لغز اختفاء إلهام!
قالت «زبيدة»: إن اختفاء «إلهام» بهذه الطريقة الغامضة يجعل موقفَنا خطيرًا للغاية! ردَّ «بو عمير»: أتصور أن هذا ليس اختفاءً عاديًّا؛ فلا بد أن يكون خلفَه شيء، إن لم يكن وراءه شيء فعلًا.
وقال «باسم»: كيف يمكن أن تختفيَ «إلهام» دون أن تترك أثرًا واحدًا، أو حتى تُرسلَ إشارة؟
أضافَت «ريما»: إن عملاء رقم «صفر» أيضًا، لم يقدِّموا تفسيرًا واحدًا يمكن أن نعتمد عليه!
كان الشياطين يجلسون في المقر السري يتحاورون حول اختفاء «إلهام» الذي حدَث منذ يومين. كانت «إلهام» قد خرجَت في مهمَّة سريَّة في «سويسرا»، لكنها بعد وصولها بأسبوع اختفَت تمامًا. كانت مهمَّتُها هي التعرُّفَ على عالِم الكيمياء «بوارو». وكان آخرَ تقرير لها، أنها استطاعت أن تتعرَّف عليه فعلًا، وأنها … أوشكَت أن تكون محلَّ ثقته، ثم فجأةً اختفت.
ورغم أن عملاء رقم «صفر» في «سويسرا» قد قالوا في تقاريرهم: إنها اختفت بعد لقائها الأخير مع «بوارو»، إلَّا أنهم لم يُضيفوا شيئًا، وأصبح اختفاؤها لغزًا.
فهل اختفت عند «بوارو»، أو أنها اختفَت بعد خروجها من بيته؟
فإذا كانت قد اختفَت بعد دخولها بيتَ العالِم المعروف … فلماذا؟ وهل اختفَت عن طريقه، أم أن هناك مَن كان ينتظرها في بيت «بوارو»، ثم تمَّ اختطافُها؟ وإذا كانت قد اختُطفَت بعد لقائها به، فمَن الذي اختطفَها؟ وكيف؟ وأين اختفت؟
كانت الأسئلة كثيرة، طرحَها الشياطين في حوارهم مع بعضهم البعض، لكنَّ الأسئلةَ كلَّها لم تجد إجابةً واحدة.
غير أن «أحمد» الذي كان يُتابع أخبارَ عالِم الكيمياء «بوارو» كان يفكِّر بطريقة أخرى، وعندما استدعاه رقم «صفر» ليعرف رأيَه في اختفاء «إلهام»، كان رأْي «أحمد» أن «إلهام» قد اختُطفت، وأن الاختطاف تمَّ بواسطة إحدى العصابات المنتشرة في «إيطاليا»، أو في هذه المنطقة كلها، بما فيها «سويسرا»، وأنه يرجِّح أنهم لا يعرفون «إلهام»، لكنهم يظنون أنها مساعِدة ﻟ «بوارو» … خصوصًا بعد اكتشاف العالِم الكيميائي لتلك التركيبة الكيميائية الجديدة، التي أطلق عليها اسمَ «سر الحياة» ولم يُعلن عن تفاصيلها، وأن هذه التركيبة الكيميائية الجديدة تُفيد بالتأكيد شركات الأدوية، وأن اختفاء، أو اختطاف «إلهام» يعني أن تستطيع العصابةُ الوصولَ إلى سرِّ هذا الاكتشاف الجديد.
لقد أبدَى رقم «صفر» إعجابَه بطريقة تفكير «أحمد»، حتى إنه قال له: إنه أيضًا يُرجِّح أن تكون «إلهام» قد اختفَت بهذه الطريقة، لكنه لا يزال ينتظر تقارير العملاء في وسط «أوروبا» حتى تتضح الأمور أكثر ويستطيع الشياطين بعدها أن يبدءوا مغامرتهم لإنقاذ «إلهام»، وربما لإنقاذ «بوارو» أيضًا.
إلا أن «أحمد» لم يشرح وجهة نظره للشياطين … فقد كان يريد أن يرى كيف يفكِّرون، وربما كانت لأحدهم وجهةُ نظر مفيدة، تُضيف إلى وجهة نظر «أحمد» شيئًا جديدًا؛ ولذلك كان يجلس معهم مستمعًا فقط. فقال «رشيد»: إن اختفاء «إلهام» له علاقة مؤكدة بعالِم الكيمياء «بوارو».
ردَّ «مصباح»: من الضروري أن يكون كذلك، لكن كيف؟
استغرق «رشيد» في التفكير لحظة، ثم قال: لا أظن أن «إلهام» قد اختفَت بواسطة «بوارو»، ومن المحتمل أن يكون شخصٌ آخر — لا علاقة له بالعالِم الكيميائي — هو الذي قام بتنفيذ عملية اختطاف «إلهام».
سأل «مصباح»: تعني أنها قد اختُطفت فعلًا؟
ردَّ «رشيد»: أُرجِّح ذلك.
ابتسم «أحمد» فلفتَت ابتسامتُه نظرَ «عثمان»، الذي قال: يبدو أن «أحمد» يُخفي شيئًا هامًّا؛ فهو لم يتكلم منذ عرفنا الخبر من رقم «صفر»، ومنذ أن جلسنا للمناقشة لم يَقُل كلمة واحدة.
قال «أحمد» في هدوء: إنني أتَّفق فعلًا مع وجهة نظر «رشيد».
أضاف «رشيد» بسرعة: إنني أرجِّح أيضًا أن هناك خطأً ما قد حدَث، جعل «إلهام» تختفي.
سألت «زبيدة»: ماذا تعني؟!
ردَّ «رشيد» وهو ينظر إلى «أحمد»: ما رأيك؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: إنني في انتظار أن تنتهيَ من شرح وجهة نظرك؛ فربما تكون متشابهةً مع وجهة نظري تمامًا.
لكن قبل أن يبدأ «رشيد» في عرض وجهة نظره، كانت إشارة قد تردَّدَت في سماء الغرفة، تعني أن الشياطين مدعوون لاجتماعٍ سريع مع رقم «صفر».
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أظن أننا سوف نعرف كلَّ شيء الآن أثناء الاجتماع.
ثم أضاف: ولعل وجهة نظر «رشيد» تكون هي الصحيحة.
ابتسم «عثمان» وقال: يبدو أن لديك معلومات.
ردَّ «أحمد» بسرعة: لا أظنُّ أن أحدًا من الشياطين يملك معلومات لا يعرفها الآخرون؛ فنحن نعرف كلَّ شيء معًا، لكن الفارق هو أن كلًّا منَّا يحاول تفسيرَ ما عنده، كما فعلَت «زبيدة» من بداية أسئلتها، وكما فعل «رشيد» في محاولة الوصول إلى شيء.
ولم يردَّ أحد فقد أخذوا طريقَهم إلى قاعة الاجتماعات، التي تعني أنهم سوف يخرجون منها، ليبدءوا مغامرتَهم وليُنقذوا أحدَ أعضاء الشياطين اﻟ «١٣».
كانت الساعة تدقُّ العاشرة صباحًا عندما بدأ الشياطين يدخلون قاعة الاجتماعات الكبرى، كانت الأضواء تغطِّي القاعة كأنها تَسْبح في الضوء.
ولم تكن الخريطة الإلكترونية مُضاءة، وكان الصمت يُحيط كل شيء. أخذوا أماكنهم في هدوء بينما كان مقعد «إلهام» خاليًا.
جاءهم صوت رقم «صفر» يقول: إن ما توصَّل إليه «رشيد» يكاد يكون هو الخط الرئيسي في تفكيرنا، وقد توصَّل «أحمد» إلى نفس النتيجة، وإن كان بتفاصيل أكثر.
صمت رقم «صفر»؛ فاتَّجهت أعينُ الشياطين إلى «أحمد» الذي ابتسم لهم … بينما كان «رشيد» يشعر بالزهو هو الآخر. مرة أخرى جاء صوت رقم «صفر» يُضيف: إن ما يؤكد الخطأ — كما قال «رشيد» — هو أن «إلهام» لم تظهر، ولو كانت هناك أية إشارة تُفيد أن المختطفين قد اكتشفوا صفتها كعضو من الشياطين … لكُنَّا قد عرفنا.
سكت للمرة الثانية، لكن لحظة سكوته لم تستمرَّ طويلًا؛ فقد قال: سوف أكون عندكم بعد دقائق؛ فهناك أنباء جديدة قد وصلَت … وهي بين أيدي خبراء المقر السري.
شعر الشياطين بالانتعاش؛ فهذا يعني أن «إلهام» ليست في خطر، وحتى لو كانت في خطر، فإن هذه مهمة الشياطين، وهذا عملهم. نظرت «زبيدة» إلى «أحمد» وسألت: هل يعني هذا أن «إلهام» قد اختطفَتها إحدى العصابات؟
ردَّ «أحمد»: هذا هو المرجَّح، وربما تكون الأنباء الجديدة خاصة بهذه المشكلة.
قال رشيد: إنني لم أشرح وجهة نظري كاملة.
نظر الشياطين إليه، فقال: لقد ذهبت «إلهام» في مهمَّة محددة، هي التوصل إلى الاكتشاف الجديد الذي اكتشفه «بوارو»، وكانت آخر أخبارها … أنها اكتسبَت ثقتَه وأنها تراه كثيرًا، هذا يعني أن «إلهام» أصبحت في نفس أهمية «بوارو»، خصوصًا بعد الإعلان عن اكتشاف «سر الحياة»، وهذا يجعلنا عُرضةً لأيِّ أطماع، ونحن نعرف أن عصابات العالم تنتظر دائمًا مثل هذه الاكتشافات الجديدة، التي تربح من ورائها الكثير.
توقَّف «رشيد» عن الكلام. فجأة، صوت رقم «صفر» يقول: هذا تحليل منطقي سليم تمامًا، وأعتقد أنه سوف يكون محقًّا في النهاية.
اختفى صوتُ رقم «صفر»، وملأ الصمتُ القاعة.
كان الشياطين يفكِّرون في وجهة نظر «رشيد» وتحليله الذي لم يخرج عن وجهة نظر «أحمد» أيضًا …
مرَّت دقائق، والقاعة غارقة في الصمت. فجأة، بدأَت الإضاءةُ تَخفِتُ شيئًا فشيئًا. فَهِم الشياطين أن رقم «صفر» في الطريق، إلَّا أن صوتَ قدمَيه لم يتردد كالعادة …
فجأة مرة أخرى، ظهرَت الخريطة الإلكترونية، وبدأت القاعة تغرق في الظلام لولا النور اللامع فوق شاشة الخريطة.
اتجه الشياطين إلى الخريطة … ظهرت «أوروبا» كاملة. وتحدَّدت فوقها سلسلة جبال «الألب»، ومع ظهورها تردَّد في ذهن الشياطين أن المغامرة سوف تكون هناك. هذه المنطقة الصعبة، وهذه الجبال الشاهقة الارتفاع، بجوار أنها منطقة باردة تمامًا، لكن ذلك كله لا يُخيف الشياطين؛ فكثيرًا ما حقَّقوا انتصارات كبيرة في أماكن أكثر صعوبة.
فجأة تردَّدَ صوتُ أقدام رقم «صفر»، ظلَّ يقترب ويقترب، حتى توقَّف، مرَّت لحظة قبل أن يقول: مرحبًا بكم.
سكت قليلًا، ثم أضاف: إن عملاءَنا في وسط «أوروبا» قد استطاعوا تسجيلَ رسالة شفرية بين «سويسرا» و«إيطاليا»، لكنهم لم يستطيعوا حلَّها مباشرة، فأرسلوها إلينا … وقد عكفَت الأجهزة الخاصة بحل الشفرة في المقر السري بكشف أسرار الرسالة، وهذا ما جعلني أتأخَّر عليكم قليلًا، وهذا ما جعلني أيضًا أُخبركم أن أنباء جديدة سوف تعرفونها.
سكت بعض الوقت ثم قال: إن هناك رسالة شفرية خاصة باختفاء «إلهام». ولم يُضِف رقم «صفر» كلمة أخرى؛ فقد ترك الكلمات التي قالها تُحدِث تأثيرها في الشياطين. أضاف بعد لحظة: الحقيقة — كما يتضح من الرسالة — أنها ليست اختفاء ولكنها اختطاف، تمامًا كما توقَّعتُ، وكما توقَّعَ «أحمد» و«رشيد».
فجأةً، تردَّد صوتٌ متقطِّع، فَهِم الشياطين أن هناك رسالةً ما، فقال الزعيم: سوف أتغيب لحظة.
ثم أخذت قدماه تبتعدان.