السلطان الثالث والعشرون
ولد عام ١٠٨٤ للهجرة، وجلس على عرش السلطنة عام ١١١٥ بالغًا من العمر ٤١ سنة، وبعد جلوسه حدث أن هاج وجاق الأليكشارية على شيخ الإسلام فيض الله أفندي وقتلوه، ونفوا أولاده، ثم عمدوا إلى إنفاذ الغايات والمقاصد، وعزلوا أعظم رجال الدولة واستبدلوهم بمن أرادوا. أما السلطان فلما رسخت قدمه اقتص من الجانين، وأعطى القوس باريها؛ بتقليد المناصب لذويها من أصحاب الأهلية واللياقة، ثم أعلم الدول بجلوسه كما سبقت العادة، فهنَّأته بذلك، وفي السنة ذاتها خانت جمهورية ونديك العهود، واعتدت على بعض بلاد الدولة، فساق السلطان لمحاربتها عمارة بحرية دمَّرت مراكب الجمهورية، واستولت على أغلب جزائر مملكتها. وفي عام ١١٢١ﻫ، حاربت دولة الروس كارلوس الثاني ملك السويد، ولما تغلبت عليه التجأ إلى كنف الدولة هاربًا، فاقتبلته بما يليق من الإكرام، ومكث لديها ضيفًا عزيزًا مدة طويلة كان يهيج بأثنائها رجال الدولة على محاربة الروسية فلم يذعنوا له.
وفي سنة ١١٢٥ﻫ، زحف ملك المسكوب على بلاد الدولة، فساقت لمقاتلته جيشًا جرارًا سلمت قيادته للصدر الأعظم محمد باشا، فالتقى الجيشان عند ساحل نهر بروت، وطفقوا بالمطاعنة والكفاح عدة أيام حتى احمرَّتِ الأرض من الدماء، وأخيرًا وثبت العساكر الشاهانية وثبةً واحدة على جنود المسكوب فكسروهم وأخذوا منهم قلعة أزاق، وحينئذٍ طلبت الروسية إبرام الصلح، فقبل الصدر الأعظم منها ذلك تحت شرط أن تعيد لممالك الدولة بحر أزاق، وتهدم القناطر المقامة عليه، وتمنع من المداخلة في مصالح القزق، ولا تعارض في رجوع الملك كارلوس إلى بلاده، فقبلت الروسية بهذه الشروط، وبموجبها تمت معاهدة الصلح وأمضاها الصدر الأعظم. ولما أُرسِلتْ للسلطان كي يصدق عليها رفضها وعزل الصدر الأعظم، وأقام مكانه يوسف باشا، فجدد عهد الصلح مع الروس على مدة ٢٥ سنة، فعزله السلطان لهذا السبب، وعين بدلًا عنه سليمان باشا، ثم عزله ونصب داماد باشا، فصدق على معاهدة الصلح لمدة ٢٥ سنة.
وفي سنة ١١٢٦ﻫ، سافر الملك كارلوس الثاني من بلاد الدولة عائدًا إلى بلاده شاكرًا حامدًا ما لاقاه من حسن الضيافة وكرم المعاملة، وفي عام ١١٢٧، غزت الدولة بلاد الموره مع سائر جزائرها، فتأثرت النمسا من ذلك، واتَّحدت مع جمهورية ونديك، ونقضت عهود قارلوفجه، وأعلنتا الحرب على الدولة. وقد التقت الجيوش عند سواحل نهر الطونة، وهناك استخدموا السلاح والبِيضَ الصِّفاح، وبعد طويل القتال والكفاح انكسرت عساكر الدولة، وقتل قائدها الصدر الأعظم، فأقيم بدله خليل باشا والي بغداد. وهذا أفرغ جهده في جمع الجنود ومقاومة العدو فلم يفلح، واستظهرت عليه النمسا فاغتنمت منه قلعتي بلغراد وطمشوار، ولما باد أكثر من معظم جيوش المتحاربين توسطت دولة الإنكليز في إبرام الصلح، وبعد طويل المخابرات تقررت أن تترك الدولة جزيرة (بره وزه) وجزائر اليونان لجمهورية ونديك، وأن تعطي للنمسا بعض بلاد في جهات الصرب والأفلاق. وعلى هذه الشروط حصلت معاهدة الصلح في سنة ١١٣٠ﻫ.
وحدث بعد ذلك أن أهل السنة المتوطنين في بلاد العجم كثر عليهم الاعتداء من الشيعيين، فرفعوا تظلماتهم إلى السدة السلطانية يلتمسون الشاهانية لإغاثتهم، فافتتحت في مسيرها عدة حصون منيعة، وما توقفت عن المسير حتى دخلت تبريز، وأغاثت المتظلمين، وقهرت الأعجام، وبعد ذلك صالحتهم بناء على طلب الشاه.
وفي سنة ١١٤٣ﻫ، تنازل السلطان أحمد عن كرسي الخلافة لأخيه محمود خان، ولبث بعد ذلك نحو ست سنوات، وقضى عام ١١٤٩. رحمه الله وجعل الجنة مأواه.