في أصل بني عثمان
لقد اختلف أكثر المؤرخين في أصل سلالة آل عثمان؛ فالبعض ينسبون هذه العائلة الشريفة إلى سلالة عيسى بن إسحاق، وبعضهم يذهب أنها من طائفة بني قطورة جاءت من الحجاز بسبب القحط، ونزلت في بلاد القرمان، وكل فريق من المؤرخين يسرد الدلائل التي تؤيد مذهبه، وتقوي حجته، لكنهم قد أجمعوا أنها أشرف سلالة من العشائر الإسلامية، وأن جد آل عثمان هو سليمان شاه أتى بجماعته عام ١٢٠٠ ميلادية، الموافق لسنة ٦٢١ هجرية، ونزل في صحاري بلاد أرمينية الكبرى؛ حيث مكث نحو سبع سنوات اشتعلت أثناءها نار الحرب بين الخوارزمي وعلاء الدين سلطان قونية وكبير السلاجقة، فتحزب سليمان شاه إلى السلطان علاء الدين، ونزل مع جيوشه إلى ميادين الوغى، ولبث يكافح معه حتى انتصر على أعدائه بواسطته.
وفي عام ٦٢٨ﻫ، لما أراد سليمان شاه المحكي عنه مغادرة تلك الأصقاع قاصدًا عربستان مرَّ بجماعته على نهر الفرات، وبينما كان يعبره مات فيه غريقًا، ودفن عنده في مكان يُعرف إلى الآن بمزار الأتراك، وترك أربعة أولاد؛ هم: سنقورتكين، وكون طوغدي، وأرطغرل، ودوندر، فرجع سنقورتكين وكون طوغدي إلى ناحية الشرق، وبقي أرطغرل ودوندر عند السلطان علاء الدين، وحضرا معه جملة حروب، فأظهر فيها أرطغرل البسالة والإقدام، ثم وقعت حرب شديدة بين السلطان علاء الدين على أعدائه، فشتت شملهم، وأباد أثرهم، فكافأه علاء الدين بأن أعطاه بلاد سكود واسكي شهر.
عاش أرطغرل ٩٠ عامًا، وتوفي عام ٦٨٠، ودفن بمدينة سكود تاركًا ثلاثة أولاد؛ وهم: عثمان بك، وساوجي بك، وكندوز بك، وقد تَقَلَّدَ منهم قيادة الجيش عثمان بك بالنظر لشجاعته وبسالته، فأسس بناء الدولة والملك، ومن المحقق أن نسل آل عثمان الأثيل يتصل بيافث بن نوح، وهاك سلسلتهم الطاهرة:
السلطان عثمان بن أرطغرل، بن سليمان شاه، بن قيالب قزل بوغا، بن تيمور، بن قونلوغ، بن تفاد، بن قينون، بن سافور، بن بولغاي بن بايسنقور، بن توقتمور، بن باسوق، بن جندور، بن باقي، بن كوك ألب، بن أرغو، بن قره خان، بن قونلق، بن توترق، بن قره خان، بن بايسوق، بن بولواج، بن تغار، بن سونج، بن جاربوغا، بن قورتلمش، بن قره خان، بن عمود، بن سليمان شاه، بن قره خول، بن قولفاي، بن باتيمور، بن طوسي، بن بابلق، بن طورغا، بن طوغمش، بن كوجك بك، بن أونوق، بن قوتاق، بن جك جكتمور، بن طورج، بن قزل، بن يماق، بن باشبوغا، بن قورتلمش، بن فورجه، بن بالجق، بن قوماي، بن قره أوغلال، بن سليمان شاه، بن قولو، بن بولغار، بن باتيمور، بن طورمش، بن كوكب ألب، بن أوغوز، بن قره خان، بن قاني خان، بن بولجاي، بن ماجيه، بن أبي الحارث، بن يافث، بن نوح.
وقد تولى من آل عثمان حتى الآن تخت السلطنة السنية خمسة وثلاثون سلطانًا عظمت بهم شوكتها، وامتدت سطوتها، وعظم شأنها، وبذخ مقامها. وبما أن الوقوف على ترجمة حياتهم السعيدة من الأمور التي تكسبنا العز والفخار، وتمنحنا البهجة والوقار؛ لما أتوه من الفعال التي لا تذكر معها أعمال الأكاسرة، وانتصارات القياصرة، كيف أنهم فتحوا المدن العظيمة، ودمروا الحصون المنيعة، وقهروا الجبابرة، وامتلكوا معظم الدنيا برًّا وبحرًا، وكيف كانت الدول الإفرنجية ترتعد من سطوتهم، وتقدم لهم الطاعة والخضوع، وتتزلف إليهم في سائر الأمور حتى إلى يومنا هذا، أردت أن أغبط نفسي وأسعدها بتدوين قليل، ودون القليل، من ترجمة كل طيب الذكر من السلاطين الفخام آل عثمان الكرام، خلَّد الله ذكرهم، وأَعَزَّ شأنهم على الأنام طُرًّا.