الوقوع … في المصيدة!
فكَّر «أحمد» قليلًا ثم نظر إلى «قيس» قائلًا: استخدم جهاز الاستقبال، فربما يكون قائد الطائرة في حالة إرسال إشارات، لا تَصِل إلى مناطق بعيدة.
بسرعة أخرج «قيس» جهاز الاستقبال، وبدأ يحاول مع جميع الموجات التي يمكن التقاطها، لكن الجهاز لم يسجِّل شيئًا. فجأة، أمسك الكلب ثياب «أحمد» بأسنانه، وجذبها في اتجاه.
نظر له «أحمد» ثم ابتسم، وقال: إن اتجاهنا صحيح فالكلب يُشير إلى هذا الاتجاه.
تقدَّم الثلاثة. كان «قيس» لا يزال يحاول مع جهاز الاستقبال … فجأة توقَّف، وعلَت الدهشةُ وجهَه. نظر له «أحمد» متسائلًا: ماذا هناك؟
رد «قيس» بسرعة: رسالة شفرية، يسجِّلها الجهاز الآن.
همس «أحمد»: شفرية؟! قد تكون من «فهد».
ظل «قيس» واقفًا لا يتحرك، وكأن الرسالة قد أفقدَته القدرة على الحركة. كان «مصباح» يتابع ملامح وجه «قيس» باندهاش. انتهت الرسالة، فأخذ «قيس» يُعيد الشريط الذي سجلها الجهاز عليه، ثم رفع الصوت، وأخذ الشياطين يستمعون.
كانت الرسالة تقول: ٢٩ – ٥ – ٥ – ١، وقفة ١٠ – ١، وقفة ٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ٢٤ – ٤، وقفة ٤، وقفة ٢٩ – ٧ – ٦ – ٣ – ٩ – ١٠، وقفة ١٦ – ١٢ – ٢٨، وقفة ٢٩ – ٧ – ٤ – ٢٩ – ٦. انتهى.
ترجم الشياطين الرسالة الشفرية، ثم لمعَت الفرحة في عيونهم.
وهمس «مصباح»: أخيرًا «إلهام».
قال «أحمد»: إن النقطة «ﻫ» التي حدَّدتها «إلهام» تقع على مسافة بعيدة.
بسرعة، أخرج خريطة من جيبه، ثم ظلَّل فوقها «قيس»، حتى لا يبللَها المطر. أخذ «أحمد» يحدد النقطة «ﻫ». وأخيرًا قال: إن عميل رقم «صفر» كان محقًّا، عندما قال إننا نحتاج إلى طائرة، للوصول إلى «إلهام»، فهي كما حددها العميل توجد في إحدى هضاب جبال «الألب».
تحرك الشياطين بسرعة، في الاتجاه الذي حدده الكلب، غير أن سرعتهم كان يتحكم فيها الطين الذي بلَّله الماء.
فجأة، سجَّل جهاز الاستقبال رسالة شفرية أخرى. كانت الرسالة تقول: ٣ – ١٦ – ٧ – ٥ – ٢٩، وقفة ٢٩ – ٧ – ١، وقفة ٥ – ٤ – ٢٩ – ١ – ٤، وقفة ٢٩ – ٧ – ١١ – ٢٩ – ٢٨ – ٤، وقفة ٢ – ١ – ٢٨ – ٢٢ – ٣، وقفة ٤ – ٥ – ٢٩ – ٨، وقفة ١٨ – ١ – ٢٩… انتهى.
ترجم «قيس» الرسالة، فقال «أحمد»: لا بأس إنهما لم يجدَا شيئًا، لكن هذا لا يعني أننا فقدنا الأمل، لا يزال الكلب هو أملنا.
ابتسم «مصباح» للتعبير، لكنه فجأة قال: من الضروري أن تكون مع الكلب رسالة، في طوق رقبته مثلًا.
قال «أحمد» مبتسمًا: إنه بلا طوقٍ على الإطلاق.
قال «مصباح» مرة أخرى: ربما تكون مخبأة في شعره.
فأجاب «أحمد»: لقد بلَّله المطر، ولو كانت هناك رسالة، فإنها تكون قد سقطت.
أخذوا يجدُّون في السير. قال «أحمد» وهو مستمر في تقدُّمِه: أرسل رسالة إلى «فهد» لنلتقيَ في النقطة «ج».
نفذ «قيس» الرسالة بسرعة، وجاءه الردُّ مباشرة يقول: نحن في النقطة «ج» فعلًا.
أخذ المطر يزداد، لكنه فجأة أصبح كرات صغيرة من الثلج. ضحك «قيس»، وقال: لقد وقَعنا في الثلاجة.
إلا أنه برغم سقوط الثلج كان الشياطين يتقدمون في حماس، فلم يكن هناك وقتٌ لتضييعه، خصوصًا وأن الثلج يعني توقُّفَ الحركة نفسها.
قال «مصباح»: لو استمر هبوط الثلج بهذه الطريقة، فلن نستطيع أن نفعل شيئًا.
ردَّ «أحمد»: لا أظنه سوف يستمر.
أضاف «قيس»: مَن يدري؟
غير أنَّ هبوط الثلج ازداد، لكن ذلك لم يمنعهم من السير؛ فقد كانت الأشجار تحجب عنهم الكثير.
بعد فترة، وصلوا إلى نهاية الغابة، حيث كان «فهد» و«قيس» في انتظارهما.
كانت السيارة، قد أصبحت كتلة من الثلج، وكان «فهد» و«عثمان»، يقفان وكأنهما تمثالان أبيضان … ابتسم «مصباح»، وقال: يبدو أننا وقعنا في مصيدة من الثلج.
علَّق «قيس»: ولن نجد مَن يُنقذنا منها.
تحرَّك «فهد» و«عثمان». كانت أنفاسهما تبدو «كشبورة» كثيفة. اجتمع الشياطين.
فتساءل «عثمان»: هل نستطيع أن نستمر؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: هذه فرصتنا، فإن أحدًا لن يتحرك في هذا الجو، ونحن نملك ما يجعلنا قادرين على الحركة.
كان الشياطين يملكون فعلًا ما أشار إليه «أحمد»؛ فهم يملكون معاطف مكيَّفة، تعمل ببطاريات. في نفس الوقت، كانت لديهم كُرات خاصة يمكن أن تُذيبَ أيَّ شيء متجمد … وهي كرات لا يملكها غيرهم، استطاع علماء المقر السري اختراعها لمثل هذه الظروف، وكان «أحمد» وحده الذي يحملها في حقيبته السرية؛ ولذلك أخرج بعضها، وهو يقول: هل نسيتم كرات العمليات الخاصة؟
قال «مصباح»: لقد نسيتُها فعلًا، وأرجو أن تعطيَني بعضًا منها.
وبسرعة وزَّع «أحمد» الكرات الصغيرة على الشياطين. ويبدو أنها كانت عاملًا هامًّا من عوامل نشاطهم؛ فقد أخذوا يتحركون بسرعة، غير أن «عثمان» قال متسائلًا: هل نترك السيارة؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: إن السيارة تحتاج لمسارٍ خاص، قد لا يتوفَّر لنا؛ ولذلك ينبغي أن نتحرك على أقدامنا.
كان نزول الثلج يزداد، حتى بدَا وكأنَّ كلَّ شيء سوف يتجمد في المنطقة … في نفس الوقت كان الشياطين يشعرون بالبرد؛ لأن وجوههم مكشوفة …
بسرعة، أخرج «أحمد» من حقيبته بعض الحبوب الطبية، وقدَّم لكلٍّ منهم حبةً واحدة، أخذ يستحلبها، ولم تمضِ دقائق حتى كانوا يشعرون بدفء رائع، لكن فجأة تغيَّر كلُّ شيء؛ فقد دوَّى صوتٌ مخيف تردَّد صداه في المكان. كانت هناك انهيارات ثلجية تحدث. توقَّف الشياطين في محاولة لرصد حركة الانهيارات، لكنهم لم يروا شيئًا.
علَّق «عثمان»: يبدو أنها انهيارات من الجانب الآخر.
ردَّ «أحمد» بسرعة: هذا يعني أننا في منطقة انهيارات، ولو حدث ذلك، فإننا سوف نكون في موقف صعب …
سكت لحظة، ثم أضاف: وسوف تتعقد المشكلة أكثر، لو أن الانهيارات وصلَت إلى المنطقة التي توجد فيها الطائرة؛ فإن الثلج سوف يُغطيها، فتختفي تمامًا، بالإضافة إلى أن الموجودين سوف تكون هذه نهايتهم.
ولم يكَد «أحمد» ينتهي من كلماته، حتى ترددَ صوتُ الانهيارات من جديد، غير أنه هذه المرة لم يكن بعيدًا؛ فقد كان في المنطقة التي يقفون فيها تمامًا. كان الشياطين يرَون كتل الثلج الضخمة وهي تسقط متدحرجة بقوة في اتجاههم.
قال «قيس»: ينبغي أن نعود للغابة بسرعة؛ فالأشجار سوف تحجز عنَّا هذه الكُتل الثلجية.
وفي لمح البصر، عادوا مسرعين، وفي نفس الوقت كان الكلب الصغير يتعلَّق برقبة «أحمد»، وكأنه كان يخشى ما سيحدث هو الآخر. وعندما وضعوا أقدامهم داخل الغابة بأشجارها العالية الضخمة، حتى كانت إحدى الكُتل الثلجية قد اصطدمت بأول مجموعة من الأشجار فهزَّتها بعنف، حتى إن الثلج تساقط من بين فروعها، وكأنَّ الأشجار تُمطر ثلجًا هي الأخرى.
كان الكلب يرتجف بشدة بالرغم من أن «أحمد» كان يغطِّيه بمعطفه. نظر له «أحمد» لحظة كان الكلب ينظر له هو الآخر في استعطاف.
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم أخرج من جيبه حبة صغيرة، وضعها في فم الكلب، أخذ الكلب يستحلب الحبة. وبعد قليل، كان يُخرج رأسه من فتحة المعطف؛ فقد شعر هو الآخر بالدفء. ظل الشياطين في مكانهم ينظرون إلى نهاية الغابة، وهي تبدو أمامهم وكأنها سدٌّ منيع، تغطِّيه الكُتل الثلجية التي تَسُد الطريق أمامهم.
قال «فهد»: هل سنقف هكذا ننظر إلى الثلج دون أن نفعل شيئًا؟
رد «عثمان»: وماذا نستطيع أن نفعل؟
قال «فهد»: ينبغي أن نتقدم؛ فقد توقَّفت الانهيارات.
وقال «مصباح»: إننا نكاد نكون محاصَرين تمامًا الآن، وكأننا قد وقعنا في مصيدة الثلج فعلًا.
علَّق «قيس»: وبماذا نسمِّي الآخرين في الطائرة إذا كنا نحن قد وقعنا في المصيدة؟!
لم يعلِّق أحد. كانت الانهيارات قد توقَّفت فعلًا. في نفس الوقت بدأ المطر يقلُّ.
قطع «أحمد» الصمتَ قائلًا: إنني مع رأْي «فهد»، ينبغي فعلًا أن نتقدم، وهذه فرصتنا فقد توقَّفت الانهيارات، وتوقف المطر أيضًا.
تحرَّك الشياطين من جديد، وكان من حظِّهم أن اصطدام الكُتل الثلجية فوق الأشجار قد فتح طريقًا يمكن المرور منه. وبسرعة، كانوا يتقدمون الواحد بعد الآخر، حتى تجاوزوا حاجز الثلج.
في نفس الوقت كان الكلب ينظر لهم في هدوء، وكأنه يفهم كلَّ ما يدور. أخذ الجو يتحسن شيئًا فشيئًا، بينما هم يتقدمون، وكان «قيس» يحدد اتجاه التقدم بواسطة البوصلة. فجأة بدأت رياح عنيفة.
فقال «عثمان»: يبدو أنها مقدِّمة لعاصفة جديدة.
لم يعلِّق أحد؛ فقد كانوا يتقدمون بحماس جعلهم يشعرون بمزيد من الدفء. مضَت ساعة، وهم يزيدون من سرعتهم برغم قوة الرياح، حتى وصلوا في النهاية إلى سفح جبال «الألب». كان الجبل مكسوًّا باللون الثلجي الأبيض. أخذ الشياطين ينظرون إليه، وهو يقف بلا نهاية، فلم يستطع أحدٌ منهم أن يصلَ فعلًا إلى نهاية الجبل، غير أنهم بسرعة قرروا الصعود فوقه؛ فقد كانت بعض علامات الطريق واضحة، بعد أن تقدم «أحمد» طابور السير، ثم تَبِعه «قيس»، و«عثمان»، و«مصباح»، وأخيرًا «فهد». كان الصعود يحتاج للحذر، حتى لا تفلتَ قدمُ أحد منهم. فجأة نبَح الكلب نباحًا قويًّا، حتى إن «أحمد» قال: يبدو أننا قد اقتربنا!
فجأة مرة أخرى، قفز الكلب من «أحمد»، ثم أخذ يصعد الطريق. كان هذا يشير إلى أن الطائرة ليست في منطقة بعيدة. أدار «قيس» جهاز استقبال الإشارات، ثم هتف: هناك إشارات يسجلها الجهاز. تجمَّع الشياطين حوله، ظل الجهاز يسجل، وعندما انتهى، بدأ الشياطين يستمعون إليه. كانت رسالة من الطائرة، تُحدِّد مكان وجودها، وتقول إنهم يكادون يتجمدون من البرد.
قال «أحمد» بسرعة: رُدَّ على الرسالة، وقُل لهم إننا في الطريق.
وعندما أرسل «قيس» الرسالة، كان الشياطين يشعرون وكأنهم حقَّقوا انتصارًا كبيرًا.