السلطان الحادي عشر
ولد عام ٩٣٠ﻫ، الموافق عام ١٥٢٥ ميلادية، وجلس على كرسي الخلافة عام ٩٧٤ﻫ، الموافق ١٥٦٦ﻫ، وهو يبلغ من العمر أربعة وأربعين سنة، وحال جلوسه أخذ بإصلاح الأمور الداخلية، وتنظيم شئون البلاد، فنهض في ذلك وجاق الأليكشارية، وهاجوا في القسطنطينية، فأخمد فتنتهم بالإحسان، وبتوزيع الأموال. وفي أثناء ذلك، جاء رسول من قبل شاه العجم بهدية فاخرة تهنئة لجلوسه، وهي لؤلؤتان وزن الواحدة منهما يبلغ أربعين درهمًا، وياقوتة بقدر التفاحة الصغيرة، وجدد العهد بين الدولة وشاه العجم. وكان صاحب اليمن في تلك الأيام ادَّعَى الخلافة، فأرسل السلطان سليم عسكرًا لمحاربته، فقهروه وأخذوا مدينة صنعاء وبعض الأماكن من تلك الجهات.
وكان للسلطان سليم قبل جلوسه نديم يهودي، يقال له: زوسفنلسي، يحب شرب الخمر كثيرًا، فطلب من السلطان أن يفتح جزيرة قبرص طمعًا بجودة الخمر الذي بها، فوعده السلطان أنه متى جلس على تخت الملك يأخذ قبرص ويجعله حاكمًا عليها، ولما جلس السلطان سليم ذكَّره ذاك اليهودي بوعده، فأشهر عليها الحرب، وساق لفتحها عمارة بحرية مؤلَّفة من ٣٦٠ مركبًا، وبعد حروب كثيرة تغلبت العساكر الشاهانية عليها وفتحتها.
وحدث في سنة ٩٧٩ أن اتحدث مشيخة البندقية مع البابا وملك إسبانيا وأعلنوا الحرب ضد الدولة، وجردوا لذلك عمارة مؤلَّفة من مائتي قطعة حربية بعساكرها، تولى قيادتها الدون جوان بن كارلوس الخامس ملك إسبانيا، فأشعل الحرب على مراكب الدولة في مياه آنية بختي، فشتت عمارة الدولة، وقُتل منها عدد عظيم يبلغ نحو ثلاثين ألف نفر، وفُقد من المراكب ٢٢٤ مركبًا، وقُتل قبطان باشا، وما بقي من تلك التجريدة عاد إلى القسطنطينية، فكان عند الإفرنج عيد فرح وسرور شملتهم به البهجة والمسرات بتلك الغلبة غير المنتظرة.
وقد بلغ السلطان ذلك، فغضب وتأسَّف وأمر بإعداد عمارة عظيمة للأخذ بالثار، فأرسلت مشيخة البندقية في تلك الأثناء تطلب الصلح على شروط تعود بالشرف على الدولة، فصدر الأمر بقبولها، وبعد ذلك أصيب السلطان بحمًى شديدة ثقلت وطأتها عليه، فأخنت على حياته، وتوفي بسببها عام ٩٨٢، فدفن بتربته الكائنة بالقرب من جامع أجيا صوفيا. عاش اثنين وخمسين سنة، قضى منها على تخت السلطنة ٨ سنوات.