سنوي … بطل المعركة!
كانت فرحة الشياطين لا تُوصف؛ لأن الطائرة هي سبيلهم الوحيد للوصول إلى مقر العصابة، حيث توجد «إلهام»؛ فبدون الطائرة لن يستطيع أحد الوصول إلى هناك؛ ولهذا أسرعوا في سيرهم إلى درجة أن «عثمان» كان يجري فوق الثلج كلما قابلَته منطقة منبسطة.
في نفس الوقت، كان الكلب يُسابق «عثمان» كلما جرى … وكان ذلك يُخفِّف على الشياطين صعوبة المكان … وكان توقُّفُ المطر والثلج يدفعهم أكثر لاستغلال الفرصة. فلا أحد يعرف متى يمكن أن تُمطر مرة أخرى.
لكن فرحتهم لم تكتمل. ففجأة ظهرت أجسام بيضاء تتحرك.
نظر «أحمد» إليها في دهشة، كان يفكر: ما هذه الأجسام؟ وهل هؤلاء بعض الرجال الذين يعيشون في جبال الألب أم أنهم من أفراد العصابة؟ ولو كانوا من العصابة، فإن هذا يعني أن الشياطين قد اقتربوا من الهدف؟
كانت أسئلة كثيرة تدور في رأسه. لكن الأسئلة توقَّفت فجأة؛ فقد دوَّت طلقة رصاص بجواره اصطدمت بالثلج، وأحدثت دويًّا تردَّد صداه في صمت المكان. ألقى نفسه بسرعة على الأرض، واختفى خلف نتوءٍ بارزٍ يغطيه الثلج.
في نفس الوقت، تصرَّف الشياطين بنفس الأسلوب، وبدءوا يتفاهمون بالإشارات.
قال «أحمد»: نحن لا نعرف مَن هؤلاء، لكن هذه فرصة طيبة على كل حال.
علَّق «قيس»: إنهم لا يظهرون؛ فهم يلبسون ملابس بيضاء تجعلهم وكأنهم قِطَعٌ متحركة من الثلج.
وعلَّق «مصباح»: لعلهم من سكان المكان!
فعلَّق «فهد»: لا أظن. ربما تكون هذه أول نقطة حراسة في الطريق إلى مقر العصابة.
قال «أحمد»: نرجو أن يكونوا كذلك.
كان الصمت يحيط بالمكان، ولم يكن يُسمع أي صوت. أخرج «أحمد» رأسه من خلف النتوء البارز، فدوَّت طلقة سريعة فوق رأسه تمامًا، فعاد بسرعة، تحدَّث إلى الشياطين بلغة الإشارات، حتى لا يسمعَهم أحد، فقال: إنهم يعرفون مكاننا جيدًا، وينتظرون ظهورنا.
مرَّت لحظة قبل أن يرسم «فهد» إشاراتٍ فَهِمها بقيةُ الشياطين تقول: أخشى أن تكون خُطَّتهم أن يشغلَنا بعضهم حتى يصطادَنا آخرون.
رد «مصباح»: لا أظن أنهم يستطيعون؛ فالمكان ليس له سوى طريق واحد.
علَّق «قيس»: إنهم خبيرون بالمكان أكثر منَّا، وقد يكون هناك طرق أخرى لا نعرفها.
كان «أحمد» يفكر في طريقة يكتشف بها وجودهم، فذلك هو الطريق الوحيد لتحديد أماكنهم. نظر إلى الشياطين، ثم تحدَّث إليهم بالإشارة: سوف نُطلق مجموعة طلقات في وقت واحد، وفي أماكن متفرقة تمثِّل دائرة كاملة؛ إنَّ الردَّ علينا سوف يكشف أماكن وجودهم.
أخرج الشياطين مسدساتهم. رفع «أحمد» يده، ثم أشار إشارة. وعندما أنزل يده انطلقَت مجموعة طلقات في اتجاهات مختلفة تمثِّل فعلًا دائرة حول الشياطين. ومع انطلاق الرصاص كانت طلقات أفراد العصابة تنزل كالمطر، غير أنها كانت محددة المكان؛ فقد جاءت من الأمام.
بسرعة قال «أحمد»: إذن، هناك طريق من اليمين. لقد تحدَّد وجودهم الآن تمامًا.
سكت «أحمد»، لكن صوت طلقات العصابة كان يأتي متفرقًا، وكاد يغطي المكان الذي يختفي فيه الشياطين. كان يفكر: ما الذي يمكن عمله الآن؟ … إن بقاءَهم على هذا الموقف يعطِّل خُطتَهم. فلا بد من الوصول للطائرة بسرعة. أشار للشياطين، فزحفوا إليه. كان الكلب يلتصق بهم وكأنه يخشى الموقف الذي هم فيه.
قال «أحمد»: ينبغي أن نشترك معهم مواجهة، حتى لا نضيِّع فرصتنا. فإذا كان ركاب الطائرة يشكون من البرد، فإن مرور الوقت يعني أن هذه نهايتهم.
توقَّف فجأة عن الكلام. كان خاطرٌ جديدٌ قد تردَّد في ذهنه، قال: من المؤكد أن العصابة التقطت رسالة الطائرة … أو التقطت رسالتنا إليها، وهذا هو سبب وجود هؤلاء؛ فمكان الطائرة يمكن أن يكون قريبًا.
لكنَّ مقرَّ العصابة ليس قريبًا كما تُشير المعلومات التي لدينا.
ردَّ «فهد»: إنني أتَّفق معك في هذا الرأي.
تساءل «عثمان»: ولماذا لا يكونون من سكَّان الجبال؟
ردَّ «قيس»: ولماذا يُطلقون علينا الرصاص إذن؟
فجأة، أخرج الكلب رأسه من معطف «أحمد»، ثم أخذ يتشمَّم الهواء. نظر له «أحمد» وهمس: هناك أحد يقترب!
أصدر الكلب صوتًا ليس عاليًا، فعلَّق «أحمد» بسرعة: هذا صحيح، ويبدو أن الكلب مدرَّب، أو أنها غريزة فيه.
نظر الشياطين حولهم في حذرٍ. فجأة أخذ الكلب ينبح بقوة، في نفس اللحظة كان أربعة رجال يقفزون فوق الشياطين. إلَّا أن نباح الكلب، كان قد أعطى الشياطين إنذارًا، فتلقَّوا الرجال الأربعة.
تدحرج «فهد» فسقط الرجل الأول على الثلج. كان قريبًا من «قيس» الذي ضربه ضربة قوية، جعلَته يتدحرج في اتجاه «فهد» الذي كان قد وقف بسرعة، فتلقَّاه.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد أمسك بآخر وضربَه ضربة قوية أطاحَت به حتى اصطدم بجسم الجبل. تابعه «أحمد» ثم تلقَّاه بضربات متتالية، جعلَت الرجل يدور حول نفسه.
ثم ضربه «أحمد» ضربة قوية، فسقط بلا حَراك. في نفس اللحظة كان «قيس» يتلقَّى ضربةً قوية من عملاق أبيض، إلَّا أن الكلب كان أسرع، فقفز إلى ساق الرجل، وعضَّه حتى جعله يصرخ، ولم يُكمل ضربته.
وكانت هذه فرصة أمام «قيس» فسدَّد ضربة إلى الرجل جعلَته ينبطح، ولكنه في لمح البصر، كان يقفز مرة أخرى في اتجاه «قيس»، غير أن الكلب كان في انتظاره؛ فقد قفز إلى ارتفاع غريب وصل به إلى وجه العملاق، ثم أعمل أظافره في وجْهه. صرخ الرجل وهو يغطي وجهه، ومرة أخرى كان صيدًا سهلًا.
أما «عثمان» الذي اشتبك مع آخرين؛ فقد ضرَبه رجلٌ ضربةً قوية، إلَّا أن «عثمان» هرب من الضربة وتعلَّق بذراع الرجل التي كانت قوية تمامًا، جعلَت «عثمان» يُصبح بين يدَيه. احتضن «عثمان» حتى لا يُعطيَه فرصةً للضرب، إلَّا أن قدمَ «عثمان» انزلقت، فوقع الاثنان. ولانحدارِ الطريق تدحرجَا بسرعة، نزولًا إلى أسفل الجبل. نظر «أحمد» ﻟ «عثمان» وخشيَ أن ينتهيَ الموقف بهزيمة «عثمان»، إلَّا أنه في نفس الوقت لم يكن يستطيع أن يفعل شيئًا؛ فقد كانَا ينزلقان بسرعة غريبة. نظر في اتجاه الكلب ولا يدري ما الذي جعله ينادي الكلب باسم «سنوي». كان الكلب يشترك مع «مصباح» في مهاجمة شخص آخر.
ثم توقَّف الكلب عن الهجوم، وكأنه فَهِم أن «أحمد» يُناديه. أشار إليه في اتجاه «عثمان». وفي لمح البصر كان «سنوي» يقفز في اتجاه «عثمان» قفزات سريعة. كان «أحمد» يراقب ذلك، إلَّا أن مراقبته لم تستمر؛ فقد سقط فجأة فوقه ثقلٌ غريب وقع به إلى الأرض في لمح البصر، تصوَّر أنه أحد الانهيارات الثلجية، لكنه عندما تأكَّد رأى عملاقًا ضخم الجسم، وقد غطَّته الثلوج، وكأنه قد خرج من الثلج فجأة، أو أنه مصنوع من الثلج.
لم يكن سقوط «أحمد» مؤثرًا؛ ولذلك فقد استطاع أن يشتبك مع العملاق وربما لأول مرة في حياته يلتقي برجل له هذه القوة.
ضربَه ضربةً سريعة، إلَّا أن العملاق لم يهتزَّ. كان العملاق قد قفز من إحدى قمم الجبال وانضم إلى أفراد العصابة.
طار «أحمد» في الهواء ثم ضرَب الرجل ضربة قوية، إلَّا أن الرجل أمسك بقدم «أحمد»، حتى إنه سقط هذه المرة وقد شعر أن الدنيا تدور من حوله. سمع — وهو في لحظة الدوار — صوتَ الرجل وهو يصرخ: لا تستخدم المسدس. إن الزعيم …
فجأة، شعر «أحمد» بشيء دافئ يلعق وجهه، فتح عينَيه، فوجد «سنوي» كان كأنه يوقظه، في نفس اللحظة رأى قدمَ العملاق تأخذ طريقها إليه.
وبسرعة تدحرج من مكانه في وقت مناسب، فنزلت قدمُ العملاق فوق الثلج. وبسرعة مرة أخرى ضرب العملاق وهو نائم ضربةً قوية جعلت العملاق يدور حول نفسه ثم يقع على الأرض، وقبل أن يقف «أحمد» على قدمَيه، كان «سنوي» قد قفز إلى العملاق، واستقر فوق وجهه.
كانت فرصته … قفز «أحمد» إلى العملاق الذي لم يكن يستطيع أن يرى شيئًا بسبب «سنوي»، وفي نفس الوقت كان «عثمان» قد ظهر منضمًّا إليه، واشتركَا معًا في مهاجمة العملاق. كانَا يتبادلان ضرْبَه، فلا يجد فرصة لأن يشتبك مع أحدهما، حتى لم يستطع الحركة. وعندما انتهيَا كان بقية الشياطين قد أنهى كلٌّ منهم معركته، وانتهى الموقف كله لصالح الشياطين.
نظر «أحمد» حوله، فرأى «سنوي» يقف وعلى وجهه ما يُشبه الفرح، مدَّ ذراعَيه إليه فأسرع «سنوي»، حتى قفز على صدر «أحمد» الذي احتضنه في إعزاز وقبَّله.
قال «عثمان»: لقد أنقذني من العملاق الذي كاد يفتك بي، ولولاه لكنت قد تلقيتُ عَلْقة ساخنة.
قال «أحمد»: إنني أدعوه «سنوي»، وإن كنت لا أدري لماذا اخترت له هذا الاسم بالذات!
علَّق «مصباح»: لعلك تأثرت بالمكان؛ فالثلج بالإنجليزية «سنو».
قال «أحمد»: هذا تعليل طيب.
سكت لحظة، ثم قال: والآن ينبغي أن نُسرع؛ فقد تعطلنا كثيرًا.
تحرك الشياطين بنشاط، كانت المعركة الرهيبة التي دخلوها قد جعلتهم أكثر نشاطًا وأكثر حماسًا. تقدَّموا. كان «أحمد» يتقدَّمهم وهو يحمل «سنوي»، والذي حاول أن ينزل إلَّا أن «أحمد» أمسك به، ولم يُعطِه فرصة النزول.
انقضى الوقت دون أن يشعروا به، ولم يكن أحد منهم يفكِّر كم الساعة الآن؛ ففي هذا المكان الذي يُشبه الفريزر للثلاجة لم يكن الوقت يختلف طوال النهار. لكن بعد وقتٍ بدءوا يشعرون أن الضوء يختلف، وأن الليل يوشك أن يهبط. قال «أحمد»: سوف يبدأ الظلام كما أعلم، وهذا سوف يشكِّل بالنسبة لنا عطلًا جديدًا.
قال «قيس»: إننا لن نتوقف. إن البطاريات التي نحملها تكفي لأن نستمرَّ في طريقنا.
استمروا في تقدُّمِهم. قال «أحمد» بعد لحظة: هل نرسل إشارة إلى ركَّاب الطائرة؟
ردَّ «عثمان» بسرعة: إن ذلك يكشف وجودَنا، خصوصًا وأن هذه المعركة أكَّدت أن العصابة تضعنا تحت أعينها.
ردَّ «أحمد»: لهذا السبب ينبغي أن نُرسل الإشارة، فما دامت العصابة تعرف … فإن المعركة قد أصبحت مكشوفة.
اتفق الشياطين على إرسال الإشارة. وقام «قيس» بإرسالها تبعًا للموجة التي التقط عليها الإشارة السابقة. ولم تمضِ دقائق حتى جاءهم الردُّ يقول: إننا في موقف يائسٍ، لكننا في الانتظار.
لكن فجأة … وبشكل غير متوقع … هبط الليل.