رعمسيس الحادي عشر
ويوجد في «تورين» أوراق بردية مؤرخة بالسنة الثانية عشرة، والسابعة عشرة من عهد هذا الفرعون.
ولا نعلم لهذا الفرعون تواريخ أخرى إلا التاريخ الذي جاء على لوحة الكاتب المسمى «حوري» من العرابة، وهو السنة السابعة والعشرون. ويعد هذا التاريخ أقل مدة حكمها هذا الفرعون.
(١) عصر النهضة
- (١) السنتان الأولى والثانية في ورقة «ماير A».
- (٢)
السنة الأولى في الورقة رقم ١٠٠٥٢ بالمتحف البريطاني.
- (٣)
السنة الثانية في الورقة رقم ١٠٤٠٣ بالمتحف البريطاني.
- (٤) السنتان الرابعة والخامسة في ورقة «تورين» (Cat. 190, 80).
- (٥)
السنة السادسة في ورقة «فينا» رقم ٣٠.
- (٦) السنة السابعة من الوحي الخاص بالكاهن «نسآمون» «بالكرنك» وسنتحدث عنه في حينه.٣
- (١) وجود موظف يدعى «من ماعت رع نخت» المشرف على الخزانة في وثيقتين من وثائق «عصر النهضة».٥
ونحن نعلم أن «من ماعت رع نخت» هذا قد سمي باسم ملك، ويحتمل كثيرًا باسم «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع» لا باسم الملك «سيتي الأول» الذي حكم منذ مضي قرن ونصف. وإذا قبلنا ذلك فلا بد أن يكون عصر النهضة (وحم مسوت) قد جاء بعد حكم «رعمسيس الحادي عشر»، أو إذ لم يكن ذلك فإنه كان معاصرًا له.
- (٢) وجود مبنيين باسم ملك يلقب «من ماعت رع سيتي» في وثائق عصر النهضة (وحم مسوت). وهذان المبنيان هما: مبنى الملك «من ماعت رع سيتي» (راجع ورقة «ماير A» ص١ س٣) وهو موحد بآخر في ورقة المتحف البريطاني رقم ١٠٤٣٣ (ص١ س٩) والثاني هو محراب الملك «من ماعت رع سيتي» في ورقة «تورين»،٦ ونحن نعلم أن الملك «من ماعت رع سيتي» هو — بطبيعة الحال — «سيتي الأول» أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة، غير أن كتابة اسمه بهذا الشكل شاذة تمامًا ومضادة لما هو متبع في عهد نهاية الأسرة العشرين، إذ في هذا الوقت كان الملك المتوفى يسمى بلقبه ولا يسمى باسمه قط، ولم يشذ عن ذلك إلا «أمنحتب الأول» الذي كان يعد رب الجبانة وقتئذ. ويمكن تفسير كتابة الاسم بالصورة الغريبة. «من ماعت رع سيتي» بدلًا من كتابته «من ماعت رع» فقط. وقد كان يكفي أن نكتب لقبه بهذه الطريقة الأخيرة — إذا قبلنا أنه في عصر النهضة — للتمييز بين «من ماعت رع سيتي» (أي سيتي الأول) وبين ملك آخر يدعى «من ماعت رع» (أي رعمسيس الحادي عشر) وبعبارة أخرى فإنا لذلك قد أجبرنا على وضع عصر النهضة في عهد «رعمسيس الحادي عشر» إن لم يكن بعده.
- (٣) نجد من بين الأجانب الذين تشير إليهم أوراق البردي من عصر النهضة، وهم الذين كانوا قد اشتركوا في السرقات التي وقعت في جبانة طيبة، واحدًا يُدعى «باكآمن» بن «بارع آمن» جاء ذكره على ظهر ورقة «إبوت» (B, 2)، وجاء مرة أخرى في ورقة «تورين».٧ وهذه الورقة الأخيرة هي في الواقع ظهر الورقة التي نشرها «بيت-روسي» (Ibid, Pls. 160, 155)، وجهها مؤرخ بالسنة الثانية عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع»، كما برهن على ذلك «بيت» (راجع J. E. A. XIV, p. 65) وظهر الورقة مؤرخ بالسنة الرابعة عشرة لملك لم يسمَّ، وفي هذه الحالة لا بد أن يكون «رعمسيس الحادي عشر» أيضًا؛ وذلك لأن كلًّا من وجه الورقة وظهرها يحتوي على مادة واحدة خاصة بحبوب وحسابات، وذكرت فيه نفس الأشخاص. ونحن نعلم أن الجريمة التي ارتكبها «باكآمن» بن «بارع آمن» كانت فظيعة لدرجة أن الحكم عليه بالإعدام فيها كان لا مفر منه. وعلى ذلك لا يمكن أن نضع ذكره في جداول ورقة «إبوت» قبل السنة الرابعة عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر»، وكان في هذه السنة لا يزال حرًّا يورد مقدارًا من الحبوب لأهل الجبانة، ويحتمل أن ذلك كان ضريبة عليه عن الحقول التي يزرعها، وأظن أنه لا بد أن نستنبط من ذلك أن ظهر ورقة «إبوت» (وهي التي كتبت في السنة الأولى من عصر النهضة) كان قبل السنة الرابعة عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع».
وإذا أخذنا المسائل الثلاث معًا فإنها تعضد الرأي القائل: بأن عهد «رعمسيس الحادي عشر» هو العصر الذي حدثت فيه النهضة.
وقد كان الفراعنة مغرمين بمعرفة المستقبل، وكان الملك «سنفرو» أول ملوك الأسرة الرابعة قد أعلن على لسان حكيم هليوبوليتي وقوع غزوة آسيوية لن تقع فعلًا إلا بعد تاريخه بمدة خمسة قرون، (أي بعد الأسرة السادسة). وعلى الرغم من صمت الوثائق المصرية يمكننا القول: بأن «أمنوفيس الثالث» قد علم من سميه الحكيم بمصيبة من نفس هذا النوع، لدرجة أن فكرة هذه المصائب المقبلة اضطرت هذا الرجل المقدس أن يتخلى عن الأيام القليلة، التي بقيت له في الحياة. ولكن يبتدئ ارتباك هذه القصة عندما نعلم من الفقرة التي اقتبست حرفيًّا من «مانيتون» أن الفرعون «أمنوفيس» يجب أن يقوم بحرب على الأنجاس، وأن ابن «أمنوفيس» هذا كان يدعى «سيتي» وكذلك يدعى «رعمسيس». وقد فسر «جوسفس» على ما يظهر أن الملك الذي سمع النبوءة وسميه الذي رآها تتحقق هما شخص واحد، ولكن لا شيء لدينا يبرهن على أن «مانيتون» لم يعتقد توحيدهما.
والواقع أن الحقائق التاريخية التي اقتبسها «جوسفس» من «مانيتون» تجبرنا على أن نميزهما بعضهما عن البعض الآخر؛ فالفترة التي تفصل بداية الأسرة الثامنة عشرة عن نهاية عهد «أمنحتب الثالث» (أمنوفيس) قد قدرت بثلاث وستين ومائة سنة وخمسة أشهر، على حين أن المدة التي كانت بين طرد الهكسوس وحرب «أمنوفيس» مع الأنجاس تقدر بثماني عشرة وخمسمائة سنة. وهذا الرقم — على أية حال — عالٍ جدًّا، وقد وصل إليه «جوسفس» بإضافة المدة التي تبتدئ من أول الأسرة الثامنة عشرة حتى عهد الأخوين «سيتي» و«همايوس». أي: ٣٩٣ سنة إلى التسع والخمسين سنة التي حكمها «سيتوس» وإلى الست والستين سنة التي حكمها «رميسيس» (رعمسيس الثاني) وقد نسي أن «رميسيس» هذا قد حسبت مدة حكمه فعلًا في الثلاث والتسعين والثلاثمائة سنة السالفة الذكر. وعلى ذلك يجب أن نطرح الست والستين سنة التي حكمها من المجموع الكلي. فيكون الباقي هو ٤٥٢ سنة.
ونحن نعلم أن الأسرة الثامنة عشرة قد ابتدأت حوالي ١٥٥٥ق.م، فحرب الأنجاس يمكن وضعها إذن في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، (حوالي ١١٠٠ق.م) وهذا يتفق مع آخر عهد الأسرة العشرين.
وملوك هذه الأسرة — إذا استثنينا أولهم — سموا كلهم باسم «رعمسيس» وآخر الرعامسة قد اتخذ اسم تتويجه، أو بعبارة أخرى لقبه الرسمي «من ماعت رع»، وهو لقب «سيتي الأول» أيضًا. وهذا ينطبق تمامًا على ابن «أموفيس سيتوس» (سيتي) الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» أي: باسم جده «رميسيس» (رعمسيس) الذي لم يمكث إلا خمس سنين في بداية الحرب.
ولكن مَنْ «أمنوفيس» هذا الذي لا تذكره قوائم أسماء الملوك، والذي يعده «جوسفس» نفسه شخصًا خرافيًّا؟ والواقع أنه في عهد «رعمسيس التاسع» ظهر شخص ذو قوة عظيمة جدًّا يحمل نفس الاسم الذي يحمله ابن «حبو» ومليكه. وأعني بذلك الكاهن الأكبر «لآمون» المسمى «أمنحتب» (أمنوفيس) وهو الذي ورث هذه الوظيفة من أخيه «نسآمون»، الذي أخذها بدوره عن والدهما «رعمسيس نخت». وهذا الكاهن الدساس الماهر قد انتزع من مليكه الضعيف ألقاب شرف وسلطان تفوق حد المألوف وضعته فوق الفرعون. ويتساءل الإنسان عما إذا كان هذا الكاهن قد حاول الاستيلاء على العرش نفسه وهو ما فعله بعد فترة قصيرة خلفه في رياسة كهانة «آمون» «حريحور».
والواقع أنه ليس لدينا برهان يؤكد هذه الحقيقة، ولكن لدينا متون سنذكرها فيما بعد تظهر أن مجال حياة الكاهن الأكبر «أمنوفيس» كان مضطربًا عند نهايته. وقد جاء ذكر حرب خاصة بالكاهن الأعظم «لآمون»، وإذا كان كل من «جوسفس» و«مانيتون» — أو «جوسفس» فقط — قد أخطأ في أنه عد «أمنوفيس» بمثابة الملك الحقيقي، ووالد آخر الرعامسة، فإن هذا الخطأ يجب الاعتراف به، غير أنه خطأ يمكن التسامح فيه؛ إذ إنه لا يكاد يقلل من احتمال صحة القصة. «فرعمسيس العاشر» لم يكن له في الحكومة أهمية تذكر بالنسبة لوزيره الطموح.
وقد قدم لنا مؤلفنا «جوسف» تفاصيل دقيقة عن مشعلي هذه الحرب، فقال عنهم: إنهم مصريون قد أصيبوا بالبرص وبعاهات منوعة لم تمنعهم قط عن العمل في المناجم، ومن وجود حلفاء عند قيامهم بالثورة، ومن نشر الرعب في البلاد. وقد كانت «أواريس» (بلدة «تيفون» أي: الإله ست) مقرهم. وقد سنوا قوانين تتعارض تمامًا مع العادات المصرية، ولم يعبدوا الآلهة، وذبحوا الحيوانات المقدسة وأكلوها. وهذه المعلومات ليست واقعية بدون شك، ولكنها مع ذلك تقابل بالضبط الفكرة التي تكونها عن هذه الحروب عند أتباع «آمون» ولفظة «الأنجاس» التي فهمها كتَّاب العصر المتأخر على حسب معناها الحرفي وحسب، وهي في الواقع ترجمة كلمة «إدت»، ومعناها الحرفي «الطاعون» ويقصد بها «الهكسوس». ولكن لماذا كان القوم يكرهون «الهكسوس»؟ وسبب هذا الكره — على الأقل — أنهم أجانب يحتقرون آلهة المصريين العظام عدا الإله «ست» (اتخذوه إلها لهم عندما دخلوا البلاد غازين ووحدوه مع أحد «آلهتهم» «بعل»).
ولما كانت مصر ليس لديها ما تشكوه منهم فقد عمل القوم على أن ينسوا أنهم قد استقروا — عن طيب خاطر — في حقول «تانيس» أكثر من «منف» أو «طيبة»، وأنهم قد ضربوا المثل في عبادة «ست» وزوجه «عنتا» وغيرهما من الآلهة الآخرين الذين هم من أصل آسيوي. وقد كان كره المخلصين «لآمون» موجهًا إلى هذا الإله، وإلى السكان أيضًا.
وعلى أية حال فإن لدينا بعض اللوم الذي نوجهه إليهم، فقد كان سكان هذه المدينة لا يزالون يمارسون العادة الوحشية، وهي تضحية الآدمي ووضعه في ودائع الأساس، وهذا عادة لم تكن متبعة في سائر البلاد المصرية. وعلى العكس من ذلك فقد كانوا لا يهتمون بالحيوانات المقدسة، ومن ثم نرى أن الآلهة التي كانت ترسم على المسلات والعمد واللوحات والنقوش البارزة كانت تمثل كلها تقريبًا في صورة آدمية. يضاف إلى ذلك أن اللغة التي تسود الجهات من البحر الأبيض حتى الشلال الأول كانت واحدة، ولكن اللهجة والاصطلاحات والألفاظ كانت مختلفة لدرجة أن رجل «الدلتا» إذا أتى إلى «أسوان» كان لا يفهم شيئًا تقريبًا مما يسمعه، ولا يمكنه أن يجعل نفسه مفهومًا في آنٍ واحد كما هي الحال الآن.
ويقول «مانيتون»: إن أهالي «أواريس» هم وحدهم المسئولون عن هذه الحرب، فقد كان رئيسهم كاهنًا من «هليوبوليس» يدعى «أوسارسف» (وسر-سا-ف) (معنى الاسم «أوزير» حاميه). وقد قام بوساطة جمهور من العمال بإصلاح جدران المدينة، وأمر بالاستعداد لمحاربة الملك «أمنوفيس»، وقد أرسل مبعوثًا للرعاة (الهكسوس) يطلب التحالف معهم، وقد وعدهم بأن يقودهم أولًا إلى «أواريس» وهي موطن أجدادهم، وأن يمدهم بدون حساب بكل ما يحتاجون إليه، ثم يحارب في جانبهم عندما تحين الفرصة وتخضع لهم البلاد بسهولة. وقد أسرع الرعاة والفرح يفيض منهم في السير إلى الحرب عن بكرة أبيهم، وقد بلغوا حوالي مائتي ألف رجل تقريبًا، ووصلوا إلى «أواريس». ويلاحظ أن سكان الشمال الشرقي للدلتا كان لهم علاقات في الواقع تربطهم بالكنعانيين والفينيقيين أكثر من التي كانت بينهم وبين «طيبة»، وقد أخذوا يتنافرون مع هؤلاء، وعلى ذلك كان من الطبعي أن يتفاهموا مع أعداء مصر. وهذه المحالفة كانت قد عقدت وحدها من جديد عندما أصبحت «أواريس» عرضة لحرب الطيبيين.
وبعد أن تدبر الملك «أمنوفيس» الأمر مع رؤساء مصر وضع الحيوانات المقدسة والتماثيل العظيمة الاحترام في مأمن، وأمر بترحيل الأمير الشاب «سيتوس» وهو الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» (أي رعمسيس الحادي عشر) إلى بلاد «كوش». وبعد أن جمع جيشًا قوامه ٣٠٠٠٠٠ نسمة مدربين أحسن تدريب قام لمقابلة العدو، غير أنه لم يجسر أن يبدأ القتال، فعاد بجيشه إلى «منف» حيث أخذ العجل «أبيس» والحيوانات الأخرى المقدسة التي أمر بإحضارها، وبعد ذلك قام في الحال مع كل جيشه والسكان المصريين متجهًا نحو بلاد «كوش» متقهقرًا، فيا له من تقهقر! والتفسير الذي قدمه «مانيتون» لهذا، هو أن «أمنوفيس» قد رأى بأنه غير مجدٍّ في معارضة ما قرره الآلهة، ويظهر أنه قد عمل ذلك ليحفظ عزة الطيبيين وكرامتهم. وإذا كان لدينا تقرير أو قصة عن هذه الحوادث بقلم أحد الأنجاس كما يسمون، فإننا كنا نعلم أنه من المحتمل إصابة الجيش الطيبي بهزيمة نكراء كانت ذكراها مؤلمة له، حتى إنهم لم يريدوا أن يتحدثوا عنها قط. ومهما يكن من أمر فإن ملك «كوش» قد استقبل هذه الجموع من اللاجئين، وأحسن ضيافتهم بمحصولات البلاد مدة الثلاث عشرة سنة التي حُكم فيها على «أمنوفيس» بالنفي. وقد قام جيش نوبي لحراسة الحدود المصرية لحماية «أمنوفيس» وأتباعه. وقد انتشر الأنجاس المتحالفون مع «السولوميت» (الآسيويين) في كل مصر دون أن يجدوا أية مقاومة. وقد عاملوا السكان بطريقة دنسة قاسية. حتى إن عهد الرعامسة كان يظهر بجانب ذلك العهد عصرًا ذهبيًّا في نظر أولئك الذين قاسوا من ظلمهم الأمرَّيْن، إذ إنهم لم يحرقوا القرى والمدن وحسب، ولم يكتفوا بسلب المعابد وتحطيم تماثيل الآلهة، بل ما فتئوا يستعملون المحاريب مطابخ لشتى الحيوانات المقدسة التي كانت تعبد، وأجبروا الكهنة، وخدَّام الآلهة على تضحيتها وذبحها، ثم سلخها وإلقائها على قارعة الطريق. وكذلك نعلم أن الهكسوس قد أحرقوا المدن ومحوا المعابد وذبحوا، أو ساقوا الأهلين عبيدًا، وقد جدد الأنجاس هذا العسف، ولكنهم — فوق ذلك — اعتدوا على الحيوانات المقدسة كما فعل «قمبيز» فيما بعد، عالمين أن ذلك يعد أعظم شيء يجرح كرامة المصريين.
وعندما انتهى أجل الثلاث عشرة سنة عاد «أمنوفيس» من بلاد «كوش» على رأس جيش جرار. وكان الأمير «رميسيس» الذي بلغ وقتئذٍ الثامنة عشرة من عمره يقود كذلك جيشًا. وقد هاجم الجيشان معًا الرعاة والأنجاس وهزموهم. وبعد أن قتلوا عددًا عظيمًا طاردوهم حتى حدود سوريا.
وبقي علينا بعد ذلك ذكر الوثائق الأثرية والقصة التي رواها «مانيتون»، والتفسيرات التي أدلى بها «جوسفس» أن نمتحن الوثائق المختلفة التي وصلت إلينا من هذا العصر الذي وقع فيه حرب الأنجاس. والشخص المسئول عن هذه الحرب فيما يخص بلدة «طيبة» هو الكاهن الأكبر «لآمون» (أمنحتب). وقد تركناه في السنة العاشرة من عهد «رعمسيس التاسع». وقد بلغ من الغنى والجاه منتهاهما، فكان يد الفرعون؛ لأنه كان رئيس الخزانة. وسنرى من الآن الهجمات المروعة التي كانت ستقع في «طيبة»، ففي السنة الرابعة عشرة من حكم «رعمسيس التاسع» بدأ الإعلان عن السلب الذي كان يحدث في مقابر جبانة «طيبة»، وبخاصة مقبرة الملكة «إزيس» زوجة الفرعون «رعمسيس الثالث». وقد خابت هذه المحاولة، ولكن في السنة السادسة عشرة قامت عصابة اللصوص بمحاولتها من جديد، وقد لوحظ على حين غفلة أن قبرًا ملكيًّا كان يثوي فيه الملك «سبكمساف» أحد ملوك الأسرة الرابعة عشرة، وكذلك قبر الملكة «نبخعس» قد نُهب، وقد حاول نقب قبرين آخرين ولكن خاب المسعى. ومن جهة أخرى نجد أن قبري مغنيتين لبيت العبادة، وعدد عظيم من مقابر الأفراد قد نُهب بوحشية.
وفي السنة التاسعة عشرة من حكم هذا الفرعون وقعت حادثة لم يعرفها متن معاصر، ولكنها على وجه التأكيد حادثة ذات شأن عظيم؛ وذلك لأن هذه السنة تعد بداية عهد جديد يسمى «تجديد ولادات» وعلى أية حال فإن السنة التاسعة عشرة من حكم «رعمسيس الحادي عشر» يمكن تسميتها في وثائق رسمية بالسنة الأولى من عهد تجديد الولادات. ولدينا وثائق أخرى مؤرخة بالسنين: الثانية، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة من عهد تجديد الولادات أيضًا.
وقد ظهر في هيئة العمال الإداريين العظام أسماء جديدة، فقد حل محل الوزير «خعمواست» آخر يدعى «نبماعت رع نخت». وحل «حريحور» محل كل من «بينحسي» و«أمنحتب». وبذلك جمع بين وظائف نائب «كوش» والكاهن الأكبر «لآمون» في آنٍ واحد. وقد ظهر اسم «تانيس» للمرة الأولى في المتون المصرية حيث نعلم فضلًا عن ذلك أن وزير الشمال والملحق السياسي لآسيا كان يسكن في هذه المدينة، ويدعى «نسبانيبدد» وهو «سمندس» الذي ذكره المؤرخون الإغريق.
فقد أُحضرت المواطنة «إري نفر» زوج الأجنبي «بينحسي» بن «ساتي»، ووجه إليها اليمين بالملك أن تقول الحق وإلا عوقبت بالنفي إلى «كوش» وقيل لها: ما لديك لتقوليه في الفضة التي يملكها «بينحسي» زوجك؟ فقالت: إني لم أرها. فقال لها الوزير: بأية طريقة حصلت على الخدم الذين كانوا معه؟ فقالت: إني لم أرَ الفضة التي دفعها لهم، لقد كان في سفره عندما كان معهم، فقال لها القضاة: من أين أتت الفضة التي صاغها «بينحسي» «لسبك أم ساف»؟ فقالت: لقد دفعت ثمنًا للشعير في «سنة الضباع»، عندما كان الناس جياعًا (راجع ورقة المتحف البريطاني رقم ١٠٠٥٢ ص١١ س٤–٨) وسنة الضباع يمكن أن تكون سنة مات فيها كثير من الناس ولم يتمكن الناس فيها من دفن موتاهم، وقد أتت الضباع في خلالها حتى المدن والقرى. ولو فرضنا أن هذه استعارة تشبيهية فإن السنة التي استحقت هذا الاسم المستعار ينبغي أن تكون سنة قاسية.
خلاصة: لقد حاولنا فيما سبق تحليل قصة حرب الأنجاس أو الفكرة التي نقلها «يوسفس» على حسب ما جاء في «مانيتون»، وقد بحثنا عن إشارات إلى هذه الحوادث في المتون المعاصرة وأثرها في مدينة «أواريس» القديمة التي اتخذها «رعمسيس» عاصمة له، وسنحاول هنا الآن باستعمال هذه المصادر الثلاثة تأليف قصة متصلة لهذه الحرب التي لم يشر إليها أي تاريخ مصري قديم، على الرغم من أن أهميتها يمكن أن تقرن مثلًا بالحروب الدينية التي خضبت أرض فرنسا بالدماء في القرن السادس عشر.
فقد كانت حقول «تانيس» مغمورة بالساميين قبل خروج بني إسرائيل، حتى بعد خروجهم. ويمكن القول بأن مصر كانت قبل نهاية الأسرة العشرين تقريبًا مقسمة حزبين: أحدهما يمثل الحزب الوطني، والآخر الحزب الأجنبي.
ولم يفت أهالي «طيبة» أن ينابزوا أتباع «ست» بالألقاب التي كانوا يصفون بها الهكسوس، فقد كانوا يلقبونهم «بالطاعون» و«الأنجاس»، وقد كانوا يلومونهم على أنهم كانوا يؤدون نفس الشعائر التي يؤديها المصريون الآخرون، وأنهم يؤدون شعائر أخرى، وأنهم يحتقرون الحيوانات المقدسة، ويتكلمون لهجات لا يمكن فهمها. ولدينا كل الأسباب التي تحملنا على الاعتقاد بأن هذه التوبيخات كانت صائبة في حدود معينة، وعلى ذلك فإن الحزبين كانا يتهيآن للقتال. وكان «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون» رئيس أتباع «آمون» الطيبيين، وكان رئيس أتباع «ست» كاهن من «هليوبوليس» ويدعى «أوسارسف»؛ وذلك لأنه كانت توجد بين «هليوبوليس» و«أواريس» صداقة قديمة تشبه التي كانت تربط السيد العالمي وسيد الأرضين صاحب هليوبوليس «رع» بالإله «ست» حامي سفينة الشمس ورب الرعد.
ولم تقم حرب قط دون مال. وقد اتفقت الصدف بشكل بارز على أن مقابر الملوك القدامى والأفراد، وهي التي كانت دائمًا موضع احترام، قد بدأت تنهب من بداية السنة الثالثة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع». ولم تتحرك العدالة لهذا الموضوع إلا بعد مضي أربع سنوات، وقد كانت الخسائر أصابتها بشكل مريع، ولكن ماذا نعلم؟ نرى أن أمير مقابر «طيبة» قد أخذ في التقليل من شأن هذا النهب، وقد كان العدد الأكبر من المجرمين من موظفي الجبانة أو من أتباع الكاهن الأكبر «لآمون». وتدل شواهد الأحوال على أن المال المقبوض عليه كان يعطى لأولئك الكهنة العظام.
ومن ثم يظهر أن «أمنحتب» كان يريد زيادة مالية خزانته بسلب متاع الموتى. ولما كانت الوثائق المؤرخة بالسنتين السادسة عشرة والسابعة عشرة لم تشر بأية إشارة لحرب أهلية. فإن المظنون أن المناوشات لم تبتدئ إلا بعد ذلك بزمن يسير. وقد أمدنا المؤرخ اليهودي «يوسفس» بتحقيق تاريخي عندما قال: إن الملك «سيتي» الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» كان عمره خمس سنوات. وقد وحَّدنا هذا الأمير بالملك «رعمسيس الحادي عشر». ويمكننا أن نعترف بأنه على أثر موت «رعمسيس العاشر»، الذي لم يمكث على عرش الملك أكثر من ثلاث سنوات على ما نعلم كان الأمير الوارث للعرش لا يزال في طفولته، وفي هذه الحالة وجد الكاهن الأكبر «أمنحتب» سيد البلاد أن اللحظة المناسبة قد حلت لتحقيق خطط «آمون» وأتباعه.
وقد قام جيش من الجنوبيين لمقابلة الأنجاس الذين كان يقودهم «أوسارسف»، وقد حصنوا مدينتهم وبحثوا لهم عن حلفاء، ولم يكن يخالجهم الخوف في أن يفتحوا حدود بلادهم لأعداء مصر الألداء وهم الكنعانيون والعاموريون والفينيقيون، ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء الإسرائيليين، وقد تخطوا الحدود بعدد يبلغ مائتي ألف رجل كما يقول المؤرخون الإغريق، وهذا بطبيعة الحال رقم ضخم، ولكن ليس هناك محل للمعارضة في أن أهالي «أواريس» قد وصلهم مدد أجنبي. وقد كانت الواقعة الأولى في غير صالح الجنوبيين الذين لم يقاوموا ولم يعتقدوا في أنفسهم أنهم من القوة، بحيث يمكنهم مقاومة الشماليين. وقد هجر «أمنحتب» مصر السفلى والعليا وذهب ليجد ثانية الفرعون الشاب عند نائب «كوش» الذي كان وقتئذ «بانحسي» وقد وضع العجل «أبيس» في مأمن، وكذلك الحيوانات المقدسة والتماثيل ذات الاحترام الكبير. وانتظر هناك إلى أن تواتيه الفرصة في حماية بلاد النوبة بالقرب من صخور أسوان، وقد انتشر الأنجاس على أثر ذلك في البلاد، وقد ازداد عددهم بأولئك الذين لم يكن لديهم ما يخسرونه بنشر الفوضى، فلم يحترم أحد المعابد ولا المقابر ولا أملاك الأفراد. وقد سميت سنة خاصة في تلك الفترة «سنة الضباع»، وهذه السنة من غير شك هي التي ظهر فيها الأنجاس في مقاطعة «طيبة»، وهذا الوقت الفظيع كان لا يمكن أن يستمر إلى الآن. والواقع أن الجيش الذي يتحول إلى النهب لا بد أن يكون عرضة لأن يهزمه أولئك الذين هزمهم في أول الأمر. وقد أعاد الكاهن الأكبر والملك تنظيم قواتهما، وقد وجدا في «بانحسي» و«حريحور» رئيسين قادرين، وعلى ذلك فقد الأنجاس «جبلين» ومصر الوسطى، وطُردوا من كل مكان وتحصنوا بجدران «أواريس» كما فعل ذلك من قبل الهكسوس، وكما أخذت «أواريس» من قبل على يد الطيبيين. وقد ذُبح أتباع «ست» في هذا النضال أو طردوا إلى سوريا، وقد هدمت تمامًا المعابد والقصور كلها.
وهذا النصر قد عد بداية عهد جديد يسمى «عهد النهضة» تذكارًا لانتصار كل من «أمنمحات الأول» و«سيتي الأول» من قبل، وقد كان عصر كل منهما يسمى بهذا الاسم، ولكن مع ذلك نجد أن عصر النهضة الثالث هذا يختلف عن العصرين الأولين في أن حدوثه لم يتفق تمامًا مع تغيير أسري. وقد عاش «رعمسيس الحادي عشر» الذي حارب في الجانب المحق، وساعد على تخريب ما أسسه أجداده بضع سنين، وحافظ على لقبه الملكي، ولكن في الوقت نفسه كان قد قضى على أسرته.
وقد ظل الرعامسة محافظين على عرش البلاد أكثر من قرنين قبل ذلك، وقد كان سلطان الإله «ست» في مصر عظيمًا طوال مدة حكمهم. وقد بدأ هذا العصر بتجديد ولادة، غير أنها نهاية تجديد ولادة أخرى هي التي تعوزنا في النهاية؛ فقد سقطت الأسرة العشرون، وذهب ملوكها إلى غير رجعة، وبدأت البلاد عصرًا جديدًا عاد بها إلى حالتها الأولى في أقدم عصورها عندما كانت مقسمة إلى مملكتين: مصر السفلى، ومصر العليا؛ وهذا ما سنشاهده في حياة مصر خلال الأسرة الواحدة والعشرين.
وسنورد هنا أوَّلًا المتن ثم نعلق عليه.
(٣) الكاهن الثاني «لآمون» المسمى «نسآمون رع».
(٤) الكاهن المطهر كاتب مخزن ضياع آمون «نسآمون».
(٥) «آمون رع» رب تيجان الأرضين المقدم في الكرنك (٦) رب السماء، ملك الآلهة، ومن على رأس (٧) التاسوع العظيم (٨) والواحد الأزلي للأرضين (٩) ومن برأ كل كائن.
(١٠) السنة السابعة من (عصر) «تجديد الولادات» (عصر النهضة) شهر أبيب، اليوم الثامن والعشرون في عهد (١١) جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من ماعت رع-ستبن رع» بن «رع رعمسيس الحادي عشر» (١٢) يوم ظهور جلالة هذا الإله السامي «آمون رع» ملك الآلهة (١٣) عند وقت الصباح في عيد «أبت-حمس» (ومنه اشنق اسم شهر أبيب في القبطية).
(١٤) وقف الإله العظيم على المنصة (التي كانت تحمل) وبعد ذلك (١٥) كلمة القائد «بيعنخي» المرحوم قائلًا: (١٦) يا سيدي الطيب قف عند شئون (١٧) ضيعتك. وعندئذ أشار برأسه بشدة.
وبعد ذلك وضع أمامه كل الموظفين الإداريين التابعين للضيعة، (١٩) فجعل مراقبي القربان المقدسة ينعزلون، (٢٠) ثم قال ثانية: (بيعنخي) يا سيدي الطيب إن مراقبي القربان المقدسة قد وضعوا جانبًا، (٢٢) فهز الإله العظيم رأسه بشدة.
وبينما كانوا أمامه (٢٣) إذ وقف عند «نسآمون» المرحوم (٢٤) ابن «عشاخت» المرحوم وهو الذي كان كاتبًا لمخزن ضيعة «آمون»، (٢٥) ثم قال ثانية (بيعنخي): «إنه (أي نسآمون) قد عين كاتب مخزن ضيعة «آمون» في وظيفة آبائه وعندئذٍ هز الإله رأسه بشدة.» (أي علامة على القبول).
وعلى أية حال فإنا لا نجد في نقوش معبد «خنسو» الخاصة بأولاد «حريحور»، حيث نجده في المناظر المتصلة بهذا النقش، يظهر بوصفه ملكًا، أن «بيعنخي» كان يحمل ألقابًا عالية أو غيرها. ولكن من المحتمل أن هذه النقوش كانت تختلف في تاريخ نقشها.
أما الوحي الذي هو موضوع هذا النقش، فإنه مهما كانت الكلمات التي فُقدت من أوله (السطر السابع عشر) فإن الموضوع الوحيد الهام فيه كان تعيين كاتب مخزن ضيعة «آمون» المسمى «نسآمون» خلفًا لوالده. وكانت الطريقة المتبعة في ذلك على ما يظهر هي أن يقبل الإله الفصل في الموضوع، وبعد ذلك كان يستعرض الموظفين الإداريين للمعبد أمامه في مجاميع، كل على حسب وظيفته، ومن بين هذه المجاميع انتخبت مجموعة المراقبين، ومن بينها اختير «نسآمون».
وتأكيدًا لمعرفة الجاني وأنه هو الشخص الذي يقصده الإله كانت تكرر العملية.
ولا نعلم السبب الذي من أجله نقش «نسآمون» هذا النقش، هل كان في أمر تعيينه شك، أم كان ذلك لمجرد الفخر والظهور كما هي عادة الموظفين المصريين الذين ينالون حظوة عند رؤسائهم؟ وما أشبه البارحة باليوم. وعلى أية حال فإنا مدينون للكاتب «نسآمون» بتلك الحقيقة التاريخية القيمة التي قدَّمها لنا عن عصر النهضة وعن قوة «حريحور» في تلك الفترة، هذا بالإضافة إلى المعلومات الجديدة التي حدثنا عنها بالنسبة إلى الوحي وكيفية إيحائه.
(٢) علاقة مصر بالبلاد المجاورة في تلك الفترة
ذكر فيما سبق أن علاقة مصر على ما يظهر لم تكن على ما يرام مع بلاد «لوبيا»، وأن بعض «المشوش» كانوا يهاجمون البلاد في غارات صغيرة من وقت لآخر، وكذلك ذكرنا أنه في عهد الملك «رعمسيس الحادي عشر» قد غزا البلاد نوبي، ولكن نجد من جهة أخرى أنه كانت لمصر فرقة في بلاد «كوش»، وأن كل مجرم كان يقترف ذنبًا جسيمًا كان ينفى فيها.
وكذلك نجد أن أهالي «سوريا» كانوا يفرون من بلادهم إلى مصر؛ فقد ذكر لنا أحد الشهود في محاكمة، وهو «كربعل»، أنه يريد أن يعترف بالحقيقة؛ لأنه لا يريد بعد أن فر من بلاده أن ينفى إلى بلد أشد بؤسًا منها، وهي بلاد «كوش» التي كانت منفى للمجرمين.
وتدل النقوش التي وجدت في بلاد النوبة على أن بلاد «كوش» كانت وقتئذٍ خاضعة لسلطان الفرعون، وأن نائبه هناك كان لا يزال صاحب قوة. وكان «بينحسي» هو نائب الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» في السودان. وجاء من بعده «حريحور»، كما فصلنا القول في ذلك من قبل (راجع مصر القديمة ج٥).
- ألقاب الفرعون: «حور» الثور القوي محبوب «رع»، المنسوب الإلهتين، عظيم القوة، صادُّ مئات الألوف «حور» الذهبي، عظيم القوة، ومن يجعل الأرضين تعيشان، الملك له الحياة والفلاح والصحة، المنشرح الصدر، العادل، سار الأرضين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «منماعت رع ستبن بتاح» — له الحياة والفلاح والصحة — ابن «رع» رب التيجان «رعمسيس الحادي عشر» «خعمواست مري آمون نتر حقن أيون» له الحياة والفلاح والصحة.
- المقدمة: أمر ملكي لابن الملك صاحب «كوش» وكاتب الملك للجيش، والمشرف على الغلال «بينحسي» قائد رماة الفرعون له الحياة والفلاح والصحة يقول: إن أمر الملك قد أحضر إليك وهو: اذهب … خلف مدير البيت ساقي الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، واجعله يقوم بتنفيذ مأمورية الفرعون له الحياة والفلاح والصحة سيده، وهي التي قد أرسل لتنفيذها في الإقليم الجنوبي، وعندما يصلك مكتوب الفرعون سيدك (أي هذا الخطاب) اجتمع به لتجعله يقوم بعمل مأمورية الفرعون (له الحياة والفلاح والصحة) سيده، وهي التي قد أرسل من أجلها.
- المحراب: ويجب أن تعتني بهذا المحراب الخفيف الخاص بهذه الآلهة العظيمة، ويجب أن تكمله، وعليك أن تحمله إلى السفينة، ويجب أن تجعله يؤتى به أمامه إلى مكان سكني العظيم (قنتير). ويجب أن تحضر له حجر «خنمت» (حجر ثمين) وحجر «إلن خو» وحجر «إس مارا» وأزهارًا من نبات «خاثا» وأزهارًا زرقاء كثيرة إلى مكان سكني لأجل أن أملأ بها يد الصناع، ولا تهمل هذه المأمورية التي أرسلها لك. تأمل؛ إن أكتب إليك للتأكد، ولأخبرك بصحة الفرعون.
«السنة السابعة عشرة، الشهر الرابع من الفصل الأول، اليوم الخامس عشر من الشهر.»
(٣) تقرير «ونآمون» أو قصة «ونآمون»
وقد جادت الصدفة علينا بوثيقة تعد من أهم الوثائق، التي تظهر لنا العلاقة بين مصر وبلاد سوريا بصورة قصصية فريدة في بابها.
وهذه الوثيقة تعد أكبر مصدر تعرف منه مكانة مصر عند نهاية الأسرة العشرين، وقد وضعت في العام الخامس من عهد «رعمسيس الحادي عشر»، عندما كان لا يحمل من الملك إلا اسمه، وكان المتولي أمور الدولة كلها هو الكاهن الأكبر «لآمون» «حريحور»، وإن لم يكن يحمل لقب الملك، وكان وقتئذٍ يسيطر على «طيبة» في حين كان «نيسو بنبدد» (سمندس) الذي أصبح فيما بعد أول ملوك الأسرة الحادية والعشرين يسكن في «تانيس» ويحكم الدلتا. وفي هذه الأحوال أرسل «حريحور» أحد موظفيه الذي يدعى «ونآمون»؛ ليحصل على خشب الأرز من غابات بلاد لبنان لبناء سفن مقدسة للإله «آمون». وعلى حسب وحي أوحى به إلي الإله «آمون» استؤمن هذا الرسول على تمثال لإله يدعى «آمون الطريق»؛ ليحمله معه بمثابة مبعوث لأمير «بيلوص» (جبيل) ولما كان المبعوث قد صادفته صعاب خارقة للمألوف في تنفيذ مأموريته قدم تقريرًا مفصلًا بعد عودته إلى وطنه مفسرًا فيه سلسلة الحوادث التي كانت تعرقل نجاح مساعيه، وعلى الرغم من ضياع جزء كبير من التقرير من سوط العمود الأول، وضياع جزء آخر من العمود الآخر مما جعل القصة لم تصلنا بأكملها، فإنها مع ذلك تعد من أهم الوثائق التي عثر عليها في مصر حتى الآن، وبخاصة في عصر غامض كالذي نبحث فيه.
وبعد مضي حوالي ثمانية شهور من مغادرة «ونآمون» مصر كان الخشب قد جهز، وقد أعطاه «زاكاربعل» «ونآمون» وقال له بشيء من المداعبة العابثة أنه قد عومل معاملة أحسن من التي عومل بها آخر مبعوثين من مصر الذين حجزوا في «جبيل» سبع عشرة سنة وماتوا هناك، وإثباتًا لذلك كلف الأمير أحد أتباعه ليقود «ونآمون» حتى قبره ويريه له. غير أن «ونآمون» أبى ذلك وسلم مودعًا، ووعد أن يعمل على دفع ما تبقى من ثمن الخشب، ولكن حدث أنه لما كان على أهبة الإقلاع ظهرت في عرض البحر عدة سفن لأهل «ثكل» غرضها القبض على «ونآمون»، وكان سبب ذلك بلا شك أخذه الفضة. وعندئذٍ جلس «ونآمون» التعس الحظ على الشاطئ وأخذ ينتحب، وعندما سمع «زاكاربعل» بما حاق به أرسل إليه رسله يطمئنونه ومعهم طعام ومغنية مصرية لتسري عنه، وفي الصباح قابل الأمير «الثكل» وأرسل «ونآمون» إلى البحر، وبطريقة ما تجنب «الثكل» غير أن ريحًا مضادة حملته على «قبرص» (ألاسا) وكان على وشك أن يقتله القبرصيون فإذا به يجد إنسانًا يتكلم المصرية ونجح في اكتساب حظوة ملكة قبرص، وبذلك نجا من القتل.
وإلى هنا ينتهي الجزء الذي وصل إلينا من هذا المتن الهام، ولا نعرف — بكل أسف — كيف وصل «ونآمون» إلى أرض الكنانة. ويلاحظ العالم بتاريخ مصر كيف أن مصر قد سقطت هيبتها في بلاد «لبنان» ذلك الإقليم الذي كان يدين للفراعنة منذ أقدم العصور بالطاعة والخضوع. وهكذا نرى عند نهاية الأسرة العشرين كيف أن مصر — على الرغم من أنها كانت محترمة بوصفها مصدر الحضارة — لم يكن في مقدورها أن تحصل على الحماية العادية والاحترام لمبعوثها في سوريا، ولا غرابة في هذا فإن شواهد الأحوال تدل على أن هذه الحالة كانت موجودة قبل عهد هذا الفرعون بكثير، ولكنها ظهرت بصورة بارزة في عهده. ومما تجدر ملاحظته في هذا التقرير كذلك أن فيه أقدم مثال عن الغيبوبة التنبُّئِية كما أشرنا إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى أن أمراء «جبيل» كان لديهم سجل تجاري في بردية قيدت فيه معاملته مع مصر، كما نوه بذلك أميرها مع «ونآمون» في حديث له.
هذا وقد كان من بين الهدايا التي أحضرت لأمير «جبيل» من الدلتا خمسمائة إضمامة بردي، ولا نزاع في أن الفينيقيين لم يكتبوا الخط المسماري بالقلم والحبر على هذه البرديات؛ لأن كتابة الخط المسماري بهذه الكيفية لا يمكن تصور قبحها، وقد كان من البدهي إذن أن الفينيقي كان يكتب على البردي بالخط الهيراطيقي العادي، وهي نفس المادة التي كان يُكتب عليها في مصر، وهذا الخط هو الوحيد الذي كان يعرف وقتئذ؛ لأنه يحتوي على علامات أبجدية لكل حروف الهجاء، ومن ثم يمكن القول بأنه في حوالي عام ١١٠٠ق.م قد حلت كتابة أخرى محل الخط المسماري.
تقرير «ونآمون» من الناحية الأدبية والسياسية
وإذا نظرنا إلى هذا التقرير من ناحية الأدب العالمي، فإنه يعد قصة من الأدب الراقي الذي وصل إلينا من عهد الدولة الحديثة، وإذا قسناها بغيرها من قصص الدولة الوسطى كقصة «سنوهيت» الراقية المغزى والتعبير، أو قصة الغريق السهلة التناول القوية الأسلوب وجدت أن أهم ميزة لقصتنا هذه هو الوصف الحي، الذي تضعه أمامنا والحوار الحاد الممتع الذي تعرضه على أسماعنا، وأهم من هذا وذاك البيئة التي أظهر القاص فيها، والجو الذي نقل القارئ إليه، والنواحي النفسية التي تتناولها كإبراز أخلاق «ونآمون» أهم شخصية فيها، وبيان أن الأسرة العشرين التي انحطت قوتها أعجز من أن تجلب لمصر ما اعتادت الأسر القوية أن تفعله، فلم يكن في مقدور حاكمها أن يصدر أمرًا في مصر لينفذ في لبنان. ولقد سرد الكاتب قصته أو تقريره بطريقة جميلة حتى لترسخ في ذهنك صورة أمير «جبيل» في حجرته العليا وظهره مستند إلى شرفتها وأمواج البحر السوري تتلاطم من خلفه، وحتى تشارك «ونآمون» أساه لهروب أحد أتباعه بما كان عنده من ذهب أو فضة، وحتى ترثي لخذلانه عندما طولب بإبراز ما يتسلح به من توصية أو عدة، وحتى تبكي معه سوء طالعه عندما رأى الطيور تنزح للمرة الثانية إلى مصر، وهو على حاله من الخيبة والفشل في سوريا مقيم.
وقد وضع الكاتب أمام أعيننا صورة مدهشة لتدهور الدولة المصرية وسقوطها مشربة باعتقاد رقيق مؤثر في قوة «آمون» وقدرته على انتشالها من وهدتها، وإعادتها لما كانت عليه في غابر الأزمان.
وهذه القصة جديرة بأن توضع جنبًا لجنب مع بعض أحسن القصص التي وردت في التوراة مثل قصة «يونس» ورسالته، أو قصة «راعوت» في وسط القمح مع فارق واحد وهو أن قصتنا قد سبقت كلًّا منهما بنحو خمسة قرون، كما أنها تقدم لنا صورة حية عن السياحة وعن التجارة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وتساعدنا على تصوُّر ذلك العالم على حقيقته، كما كان ذلك العالم الذي لا تزال صورته نتمتع بها في قصة «الأوديسا» بأسلوبها البسيط الخالي من المحسنات اللفظية العميقة القديمة. هذا إلى أن القاص يستميلنا أكثر من هذا بنكاته الدقيقة، التي تجري على لسانه من غير تكلف أو اصطناع (وسنورد فيما يأتي متن القصة حرفيًّا).
وفي الكسر الكبير الذي في البردية في هذا المكان يمكن أن نقدر أن عبارة كالآتية قد قيلت. قامت مناقشة حادة بين «ونآمون» وأمير «دور»، إذ قال له: الزم الصمت. وقد أساء إليه إنسان النصيحة بأن يعمل مثل غيره على أن يسترد ماله ثانية بنفسه، أي يذهبون ليبحثوا عن سارقهم، ومن ثَمَّ أتى إلى «صور» (؟).
وهكذا استمر الشاب المخبول في خبله طول الليل. على حين أني وجدت سفينة مقلعة إلى مصر، وكنت أنقل كل ما عندي على ظهرها، وكنت أرقب الظلام حتى إذا أسدل ستاره أنزل الإله حتى لا تراه عين أخرى. وأتى إليَّ رئيس الثغر قائلًا: «امكث إلى الصباح تحت تصرف الأمير.» فقلت له: ألست الذي لا يفتأ يأتيني كل يوم قائلًا: اخرج من ثغري ولم تقل قط ابقَ؟ والآن سيدع الأمير المركب التي وجدتُها تسافر ثم أتى إليَّ ثانية قائلًا: فلتذهب؟
فذهب وأخبر الأمير بذلك، ولكن الأمير أرسل إلى قائد المركب قائلًا: «امكث إلى الصباح تحت تصرف الأمير.»
وقد كنت صامتًا في تلك اللحظة الرهيبة، فأجاب قائلًا: «لأي داع أتيت إلى هنا؟» فقلت له: «أتيت لأجل الخشب اللازم للسفينة العظيمة الشأن ملك «آمون» ملك الآلهة؛ وقد كان والدك وجدك معتادين أن يفعلا ذلك، وستفعل أنت كما فعلا أيضًا.»
والآن من جهة «آمون رع» ملك الآلهة فإنه هو رب الحياة والصحة، وقد كان رب آبائك الذين قضوا مدة حياتهم يقدمون القربان «لآمون»، وأنت كذلك خادم «لآمون». والآن إذا قلت: نعم سأفعلها، ونفذت أمره فإنك ستعيش وتفلح، وتكون في صحة جيدة، وستكون محسنًا إلى كل الأرض وإلى قومك. ولكن لا تأخذ شرها لنفسك أي شيء خاص «بآمون رع» ملك الآلهة، حقًّا إن السبع يحب متاعه! دع كاتبك يحضر إليَّ حتى أرسله إلى «سمندس» و«تنتآمون» قائدي الأرض، وهما اللذان قد منحهما «آمون» الجزء الشمالي من أرضه، وسيرسلان كل ما يحتاج إليه وسأكتب أنا إليهما قائلًا: أرسلها (أي: الأشياء) حتى أعود للجنوب، وأرسل لك كل ما أنا مدين به لك. وهكذا تحدثت له. وقد سلم خطابي إلى يد رسوله، ثم حمل خشب قعر المركب والمقدمة والمؤخرة، وكذلك أربع قطع أخرى، أي إن المجموع كان سبع قطع، وأمر بإرسالها إلى مصر، وقد ذهب رسوله إلى مصر، وعاد إليَّ في «سوريا» في أول شهر من الشتاء، وأرسل إلى «سمندس» و«تنتآمون»:
عدد | |
---|---|
ذهب | ٤ أباريق وإناء «كاكمنت» |
فضة | ٥ أباريق |
ملابس من الكتان الملكي | ١٠ قطع |
كتان جيد من الوجه القبلي | ١٠ خرد |
بردي جميل | ٥٠٠ |
جلود ثيران | ٥٠٠ |
حقيبة عدس | ٢٠ |
سلة سمك | ٣٠ |
عدد | |
---|---|
عدس | ١ حقيبة |
سمك | ٥ سلات |
ففرح الأمير، وأعد ثلاثمائة رجل، وثلاثمائة ثور على رأسها ملاحظون لقطع الأخشاب، وقد قطعوها وبقيت ملقاة طول الشتاء. وفي الشهر الثالث من الصيف جُرَّت إلى شاطئ البحر.
(٤) الآثار التي من عصر «رعمسيس الحادي عشر»
تحدثنا فيما سبق عن الأوراق البردية، التي تنسب إلى عهد هذا الفرعون وبخاصة الوثائق التي من عصر «النهضة» الخاصة بسرقة المقابر والمعابد، وقد وصلنا في بحثنا إلى أن الجزء الأكبر من هذه الأوراق لا ينسب إلى عهد «رعمسيس التاسع» كما كان المفهوم حتى إلى عهد قريب؛ ولذلك يجب على كل باحث في تاريخ هذا العصر مراعاة ذلك كما نوهنا بذلك في مكانه عند كل مناسبة. ولدينا ورقة أخرى من عهد هذا الفرعون سنتحدَّث عنها هنا خاصة بموضوع تَبَنٍّ غريب في بابه.
وثيقة التبني الخارق لحد المألوف: (راجع J. E. A. Vol. 26 p. 23 ff.)
الترجمة
السنة الثامنة عشرة، الشهر الأول من فصل الفيضان، اليوم العاشر في عهد جلالة الملك «منماعت رع ستبن-بتاح» بن «رع» رب التيجان «رعمسيس خعمواست مري آمون» الإله وحاكم «هليوبوليس» معطي الحياة لكل السرمدية. في هذا اليوم صدر إقرار (١٥) عمله رئيس الإصطبل «نبنفر» وزوجه مغنية الإله «ستخ» التابع لبلدة «سبر مرو» المسماة «رننفر»، وهو: لقد اشترينا الأمة «دي-في-حت-إري»، وإنها قد وضعت هؤلاء الأولاد الثلاثة ذكرًا وأنثيين ومجموعهم ثلاثة، وقد أخذتهم وأطعمتهم وربيتهم، وقد وصلت معهم إلى هذا اليوم دون أن يعملوا أي أذى لي، بل عاملوني معاملة حسنة، وليس لي سواهم (٢٠) ابن أو ابنة، وقد دخل بيتي رئيس الإصطبل «باديو» وتزوج من «تأمنني» أكبرهم وهو ينتسب إليَّ بوصفه أخي الأصغر، وقد قبلته لها (زوجًا) وهو معها في هذا اليوم. والآن تأمَّل لقد جعلتها امرأة حرة لأرض الفرعون، وإذا حملت ذكرانًا أو إناثًا فإنهم سيكونون أحرارًا في أرض الفرعون بنفس الطريقة، بوصفهم مع رئيس الإصطبل «باديو» هذا أخي الصغير، وسيكون الطفلان (أي الأخ والأخت الآخران ابنا الأمة) مع أختهما الكبرى في بيت «باديو» (٢٥) رئيس الإصطبل أخي الصغير هذا، واليوم أجعله ابنًا لي (أتبناه) مثلهم بالضبط. ثم قالت: بحياة «آمون» وبحياة الفرعون، إني أجعل الناس الذين سجلتهم هنا أحرارًا في أرض الفرعون، وإذا نازعهم ابن أو ابنة أو أخ أو أخت من والدتهم أو والدهم في حقوقهم إلا «باديو» ابني هذا — لأنهم (ظهر الورقة سطر ٥) لم يصبحوا بعد خدمًا له بل هم له بمثابة إخوة وأطفال؛ لأنهم أحرار في أرض الفرعون — فلينكحه حمار ولينكح زوجه حمار أي شخص مهما كان — سيدعو أيًّا منهم بلفظ خادم. وإذا كان لي حقول في الريف أو أي متاع في الدنيا، أو إذا كان لي تجارة فإن هذه ستقسم بين أولادي الأربعة ويكون «باديو» واحدًا منهم. وهذه الأمور (ظهر الورقة سطر ١٠) التي تكلمت عنها قد وكلتها كلها إلى «باديو» أخي هذا الذي عاملني معاملة حسنة، عندما كنت أرملة، وعندما توفي زوجي أمام شهود عديدين كثيرين وهم: رئيس الإصطبل «ستخ محب»، وموسيقار «ستخ» «توحراي»، والمزارع «سوعا وي آمون»، وأمام «تاي موت نفر» وموسيقار الإله «عنتي» المسمى «تنت نبحت».
- (١)
الأولى: هي أن «نبنفر» قد تبنى — بكتابة تمت في يوم تولي «رعمسيس الحادي عشر» عرش الملك — زوجه «رننفر»، وقد كانا بدون خلف، وقد كان عمله هذا لغرض مقصود، وهو جعلها وارثته في أمتعته مع حرمان كل أقربائه. وعبارة «كل مكاسب عملتها معها» توحي بتحديد للميراث، ولكن قبل ذلك مباشرة نجد في الوثيقة أنها تقول: «إنه كتب لي كل ما يملك.»
- (٢)
وقد تبنت «رننفر» بطريقة لا نعرفها، الأولاد الثلاثة الذين أنجبتهم الأمة «دي-ني-حت-إري»، التي اشتراها معها «نبنفر».
- (٣)
ومن الجزء الثاني من الوثيقة نعلم أن «رننفر» قد تبنت أخاها «باديو» الذي تزوج من «تأمنني» برضاء «رننفر» أخته، وهي كبرى أولاد هذه الأمة معلنة أن «باديو» والأولاد الثلاثة سيقتسمون ملكها على أن يكون «باديو» وصيًّا.
أما التبني الثاني والثالث، فيظهر أنه تبنٍّ غير روماني غير أنه ليس منافيًا للطبيعة. وسأعود فيما بعد لمسألة الطريقة التي أُجري بها التبني.
والتبني الثالث يظهر لنا أختًا تتبنى أخاها الأصغر، وإذا غيرنا جنس المتبني فإنه لا يوجد في القانون الروماني ما يعترض ذلك، غير أن الدافع لذلك هو عمل وصية، وذلك ظاهر جدًّا عند المصري، ولكن ذلك كان معدومًا في القانون الروماني، وعلى حسب التبني الثاني كان «باديو» خال زوجته، ولكن في القانون الروماني لم يكن في مقدور الإنسان أن يتزوج بنت أخته. ومعلوم أن الرومان كانوا يعدون علاقة التبني ما دامت موجودة حجر عثرة في سبيل مثل هذا التزاوج. وعندما صار «باديو» بالتبني الثالث أخا زوجته، فإنه على حسب القانون الروماني لا بد أن يطلق منها، وبدهي أن المصريين لم ينظروا إلى صلة التبني بصورة جديدة من هذه الناحية، بل كان كل ما يهمهم هو نتائجه في نقل الملكية؛ أليست الفكرة السائدة صحيحة في أن الزواج في مصر القديمة بين الأخ وأخته كان شيئًا عاديًّا جدًّا؟
وعندما نتعمق في تفسير هذا الموضوع تعترضنا صعوبة. ففي التبني الأول نجد أنه يؤلف موضوعًا منفصلًا، فيبتدئ بتاريخ له خاص وينتهي بشهوده الخاصين به، وباقي البردية تؤلف موضوعًا آخر يبتدئ بتاريخ وينتهي بشهود.
ومما تجدر ملاحظته أن ما جاء على لسان «رننفر» لا يحدثنا عن تبنٍّ رسمي للأطفال الثلاثة، فهي تقص أوَّلًا التصريح الذي عملته هي وزوجها «نبنفر»، وثانيًا أنها أخذتهم وأطعمتهم، وأنهم كانوا يعاملونها معاملة حسنة، وثالثًا أنه كان يرضى منها أن أكبرهم وهي «تأمنني» قد تزوَّجت من «باديو»، وعلى ضوء هذه الحقيقة وجدت أن أحسن تبنٍّ تفعله لمصلحة هؤلاء هو أن تعلن أنهم أصبحوا أحرارًا تمامًا، وأنهم يرثونها في أملاكها مع «باديو».
ويلاحظ أن التحرير من العبودية كان يسري على أولاد «تأمنني» أيضًا.
والآن يتساءل الإنسان: في أي ظرف بالضبط من هذا التاريخ أصبح الأولاد أولاد «رننفر»؟
على أنه من الصعب جدًّا القول بأن ذلك يرجع — فقط — إلى التصريح المشترك الذي قاله كل من «نبنفر»، و«رننفر»؛ لأن ذلك على ما يظن يجعلهم أولاد «نبنفر» وعلى ذلك يكونون وارثين له مع «رننفر»، ومع ذلك فإنه كان لا بد من سبب لذكر هذا التصريح، إذ إنه ضمن للأولاد أنهم ليسوا مجرد عبيد قد اشتروا. ومن الجائز كذلك أن هذا التصريح كان يحمل في طياته للمصريين فكرة أن الأمة «دي-ني-حت-إري»، التي كانت ملكًا مشتركًا للزوجين العقيمين قد منحتها الزوجة لزوجها، كما منحت «سارة» «لإبراهيم» «هاجر» خادمتها المصرية. وقد كان لابن الجارية حقوق على الرغم من أن أكبر أولاده إسحاق قد خفضها. وقد سارت «رننفر» في معاملة الأولاد بوصفهم أولاد البيت، وذلك لا يعني إلا أنها بطبيعة الحال قد تبنتهم، ولكن بالإضافة إلى أصلهم فإن ذلك قد يكون سببًا في تثبيت مركزهم، وفي الجزء العملي من المستند الحالي نجد أن «رننفر» قد عدتهم أولادها فعلًا، وقد تبنت «باديو» في هذا اليوم بالضبط مثلهم (ظهر الورقة ص١ سطر ١) غير أنه كان يوجد شيء ناقص في حالتهم وهو الإعلان المؤكد بفك رقبتهم، وكذلك بفك رقبة أولاد «تأمنني»، وإلى أن يعلن هذا فالمظنون أن حالتهم كانت بين العبودية والحرية، ولكنهم بعد ذلك لن يصبحوا مع «باديو» بمثابة خدم، بل صاروا معه بمثابة إخوة وأولاد (ظهر الورقة ص٢ سطر ١–٥).
وثيقة اتفاق خاصة بزواج من عهد الأسرة العشرين
يوجد بمتحف «تورين» بقايا وثيقة بالهيراطيقية تمتاز بطابعها القانوني، وقد سجلت برقم ٢٠٢١ في فهرس المتحف المذكور، وتحمل كذلك رقم ٢٧١، والقطعة الهامة الباقية من الورقة ارتفاعها ٢٣ سنتيمترًا، وطولها ٦٧ سنتيمترًا، ويوجد خلافًا لهذه القطعة خمس قطع أخرى لم يمكن معرفة موضعها بالضبط بالنسبة للقطعة الكبيرة.
ووجه الورقة كتب عليه سطران بالحروف الكبيرة الخشنة التي كانت ستعمل عادة في نهاية الأسرة الواحدة والعشرين. وقد جاء فيهما: «قائد الجيش، ورئيس أجناد الفرعون «بيعنخي» إلى ضابط الجنود «بسجس» التابع لجنود الفرعون قائلًا: عندما يصل خطابي.» وإلى هنا ينقطع المتن.
- الصفحة الثانية: (١) الإله رفض … بخصوصها … كل ما اكتسبته (٢) معها … لأجل المواطنة … أمام الوزير (٣) وأحضرت أربعة عبيد … إني مرتاح (؟) … ما فُعل (٤) … ذهب … وأعطيتها الأمة «نو» … وكذلك (٥) … وسأنزل عنها (؟) … «سد–ومأمنباعش» (؟) (٦) … عبدان كانا ملكي بمثابة نصيبي معها؛ (٧) لأنها كانت طفلة … أطفال «تاثري» الذين كانوا في (٨) بيتي … لم … أمام (٩) الوزير وموظفي البلاط … الأطفال (١٠) هذه الحالة … هذا (١١) اليوم لأن الفرعون (؟) قال … كل ما اكتسبه (١٢) معها … محتويًا على …
- الصفحة الثالثة: (١) العبدين والأمتين المجموع أربعة مع أطفال؛ والثلثان بالإضافة لثمنها، وإني
(٢) أعطيت هؤلاء العبيد التسعة الذين كانوا من نصيبي في ثلثي ومعي المواطنة «تاثري»
(٣) لأولادي، وكذلك بيت والد والدتهم أيضًا، وأنهم لا يجهلون أي شيء قد أحضرته مع
والدتهم، (٤) وإني كنت أرغب في إعطائهم بعض ما أحضره مع المواطنة «أنكسونزم»، ولكن
الفرعون قال: دع (٥) مهر كل امرأة يعطاها (؟) وقال الوزير للكاهن ورئيس العمال «حوت
نفر» والكاهن «نبنفر» ولدي (٦) كاهن «أمنخعو» الذي وقف أمامه، وهما أكبر الإخوة بين
أولاده، ما تقولان في البيان الذي أدلى به الكاهن (٧) «أمنخعو» والدكما؟ هل هو صحيح
فيما يخص تسعة العبيد الذين يقول عنهم أنه أعطاها إياكم بمثابة ثلثيه (نصيبه) الذي
قسمه مع (٨) والدتكم، وكذلك البيت الخاص بوالد والدتكم؟ فقالوا معًا: إن والدنا على
حق؛ إنهم في الحق في حيازتنا (؟) فقال الوزير: (٩) ما تقولان في هذا الاتفاق الذي
يقوم والدكم بعمله للمواطنة «أنكسونزم» زوجته هذه؟ (١٠) فقالا: لقد سمعنا ما يفعله
والدنا، ومن ذا الذي يعارض ما يعمله؟ إن عقاره ملكه (١١) فدعه يعطيه من يشاء. فقال
الوزير: حتى ولو لم تكن زوجه بل سورية أو نوبية قد أحبها وأعطاها (١٢) متاعًا من
متاعه، فمن ذا الذي ينكر ما فعله؟ دع أربعة العبيد الذين كانوا من نصيبه مع المواطنة
«أنكسونزم» يُعْطَونها، (١٣) وكذلك كل ما يمكن أن يكتسبه معها، وهو الذي قال: إنه
سيعطيه إياها «ثلثي»،٦١ هذا بالإضافة إلى ثمنها. ولن يعارض في ذلك (ص٤ سطر ١) «ابن أو ابنة من
أولادي في هذا الاتفاق الذي عملته لها هذا اليوم.» وقال الوزير: فليعمل هذا على حسب
ما قال الكاهن «أمنخعو» هذا الكاهن الذي يقف أمامي، (٢) وقد أعطى الوزير تعليمات
للكاهن وكاتب الحسابات «بتاحمحب» التابع لمحكمة معبد «وسر ماعت رع مري آمون»، قائلًا:
«دع هذا الاتفاق الذي عملته يدوَّن (٣) على إضمامة في معبد «وسر ماعت مري آمون».» وقد
عمل مثل ذلك لمحكمة المدينة (طيبة) في حضرة شهود عديدين. قائمة بالشاهد:
العمود الذي على اليمين: (٤) رئيس الحرس وكاتب السجن «تحوتمحب» التابع للجيش.
(٥) رئيس الحرس «حوري» بن «تحوتنخت» التابع للجيش.
(٦) النائب «نسخنسو» التابع للجيش.
(٧) المشرف على الإصطبل «منسنو» التابع «لخني» …
(٨) السايس «بكنس» التابع (للمعبد).
(٩) الكاتب «تحتمس» التابع للجبانة.
(١٠) الكاتب «أفنخنسو» التابع للجبانة.
(١١) رئيس العمال «بكنموت» التابع (للجبانة).
(١٢) الكاهن المرتل التابع للمعبد.
(١٣) الأمير «نسأمونؤبي».
(١٤) كاتب الحي «نسأمونؤبي».
العمود الذي على اليسار: (١٥) رؤساء الشرطة التابعون للجبانة.(١٦) المراقب «أمنخعو» التابع لغربي المدينة.
(١٧) المراقب «بيخال» التابع لغربي المدينة.
(١٨) المراقب «بنختؤبي».
(١٩) المراقب «أمنحتب».
(٢٠) المراقب «أمنؤبي نخت».
(٢١) المراقب «عنحتو مديأمون».
ويدل ما جاء في هذا المتن على أن القضية تنحصر على وجه التقريب فيما يأتي:
كان الكاهن «أمنخعو» قد تزوج مرتين، فقد بنى أوَّلًا بسيدة تدعى «تاثاري»، وبعد زمن توفيت، فتزوج من أخرى تدعى «أنكسونزم». وقد رزق من زوجه الأولى «تاثاري» أولادًا ظهر في القضية اثنان وهما أكبر أولاده سنًّا، ولم نسمع بأنه رزق من زوجه الثانية «أنكسونزم» أولادًا. وتحدِّثنا الوثيقة أنه قسم على حسب ما جاء في عقد بينه وبين زوجه «تاثاري» ثلثي عقار ما يحتوي (أو ضمنه) تسعة عبيد. وهؤلاء العبيد قد نُقلوا عند زواجه الثاني على حسب القانون المصري إلى أولاده الذين من «تاثاري»، هذا بالإضافة إلى بيت ورثته من والدها.
وقد اقترح «أمنخعو» على زوجه «أنكسونزم» رأيًا كانت تتسلم بمقتضاه أربعة عبيد، وهم يؤلفون جزءًا أو كل ثلثيه من عقارة المشترك مع زوجه الأولى مضافًا إلى الثمن الخاص بها. وهذا الثمن لا بد كان نصيبها في بعض عقار أسرتها هي. أما الثلثان اللذان أعطاهما إياها «أمنخعو»، فكانا حقه على ما نعلم من القسمة التي حصلت عند تقسيم أملاكه هو وزوجه الأولى. وقد علمنا من وثائق أخرى أن العقار المشترك الذي كان بين الرجل وزوجه للزوجة فيه الثلث وللزوج فيه الثلثان (راجع وثيقة نونخت في هذا الكتاب).
ولكن السؤال الهام هو: ما محتويات هذه الوثيقة؟
والجواب على ذلك هو أنه لا يمكن التكهن بذلك، وبخاصة إذا علمنا أن نصف الوثيقة قد مزق. فالصحيفة التي بقيت لنا من الوثيقة هي الثانية، وما جاء فيها يصف لنا على ما يظهر الاتفاق الذي عمل للزوجية، وهذا الاتفاق يبحث بنوع خاص عن توزيع عبيد.
ويستمر البيان الذي قدَّمه لنا «أمنخعو» في الصفحة الثالثة، وفيها يسأل الوزير سؤالين للولدين الكبيرين من أولاد «أمنخعو» من زوجه الأولى «تاثاري». وكان هذان الولدان قد حضرا بالنيابة عن أنفسهما وعن سائر إخوتهم وأخواتهم الصغار.
والسؤال الأول هو: هل كانوا يعترفون بصحة البيانات التي أدلى بها والدهما «أمنخعو»، وبخاصة أنهم قد تسلموا العبيد التسعة الذين كانوا يؤلفون جزءًا من عقار والدتهم «تاثاري» والدتهما. وقد صدَّق الولدان على ما جاء في بيان والدهم الخاص بذلك.
أما السؤال الثاني فكان خاصًّا برأيهم في الاتفاق الذي اقترح والدهما عمله بالنسبة لزوجه «أنكسونزم»، وكان جوابهما بأنهما ليس لديهما أي اعتراض على هذا الاتفاق، وصرحوا بأن العقار الذي يتصرف فيه والدهما هو ملكه.
وعلى ذلك نجد أن الورقة ليس فيها أي نزاع بين الرجل وأولاده من أي نوع كان، ولكنها في الواقع تشمل اتفاق زواج قام بعمله «أمنخعو» عند زواجه الثاني من «أنكسونزم». وقد عمل هذا الاتفاق أمام الوزير بحضور ممثلي أولاده من زوجه الأولى، وذلك لأجل أن يكون هذا الاتفاق قد أخذ صيغته القانونية بشهادة أولاد زوجه الأولى أن المتاع الذي تصرف فيه والدهم، لم يكن متاعًا مشتركًا بينه وبين والدتهم، بل إن كل ما يخصها قد انتقل إليهم.
وأربعة العبيد الذين أعطاهم «أمنخعو» زوجته الثانية قد كانوا في هذه الحالة من المتاع الذي أضافه الزوج إلى زوجه عند عقد الزواج، ولكنهم لم يصبحوا ضمن أملاكها التي لا تقسم إلا عند الوفاة أو الطلاق.
وإذا كان هذا التفسير الذي أوردناه مقبولًا، فيجب أن نلحظ هنا أن هذه الوثيقة ليست عقد الزواج الأصلي، ولكنها تسجيل إجراءات عملت أمام الوزير بمثابة تمهيد لعقد الزواج النهائي.
وليس لدينا من المعلومات — حتى الآن — ما يؤكد لنا أن مثل هذا الاتفاق كان ضروريًّا في كل الحالات، أو كان لازما في حالة زواج ثانٍ حيث كان لا بد من إثبات حقوق أولاد الرجل، التي ورثوها عن والدتهم المتوفاة قبل أن يشرع في عمل أي اتفاق ما.
وليس ظاهرا أمامنا في المتن إذا كان هذا الاتفاق قد عُمل أمام محكمة (قنبت) على رأسها الوزير أو عمل أمام الوزير وحده وحسب. ولا نعلم كذلك إذا كان الوزير عند معالجة أمثال هذه الحالة كان دائمًا يصحبه أعضاء محكمة أم لا. وتدل قائمة الشهود الذين كانت تذيل بأسمائهم الورقة على أنه من الجائز في هذه الحالة ألا يكون الاتفاق أمام محكمة بالمعنى الحقيقي، أي إنها كانت تتألف من موظفين؛ وذلك لأنه لم يكن هناك في مثل هذه الحالة ضرورة ملحة لحضور شهود؛ لأن أعضاء المحكمة أنفسهم كانوا يقومون بتأدية هذا العمل، ولكن الواقع أن هذا الموضوع لم يخرج عن كونه مجرَّد اتفاق أمام الوزير عمله «أمنخعو» تمهيدًا لعقد زواجه الثاني.
ورقة «تورين» الخاصة بالضرائب (١٩٧٥–٢٠٠٦)
وتحتوي هذه الورقة على تقرير وضعه كاتب الجبانة المشهور في ذلك العصر المسمى «تحتمس» عن جمعه للضرائب من أماكن مختلفة في الإقليم الواقع جنوبي مدينة «طيبة»، وتوريدها للمخازن الخاصة بها في «طيبة» نفسها.
وسنضع ترجمة هذه الورقة والتعليق على كل جزء منها على حسب طريقة الأستاذ «جاردنر»؛ ليسهل فهمها.
-
الصفحة الأولى: (١) السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل الفيضان، اليوم السادس عشر من عهد
جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «من ماعت رع ستبن بتاح» له الحياة
والفلاح والصحة ابن «رع» رب التيجان.
(٢) «رعمسيس خعمواست» محبوب «آمون» الإله حاكم «هليوبوليس» معطي الحياة سرمديًّا (وإلى الأبد …)
(٣) وثيقة إيصالات حنطة أرض «خاتو» ملك الفرعون من يد كهنة (معابد الوجه القبلي؟) وهي التي (٤) أمر حامل المروحة على يمين الملك، الكاتب الملكي، القائد، والمشرف على مخازن غلال (الفرعون، ابن الملك) صاحب كوش، المشرف على الأراضي الجنوبية، وقائد جنود (الفرعون) «بينحسي» بأن تورَّد.
(٦) وقد قام بذلك كاتب الجبانة العظيمة السامية لملايين السنين التابعة للفرعون «تحتمس».
(٧) وقد جلبت للجبانة من حنطة أرض «خاتو» الفرعونية، على يد كاهن الإله «سبك» المسمى «باحني».
(٨) (ملخص) تسلمها.
أما أرض «خاتو» التابعة للفرعون فقد تحدثنا عنها عند الكلام على ورقة «فلبور» (راجع «عهد رعمسيس الخامس») والظاهر أنها كانت حقولًا على حدة وكان دخلها للتاج، وهي من ضياع كانت تملكها بعض المعابد المحلية، وكان عبء محصولها يقع على عاتق عمدة الجهة، أو على كاهل كاهن معبد أو موظف آخر صاحب مكانة عالية في المجتمع. وقد عرفنا أن مدير أرض «خاتو» الفرعونية في ورقة «فلبور» كان نفس مدير بيت «آمون»، المسمى «وسر ماعت نخت». وقد ذكرنا كذلك أن أرض «خاتو» كانت أحيانًا يزرعها أشخاص عاديون بصفة ملاك وبمثابة مزارعين للمعبد أيضًا، ولكنها فيما بعد أصبحت ملك التاج ثانية، ويلاحظ هنا أن الكاهن «باحني» التابع للإله سبك سيأتي فيها بعد بوصفه «باحني» التابع لبلدة «إميوترو» (الرزيقات الحالية القريبة من «طيبة»).
-
الصفحة الثانية: (١) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل الفيضان، اليوم السادس عشر
في بلدة «إميوترو» (الرزيقات) بوساطة الكاتب «تحتمس» والبوَّابين. (٢) من يد كاهن سبك
«باحني»، والكاتب «ساحتنفر» ونائب المشرف على بيت سبك، «بونش». (٣) من حنطة أرض
«خاتو» الفرعونية (ما مقداره): حقيبة. ومن أرض اللوق الشمالية من يد (٤) الشرطي (مازوي) «عنختير»
غلة «ضريبة حصاد» ٨٠ حقيبة فيكون المجموع حقيبة (٥). وُرد في السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل
الفيضان، اليوم الواحد والعشرون على سطح حاصل الأمير «بورعا» «لطيبة الغربية»، من
الحنطة التي (٦) أحضرها كاتب الجبانة «تحتمس» من بلدة «إميوترو» (الرزيقات). وقد خزنت
في المخزن الرئيسي (المسمى) (٧) «الحاصل يفيض» (ما مقداره) حقيبة، وشعير خمس حقائب فيكون المجموع حقيبة.
(٨) ورِّد في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث، اليوم التاسع عشر من بلدة «عجني» بوساطة كاتب الجبانة «تحتمس» والبوَّابين (٩) حنطة ، حقيبة (١٠) وقد وصلت ووردت للكاتب «نسأمنمؤبي» والمغنية «آمون حنت-تاوي» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الثالث والعشرون (١١) حنطة (مقدارها) ٣٣ حقيبة؛ و عجز من حساب السماكين، و من الحقيبة لحساب السماكين (هكذا) المجموع حقيبة (وقد حذف المجموع هنا ويجب أن يكون ٣٧ حقيبة كما يثبت ذلك المجموع الذي سيأتي بعد).(١٢) تُسلم في بلدة «إميوترو» (الرزيقات) بوساطة كاتب الجبانة «تحتمس» والبوابين ووُردت بوساطة (١٣) الأجنبي «بيحال» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الثامن والعشرون؛ عشر حقائب، فيكون مجموع ما وصل منه (أي من «تحتمس») حقيبة.
(١٤) وصلت ووردت لعمدة غربي المدينة (المسمى) «بورعا» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم التاسع والعشرون من (١٥) حنطة الأجنبي «بيخال»، وهي عشر حقائب وقد أعطيت المزارع «بابكي».
ويُستنبط هنا للمرة الأولى العادة التي كانت مستعملة في تدوين أنواع الغلة في مصر منذ الأسرة الثامنة عشرة. فعندما كان يستعمل الحبر الأسود والحبر الأحمر معًا نعلم أن الحبر الأحمر كان يستعمل للحنطة، والحبر الأسود للشعير، على أنه عندما كان يضاف كلا النوعين معًا بمثابة غلة. فإن الحبر الأحمر كان يستعمل وحده.
-
الصفحة الثالثة: (١) تُسلَّم في المدينة السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم
الثاني عشر، من حنطة بيت «منتو» رب «طيبة» سيد «طيبة» ليد «تحتمس» كاتب الجبانة
والبوابين (٢) من يد «نسآمون» كاتب حسابات بيت «آمون رع» ملك الآلهة، الذي تحت إدارة
كاهن «منتو» المسمى «أمنمأنت» ستة حقائب، وتفصيلها كالآتي:
(٣) الأجنبي «بنحسي» أربع حقائب؛ البناء «قرور» حقيبتان. وأعطي البناء «إرو شارع» التابع ﻟ … حقيبة.
(٤) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع، اليوم الثالث عشر من فصل الفيضان في البيت المسمى (المحراب الذي يحمل للملك «وسر ماعت رع» محبوب «آمون»، بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين من يد.
(٥) مغنية «آمون» «مشعنقر» زوج «حرنفر» رئيس المحراب الذي يُحمل: ٣٠ حقيبة).
(٦) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الرابع عشر من يد «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين ليد مغنية «آمون» «حنت ثاوي»، وكاتب الجبانة «نسأمنؤبي» (٧) من حنطة المحراب الخفيف الحمل الخاص بالفرعون «وسر ماعت رع» محبوب «آمون»، الذي تحت إدارة رئيس المحراب الخفيف الحمل «حرنفر» ٣٠ حقيبة، وقد وردت للمخزن الرئيسي المسمى «الحاصل يفيض».
(٨) وصل في هذا اليوم من الحنطة لبيت الإله «منتو» رب «طيبة» من يد الأجنبي «وسرحات نخت» ثماني حقائب. وقبل ذلك في الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الثاني عشر ست حقائب، فيكون المجموع ١٤ حقيبة.
-
الجزء الثاني من الصفحة الثالثة: (٩) السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الثامن عشر: مغادرة
«تحتمس» كاتب الجبانة من غربي المدينة مع قارب البحار «تحوتوشي» وقارب السماك
«قادعار».
(١٠) وصل في مدينة «إسنا» في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، في اليوم العشرين بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين، ٤٠٢ حقيبة من حنطة (١١) ببيت «خنوم» و«نبو» من يد النائب المشرف «بورعا» وكاتب المعبد «بينحسي» في مخزن «خنوم» و«نبو» في «إسنا» ٣٣٧ حقيبة. وتفاصيل ذلك: (١٢) وصل في هذا اليوم من يد النائب المشرف «بورعا»: المزارع «ساحتنفر» من ضريبة حصاده ١٢٠ حقيبة.
(١٣) ومرة أخرى من يده ومن يد المزارع «بوتهأمون» والمزارع «نخت آمون» ٨٠ حقيبة؛ وكرة أخرى من أيديهم حقيبة. وكرة أخرى من أيديهم حقيبة؛ المجموع ٢٢٠ حقيبة. وشحنت في قارب البحار (١٤) «تحوتوشبي».(١٥) تُسلم من أيديهم في هذا اليوم بوساطة الكاتب «تحتمس». شحن في قارب السماك «قادعار»: حقيبة (و) حقيبة؛ المجموع حقيبة.(١٦) المجموع حقيبة. وقد أُعطي بمثابة مصاريف لها حقائب.٦٤ ووضع لحساب الفرعون ٣٣٧ حقيبة. فيكون الباقي على حساب كاتب المعبد «بينحسي» ٦٥ حقيبة؛ والمجموع ٤٠٢ حقيبة. -
الصفحة الرابعة: (١) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، في اليوم الرابع
والعشرين بوساطة عمدة المدينة الغربية «بورعا»، من الحنطة التي أحضرها «تحتمس» كاتب
الجبانة والبوابان.
(٢) في قارب البحار «تحوتوشبي» وقارب السماك «قادعار» من بلدة «إسنا»: ٣٣٧ حقيبة. تفصيل ذلك: وصلت ووردت للعمدة (٣) من حنطة السماك «قادعار» حقيبة. وأُعطي بمثابة جرايات السماك «إتنفر» حقيبة واحدة. المجموع حقيبة. العجز حقيبتان. تفاصيل العجز: البواب «خنموسى» حقيبة وربع (٤) «نسأمنؤبي» و حقيبة، «قادعار» حقيبة.(٥) وصلت ووردت لعمدة غربي المدينة من قمح رئيس القارب «تحوتوشبي» حقيبة. أعطي بمثابة مصاريف رئيس القارب ٢٠ حقيبة. فيكون المجموع ٢٢٥ حقيبة.
-
بقية الصفحة الرابعة: (٦) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الخامس من يد
«نسأمنؤبي» كاتب الحسابات بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبواب «تحتمس» التابع للقصر
(مدينة هابو): حنطة حقيبة، وشعيرًا حقيبة، تفاصيل ذلك:
(٧) رئيس المخزن «تحوتمحب» ٧ حقائب؛ كاوي الماشية «بخال» حقيبة؛ المجموع حقيبة؛ والراعي «مرعا» حقيبة، المزارع «خنموسى» حقيبة؛ المجموع حقيبة؛ المجموع: حنطة حقيبة.(٨) وصلت ووردت لمغنية «آمون حنت تاوي» في هذا اليوم في بيت الوزن (؟) التابع لبيت «مايو» (؟) بوساطة الكاتب «تحتمس» حقيبة.(٩) تسلم في هذا اليوم من بلدة «نبيمو» من يد الراعي «بينحسي» التابع للقصر (معبد مدينة هابو) ٤ حقائب، ومن رئيس الشرطة «نسآمون» حقيبة واحدة، (١٠) ومن السماك «خاروي» حقيبة؛ والسماك «بانخت محت» حقيبة.(١١) تسلم من بلدة «أميوترو» (الرزيقات) من يد كاتب الحسابات «نسآمون» من حرث الأجنبي «إيوني» ١٢ حقيبة؛ ومن الأجنبي «بيخال» حقيبة. المجموع حنطة حقيبة.
-
الصفحة الخامسة: (١) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الأول من فصل الصيف، اليوم التاسع ١٢
حقيبة من الحنطة أحضرت من بلدة «أميوترو» من حرث الأجنبي «إيوني».
(٢) يضاف إلى ذلك حقيبة من الأجنبي «بيخال» المجموع من الحنطة حقيبة. والراعي «بينحسي» بن «باكمأمن» من بلدة «نيمو» ٤ حقائب.
(٣) ورئيس الشرطة «نسآمون» حقيبة واحدة، المجموع خمس حقائب سلمت في هذا اليوم لمغنية «آمون» «حنت تاوي» على قمة الشونة.
(٤) وخزنت في المخزن الأول المسمى «الحاصل يفيض» ١٢ حقيبة و حقائب. وأدخلت في حجرة الخزن التي على قمة «الأرض الطاهرة» من القمح حقيبة.
وقد جاء في المتن بعض أسماء جهات لا تبعد عن «طيبة»، ولكنا لا نعلم مواقعها بالضبط لجهلنا بجغرافية مصر القديمة في هذه الفترة.
-
بقية الصفحة الخامسة: (٥) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الثالث عشر
من يد البوابين من حنطة مخزن الفرعون وهي التي من حساب كاتب حسابات بيت «آمون».
«نسآمون» ٤ حقائب و٢٠ حقيبة.
(٦) والمجموع الذي ورَّده من ٧٢ حقيبة حنطة فيكون العجز حقيبة.(٧) تسلم في السنة الثانية عشرة الشهر الرابع من فصل الشتاء اليوم الثالث عشر من يد الكاتب «سحتنفر» من حنطة الأجنبي «أري» ٢٠ حقيبة، وتفاصليها: العجز في حبوب بيت «سبك» سيد «أميوترو» حقيبة حب مخزن الفرعون الذي من حساب «نسآمون» كاتب الحسابات التابع لبيت «آمون» ملك الآلهة ٨ حقائب.(٩) ما دفعه كاهن الإله «سبك» زيادة حقيبة. المجموع ٣٠ حقيبة.
(١٠) تسلم في هذا اليوم … (ثم فضاء) من يد كاتب حسابات بيت «آمون» المسمى «نسآمون» من حنطة مخزن الفرعون من يد …
(١١) تسلم من يد كاتب الحسابات لبيت «آمون» المسمى «نسآمون» وأعطى كاهن «موت» ٣ حقائب … المجموع (؟) …
- ظهر الورقة: أما ظهر الورقة فيظهر أن كاتبه كذلك هو «تحتمس»، الذي كتب وجهها ولكن بخط أكبر، وهو يعدِّد لنا توريد دفعات من الحنطة كالسابقة في السنة الرابعة عشرة، أي بعد مضي سنة واحدة عن المتن السابق، وليس فيه من جديد.
(٥) آثار أخرى
- (١) منف: عمد مغتصبة كتب عليها اسمه (راجع plyete. Pap. turin, 86).
- (٢) السرابيوم: وينسب إلى عهد هذا الفرعون مدافن خمسة عجول «أبيس» وهي: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع؛ وقد وجد مع الخامس تماثيل صغيرة. (راجع mariette. Serapeum p1.22 (9–11)) ومما يؤسف له أن معالجة موضوع السرابيوم لا تزال تحتاج إلى عناية (راجع mariette. Serapeum, texte pp. 149–52).
العرابة المدفونة
وعُثر في العرابة المدفونة على لوحة سجل عليها القربات، التي قدَّمتها «تامر بناس» للإله «أوزير» إله الولادة لابنها «نترخع».
وفي كوم السلطان بالعرابة المدفونة
الكرنك «معبد خنسو»
على الرغم من أن «حريحور» كان يلعب الدور الهام في حكومة البلاد في عهد «رعمسيس الحادي عشر»، فإن النقوش الرسمية كانت باسم الأخير، كما يلاحظ ذلك في الإهداءات التي على خارجات قاعة العمد في معبد «خنسو»، وكان «رعمسيس الحادي عشر» يتمتع بكل السلطة، على حين نرى من جهة أخرى أن النقوش التي على قواعد العمد في القاعة الصغرى لا تحتوي إلا على إشارة ضئيلة صغيرة للفرعون نفسه، وسنتحدث عن هذه المناظر فيما بعد.
والإهداءات التي نقشت على خارجة العقد هي: يعيش حور (الألقاب) «رعمسيس الحادي عشر»، لقد صنعه بمثابة أثر لوالده «خنسو» في طيبة — الراحة الجميلة التي عملها «رعمسيس الحادي عشر» له.
الكرنك
وفي معبد الملك «أمنحتب الثالث» نقش «رعمسيس الحادي عشر» لوحة على الجدار الخارجي من الجهة الشرقية، وهذه اللوحة مقسمة قسمين مُثِّل فيها هذا الفرعون في كل منهما يتعبد للإلهة «ماعت» ابنة «رع» زوج «آمون» القاطنة في «طيبة»، وهي التي تهبه أعيادًا ثلاثينية كثيرة مثل «رع»، وعلى اليمين كتب: الحياة والصحة كلها والعافية كلها.
مومية الفرعون «رعمسيس الحادي عشر»٦٨
ويظن «مسبرو» أن مومية هذا الفرعون كانت قد وضعت في أحد توابيت الأميرة «نسخنسو» كبيرة مغنيات الإله «آمون»، وقد كان يظن في بادئ الأمر أن هذا التابوت لهذه المغنية أو لأحد أقاربها المسمى بهذا الاسم، ولكن عندما فُحصت محتويات التابوت وجد أنه يحتوي على عظام إنسان ملفوف في كتان جميل الصنع، ويلبس على رأسه إكليل أزهار، وعلى صدره نقش يظن أنه مختصر اسم «رعمسيس الحادي عشر»، وهذه المومية وجدت بطبيعة الحال بين الموميات التي أودعت خبيئة الدير البحري.
قبر «رعمسيس الحادي عشر»٦٩
حفر قبر هذا الفرعون إلى مسافة بعيدة في جوف الصخر، غير أنه لم يتم على وجه التأكيد؛ فقد وجد أن عمود القاعة التي تؤدي إلى حجرة الدفن لم يتم بعد، وكذلك حجرة الدفن لم يتم حفرها من ثلاث جهات، وقد حفر فيها حفرة ليوضع فيها التابوت، ولم يزين من القبر بالنقوش إلا المدخل، وقد عملت الزينة على طبقة من الملاط على الصخر. فيشاهد الملك في منظر واقفًا على اليمين وفي يده الصولجان، ثم يظهر على كلا جانبي الباب في محراب، وعلى يمينه إله له أربعة رءوس كباش، وخلفه إلهة الغرب. ومما يلفت النظر في أمر هذا القبر أن صاحبه قد حكم البلاد حوالي سبع وعشرين سنة، ومع ذلك لم يكن في مقدوره أن يزين جدرانه بالنقوش، ولا سيما أن كل ملك كان أوَّل همه الاعتناء بمقر قبره وتشييده، وقد يكون السبب في هذه الظاهرة الغريبة هو فقر البلاط، واختلال الأمن في منطقة «طيبة»، وبُعد الفراعنة عن مكان دفنهم.