السلطان الثاني
وُلِدَ السلطان أورخان ابن السلطان عثمان الغازي عام ٦٨٠ للهجرة، وما بلغ سن المراهقة حتى ظهرت عليه مخائل النجابة والذكاء، ومال إلى حمل السلاح، ومصافحة البيض الصفاح، وركوب الخيل والاختلاط مع الأبطال من الرجال، والنزول إلى ميادين الوغى والقتال.
وقد قلده والده قيادة الجيش في جملة غزوات، فعاد فائزًا منصورًا، وجلس على كرسي المملكة عام ٧٢٦ﻫ، عُقَيْبَ وفاة والده الطيب الذكر السلطان عثمان الغازي، فعين أخاه علاء الدين وزيرًا، وأمره بوضع الشرائع، وسَنِّ النظامات على ما يلائم طبائع العباد، ثم نقل كرسي الحكومة إلى مدينة بروسه، وجعلها مركز السلطنة، واهتم بعدئذٍ في توسيع نطاق المملكة، فأقام أخاه علاء الدين وكيلًا عنه بالنظر لما تبيَّنه فيه من الإخلاص، وزحف بجيش جرار يبلغ العشرين ألف مقاتل على بلاد اليونان، فاشتبك معهم بحرب يشيب لهولها الأطفال، فأولاه الله النصر عليهم، وانتزع منهم قلعتي أزميد وأزنيق، وامتلك ولايتي قره سي وبرغمه، ثم حاصر قلعتي سمندره وأيدوس زمنًا طويلًا حتى استولى عليهما، وأسر صاحب قلعة سمندره في يوم كان خارجًا فيه لدفن أحد أولاده.
وفي عام ٧٥٠ﻫ، رغب في فتح بلدان من أوروبا، فوكَّل بذلك ابنه سليمان خان، الذي كان قد ولَّاه منصب الصدارة العظمى بدلًا عن أخيه علاء الدين، فركب بثمانين بطلًا من رجاله على لوحي خشب عابرًا بهم في بحر مرمرا إلى الجهة الأخرى، ولما وطئوا اليابسة افتتحوا مدينة ظنب ومدينة كليبولي، واستولوا على عدة قلاع حصينة ومدن من بلاد اليونان ضموها إلى السلطنة العثمانية.
وفي عام ٧٦٠ﻫ، ركب سليمان خان جوادًا ذات يوم، وأخذ يلعب بالجريد، فسقط على ظهره ومات، فدفنه والده بكل احتفال وتعظيم على شاطئ بحر مرمرا؛ حيث شاد له مقامًا، ومن شدة ما تأسف عليه وانفطر قلبه حزنًا لفراقه؛ تراكمت عليه الأمراض، وقُبِضَ بعد سنة من موت ولده عام ٧٦١ عُقَيْبَ أن قضى على كرسي الملك ٣٥ سنة، قضاها في تنظيم شئون الرعية، وفتح المدن والبلاد، وضمها إلى سلطنته العلية. وقد وَاروه التراب بما لَاقَ له من التعظيم بجوار ضريح والده الطيب الذكر السلطان عثمان الغازي أسكنهما الله فسيح جناته.
وكان هُمامًا عادلًا رءوفًا ذا هيبة، محبًّا لنشر العلوم والآداب، كريم النفس، ثاقب الفكر، كبير العقل، رحمه الله رحمة واسعة، وسقى ضريحه صواب الرضوان والنعمة.