هل كان من الممكن إنقاذ تيتانيك؟
في ليلة ١٨ أبريل عام ١٩١٢، دخلت السفينة الصغيرة كارباثيا العابرة للمحيطات، بقيادة القبطان آرثر روسترون، ميناء نيويورك. وكان في استقبالها قارب سحب السفن الخاص بعمدة المدينة وأسطول من القوارب الأخرى، وكانت جميعًا تطلق أجراسها وصافراتها وأجهزة الإنذار. وكان أكثر من أربعين ألف شخص ينتظرون على الرصيف، من ضمنهم لفيف من المراسلين الصحفيين الذين سرعان ما أحاطوا بالركاب وهم يهبطون من على سلم السفينة.
كان هؤلاء الركاب هم الناجين من السفينة تيتانيك؛ السفينة غير القابلة للغرق التي غرقت قبل بضعة أيام بشكل لا يُصدَّق.
سمعت السفينة كارباثيا استغاثة تيتانيك أول مرة بعد منتصف ليلة ١٤ أبريل. وفي الحال، قام روسترون بتغيير المسار لإنقاذ السفينة العملاقة. وعلى الرغم من أنه اضطُر لشقِّ طريقه عبر نفس الكتلة الثلجية التي حطَّمت السفينة تيتانيك، فقد رفع سرعة كارباثيا إلى سبع عشرة عقدة، وهي سرعة تفوق أية سرعة أبحرت بها سفينته من قبل.
بعد أربع ساعات، بلغت كارباثيا موقع آخر إشارة أرسلتها تيتانيك عن موقعها؛ وصلت متأخرة قرابة ساعة ونصف؛ فقد كانت تيتانيك قد غرقت ولا يزال على متنها ١٥٠٢ شخص، ما بين ركابٍ وأفراد الطاقم. وأمضى روسترون الساعات الأربع التالية في البحث عن ناجين. وبحلول الساعة الثامنة صباحًا، كان قد التقط اﻟ ٧٠٥ ركابٍ الذين قفزوا في قوارب النجاة التابعة لتيتانيك.
وعند تلك المرحلة، وصلت سفينة القبطان ستانلي لورد، كاليفورنيان، إلى موقع الأحداث. وفي غمرة لهفة روسترون المبررة لنقل الناجين إلى نيويورك، ترك للورد مهمة إجراء بحثٍ أخير عن ناجين وانطلق. ولم يجد لورد ناجين آخرين، وعاد إلى مساره الأصلي. وبعد تسع ساعات من رُسُوِّ كارباثيا في نيويورك، دخلت كاليفورنيان بوسطن في هدوء.
لم يكن لورد ليتحاشى الأضواء لفترة طويلة؛ فلم يكد يمر بضعة أيام حتى تحوَّل انتباه العالم من كارباثيا إلى كاليفورنيان. فأفاد عدد من صحف بوسطن، بعد الحديث إلى أفراد طاقم كاليفورنيان، بأن السفينة كانت أقرب كثيرًا إلى تيتانيك الغارقة من كارباثيا؛ والواقع أنه في قرابة الساعة الحادية عشرة في ليلة ١٤ أبريل، كان لورد وطاقمه قد رأوا السفينة بالفعل على بعد بضعة أميال فقط إلى الجنوب الشرقي. وبعد فترة قصيرة، رصد بعضٌ ممن كانوا على متن تيتانيك سفينة في اتجاه الشمال الغربي.
بعدها، وبعد منتصف الليل بقليل (وأيضًا بعد اصطدام تيتانيك بالجبل الجليدي المميت بقليل)، رأى ضباط السفينة كاليفورنيان ما بدا وكأنه صاروخ انطلق فوق السفينة الأخرى. وعلى مدار الساعتين التاليتين، وبينما كانت تيتانيك تطلق إشارات استغاثتها، شاهد ضباط كاليفورنيان وأفراد طاقمها سبعة صواريخ أخرى تنطلق في السماء.
غير أن لورد لم يحرِّك ساكنًا. كانت كاليفورنيان ستسجل في التاريخ — بحسب ما قال المؤرخ ليسلي ريد — بوصفها «السفينة التي وقفت بلا حراك.» ولم يقم لورد بضبط المسار في اتجاه الموقع النهائي لتيتانيك إلا بعد الساعة الخامسة صباحًا.
ومنذ ذلك الحين راح المؤرخون يتساءلون: هل كان بإمكان كاليفورنيان إنقاذ من كانوا على متن تيتانيك؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم يفعل لورد شيئًا؟
•••
من ضمن من كانوا في استقبال السفينة كارباثيا في نيويورك السيناتور ويليام ألدن سميث — من ميشيجان — الذي لم يُضِع وقتًا في تشكيل لجنة فرعية للتحقيق في الكارثة. ففي يوم ١٩ أبريل؛ أي بعد يوم من رُسُوِّ كارباثيا، كان سميث بالفعل يُجرِي مقابلات مع الناجين في والدورف أستوريا. وما إن كشفت التقارير في بوسطن أن السفينة كاليفورنيان قد رأت إشارات استغاثة السفينة الغارقة، قام سميث باستدعاء لورد وطاقمه إلى المحكمة.
كانت السفينة كاليفورنيان، بحسب شهادة قبطانها وأفراد طاقمها، في طريقها من لندن إلى بوسطن حين وجدت نفسها، في ليلة ١٤ أبريل، في نفس الجزء المحمَّل بالجليد من شمال الأطلسي مثل تيتانيك. وعلى عكس قبطان تيتانيك، إدوارد سميث، الذي قاد سفينته إلى الهلاك بزيادة سرعته رغم وجود الجليد، كان قبطان كاليفورنيان رجلًا في غاية الحرص والحذر، فأمر بإيقاف السفينة ليلًا.
في قرابة الساعة الحادية عشرة مساء، قام عامل اللاسلكي بالسفينة كاليفورنيان، سيريل إيفنز، بإرسال رسالة غير رسمية إلى تيتانيك، التي كان يعلم أنها في مكانٍ ما في المنطقة: «نحن محاطون بالجليد وتوقفنا.»
انزعج عامل اللاسلكي على متن تيتانيك، جاك فيليبس، من المقاطعة. فقد كان مشغولًا طوال اليوم بإرسال رسائل لركاب السفينة الأثرياء، ولم يكن لديه وقت للثرثرة. فرد قائلًا: «اصمت! اصمت! أنت تشوش عليَّ!»
فما كان من إيفنز، الذي كان مستيقظًا طوال اليوم وربما يكون قد أُحبِط قليلًا من الردِّ الجاف الذي تلقَّاه، سوى أن أغلق جهازه وذهب للنوم. ولما لم يكن على متن كاليفورنيان سوى عامل لاسلكي واحد فقط، كانت السفينة في هذا الوقت خارج نطاق الاتصال. وحين بدأت تيتانيك في إرسال نداء استغاثتها، في قرابة الثانية عشرة والربع صباحًا، لم يكن هناك أحد مستيقظ يستطيع سماعها على متن كاليفورنيان.
ولكن ماذا عن الصواريخ؟ لماذا لم تستجب كاليفورنيان لإشارات استغاثة تيتانيك؟
شهد لورد بأنه لم يرَ سوى صاروخ واحد ينطلق، ثم ذهب هو نفسه للنوم. وحين أبلغه ضبَّاطه فيما بعد بأنهم قد شاهدوا صواريخ أخرى، كان شبه نائم؛ ومن ثَمَّ لم يدرك أنها قد تكون إشارات استغاثة. ولمَّا لم يشدد الضباط على الأمر، عاد للنوم.
أخبر لورد السيناتورات أنه، إلى جانب ذلك، كان لا يزال غير واثق من أنها إشارات استغاثة. فقد كانت السفن تستخدم أنواعًا شتَّى من الإشارات المضيئة بشكل روتيني لتحية السفن المارة. وعادة كانت إشارات الاستغاثة أكبر وأكثر ضوضاء، ولم يسمع أحد على متن كاليفورنيان أيَّ شيء أثناء الليل. ولم يكن لورد لديه أية فكرة لِمَ كانت إحدى السفن ترسل صواريخ في تلك الليلة، ولكنه لم يكن لديه مبرر، على الأقل حينها، للاعتقاد بأن السفينة في مأزق.
وأردف لورد أنه في الواقع كان واثقًا من أن السفينة التي رآها هو وضباطه «لم» تكن تيتانيك. لقد كانوا على علم بوجودها في المنطقة بالطبع، لمَّا كان إيفنز على اتصال بها عبر الراديو. ولكن السفينة التي رصدها لورد كانت صغيرة للغاية، ورأى ضباطه الدخان ينطلق منها — بطريقة ملائمة للغاية — في قرابة الثانية صباحًا؛ ولذلك لم يخطر على بال أحد في كاليفورنيان أن يوقظ إيفنز ليتحقق من وجود نداء استغاثة. ولم يُقْدم ضباط لورد على إيقاظ إيفنز إلَّا في قرابة الساعة الرابعة صباحًا، ربما لاستشعارهم شيئًا من القلق وعدم الارتياح بشأن الصواريخ، ليعرف من السفن الأخرى بعد ذلك أن تيتانيك قد اصطدمت بجبل جليدي. وبمجرد إخطار لورد، أمر على الفور بأن تتحرك كاليفورنيان.
لم يُرْضِ تفسير لورد السيناتور سميث، الذي طلب من البحرية الأمريكية التحقق من وجود سفينة أخرى هناك بالقرب من كاليفورنيان وتيتانيك في تلك الليلة، وقالت البحرية إنها لم يكن لديها علم بوجود أيِّ سفن أخرى. وقام سميث بمراجعة سجل الرحلة الخاص بكاليفورنيان في تلك الليلة، ولم يجد إشارة لمشاهدة أي صواريخ، على الرغم من شهادة لورد وضباطه. ومما أثار مزيدًا من الشكوك أن مُدخَل يوم ١٥ أبريل في المُسَوَّدة المبدئية لسجل الرحلة — التي تُنقَّح بعد ذلك في سجل رسمي — قد فُقِد. وبدا لسميث أن لورد قد حاول التستر على تقاعس كاليفورنيان غير المبرر عن اتخاذ أيِّ إجراء، في ظل توقعه بأن تحقيقًا سوف يُجرى بشأن ما اتخذته السفينة من إجراءات.
وخلص سميث إلى أن السفينة الغامضة التي وصفها لورد وضباطه لم يكن لها وجود على الإطلاق، مصرِّحًا أن «الجليد لم يعق حركة سوى سفينتين؛ تيتانيك وكاليفورنيان.»
وأدان تقرير اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ لورد بشكل قاسٍ؛ إذ جاء فيه: «إن اللجنة قد توصَّلت مُجبَرة إلى الاستنتاج الحتمي بأن كاليفورنيان … كانت أقرب إلى تيتانيك من التسعة عشر ميلًا التي أقر بها قبطانها، وأن ضباطها وطاقمها قد رأوا إشارات الاستغاثة التي أطلقتها تيتانيك، وتقاعسوا عن الاستجابة لها وفقًا لما تمليه الإنسانية، والعرف الدولي، والقواعد القانونية.»
وأتبع ذلك جلسة استماع أمام المجلس البريطاني للتجارة في وقت لاحق من الشهر، وأدانه المجلس بنفس القدر. فقد خلص لورد تشارلز ميرسي إلى أنه: «حين رأت كاليفورنيان الصواريخ لأول مرة، كان من الممكن أن تسرع عبر الجليد إلى المياه المكشوفة دون أي مجازفة خطيرة؛ ومن ثَمَّ تهرع لنجدة تيتانيك. ولو أنهم فعلوا ذلك، لربما أنقذوا العديد من الأرواح التي فُقدَت، إن لم يكن جميعها.»
•••
لم يتلقَّ لورد كلَّ ذلك وهو مكتوف الأيدي، كما وجد الكثيرَ من المناصرين. فقد كان الكثير من البحارة، على وجه الخصوص، مقتنعين بأن المؤسسة الملاحية قد قررت أن تجعل من لورد كبش فداء، على أمل صرف الأنظار عن الإهمال الجسيم من جانب وايت ستار لاين، الشركة المالكة لتيتانيك، والمجلس البريطاني للتجارة الذي كان مسئولًا عن سلامة السفن في البحار.
وما من شك في أن كلتا المؤسستين كان لديهما الكثير لتجيبا عنه.
بادئ ذي بدء، كانت هناك حقيقة أن القبطان سميث قد أمر بأن تظل تيتانيك على سرعتها التي تُقدَّر باثنتين وعشرين عقدة، وهي أكبر سرعة سارت بها على الإطلاق، على الرغم من تلقي ثماني رسائل من سفن أخرى (من بينها كاليفورنيان) عن الجليد الموجود بالقرب منها. وربما بدا من غير اللائق نوعًا ما أن يتعرض سميث — الذي لم يغادر سفينته وغرق بها بشجاعة برغم كل شيء — للنقد، ولكن بدا لكثيرين أن القبطان لورد يتحمل الكثير من اللوم على خطأ القبطان سميث.
كان الأسوأ هو ذلك الشك الذي ظلَّ عالقًا ومفاده أن سرعة سميث المتهورة كانت نتاج ضغط، إن لم تكن بسبب أمر مباشر، من بروس إزماي، المدير الإداري لشركة وايت ستار لاين وأحد الركاب الذين كانوا على متن تيتانيك. ولم يكن المدافعون عن لورد هم فقط من تساءلوا إن كان إزماي — على إثر لهفته لإثبات أن تيتانيك لم تكن فقط أكبر وأفخم سفينة، بل الأسرع أيضًا — قد ألحَّ على سميث لزيادة سرعته، بل كانت هناك أيضًا تقارير تفيد بأن إزماي قد سكت عن أحد التحذيرات بشأن الجليد، حتى لا يبطِّئ سميث من سرعته.
كانت نجاة إزماي من حادث تحطم السفينة في حدِّ ذاتها مدعاة للحرج؛ إذ كان ذلك في عصر لا يزال يأخذ فكرة «الأطفال والنساء أولًا» بجدية شديدة. ولما كان أكثر من ١٥٠ سيدة وطفلًا قد لقوا حتفهم على متن تيتانيك (إلى جانب أكثر من ١٣٠٠ رجل)، فقد شعر كثيرون أن إزماي، شأنه شأن سميث، كان لا بد أن يغرق مع السفينة، أو على الأقل لم يكن ينبغي أن يقفز على أيٍّ من قوارب النجاة حتى يتأكد من عدم وجود أي سيدات أو أطفال آخرين على متن تيتانيك. ولكن إزماي على الأقل كانت لديه فرصة لإنكار الاتهامات التي وُجهَت إليه بالتأثير بأيِّ شكل على قرارات سميث، ولم يجده مجلس الشيوخ ولا جلسة الاستماع المنعقدة بالمجلس البريطاني للتجارة مدانًا بأي شيء سوى كونه واحدًا من الناجين المحظوظين.
وإذا كانت الشركة قد أفلتت بسهولة، من وجهة نظر مناصري لورد، فقد كان مجلس التجارة أوفر حظًّا. كان مجلس التجارة قد حدَّد عدد قوارب النجاة اللازمة لأية سفينةٍ بمعادلة قائمة على وزن السفينة؛ ومالكو تيتانيك تجاوزوا شروط المجلس بوضع ١٤ قارب نجاة عاديًّا و٤ قوارب قابلة للطيِّ على متن السفينة. وكان بإمكان هذه القوارب الثمانية عشر أن تسع ١١٧٨ شخصًا إجمالًا. غير أن تيتانيك نفسها كان بإمكانها حمل أكثر من ٣٥٠٠ شخص، وكان هناك أكثر من ٢١٠٠ شخص على متنها في باكورة رحلاتها.
وأيًّا ما كان الشيء أو الشخص الذي يتحمل المسئولية آنذاك، فقد كان واضحًا أن لوائح المجلس التي عفَّى عليها الزمن بشكل صارخ، كانت مسئولة أيضًا. علاوةً على ذلك، كان تفويض الوكالة بالتحقيق يهدف إلى زيادة مصالح الملاحة البريطانية، وكانت وايت ستار لاين ضمن أقوى أعضائها؛ لذا لم يكن من المُستغرَب أن يستشيط أنصار لورد غضبًا من أن هذه الوكالة هي المفوضة بالحكم على قبطان كاليفورنيان.
ولكن إنصافًا لكلٍّ من مجلس التجارة ولجنة السيناتور سميث الفرعية، لم تكن جلستا الاستماع البريطانية أو الأمريكية هي التمويه الذي ادَّعاه أنصار لورد. فكلتا الجلستين قامت بفحص أخطاء سميث، ووايت ستار لاين، واللوائح. وعلى الرغم من أن هذه الأخطاء لم يُسلَّط عليها الضوء بالجرأة البالغة التي سُلِّط بها الضوء على أخطاء القبطان لورد، فلم يتمَّ التستر على أيٍّ منها، بل إن كلتا الحكومتين الأمريكية والبريطانية قد سارعت إلى تمرير تشريعٍ جديد يُلزِم السفن بحمل ما يكفي من قوارب النجاة لتسع كلَّ الركاب وأفراد الطاقم. كذلك كان لمأساة تيتانيك — بالأخص صورة سيريل إيفنز وهو نائم في سرير المبيت الخاص به في حين كانت تيتانيك تغرق على مقربة منه — دورها في إقناع كلتا الحكومتين أيضًا بالمطالبة بتوفير مراقبة للراديو على مدى الأربع والعشرين ساعة.
كانت هذه التغييرات جيدة بلا شك للسلامة الملاحية، ولكنها لم تفعل شيئًا لستانلي لورد. وبعد فصله من قبل مالكي كاليفورنيان، ظلَّ يدَّعي أن السفينة التي شُوهدَت من كاليفورنيان لم تكن تيتانيك، وأن السفينة التي شُوهدَت من تيتانيك لم تكن كاليفورنيان.
•••
تُوفِّي لورد في عام ١٩٦٢، وهو نفس العام الذي تمكن فيه أوفى المدافعين عنه، ليسلي هاريسون، من تحديد ما كان يعتقد أنها السفينة الغامضة التي شُوهدَت من كلٍّ من تيتانيك وكاليفورنيان في تلك الليلة.
كان هاريسون السكرتير العام لجمعية خدمات البحرية التجارية، التي كانت تمثِّل قباطنة السفن وتناصر قضية لورد. وكانت السفينة الغامضة، بحسب هاريسون، هي زورق صيد أيسلندي يُدعَى سامسون. وكدليل على صحة كلامه، قدَّم هاريسون ما زعم أنه جريدة قديمة اعترف فيها أحد أفراد طاقم سامسون بأن سامسون كانت بين تيتانيك وكاليفورنيان. وقد خشيت سامسون، التي كانت تصطاد الفُقْمات بما يخالف القانون، أن تضبطها تيتانيك أو كاليفورنيان بما عليها من بضائع؛ لذا أسرعت بعيدًا عن كلتيهما بأسرع ما يمكن.
غير أن حجة هاريسون ضَعُفت حين رصد محققون آخرون وجود سامسون في أيسلندا في يومي ٦ أبريل و٢٠ أبريل. وكان من المستحيل لقارب صغير بهذا الشكل أن يقوم برحلة لمسافة ثلاثة آلاف ميل عبر الأطلسي ويعود في أربعة عشر يومًا فقط.
ظن أنصار لورد أنهم قد استراحوا أخيرًا في عام ١٩٨٥، حين تحدَّد مكان حطام تيتانيك بفضل جهود أمريكية وفرنسية مشتركة بقيادة عالم المحيطات روبرت بالارد؛ إذ تبيَّن أن السفينة كانت أبعد تجاه الشرق مما أوضحت إحداثيات آخر نداء استغاثة أصدرته؛ ما وضع تيتانيك على بعد قرابة واحد وعشرين ميلًا من موقع كاليفورنيان المحدد بسجل الرحلة في تلك الليلة؛ وهو ما يعد أبعد من أن يراه لورد أو ضبَّاطه. ولكن إذا كانت تيتانيك قد انجرفت شرق المكان الذي ظنَّ ضباطها أنها متواجدة به، حسبما أشار بالارد، فعلى الأرجح أن يكون قد حدث الشيء نفسه لكاليفورنيان؛ ما يجعل كلتيهما مرة أخرى على مرأًى إحداهما من الأخرى.
وقد حثَّ اكتشاف تيتانيك، إلى جانب ضغط هاريسون بإصرار، وزارة النقل البريطانية في النهاية على إعادة فتح القضية. وحمَل تقرير الوزارة، الصادر في عام ١٩٩٢، تبرئةً جزئية للورد. فقد خلَص إلى أن كاليفورنيان كانت على الأرجح على بعد سبعة عشر إلى عشرين ميلًا من تيتانيك، فيما يُعتبَر مسافة بعيدة للغاية يتعذر معها رؤية السفينة الغارقة وقد يتعذر معها أيضًا الوصول إليها في الوقت المناسب، حتى لو كان لورد قد بدأ الانطلاق في الحال بعد رصد أول صاروخ.
لقد استغرق الأمر من لورد أكثر من ساعتين للوصول إلى كارباثيا في صباح يوم ١٥ أبريل، وهناك سبب منطقي للاعتقاد بأن الأمر كان سيستغرق مدة أطول للتحرك عبر الجليد في الظلام. وبعد ساعتين من انطلاق أول صاروخ، كانت تيتانيك قد غرقت بالفعل؛ ومن ثَمَّ لم يكن بإمكان لورد إنقاذ أي شخص على متن السفينة، حسبما ذكر التقرير.
غير أن التقرير أوضح أيضًا أن تقاعس لورد لم يكن له مبرر. فحتى لو لم يكن بإمكانه إنقاذ تيتانيك، فلا شك أنه كان عليه المحاولة. وحتى لو لم يكن قد رأى تيتانيك، فقد رأى أحد الصواريخ، ورأى ضبَّاطه سبعة أخرى. ولا يمكن لبحَّار مُحنَّك أن يخطئ في إدراك هذه الصواريخ بأنها أي شيء آخر سوى إشارات استغاثة، غير أن لورد وضباطه لم يكلفوا أنفسهم عناء إيقاظ عامل اللاسلكي لمعرفة ما الخطب.
وقد اتفق أحدث مؤرخي تيتانيك مع تقرير ١٩٩٢. فأغلب الظن أن الصواريخ التي شُوهدَت من على متن كاليفورنيان كانت آتية من تيتانيك؛ فلا دليل على وجود أية سفينة أخرى غيرها في الجوار. وحتى لو لم تكن آتية من تيتانيك، فقد جاءت من سفينة في حاجة لمساعدة؛ ولم يكن من لورد سوى أن خلد لفراشه. كانت هناك أسباب متعددة لبقاء لورد في الفراش. ربما كان جبانًا. أو ربما كان في غاية الحزم والصرامة لدرجة أن ضباطه كانوا يخشون إزعاجه حينما رأوا مزيدًا من الصواريخ. أو ربما لم يرَ أنَّ عليه أن يعرِّض سفينته للخطر لمجرد أن شخصًا آخر كان أكثر تهورًا منه فيما يتعلق بالإسراع عبر الجليد.
وأيًّا ما كان مبرر لورد، فإنه لم يكن مقنعًا بما يكفي.
لمزيد من البحث
-
Tom Kuntz, ed., The Titanic Disaster Hearings (New York: Pocket Books, 1998). Transcripts of the 1912 Senate hearings.
-
Walter Lord, A Night to Remember (New York: Holt, Rinehart, & Winston, 1955). A real page-turner about the disaster by a popular historian who was no relation and in fact one of the harshest critics of Captain Lord.
-
Leslie Harrison, A Titanic Myth (London: William Kimber, 1986). The case for Captain Lord.
-
Walter Lord, The Night Lives On (New York: William Morrow, 1986). Lord revisits the Sinking, in the light of new evidence and theories that emerged after A Night to Remember.
-
Robert Ballard, The Discovery of the Titanic (New York: Warner Books, 1987). A firsthand account of the twelve-year search for the sunken liner, with stunning and eerie photos by the divers.
-
Michael Davie, Titanic: The Death and Life of a Legend (New York: Alfred A. Knopf, 1987). A journalist’s thorough investigation into the many things that went wrong, from the shortage of lifeboats to the lack of binoculars for the lookouts.
-
Don Lynch, Titanic (New York: Hyperion, 1992). Illustrated with haunting paintings by Ken Marshall as well as hundreds of photographs that evoke the ship’s Edwardian splendor.
-
Leslie Reade, The Ship That Stood Still (New York: W. W. Norton, 1993). The case against Captain Lord.
-
Robin Gardiner and Dan van der Vat, The Riddle of the Titanic (London: Weidenfeld & Nicolson, 1995). The central mystery of the Titanic saga, according to Gardiner and van der Vat, is why Captain Smith, who knew there was ice ahead, continued at high speed. The book pursues a conspiracy theory that the White Star Line hoped to sink the ship (which was actually not the Titanic but her sister and near twin, the Olympic) as part of an insurance scam. After tantalizing readers with the evidence supporting the theory, Gardiner and van der Vat ultimately (and reasonably) reject it as highly improbable.
-
Daniel Butler, “Unsinkable” (Mechanicsburg, Pa.: Stackpole Books, 1998). A straightforward retelling of the Titanic’s story that strips away many myths, not just about,the Californian but also about how and why the ship sank, and how various individuals and classes behaved that night.