مصيدة جديدة من الثلج!
كان الظلام قاتمًا جدًّا، ربما أكثر من أي مكان آخر، وربما من أيِّ ليل عاشه الشياطين في أي مكان. همس «أحمد»: ينبغي أن يكون هناك ما يجعلنا مُتماسكين.
ردَّ «قيس» متسائلًا: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: إننا قد نتوه عن بعض في الظلام، وأي صوت نُصدره سوف يكون مسموعًا في هذا الصمت، ونحن لا نأمن فاحتمال أن يكون هناك كمينٌ آخر في الطريق.
همس «مصباح»: إن معي ما يجعلنا دائمًا بجانب بعضنا البعض.
أخرج حبْلًا رفيعًا من حقيبته، ثم مدَّ يده ﻟ «أحمد» قائلًا: امْسِك مقدمة الخيط، وسوف يَمسكه كلٌّ منَّا، وهكذا نظل على اتصال دائم.
بدأ تحرُّك الشياطين، وكانت حركتهم بطيئة؛ لأنهم لم يكونوا يرون شيئًا، بجوار أنهم لا يستطيعون إشعالَ أيِّ ضوء حتى لا ينكشفَ وجودهم.
فجأة، التقط جهازُ الاستقبال مع «قيس» رسالةً شفرية، فتصوَّر أنها من «إلهام»، ولكن عندما حلَّ رموزها وجدها من رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: «أعرف أن الجوَّ سوف يعطِّلكم. ما هي أخباركم الآن؟»
نقل «قيس» الرسالة إلى الشياطين، فقال «أحمد»: ينبغي أن نردَّ ردًّا متفائلًا … خصوصًا وأننا فعلًا في الطريق إلى الطائرة.
قال «قيس»: ماذا تقترح أن نقول؟!
فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: إننا في الطريق للخطوة قبل الأخيرة، ونحن على اتصال ﺑ «إلهام».
أرسل «قيس» رسالة شفرية إلى رقم «صفر»، الذي ردَّ سريعًا قال فيه: أتمنَّى لكم التوفيق!
ولم تمضِ لحظات حتى كان جهاز الاستقبال يستقبل رسالة شفرية أخرى … استقبلها «قيس» وهو يعرف أنها من «إلهام».
كانت الرسالة تقول: هناك حركة غير عادية في مقرِّ العصابة، ويجب أن تحذروا الطريق.
نقل «قيس» ترجمة الرسالة إلى الشياطين، فقال «عثمان»: ربما تكون الحركة بسبب الطائرة.
أضاف «فهد»: وربما وصلَتهم رسالة عن المعركة.
علَّق «أحمد»: السببان يصلحان لإحداث هذه الحركة.
سكت لحظة ثم أضاف: المهم هو أن نأخذ حذرنا من الطريق، ما دامت رسالة «إلهام» تؤكد ذلك.
فجأة، أصدر «سنوي» صوتًا، فتوقَّف «أحمد»؛ فقد كان يعتمد على «سنوي» تمامًا في هذا الظلام الغريب، وتوقَّف بقية الشياطين؛ فقد كان هناك اتفاق على أنه إذا جذب «أحمد» الحبل مرةً؛ فهذا يعني التوقف، وإذا جذبه مرتين فيعني التقدُّم.
مسح «أحمد» على رأس «سنوي»، فأصدر الصوت مرة أخرى. ثم فجأة … قفز من حِضْن «أحمد» الذي تركه هذه المرة؛ فقد توقَّع أمرين: إمَّا أن يكون «سنوي» قد شمَّ رائحة أحد الغرباء، أو أنه شمَّ رائحة أصحابه، وهذا يعني أن أحدًا من الطائرة قد غادرها وتاه في الطريق، وهذا يعني أيضًا أن الطائرة اقتربت تمامًا.
ظل الشياطين في مكانهم في انتظار ما سوف يحدث. فجأة، علَا نُباح «سنوي»، ولم يكن النُّباح بعيدًا. جذب «أحمد» الحبل مرتين فتقدَّم الشياطين بسرعة، لكن فجأة سمعوا صُراخ رجل … وكان الصراخ قريبًا … تأكَّد «أحمد» أن «سنوي» قد اكتشف وجودَ شخص غريب. فجأة لمع ضوء، فكشف المكان الذي صدر منه صُراخ الرجل، وظهر عددٌ من الرجال المسلحين. في نفس اللحظة صدرت طلقة تردَّد صداها في صمت المكان، ولمَع ضوءُها في الظلام.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إن المقصود بهذه الطلقة هو الخلاص من «سنوي» إلى الأبد.
أسرع الشياطين في نفس الاتجاه، وكان الظلام قد عاد من جديد؛ فقد أطفأ الرجال الضوء الذي أشعلوه، لكن الشياطين كانوا قد حدَّدوا أماكنهم بالضبط. وبطريقة اللمس حدَّد لهم «أحمد» ما سوف يفعلونه.
قال لهم: سوف نفترق في هدوء شديد، ثم نقفز عليهم لننتهيَ منهم.
وبدأ الشياطين ينفذون الخطة؛ اقتربوا أكثر فأكثر … حتى بدءوا يسمعون همساتهم.
سمع «أحمد» أحدَهم يقول: لقد اختفى الكلب.
ردَّ آخر: إنه كلب غريب عن المكان، فهذه الكلاب لا تعيش في الخلاء، أو في مناطق الثلج، ولا بد أن أحدًا غريبًا هنا.
ردَّ ثالث متسائلًا: ربما يكون لأصحاب الطائرة المفقودة؟
رد الأول: ربما.
سكت لحظة، ثم أضاف: لقد أخطأت؛ لأنك لم تُصبه … هذا اللعين!
شعر «أحمد» بالسعادة، لقد نجا «سنوي» من رصاصهم. في نفس الوقت، سمع أحدهم يقول: إنه في لون الثلج تمامًا؛ ولهذا لم أستطع تحديد مكانه.
كان الشياطين قريبين منهم الآن … وبلغةِ اللمس، قال «أحمد»: على كلِّ واحد أن يتأكد تمامًا من هدفه؛ فإن أيَّ خطأ سوف يُفقدنا فرصة المفاجأة.
فجأة شعر «أحمد» بأنفاس حارة تتدافع بشدة. عرف أنها أنفاس «سنوي» الذي التصَق ﺑ «أحمد» تمامًا. حمله ثم قبَّله واحتضَنه. لقد كشف «سنوي» لهم هذا الكمين الجديد، ولولاه لوقعوا في أيدي العصابة.
مرَّت دقائق، كان الشياطين فيها يستعدون، وكان حظهم جيدًا. ففجأة دوَّى الرعد … وكأن جبال «الألب» سوف تسقط، حتى إن أحد الرجال قال: إن ذلك يعني حدوث انهيارات ثلجية جديدة، وينبغي أن نقترب من المخبأ …
أضاف آخر: خصوصًا وأنه لم يظهر أحد.
فجأة، مرة أخرى، لمع البرق لمعانًا شديدًا، حتى جعل المنطقة كلها كالنهار. وكانت هذه هي الفرصة الملائمة؛ فقد قفز الشياطين فجأة على الرجال. وكانوا ثمانية يقفون فيما يُشبه نصف دائرة؛ ولذلك كان «أحمد» و«فهد» في الطرفين، قفزَا معًا، ثم ضربَا الطرفين إلى الداخل في حركة «كاراتيه» صائبة، فاصطدم ببقية المجموعة، وسقط … الجميع على الأرض. وبسرعة كان «قيس» و«عثمان» و«مصباح» و«سنوي»، قد اندفعوا في قوة إليهم. وقبل أن يقف أحدهم كانت ضربة سريعة قد خرجت من يد «عثمان» إليه فأعادته. تدحرج أحدهم بسرعة، وهو يحاول أن يخرج مسدسه، إلَّا أن «سنوي» كان أسرع منه، فانقض عليه يعضُّ يده؛ مما جعل الرجل يصرخ، في الوقت الذي كان «مصباح» قد تابعه، فضربه ضربة قوية جعلَته يتدحرج بسرعة، حتى يصل إلى حافة الجبل، ثم يسقط مختفيًا.
كان من حظِّ الشياطين أيضًا أن البرق ظلَّ يتوالى مع حدوث الرعد، فأصبح الموقف في أيديهم تمامًا. وبينما كان «فهد» و«قيس» و«عثمان»، يربطون كلَّ اثنين منهم معًا، كان «أحمد» قد قبض على السابع، واحتفظ به؛ فقد فكَّر «أحمد» بسرعة أمام الكلمات التي سمعها منهم، عندما قال أحدهم: علينا أن نقترب من المخبأ.
وعندما قال آخر: إن الرعد يعني انهيارات ثلجية.
وإذا حدث هذا فإنهم قد يتعرضون لمصاعب كبيرة … ما لم تكن هذه نهايتهم … عندما انتهوا من ربط أفراد العصابة، جرُّوهم إلى مكان، يبدو وكأنه حفرة كبيرة، ثم ألقوهم فيها. في نفس الوقت قال «أحمد» بسرعة: هيَّا، ينبغي أن نتحرَّك قبل أن يحدث أيُّ شيء.
كان «سنوي» قد أسرع وقفز إلى حِضْن «أحمد» ليستمدَّ منه الدفء. في نفس الوقت كان «فهد» يجرُّ رجل العصابة المربوط. تحدَّث «أحمد» بلغة الشياطين التي لا يفهمها غيرهم، قال: إنني أفكِّر في أن نبيتَ الليلة هنا حتى لا تفاجئنا أيةُ انهيارات ثلجية.
تساءل «عثمان»: ألَا يُعطِّلنا ذلك؟
تساءل «مصباح»: وركاب الطائرة هل نتركهم ليلة أخرى؟!
مرَّت دقائق. كان «أحمد» يفكر فيما طرحه «عثمان» و«مصباح» … ثم قال: إذا تأخرنا ساعات، فسوف يكون ذلك خيرًا من أن ننتهيَ إلى الأبد.
دوَّى صوت الرعد من جديد، وغطَّى ضوءُ البرق المكان. نظر «أحمد» إلى رجل العصابة وسأله: هل تتوقع انهيارات ثلجية الليلة؟
ردَّ الرجل بعد لحظة: ليس توقُّعًا، ولكنه ضرورة. إنَّ هذا الرعد يحرِّك القِمم الثلجية في الجبال، فتتهاوَى لتبدأ الانهيارات.
سأله «أحمد» مرة أخرى: هل يمكن أن تتوقَّع متى سوف تحدث؟
وقبل أن يُجيب الرجل، كان صوت الانهيارات قد بدأ، فقال الرجل: ينبغي أن تلجأ إلى المخبأ الآن، قبل أن تصل الانهيارات إلينا.
سأله عثمان بسرعة: هل المخبأ بعيد؟
ردَّ بسرعة: ليس ببعيد، ولا ينبغي أن تضيِّعوا الوقت في الأسئلة والإجابات فتُفاجئنا الانهيارات وننتهي.
نظر له «أحمد» لحظة: هل هناك أحد؟
تردَّد الرجل ثم قال: اثنان.
قبض «أحمد» على ذراع الرجل بقوة، ثم قال: وماذا سوف تفعل؟
ردَّ الرجل: لا أظن أنني سوف أترككم. هيَّا بنا الآن، وسوف أتحدث إليهما بما يُطمئنهما. فقط، يجب أن تَعِدوني أن تكونوا أكثر رفقًا بهما.
ردَّ «أحمد»: سوف نكون كذلك، ما لم يُقدِمَا على شيء.
أشار الرجل برأسه في اتجاه اليمين، وقال: إن المخبأ من هذا الاتجاه، وهو لا يبعد كثيرًا.
تردَّد صوت الرعد بعنف أكثر وبَرَق البرقُ، ثم فجأة، بدأ سقوط الأمطار الثلجية. بدأَت ضعيفة، ثم أخذَت تزداد وتزداد، حتى بدَا وكأنها سوف تصنع حول الشياطين مصيدة جديدة.
أسرع الشياطين في الاتجاه الذي حدَّده الرجل. فجأة ارتفع صوتُه بأغنية لم يعرفها الشياطين. كانت الأغنية تقول: الآن وأنا عائدٌ إلى البيت، أحمل صيدي الطيور الجميلة، وأكلها جميل أيضًا، خصوصًا في ليالي الشتاء.
سأله «أحمد» بسرعة: لماذا تغنِّي؟!
ردَّ الرجل: إنها شفرة، عندما نكون قد حققنا انتصارًا، وسوف يعرفان أنَّ كلَّ شيء يمرُّ بسلام.
اقتربوا أكثر، وأعاد الرجل غناء الأغنية مرة أخرى … وعندما انتهى منها، سمعوا صوتًا يغنِّي وكأنه ردٌّ على غناء الرجل. كانت الأغنية الأخرى تقول: في ليل الشتاء القارس، يحلو الطعام الساخن، وأحلى طعام في الشتاء، هو الطيور التي اصطدناها.
كانت أغنية رقيقة فعلًا سواء الأولى، أو الثانية. فجأة، لمع ضوء، وظهر بجواره رجلٌ كان يبدو واقفًا في مدخل المخبأ. وصاح: جاكو. أنت وحدك؟
ردَّ الرجل: معي بعض الضيوف.
وعندما اقتربوا تمامًا انقض «عثمان» فجأة على الرجل، وكتَّف ذراعَيه. وفجأة كانت كُتَل الثلج تسقط في عنف، ووقع الشياطين في مصيدة ثلج جديدة.
وكانت هذه مغامرتهم القادمة.
وإلى اللقاء في القصة القادمة.