الحلَّاج بين أنصاره وخصومه
يقول الإمام الشعراني: «إن الله سبحانه قد ابتلى هذه الطائفة — الصوفية — بالخلق كما ابتلى الأنبياء من قبل بعداوة الناس وخصومتهم.»
ولقد اختص الحلَّاج وحده في الأفق الصوفي بأكبر قسطٍ من هذا الابتلاء، أو هذا الافتراء.
فلم تختصم الأقلام حول رجلٍ في الحياة الروحية كما اختصمت صاخبةً مدويةً حول الحلَّاج وسيرته وعقيدته!
حتى ليقول اليافعي: «الحلَّاج ثالث ثلاثةٍ، أحبهم قومٌ فكفروا بحبهم، وأبغضهم قومٌ فكفروا ببغضهم، والاثنان الآخران، عيسى ابن مريم، وعلي بن أبي طالب.»
وروى العارف زروق عن شيخه النوري، أنه سُئل عنه فقال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، ومن لم يذق ما ذاقه القوم، ويجاهد مجاهداتهم، لا يسعه إلا الإنكار عليهم.»
وجاء في مطلع كتاب — مفاتيح الغيوب وتعمير القلوب: «اعلم أن الحلَّاج عند محققي العلماء، مجمعٌ على ولايته، ومعرفته بربه عزَّ وجلَّ، ما يُنسب إليه من غير هذا كذبٌ وبهتانٌ عليه، فيجب اعتقاد ولايته وصدقه، وأنه ركنٌ من أركان طريق الحق سبحانه، وإمامٌ من أئمة المسلمين، ولكنه كان له أعداء أغراهم إبليس به، فآذوه وافتروا عليه، ولا تلتفت إلى هذه المخالفات المزورة عليه، وقد وصفه بالولاية، والجمع بين العلم والعمل غير واحدٍ من أكابر الأئمة.»
وعن عيسى القزويني قال: «سألت ابن خفيف ما تعتقد في الحلَّاج؟ قال: أعتقد بولايته، قلت: قد كفَّره المشايخ، قال: إن كان الذي رأيت في الحبس لم يكن توحيدًا، فليس في الدنيا توحيد.»
ويقول العلامة السلمي: سمعت إبراهيم بن محمد النصراباذي، وقد عوتب في شيءٍ حُكي عن الحلَّاج في الروح، فقال: إن كان بعد النبيين والصديقين موحدٌ فهو الحلَّاج.»
وقيل للقطب الرفاعي: إن أهل بغداد يقولون: مشايخ العراق كانوا في زمان الحلَّاج؛ لأنه لما احترق وذرى في الماء شربوه فصاروا مشايخ وأخذوا بقوله:
فقال: لو كان مشايخ العراق مشايخ، لأخذ السيف جنوبهم، كما أخذ الحلَّاج!»
وذكر الكلاباذي في التعرف: «أن الخضر عليه السلام عبر على الحلَّاج وهو مصلوبٌ، فقال له الحلَّاج: هذا جزاء أولياء الله، فقال له الخضر: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت لو طارت مني شرارةٌ لأحرقت مالكًا وناره!»
ويروي السلمي: أن بعض أهل الكشف زار قبر الحلَّاج، فرأى نورًا ساطعًا من قبره إلى السماء، فقال: يا رب ما الفرق بين قوله «أنا الحق»، وبين قول فرعون «أنا ربكم الأعلى»، فأُلهم أن فرعون رأى نفسه وغاب عنَّا، وهذا رآنا وغاب عن نفسه.
ويقول صاحب «فصل الخطاب»: «الإجماع منعقدٌ عند المشايخ على كون الحسين بن منصور شهيدًا.»
ويقول العلامة ابن سبعين عن الحلَّاج: «إنه وليٌّ وشفيعٌ لا تناقض عنده، مؤمنٌ بالتوحيد الأول الكلي الذي يتجاوز نطاق الإسلام.»
ويقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في الفتوحات، معقبًا على كتاب الحلَّاج — الصيهور والديهور: «لم أرَ متحدًا أوثق وفتق، وبربه نطق، وأقسم بالشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق، وركب طبقًا على طبقٍ مثله، فإنه نورٌ في عنقٍ، منزلة الحق عنده منزلة موسى من التابوت؛ ولذلك كان يقول باللاهوت والناسوت، وليس هو ممن يقول «العين واحدةٌ»، ويحيل الصفة الزائدة.
وأين فاران من الطور، وأين النار من النور، والعرض محدودٌ، والطول ظلٌّ ممدودٌ، والفرض والنقل شاهدٌ ومشهودٌ.»
وقد عقد الإمام الغزالي في كتابه «مشكاة الأنوار» فصلًا طويلًا دافع فيه عن الحلَّاج، وشرح ألفاظه وأقواله، واعتبره من الصفوة الهداة الداعين إلى الله.
ويقول الأستاذ أبو الوفا التفتازاني، في كتابه عن ابن عطاء السكندري: «إن الشاذلية جميعًا يجلون الحلَّاج ويعتقدونه إمامًا.»
ثم تضع دائرة المعارف سجلًّا شاملًا لمن كفَّره، ولمن اعتقد بولايته، ولمن توقف في أمره، فتقول: «فمن عدَّه من الأولياء من الفقهاء: الشوشتري، والعاملي، والعبدري، والدلنجاوي، والنابلسي، والمقدسي، واليافعي، والشعراني، والهيتمي، وابن عقيلة، وسيد مرتضى الزبيدي.
ومن المتكلمين: ابن خفيف، والغزالي، وفخر الدين الرازي، والمدرستان السالمية، والماتردية.
ومن الحكماء: ابن طفيل، والسهروردي، والحلبي، ومن الصوفية: الشبلي، وفارس، والكلاباذي، والنصراباذي، والسلمي، والدقاق، والقشيري، والصيدلاني، والهجويري، وأبو سعيد الهروي، والفارمذي، وعبد القادر الجيلاني، والبقلي، والعطار، وابن عربي، وجلال الدين الرومي.
وأما الذين تنادوا بتكفيره: فابن داود، وابن حزم، وابن تيمية، والطوسي، والحلي، وابن خلدون، والجبائي، والباقلاني.»
ثم تقول دائرة المعارف: «وقد حاول الحلَّاج بوصفه من أهل الجدل والوجد أن يوفق بين الدين والفلسفة اليونانية، على أساسٍ من التجربة الصوفية، وهو في هذا يعد رائدًا للغزالي، وقد جعل الصوفية من الحلَّاج أعظم شهدائهم.»