السلطان الأول
وفي عام ٧٠٧ﻫ، داخل والي بروسه الخوف من طموح السلطان عثمان إلى بلاده، فأثار عليه سرًّا وُلَاةَ البلاد المجاورة ليقاوموه، ولكن لما اتَّصَلَ به الخبر شَنَّ عليهم الغارة عاملًا بهم السيف حتى مَزَّقَ شملهم، وقتل صاحب قلعة كستل، وبعث بابنه أورخان خان يقود جيشًا كثيفًا إلى مدينة بورصه، وبعد أن حاصرها مدة دخلها عنوة، وأذن لأهلها أن ينصرفوا منها بدون أن يهرق منهم قطرة دم، وكان ذلك عام ٧٢٦ﻫ، ثم شرع في تنظيم أحكامها، وتحصين قلاعها.
وفي أثناء ذلك جاء رسول من قبل والده يستدعيه إليه، فأطاع وراح مسرعًا، ولما أن دخل على أبيه ألفاه يتقلب على فراش الموت، فاغرورقت عيناه بالدموع وخاطبه بقوله: يا أعظم سلاطين البر والبحر، كم قهرت أبطالًا، وافتتحت بلدانًا! ما لي أراك في هذه الحالة؟ فأجابه والده: لا تجزع يا بني، هذا مصير الأولين والآخرين، وإنني الآن أموت فرحًا مسرورًا لكونك تخلفني وتقوم مقامي بإدارة هذا الملك السامي. ولم يتم كلامه حتى انتقلت روحه إلى جنة السعادة، ونقلت جثته إلى زاوية قلعة بروسه؛ حيث دُفِنَ بكل إكرام وإجلال. وكان ذلك عام ٧٢٦ﻫ، بعد أن عاش سبعين سنة قضى منها ٢٧ عامًا على تخت السلطنة.
وكان رحمه الله شجاعًا باسلًا، شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الخلق، أَبِيَّ النفس، كريمًا يحب الإحسان لبني الإنسان، ومن وفرة كرمه لم يترك شيئًا لخليفته سوى حلة مطرزة، وعمامة مضرجة، وبعض مناطق من القطن نُسجت على هيئة بسيطة. رحمه الله وجعل الجنة مأواه.