السلطان الحادي والعشرون
ولد عام ١٠٥٢ﻫ، وجلس على تخت الملك عام ١١٠٢ بالغًا من العمر خمسين سنة، وبعد مضي شهر من جلوسه أشهَرت عليه الحرب دولةُ النمسا، فأرسل لمقاومتها جيشًا عظيمًا تحت إمرة مصطفى باشا. وقد التقى الجيشان في سهل صلانقامين، واشتد القتال بينهما اشتدادًا مهولًا، فقُتِلَ في حقل المعركة مصطفى باشا عُقَيْبَ أن أظهر شجاعة الأبطال، ومات من الجيشين نحو النصف، وانجلت الموقعة عن انهزام الجنود العثمانيين.
وفي عام ١١٠٤ﻫ، ثارت نار الفتنة في جبل لبنان، وامتد شرارها إلى جبل حوران والبصرة، ولما استفحل أمرها، أمر السلطان والي الشام بردع أهالي جبل لبنان وحوران، ووالي بغداد بسحق ذوي التمرد في البصرة. وفي تلك الأثناء حدث أن جنود النمسا ساروا يعيثون في بلاد الدولة، ويسومون أهلها قتلًا وخسفًا، فسار الصدر الأعظم بأمر السلطان إلى بلغراد لردعهم، فاستخلص منهم بلاد السرب، وفتك بهم فتكًا ذريعًا، وظفر عليهم مبينًا، وعاد بعساكره المنصورة إلى أدرنه.
وفي عام ١١٠٥ﻫ، أرسلت جمهورية ونديك عمارتها إلى جزائر البحر الأبيض، فحاصرت جزيرة قبرص واستولت عليها، وافتتحت ولاية هرسك، فساق الباب العالي جنوده لمحاربتها، وإذ ذاك تداخلت دولة الإنكليز وهولانده لدى السلطان لإبرام شروط الصلح مع النمسا، فأبى قبل أن يأتيه الله بالفوز على أعدائه. توفي ودفن في تربة جده السلطان سليمان، وكان ذلك سنة ١١٠٦ للهجرة.
عاش ثلاثًا وخمسين سنة، قضى منها على سرير السلطنة أربع سنين. وكان عالمًا فاضلًا حسن الصفات، وكريم الأخلاق.