السلطان الثامن والعشرون
وُلِدَ عام ١١٧٥ﻫ، وجلس سنة ١٢٠٣، وبعد جلوسه وجَّه مزيد عنايته إلى تنظيم الجنود، وحشد الجيوش، وتقوية المعاقل، وتعزيز المالية، وبينا كان يشتغل في هذه المهام أشهرت عليه الحرب دولة الروسية والنمسا، فدفع جيوشها عن بلاد السلطنة بقوة جنوده المظفرة التي ساقها إلى حقول المعركة تحت قيادة الصدر الأعظم يوسف باشا وقبودان باشا، ولما التقت الجيوش اشتبكوا بالقتال والكفاح في عدة مواقع أظهرت فيها عساكر آل عثمان شجاعة غريبة، وأخيرًا تقهقرت، واستولت الروسية والنمسا على قلعة بلغراد وبندر وإيالتي الأفلاق والسرب والمدن التي على سواحل نهر الطونه، ثم زحفت جنود الروس على قلعة إسماعيل الشهيرة فحاصرتها، وبعد مدة طويلة افتتحتها عنوةً عُقَيْبَ أن فُقِدَ من العساكر عدد جسيم جدًّا، وحينئذٍ توسطت دولة الإنكليز مع بروسيا لإبرام عقد الصلح بين الدولة العلية والروسية، تحت شرط أن يُعطى للروسية القرم وجزيرة كامان ومقاطعة بسرابيا والأراضي التي بين نهر البوغ ودنيستر؛ حيث أقامت الروسية مدينة أودسيا تذكارًا لنصرتها في ذلك الزمان.
وحدث في تلك الأثناء أن ثارت الأمة الفرنساوية وقتلت ملكها لويس الخامس عشر، وظهر نابوليون بونابرت الشهير الذي دوَّخ الدنيا بفتوحاته، فافتتح مصر وبعض جهات فلسطين، ثم صافى الدولة العلية وكاشفها روابط الحب، ووعدها بالمساعدة على تنظيم جُنْدِيَّتِهَا بأن يرسل إليها ضباطًا ماهرين، ويُعزِّز عمارتها البحرية لمنع الروس والإنكليز من العبور في بوغاز إسلامبول، فلما علم بذلك كله إمبراطور الروس غضب وتكدَّر، وأرسل للحال قسمًا من جيوشه إلى احتلال بلاد الأفلاق والبغدان، فتأثرت الدولة من ذلك ونَوَتْ على إشهار الحرب. أما دولة الإنكليز فلم يُرْضِهَا اتحاد الدولة مع فرنسا، وبذلت جهد المستطاع في حمل الدولة على إخراج سفير فرنسا من الآستانة، فما رضيت بذلك بالرغم عن إلحاح الأميرال الإنكليزي الذي كان راسيًا بأسطوله الحربي في مياه إسلامبول. ولما قطع المذكور أمله من بلوغ المراد قلع مراسيه من بوغاز جناق قلعة، وسار للإسكندرية، فدفعه عنها الطيب الذكر محمد علي باشا الكبير.
وبعد ذلك ثار وجاق الأليكشارية، ونهضوا يثيرون الفتن، ويكثرون من الفساد، ويقتلون بعض رجال الدولة لكونهم وافقوا السلطان سليم على إدخال النظام العسكري الجديد في بلاد الدولة، ثم نادوا في المدينة باسم السلطان مصطفى، وخلع السلطان سليم، وأرسلوا له شيخ الإسلام يخبره بذلك، فلما امتثل بين يديه، وعلم منه ذلك، نزل عن كرسيه وسار إلى الحبس ليقضي بقية العمر، وبعد مدة قضى شهيدًا في الحبس عام ١٢٢٢ﻫ، ودفن في تربة والده السلطان مصطفى.