن اهتموا بالعمل على أن تدفن جثثهم في أرض الكنانة نفسها؛ لأجل أن تحنط ويحتفل بها احتفالًا دينيًّا. ولكننا لا نعلم على وجه التأكيد إلى أي حد اشترك النوبيون في «عنيبة» في الحكم. وعلى أية حال نجد أنه كان يعيش بجانب المصريين، وبمعزل عنهم سكان أصليون تحت حكم رئيس من بني جلدتهم، ويحمل لقب «أمير معام» ويدعى «حقا نفر» وقد عاش في عهد «توت عنخ آمون»، وكان بين عظماء «واوات» الذين أحضروا الجزية المفروضة عليهم لابن الملك في «طيبة»، وقد بقيت السيادة المصرية مستمرة في «عنيبة»، حتى حكم الفرعون «رعمسيس السادس» الذي نحن بصدده الآن.
وفي عهد الأسرة الثامنة عشرة تم بناء مدينة «عنيبة»، التي بدأت في عهد الدولة الوسطى، وكذلك أقيم المعبد في الركن الشمالي الشرقي داخل السور.
ويتبع الجزء الرئيسي من الجبانة S بما فيها من آبار ومقابر هرمية الشكل هذا العهد، وفي نهاية هذه الجبانة تقع مقبرة «بننوت» العظيمة المحفورة في الصخر (راجع Steindorff Aniba, I, p. 21 ff.).
(٣) الآثار التي خلفها «رعمسيس السادس»
(٣-١) سرابة الخادم (المعبد)
(٣-٢) بنها
(٣-٣) تل بسطة
(٣-٤) منف
(٣-٥) وفي السرابيوم
(٣-٦) قفط
وفي «قفط» عثر على الجزء الأعلى من لوحة باسم «إزيس» بنت الفرعون «رعمسيس السادس» في الجزء الخلفي من معبد البطالمة القائم في هذه الجهة، وهذه اللوحة لها أهمية تاريخية، إذ منها نعرف أن اسم زوج «رعمسيس السادس» هو «نب خزدب» (ذهب ولازورد) ولم يكن معروفًا من قبل. ويشاهد في وسط اللوحة إهداء «لأوزير» الملك رب الأرضين «نب ماعت رع» محبوب «آمون» بن «رع» «رعمسيس أمنحر خبشف نتر حقا إيون» والد الزوجة المقدسة «لآمون» (عابدة الإله «إزيس») ويُرى على اليمين في اللوحة «إزيس» تقدم القربان «لأوزير» …
رب الأرض المقدسة والإله العظيم رئيس الجبانة وهي تقدم قربانًا «لأوزير» رب الأبدية قائلة: «ليتك تجعلني أتسلم طعامًا مما يقدم على موائد قربانك يشمل كل شيء طيب وطاهر من «أوزير» الزوجة الإلهية «لآمون» (عابدة الإله «إزيس») المبرأة.» وخلف «إزيس» هذه اسم والدها الملك رب الأرضين «نب ماعت رع» محبوب «آمون» بن «رع» «رعمسيس» … وعلى يسار اللوحة نشاهد الأميرة «إزيس»، تقدم القربان للإله «رع حوراختي» الذي بأشعته تضيء الأرض، الإله العظيم، أمير الأبدية. وتقول: «إني ألعب بالصاجات أمام وجهك، والذهب أمامك، فهب لي أن أرى الفجر المبكر.»
(٣-٧) آثاره في «طيبة»
(٣-٨) وفي «الكرنك»
(٣-٩) الرمسيوم
(٣-١٠) مدينة هابو
(٣-١١) وفي معبد «الأقصر»
(٣-١٢) الكاب
(٣-١٣) وفي دير «البخيت» (طيبة الغربية)
(٣-١٤) أرمنت
(٣-١٥) الرديسية
(٣-١٦) جزيرة «سهيل»
(٣-١٧) عمارة «غرب»
(٣-١٨) وفي «ليدن»
(٣-١٩) وفي «تورين»
وقد عثر له على عدة جعارين منها أربعة في مجموعة «فلندرز بتري»، واثنان «بمتحف اللوفر»، وفي «تورين» و«المتحف المصري».
(٤) مقبرة «رعمسيس السادس»
تحدثنا عن مقبرة «رعمسيس السادس» عند الحديث على مقبرة سلفه «رعمسيس الخامس».
وكان طول «رعمسيس السادس» ١٫٧١٤ متر وتدل حالته على أنه كان متوسط العمر عند وفاته، ويحتمل أنه كان أسن من «رعمسيس الخامس» وأصغر من «رعمسيس الرابع». وقد حنط جسمه على طريقة تحنيط سلفيه.
ولم يُرَ على وجهه شعر بالعين المجردة إلا رمش العينين، غير أنه بالعدسة وجد أن ذقنه حليق تمامًا ويمكن رؤية شاربه. والجزء الأمامي من رأسه أصلع ولكن مع ذلك يُرى بعض الشعر في باقي الرأس.
(٥) الكاهن الأكبر «لآمون» في عهد «رعمسيس السادس»
رأينا عند الكلام على ورقة «فلبور» أن الكاهن الأكبر «رعمسيس نخت» قد عاش في عهد الفرعون «رعمسيس الخامس»، وأنه كان ذا مكانة عظيمة هو وأسرته في إدارة البلاد من الناحية المالية والدينية. وقد دل على ذلك الكشوف الجديدة بالإضافة إلى ما جاء في ورقة «فلبور». فقد رأينا أن والده كان كبير رؤساء الضرائب في البلاد، وأن أحد أبنائه المسمى «وسر ماعت نخت» قد ورث هذا المنصب عنه، كما كان «رعمسيس نخت» الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك». وقد ورث عنه هذه الوظيفة ابنه الأكبر «نسيآمون»، وقبل أن نتحدث عن الأخير يجدر بنا أن نذكر أفراد هذه الأسرة، التي كان في أيدي رجالها معظم الوظائف الهامة الرئيسية في البلاد في عهد ملوك الرعامسة الأواخر.
(٥-١) مري باستت
كبير رؤساء الضرائب، والمشرف على كهنة آلهة «الأشمونين» كلهم وكاتم أسرار الفرعون، والمدير العظيم لسيد الأرضين، والمدير العظيم للمعبد الملكي (معبد مدينة هابو) «مري باستت» (أي «مري باستت»).
زوجه
- (١)
ابنه: الكاهن الأكبر للإله «آمون رع» ملك الآلهة «نسيآمون».
- (٢)
ابنه: الكاهن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «أمنحتب».
- (٣) ابنه: «وسر ماعت رع نخت» مدير بيت «آمون»، وكبير رؤساء الضرائب، والمدير العظيم للأراضي الملكية (راجع Wilbour, Pap. II, p. 150).
- (٤)
ابنه: الكاهن والد الإله «لآمون رع» ملك الإلهة «مري بارست» (أو «مري باستت») (أو «مري باستت») (وهو حمو «ستاو») صاحب الكاب.
ابنته
رئيسة حريم «آمون» (عزوت) زوج «أمنمؤبت» الكاهن الثالث للإله «آمون»، والكاهن أعظم الرائين للإله «رع» في «طيبة»، والكاهن الأول للإلهة «موت».
(٥-٢) نسيآمون: الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
وعلى أية حال فإن محضر قضية ورقة «إبوت» مؤرخ بعهد «رعمسيس التاسع» كما سنرى بعد، وقد كان الكاهن الأكبر «لآمون» وقتئذ هو «أمنحتب» بن «رعمسيس نخت»، وعلى ذلك فإنه لا يجوز قط أن نذكر اسم «نسيآمون» في قائمة الكهنة العظام للإله «آمون» الكرنك قبل الكشف عن تمثال والده «رعمسيس نخت»، كما أنه لم يكن من الجائز أن نذكر اسم «باسر» قبل الكشف عن تمثاله على يد «لجران» في خبيئة الكرنك (راجع مصر القديمة ج٦). والواقع أنه كان يوجد كاهن أكبر «لآمون» اسمه «باسر»، وكذلك كان يوجد كاهن أكبر اسمه «نسيآمون»، ولكنهما ليسا الشخصين اللذين نُسبت إليهما هذه الوظيفة السامية بدون سند يعتمد عليه.