الفصل الأول
المدرسة الاسكتلندية
سُمِّيَت المدرسة الفكرية التي أسسها «توماس
ريد
Thomas Reid» (١٧١٠–١٧٩٦)، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، باسم المدرسة
الاسكتلندية، تبعًا للموقع الجغرافي للمنطقة التي ظهرت فيها، وموطن ممثليها البارزين،
أما بالنسبة إلى محتوى تعاليمها، فيُطْلَق عليها عادةً اسم «فلسفة الموقف الطبيعي
Phil. of Common Sense»
١ وهي تكون اتجاهًا متفرعًا عن المذهب التجريبي الإنجليزي، وإن كانت قد نشأت
عن المعارضة الواعية لمدرسة الفكر التجريبي التي يمثلها باركلي وهيوم، وقد استمدت
هذه
الفلسفة مادتها الفكرية من الموضوعات الرئيسية والمشاكل التي عالجتها المدرسة
التجريبية، وهي المدرسة التي أخذت على عاتقها محاربتها وتفنيدها، غير أنها لم تتمكن
من
القضاء على هذه الموضوعات الرئيسية والمشاكل من الداخل، ولا من إضافة مادةٍ فكريةٍ
جديدة إليها من الخارج، وإنما اكتفت باستعراض وتشويه المشكلات التقليدية وحلولها،
وإن
لم تتجاوز قط نطاق النتائج التي بلغتها الفلسفة الإنجليزية في عصرها الكلاسيكي، فهذه
المدرسة لم تتخلَّ عن الاتجاه الفكري السابق، وإنما انحرفت عنه ودفعته إلى طريقٍ
جانبي،
وتعد أهميتها المذهبية أقل كثيرًا من الأعمال الكلاسيكية الكبرى في الفلسفة الإنجليزية،
وهي الأعمال التي ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا، ولا يمكن فهمها بدونها، وهي في عودتها
إلى
الفهم البشري السليم تنطوي على تراخٍ في الحماسة الفلسفية، وتدهور في تلك القوة
التأملية النظرية التي نبعت منها تلك الصدمة الهائلة التي حفزت هيوم إلى التفكير،
فلم
تكن تلك المدرسة كفؤًا لعظمة الموقف التاريخي الذي وجدت نفسها فيه، وإنما كانت عاجزة
عن
التصرف بكفاءة في التركة التي خلَّفها لها هيوم. وهكذا لم يسفر الصراع الباسل الذي
قام
به ريد ضد هيوم عن انتصارٍ فعلي له على خصمه، ولم يكن الرد الذي أتى به على التحدي
الشكاك من جانب هيوم معينا للتفكير الفلسفي، وإنما انتهى به إلى طريقٍ مسدود؛ فقد
استيقظ ريد — مثل كانْت — من سباته القطعي بفضل هيوم، غير أن المفكر الألماني هو
وحده
الذي تمكن من أن يُحوِّل التأثير الهائل الذي أحسَّ به الاثنان إلى نتيجةٍ مثمرة،
ويتجه
به إلى حركةٍ فكريةٍ جديدةٍ ضخمة، أما ريد وزملاؤه فلم يُدخلوا على الفكر تجديدًا
خلَّاقًا، وظلوا خلفاء مغمورين لمفكرين عظماء، ولم يسهموا في الفكر بنصيبٍ
ملحوظ.
ومع ذلك فإن التأثير التاريخي للمدرسة الاسكتلندية وانتشارها لم يكن بالأمر القليل
الأهمية، فقد توطدت دعائم مذهب ريد في الجامعة الاسكتلندية، واستقر فيها كأنه نوع
من
المذهب المدرسي، وظل على الدوام يجتذب أتباعًا جددًا إلى دائرة نفوذه، كما عبر البحر
إلى فرنسا، حيث كان هو القوة الملهمة لكثير من المفكرين الذين خلفوا «مين دي بيران
Maine de Biran» (مثل روايية كولار
Royer-Collard، وكوزان
Cousin، وجوفروا
Jouffroy،
وجارنييه
Garnier، وداميرون
Damiron ودي ريموزا
De Rémusat، وغيرهم)،
٢ وفي أمريكا استمر تراثها حيًّا بفضل ج.
مكوش
J. M’ Coch (انظر فيما بعدُ [الباب الأول: المدارس الفكرية المتقدمة – الفصل
الثاني: المدرسة النفعية التجريبية]) ونوح
بورتر
Noah Porter وغيرهما، فهذه المدرسة تمثل أول حالة تصادف فيها مدرسةً حقيقية
للتعليم الفلسفي في تاريخ الفكر الإنجليزي باستثناء المدرسة المسماة بمدرسة كيمبردج،
والتي تبلور فيها بعث التعاليم الأفلاطونية في القرن الثامن عشر، ولأول مرة نرى مذهبًا
فكريًّا موحدًا وقد أُدْمِجَ في المناهج الأكاديمية، وظل طوال عشرات طويلة من السنين
يمثل ويعلم ويوسع بفضل تعاون مجموعة غير قليلة من الأتباع، وكان للمدرسة التي أسَّسها
ريد في اسكتلندا مقابلها في إنجلترا، حيث ظهرت مدرسةٌ هامة تركزت حول بنتام
Bantham، وظل الاثنان يتنافسان طويلًا، وتركزت حولهما
معظم الطاقات الفلسفية الموجودة في ذلك الحين.
ولا يدخل التاريخ المبكر للفلسفة الاسكتلندية
في نطاق هذا الكتاب، ومن ثَم فليس في وسعنا هنا إلا أن نقدِّم مجملًا سريعًا لمراحلها
الرئيسية، فقد انتقلت زعامة المدرسة — حتى قبل وفاة ريد — إلى دوجالد ستيوارت Dugald Stewart (١٧٥٣–١٨٢٨)، وهو أقدر تلاميذه
الأولين، وكان ستيوارت معلمًا أكاديميًّا لامعًا، كان لمحاضراته البليغة الأسلوب
تأثيرٌ
تعليميٌّ عظيم في الجيل الاسكتلندي الناشئ عندئذٍ، وقد شغل منذ ١٧٨٥ حتى ١٨١٠ كرسي
الفلسفة الأخلاقية في جامعة إدنبرة، التي كانت هي المركز الروحي للفلسفة الاسكتلندية
طوال أجيالٍ عديدة، وتتلمذ على يديه شبانٌ كثيرون قدر لهم فيما بعدُ أن يبلغوا أوج
الشهرة في ميادينَ عظيمة التباين في الحياة السياسية والعقلية، فكان منهم شخصياتٌ
ضخمة
مثل السير وولتر سكوت Sir Walter Scott، ورئيسا وزراء
مقبلان هما بالمرستون Palmerston ورسل Russell، وقد اقتفى — في النقاط الرئيسية لمذهبه — أثر
ريد، ولم يختلف معه إلا في بعض المسائل الجزئية، وانحصرت مساهمته الوحيدة في الميدان
النظري في محاولته وضع تعاليم أستاذه في صورةٍ مذهبيةٍ أدق، وتطبيقها على نطاقٍ أوسع،
وكان رجلًا ذا ثقافةٍ عقليةٍ رفيعة، عرف كيف يضع أفكار ريد الجافة المصوغة بعباراتٍ
جامدة في قالبٍ أدبيٍّ زاهٍ مصقول، ولكن من الأمور الجديرة بالملاحظة أن ستيوارت
— الذي
كان في ذلك الحين أقوى شخصيةٍ قادرة على إذاعة الثقافة الفلسفية في بريطانيا — لم
يكن
متنبهًا على الإطلاق إلى التقدم العظيم الذي طرأ على الفلسفة الألمانية أثناء حياته،
وعلى أية حال فقد كان ستيوارت من بعد ريد هو الممثل الأكاديمي الرئيسي للمذهب
الاسكتلندي، وقد حمل لواء تراثه حتى القرن التاسع عشر، وكان ممثلًا له من القوة
والتأثير ما جعل هذا المذهب يظل صامدًا حتى انعقد لبنتام لواء الزعامة في ميدان
الفلسفة.
ويرتبط توماس براون Thomas Brown (١٧٧٨–١٨٢٠) —
تلميذ ستيوارت وخليفته في إدنبرة — بالمدرسة الاسكتلندية ارتباطًا وثيقًا، وإن لم
يكن
قد قبل جميع أفكارها، ويمثل موقفه الفلسفي نوعًا من التوفيق بين الاتجاهات الترابطية
في
المذهب التجريبي الأقدم عهدًا، وبين الآراء الحدسية عند ريد، وهو بذلك يمثل معبرًا
بين
فلسفة الموقف الطبيعي (الإدراك المشترك) وبين المذهب التجريبي المتأخر، وبالتالي
المذاهب النفسية لدى جون وجيمس مل، وبين Bain وسبنسر،
وكانت أهم مساهماته في ميدان الفلسفة جهوده في مشكلتي الإدراك الحسي والعِلِّية،
وهي
جهود أدت أحيانًا إلى اتخاذه موقفًا معارضًا بعنف لموقف ريد؛ فعلى الرغم من أنه التزم
الافتراض القائل بوجود مبادئَ اعتقاديةٍ حدسيةٍ معيَّنة، فإنه ازداد اقترابًا من
آراء
المذهب الحسي فيما يتعلق بمشكلة الإدراك الحسي، ومن آراء هيوم فيما يتعلق بالعلية،
مع
رفضه النتائج الشكاكة التي انتهى إليها هيوم. وقد تناول المشكلة الأخيرة في مؤلَّفٍ
شامل خاض فيه مناقشةً نقدية مع هيوم، وقد ظهرت الطبعة الأولى لهذا المؤلَّف عام ١٨٠٥،
وظهرت طبعته الثالثة، التي زيدت زيادةً كبيرة في ١٨١٧، بعنوان: «بحث في العلاقة بين
العلة
والمعلول An Inquiry Into the Relation of Cause and Effect.
وكان براون مفكرًا أقوى بكثير من ستيوارت، وكانت لديه ملكاتٌ نقديةٌ سليمة، وقد أبدى
— منذ ذلك الوقت المبكر — اهتمامًا ﺑ «كانت» وكتب عن فلسفته أول الأبحاث التي ظهرت
بالإنجليزية (وقد نُشِرَ في المجلد الأول من «مجلة
إدنبرة Edinburgh Review»، في ١٨٠٢، وكان — مثل ستيوارت — معلمًا فلسفيًّا مبجَّلًا
ناجحًا، وإلى هذه الصفة يرجع — في المحل الأول — ذلك النجاح الأدبي غير العادي الذي
أحرزته محاضراته في إدنبرة، وقد نُشِرَت هذه المحاضرات بعد وقتٍ قليل من وفاته السابقة
للأوان بعنوان: محاضرات في
فلسفة الذهن البشري Lectures on the Phil of the Human Mind (١٨٢٠)، وطبعت، في مدى ثلاثين عامًا، ما لا يقل عن
تسع عشرة طَبعة.
أما السير جيمس ماكنتوش Sir James Mackintosh
(١٧٦٥–١٨٣٢) فكانت علاقته بأفكار المدرسة الاسكتلندية أقل وثوقًا، ولقد أحرز — بوصفه
سياسيًّا ومؤرخًا — شهرة تفوق شهرته بوصفه فيلسوفًا. والمؤلَّف الوحيد الذي يستحق
من
أجله أن يُذْكَر هنا هو: «بحث في تقدم الفلسفة الأخلاقية، ولا سيما في القرنين ١٧،
١٨
Dissertation on the Progress of Ethical Philosophy Chiefly during
the XVII and XVII Centuries وقد نُشِرَ لأول مرة في ١٨٣٠، بوصفه
مقدمة للطبعة الرابعة من «دائرة المعارف البريطانية»، وسرعان ما انتشر على نطاقٍ
واسع
(فطُبِعَت منه عشر طبعات حتى ١٨٧٠)، وقد اجتذب عند ظهوره اهتمامًا عظيمًا، وحفز
جيمس مل James Mill على أن يقدم ردًّا قاسيًا عليه
«كلمة عن ماكنتوش A Fragment on Mackintosh»
(١٨٣٥).
في هذا البحث، الذي قَدم فيه ماكنتوش رأيًا جامعًا شاملًا عن المذاهب الأخلاقية في
القرنَين السابقَين، حاول القيام بنوع من التوفيق بين مذهب المنفعة والمذهب الحدسي
في
الأخلاق، ولم يرفض فيه مبدأ المنفعة، ولكنه أزاحه عن مركز الصدارة، وجعل السلوك
الأخلاقي يرتكز على الضمير والتعاطف أكثر مما يرتكز على الطابع المفيد لهذا
السلوك.
كل هؤلاء المفكرين ومجموعةٌ أخرى غيرهم ممن استحقت أسماؤهم أن تُطْوَى منذ وقتٍ طويل
في زوايا النسيان
٣ قد طغت عليهم جميعًا شخصية مفكر أهم وأعمق بكثير، هو السير وليام هاملتن
Sir William Hamilton (١٧٨٨–١٨٥٦)، فقد
أكسب هاملتن الفلسفة الاسكتلندية قوةً دافعةً جديدة، وإليه يرجع الفضل الأول في عودة
مكانها إلى العلوِّ مرةً ثانية، وتفوقها على جميع المدارس الفلسفية الأخرى، وقد دام
لها
هذا الامتياز من حوالي سنة ١٨٣٠ إلى حوالي سنة ١٨٦٠. وقد شغل هاملتن منذ ١٨٣٦ حتى
وفاته
كرسي المنطق والميتافيزيقا بجامعة إدنبرة، وكان اسمه وشهرته قد ذاعا في الفلسفة،
حتى
قبل تعيينه، بفضل مساهماته العديدة في «مجلة إدنبرة»، وامتدت شهرته خارج حدود اسكتلندا،
بل لقد وصلت إلى داخل القارة الأوروبية ذاتها، وهناك ثلاثة من مؤلفاته كانت لها أهميةٌ
خاصة؛ إذ إنها تحوي أهم أفكاره، واجتذبت أعظم الاهتمام من معاصريه، وهي: كتابات كوزان
وفلسفته في المطلق اللامشروط
Cousin’s Writings & Philosophy of The Unconditional» (١٨٢٩)، وكتابات براون وفلسفته
في الإدراك الحسي
Brown’s Writings & Philosophy of Perception (١٨٣٠). والمنطق
Logic (١٨٣٣)، وقد عرض في البحث الأول المبادئ الرئيسية
للميتافيزيقا، وفي الثاني المبادئ الرئيسية لنظرية المعرفة، وفي الثالث المنطق، ثم
أعيد
طبع هذه الأبحاث في كتابه: «مناقشات في الفلسفة والأدب والتعليم والإصلاح الجامعي
Discussions on Phil. and Literature, Eduction & University Reform» (١٨٥٢). وكان
من المعالم البارزة في تاريخ المدرسة الاسكتلندية، طبعته لمؤلفات ريد (التي بدأت
في
١٨٤٦، وتمت ١٨٦٣)، مع شروحٍ دقيقة واستطرادات وملاحظاتٍ عديدة تجلَّى فيها علم هاملتن
الغزير، ثم ظهرت بعد ذلك طبعة لمؤلفات دوجالد ستيوارت (في أحد عشر مجلدًا، ١٨٥٤–١٨٥٨)،
وقد استنفد هذا الجهد الجزء الأكبر من نشاط هاملتن التأليفي، بالإضافة إلى كتابه:
«محاضرات في
الميتافيزيقا والمنطق
Lectures on Metaphysics & Logic» وهو كتاب لم يتمكن هو ذاته من إعداده للطبع،
ونشره بعد وفاته تلميذاه مانسل
Mansel وفيتش
Veitch (في أربعة مجلدات، ١٨٥٨–١٨٦٠).
وعلى يد هاملتن، دخلت الفلسفة الاسكتلندية المرحلة الأخيرة من تطورها؛ إذ بدأت معه
عملية الانحلال الباطن والانتقال إلى وجهاتٍ فكرية أخرى، غير أن أينع ثمار هذه الفلسفة
لم تُقْطَف إلا قبل النهاية مباشرة، عندما بلغت شهرتها أقصى مداها، وعبرت عن نفسها
أدق
تعبيرٍ أكاديمي، وحققت أعظم أعمالها في ميدان النقد والتأمل النظري، ولكنها لم تبلغ
هذا
المدى بفضل مواردها الخاصة، وإنما عن طريق توسيع نطاق مشاكلها وإدخال أفكارٍ جديدة.
ويرجع الفضل في هذه الإضافة إلى علم هاملتن الغزير، فقد كانت قراءاته في الفلسفة
وغيرها
من الفروع تفوق بكثير قراءات جميع المفكرين الإنجليز السابقين عليه، وكانت مُسْتَمَدَّة
من مصادرَ متنوعة، أهمها الفلسفة الألمانية التي كان الإنجليز قد اكتشفوها حديثًا
في
ذلك الحين. وسنوضح فيما بعدُ كيف تأثر هاملتن إيجابيًّا بفلسفة كانت، وسلبيًّا بالفلسفة
التالية لكانْت، وحسبنا الآن أن نقول: إن فتح آفاقٍ جديدة — عن طريق الأخذ بأفكار
كانتية في المحل الأول — كان يعني زعزعة الكيان الأصلي للمدرسة الاسكتلندية، أي إن
قيام
هاملتن بتوسيع نطاق المذهب الاسكتلندي وتعميقه، قد تحقق على حساب بقاء هذا المذهب
نقيًّا.
ولنضرب مثلًا يوضح ذلك بإيجاز، فقد ظهرت فلسفة ريد من خلال معارضته للنظرية
الظاهرية Phenomenalist للمعرفة في المذهب
التجريبي الأقدم عهدًا، ولا سيما النتائج الشكاكة التي استخلصها هيوم منها، فعندما
نعرف
العالم الخارجي، يكشف لنا التحليل عن الفعل الذهني من جهة، وعن الموضوع الحقيقي من
جهةٍ
أخرى، ويكون الموضوع — بما هو خارجي — حاضرًا مباشرةً في الإدراك الحسي، ولا يحتاج
إلى
صورة أو تمثلات معترضة تتوسط بيننا وبين حقيقة الأشياء الخارجية، وعلى ذلك فإن ريد
يرفض
ما يسمى بالنظرية التمثيلية Representative في الإدراك
الحسي أو المعرفة، ويرفض جهاز التمثلات بأسره (من أفكار وانطباعات)؛ ذلك لأن معرفتنا
للأشياء الخارجية على نحوٍ مباشر في الإدراك الحسي، هي أحد المبادئ الأساسية للفهم
البشري السليم، وهو مبدأ نوقن به حدسيًّا، ولا مجال لدينا للشك في حقيقته، وبالمثل
يبدأ
هاملتن بقبول «الواقعية الطبيعية Natural realism»
التي تضمنتها نظرية المعرفة عند ريد، غير أن مذهبه يتضمن منذ البداية تقدمًا هامًّا
بالنسبة إلى ريد؛ إذ هو لا يحاول بلوغ هذه النتيجة بالإهابة بالفهم السليم لذهن الإنسان
العادي فحسب، وإنما عن طريق التحليل النقدي لعملية المعرفة أيضًا، وهو في رفضه الصريح
لهذه الإهابة يعود ثانيةً إلى أرض البحث الفلسفي الحقيقي. وهكذا أحل النقدية الكانتية
محل قطعية ريد، غير أن هذا ينطوي على تغيير في وضع المشكلة، فمشكلة المعرفة لا تُحَل
بمجرد تأكيدنا أننا نشعر «مباشرةً» بالواقع المادي على أنه شيءٌ مختلف عنا أو عن
أحوالنا الذهنية، والقول بأن الموضوع بما هو كذلك ماثل في الوعي، هذا القول إذا ما
نُظِرَ إليه على أنه يعني أن وجود الموضوع ينبغي أن يكون في هوية مع الصفة أو الكيفية
المجربة، لكان من الواضح أن هذا الشرط لا يتوافر في حالات كثيرة؛ ولذلك كنا في حاجة
إلى
اختبارٍ نقديٍّ دقيق لمفهوم الحضور المباشر Immediacy،
ومثل هذا الاختبار كفيل بأن ينبئنا مثلًا بأن كل معرفة عن طريق التذكر لا يمكن أن
تكون
مباشرةً على نفس النحو الذي تكون عليه المعرفة الآتية من الإدراك الحسي مباشرةً؛
إذ إن
الموضوع الذي مضى لا يعود ماثلًا، والذي يكون ماثلًا مباشرةً في هذه الحالة إنما
هو
صورة متذكَّرة نستخلص منها استدلالات عن الشيء الذي كان ماثلًا من قبلُ، وعلى ذلك
فالمعرفة المباشرة لا تكون ممكنة إلا في حالة الإدراك الحسي، ولكن حتى في هذه الحالة
يكشف لنا تحليل هاملتن النقدي عن استحالة الإبقاء على فكرة «المباشرة» في صورتها
الساذجة في كثير من الأحيان؛ لذلك رأى نفسه مضطرًّا إلى التحول عن نظرية الموقف الطبيعي Common-Sense الأصلية بمقدار لا يقل عن مقدار
تحوُّله عن النظريات الظاهرية Phenomenalist التي
وُجِّهت ضدها نظرية الموقف الطبيعي، والنتيجة النهائية هي أن كل ما يمكننا أن نعرفه
عن
العالم الخارجي ليس إلا محتويات للوعي، وأن الوعي بالتالي هو الدليل الوحيد الموثوق
به،
على وجود الأشياء الخارجية، وبهذا لا يبقى من واقعية ريد الطبيعية سوى مجرد معرفتنا
أن
الوعي لا يكشف عن الأنا وأفعاله النفسية فحسب، بل يكشف أيضًا عن اللاأنا وعلاقاته
بالأنا، ولكن هذا يعني أن نظرية الموقف الطبيعي التي وضعها ريد لتكون حائلًا دون
النزعة
الذاتية والنزعة الشكِّية، قد تغيرت على يد هاملتن إلى حد أنها عادت إلى الرأي القائل
بأن معرفتنا الحقَّة لا يمكنها أن تمتد إلى ما وراء الظواهر العابرة للوعي، وهكذا
عادت
الواقعية الطبيعية القهقرى إلى نفس المذهب الظاهري الذي لم تظهر أصلًا إلا
لتفنيده.
ومن الواضح أن هذه الحجج قد استمدت من كانت أكثر مما استمدت من باركلي أو هيوم، ومن
ثم فإنها لا تمثل مجرد رجوع إلى النظريات التي حاربها ريد، وإنما تمثل تقدمًا عليها،
وانتقالًا إلى النظرية النقدية للمعرفة كما قال بها ذلك المفكر الألماني، ويتضح ذلك
إذا
أدركنا أن مبدأ النسبية يرتبط عند هاملتن بنظرية الإدراك الحسي، وأن هذا المبدأ هو
ذاته
محور ارتكاز فلسفته بأسرها. ويتلخص موقفه العام في نظرية الإدراك الحسي في القول
بأننا
ندرك مباشرةً في وعينا الكيفيات الأولى للأشياء على الأقل، وأن لنا الحق في القول
إنها
توجد على نحو ما ندركها حسيًّا، وإلى هذا الحد تكون معرفتنا للأشياء الخارجية مباشرة
حاضرة، لا توسط فيها ولا إنابة، غير أن المبدأ الأساسي القائل بنسبية المعرفة ينطوي
على
القول بأننا لا نعرف شيئًا كما هو في ذاته، وأننا بالتالي نقتصر على معرفة الظواهر،
وأن
الأشياء في ذاتها مختفية عنا، وواضح أن بين الاثنين تناقضًا لا يرفع، ومع ذلك، فإن
النظر في الأمر يبين أن نظرية الإدراك الحسي هي التي ينبغي أن تفسَّر في ضوء مبدأ
النسبية، لا العكس؛ ذلك لأنه يتضح آخر الأمر أن الكيفيات الأولى التي نعرفها مباشرة،
والتي تشهد بوجود عالمٍ مستقل عن الوعي، لا تعدو أن تكون ظواهر، وهذا معناه أنها
نسبية
متوقفة على قدراتنا في المعرفة، وأن هذه تعدلها على نطاقٍ واسع، وبالتالي فإن هذه
الكيفيات عاجزة عن إظهار الواقع في ذاته. وهكذا ينتهي مذهب هاملتن آخر الأمر إلى
الموقف
القائل بأن العالم الخارجي، من حيث هو عالم قابل للمعرفة، لا يوجد مستقلًّا عن الذات
العارفة.
ولهذه النظرية نتائج تؤدي إلى اللاأدرية، التي تقترب في نواحٍ عديدة من المذهب
الكانتي، أو على الأصح من التفسير السائد لتعاليم كانت، وهو التفسير الذي يهتم أكثر
مما
ينبغي بالعناصر الظاهرية Phenomenalist في نقد كانت
للمعرفة، ويتجاهل النتائج الميتافيزيقية التي ينطوي عليها، كما تؤدي هذه النظرية
إلى
رفض كل ميتافيزيقا، وإلى التخلي عن أي نوع من المعرفة النظرية للمطلق، أو على حد
تعبير
هاملتن في بحثه المشهور الصادر في ١٨٢٩، إلى رفض كل «فلسفة اللامشروط»، غير أن هذا
لا
يرتبط عند هاملتن بعدم المبالاة بالمعتقدات الدينية أو العداء لها، كما هي الحال
عند
سبنسر وهكسلي وغيرهما، بل إنه ينطوي لديه على تأكيدٍ أقوى لهذه المعتقدات، وهكذا
فإن
العقائد التي تعجز أمامها معرفتنا، والتي هي عند هاملتن نهاية كل فلسفة، هي أيضًا
بداية
اللاهوت، وعندما يهيب هاملتن بالذهن أن يلتزم حدوده، فإنه يحاول إعطاء الإيمان حقوقه
الصحيحة، وهو إيمان يعتقد أن موضوعه الصحيح هو ذلك الذي يكون بطبيعته غير قابل للفهم،
وهكذا فطالما كانت الفلسفة تلتزم حدودها وترفض الادعاءات الغريرة للعقل بأن لديه
معرفةً
مطلقة، فإنها تُعدُّ في رأيه المبرر الحقيقي للدين.
على أن مذهب هاملتن — الذي لا نستطيع هنا أن نمضي فيه أبعد من ذلك — يعاني من انعدام
الاتساق الناجم عن محاولة إيجاد حلٍّ مشترك بين نظريتَين بينهما من الاختلاف بقدر
ما
بين نظريتَي ريد وكانْت، ونتيجة ذلك أنه — من جهة — يُزيِّف إلى حدٍّ بعيد النوايا
الأصلية لريد، ويفسر معاني كانْت — من جهة أخرى — تفسيرًا مُتحيِّزًا إلى أبعد حد.
وهكذا كانت فلسفته في مجموعها محاولة للتوفيق لا تنصف أيًّا من الطرفين، وبالتالي
فهي
تكشف عن ضعفها الباطن، ومع ذلك فليس لهذا تأثير في الأهمية التاريخية لفلسفة هاملتن
وفي
الأثر الذي أحدثته؛ فقد كان له — مع كل هذا — الفضل الأكبر في أنه كان أول فيلسوف
أكاديمي مرموق يفتح ذهنه لتأثير الأفكار الألمانية، وبالتالي يخطو خطوةً حاسمة نحو
إنهاء عزلة الفكر الإنجليزي. وتزداد أهمية هذه الخطوة إذا أدركنا أنها تمت على يد
رجل
كانت له خلال العقدين اللذين قضاهما في التدريس في إدنبرة مكانة في ميدان الفلسفة
تفوق
مكانة أيٍّ من معاصريه، فقد كان هاملتن — بوصفه زعيمًا للمدرسة الاسكتلندية — أشبه
بديكتاتورٍ فلسفي لا تقف سلطته عند حدود دائرته الخاصة، ويتبعه تلاميذه اتباعًا أعمى،
ويتمتع باحترامٍ عظيم في أوساط تبعد كثيرًا عن حدود مدرسته، وقد ظل طوال حياته محتفظًا
بشهرته على ما هي عليه تقريبًا، ولم يظهر أي منافسٍ حقيقي له على النفوذ والسيطرة،
ولم
يكن أحد يجرؤ على مهاجمته، إلى أن بدأ الهجوم على مذهبه من جهتَين، بعد تسع سنوات
من
وفاته، وقد أتى أشهر هذين الهجومَين من جانب جون ستيوارت مل، باسم المذهب التجريبي،
ولقد أدى نقد مل لهاملتن، المتضمن في كتابه «اختبار لفلسفة السير وليام
هاملتن An Examination of William Hamilton’s Philosophy» (١٨٦٥) وهو نقد كان شاملًا، ولكنه كان من نواحٍ عديدة جائرًا
ومبنيًّا على سوء فهم، أدى هذا النقد إلى النَّيْل من مهابة الفلسفة الاسكتلندية،
وإلى
الإضرار بسمعتها إلى حد أن حيويتها قد ظلت هابطة منذ ذلك الحين، وأصبحت مهددة بالزوال.
أما الهجوم الثاني، الذي أسهم في تحقيق هذه النتيجة، فقد حدث في نفس العام، ومن مصدرٍ
مختلف تمامًا؛ ذلك لأن السير جون هتشسون
سترلنج John Hutchison Stirling، الذي يمكن أن يقال عنه إنه أتى بالهيجلية إلى إنجلترا، قد
هاجم هاملتن، معلنًا احتجاجه على موقفه السلبي من المذاهب الكبرى التالية لكانت،
وذلك
في كتاب له تأثير هائل، هو: «سر
هيجل the Secret of Hegel»، وفي كتاب مستقل هو: «السير وليام
هاملتن، أو فلسفة الإدراك الحسي Sir William Hamilton, Being the Philosophy of Perception» (ظهر الكتابان سنة ١٨٦٥)، وهكذا فإن
الحركة المثالية، التي سرعان ما أصبحت قوية، قد ناصبت هاملتن العداء منذ البداية،
وأدت
فيما بعدُ إلى تجاهل شبه تام لفلسفته، ولم يعد في الإمكان قبول تفسير هاملتن لمذهب
كانت؛ إذ لم يكن من الممكن التوفيق بينه وبين اتجاهات هؤلاء المفكرين، التي كانت
هيجلية
في أساسها، بل إن هؤلاء المفكرين لم يعترفوا اعترافًا كافيًا بفضله التاريخي حين
أدخل
أفكار كانت وغيره من الألمان، وهكذا ففي عام ١٨٦٥ كاد أن يتوقف الاتجاه الفكري الذي
بدأه هاملتن والمدرسة الاسكتلندية، إن لم يكن قد انتهى بالفعل.
ولقد كان أعظم تلاميذ هاملتن شهرة هو المفكر اللاهوتي هنري ل مانسل Henry L. Monsel (١٨٢٠–١٨٧١)، وقد رُسِّم مانسل
كاهنًا، ثم عُيِّنَ محاضرًا في اللاهوت في كلية «مودلن» وبعد ذلك عُيِّنَ أستاذًا
للتاريخ الكنسي في أكسفورد، وأخيرًا عُيِّنَ أسقفًا لكاتدرائية «سانت بول» (القديس
بولس). وقد عمل مانسل على إدخال فلسفة هاملتن في إنجلترا، ودرسها ونشرها بحماسة ونجاح
في جامعة أكسفورد. وقد ألَّف في البداية كتابَين في المنطق، ثم كتب في الميتافيزيقا،
محاولًا صياغة الأفكار الرئيسية في مذهب هاملتن في صورةٍ أدق وأكثر تنظيمًا مما كانت
عليه لدى أستاذه (وذلك في بحث عنوانه «الميتافيزيقا أو فلسفة
الوعي Metaphysics or the Phil. of Consciousness» وظهر أولًا في عام ١٨٥٧ في الطبعة الثامنة لدائرة المعارف
البريطانية، ثم ظهر بعد ذلك في صورة كتاب عام ١٨٦٠، ثم ألف بعد ذلك «فلسفة المشروط Philosophy of the Conditioned» في ١٨٦٦، وفيه
حاول الدفاع عن هاملتن وعن نفسه ضد هجوم مل) غير أن أقوى كتاباته تأثيرًا كان
«حدود الفكر
الديني The Limits of Religious Thought» (١٨٥٨)، وهو في الأصل محاضرات بامتون Bampton التي ألقاها مانسل، وقد استلفت الكتاب الأنظار بقوة، وأثار
جدلًا عنيفًا، وأذاع شهرته على نطاقٍ واسع. وترجع الأهمية الكبرى لهذه المحاضرات
إلى
أنها أوضحت بجلاء موقف المدرسة من المسائل الدينية التي تركها هاملتن غامضة رغم كثرة
تلميحاته إليها، فاستخلص مانسل في هذه المحاضرات لأول مرة — وبوضوح تام — النتائج
اللاهوتية التي كانت مختفية في مذهب هاملتن المرتكز على الظاهرية واللاأدرية، وحاول
—
مستندًا إلى مبدأ نسبية المعرفة — أن يُبيِّن أن جميع الجهود التي نبذلها لنكتشف
بواسطة
الفكر أي شيء عن الطبيعة الإلهية المطلقة مآلها حتمًا إلى الفشل، فالمطلق واللامتناهي
بعيدان تمامًا عن متناول الذهن البشري المتناهي، وكل محاولة للتفكير في المطلق أو
فهمه
بأية وسيلةٍ عقلية تؤدي إلى حشد من التناقض والتضارب لا قِبَل للعقل بحلِّه؛ فالفكر
عاجز تمامًا في موضوعات الإيمان، وينبغي في النهاية أن يعترف بإفلاسه؛ لذلك يعلن
مانسل
أن جميع الحجج النظرية ضد عقائد الدين غير صحيحة، وبذلك يخلص نفسه بأسرع وأبسط طريقة
من
جميع أعداء الإيمان ومهاجميه؛ فليس من مهمة العقل أن يتدخل في الأمور المقدسة، وليس
هناك ما يدعونا إلى الأسف على ذلك، بل إن من واجبنا لصالح الدين أن نرحب كل الترحيب
بعزوف العقل هذا. وهكذا يبني مانسل كل معرفة لما فوق المحسوس على الوحي الإلهي، وتكون
المهمة الوحيدة التي يتعيَّن على العقل النقدي القيام بها عندما يقرر قبول التعاليم
الدينية أو رفضها غير متعلقة بمحتوى هذه التعاليم، وإنما بالأدلة التي يمكن الإتيان
بها
للبرهنة على أن لها أصلًا إلهيًّا فحسب. وهو في هذا الصدد يعزو إلى الحجة الأخلاقية
أهميةً ثانوية إلى حدٍّ ما، وعلى الرغم من أن هذه الحجة عاجزة عن البت في أمر حقيقةٍ
موحًى بها، فإن في وسعنا أن نحصل، من معايير القيمة الأخلاقية لدينا، على شواهدَ
مفيدة
نستعين بها في الحكم على الأفكار الدينية.
وهكذا كان الاتجاه الذي حوَّل إليه مانسل نظرية
المعرفة الكانتية، أوغل في باب اللاأدرية الشكَّاكة من الاتجاه الذي حوَّلها إليه
هاملتن، كما أن الأول أخضع هذه النظرية لأغراض الدين الموحى به، وتم على يديه أقوى
انفصال — منذ أيام بيكن — بين الإيمان والمعرفة، وبين الدين والفلسفة، وعادت الفكرة
القديمة القائلة: «أومن لأن موضوع إيماني ممتنع عقلًا
Credo quis
absurdum» إلى مكانتها الأولى، وقد اكتسب المذهب اللاأدري عند
سبنسر تأييدًا حاسمًا من هذه التعاليم، وظهر هذا المذهب على أنه مجرد صبغ لهذه التعاليم
بصبغةٍ دنيويةٍ تامة، فالشُّقَّة كانت قريبة ما بين لاهوت الوحي عند مانسل، وبين
عدم
اكتراث سبنسر بالدين، على أن الطريقة التي استمدَّ بها أشد المذاهب تمسكًا بحرفية
الدين
أسلحة لنفسه من مدرسة هي من أشد مدارس الفكر تقدمًا، ثم عاد فحمل بها على الفكر ذاته
حملةً شعواء؛ هذه الطريقة كانت من الغرابة بحيث هوجمت بنقدٍ قوي من جهاتٍ متباينة
كل
التباين. وقد أثار الجدل الذي احتدم نتيجة لمحاضرات مانسل المسماة بمحاضرات
«بامتون
Bampton»، والذي اشترك فيه بنفس القوة
فلاسفة ولاهوتيون؛
٤ أثار عاصفة شديدة، وعلى الرغم من أن النتائج التي أسفر عنها لم تكن ذات
أهمية كبيرة، فقد ازداد — إلى حد بعيد — اهتمام الجمهور بالمسائل التي كانت موضوع
المناقشة، وأصبح الجو ممهدًا لتلك النهضة الملحوظة التي بلغتها الدراسات الفلسفية
بعد
ذلك بوقتٍ قصير.
وبعد هاملتن ومانسل، انحدرت الفلسفة
الاسكتلندية انحدارًا شديدًا، ولا يوجد ضمن أولئك الذين خرجوا من المدرسة أو انتموا
إليها سوى أسماءٍ قليلةٍ هامة تمثل المذهب في صورته الخالصة؛ إذ يظهر — حتى لدى
جون د. مورل John D. Morell (١٨١٦–١٨٩١) — ذلك
الميل إلى التباعد عن التعاليم الأصلية للمدرسة، وهو الميل الذي ازداد قوة بالتدريج
في
المستقبل. صحيح أن «مورل» كانت له جذورٌ عميقة في تراث المدرسة الاسكتلندية، التي
تلقى
فيها تعليمه الفلسفي الأول، غير أنه تعرض لمؤثراتٍ عديدة من مدارسَ فكريةٍ أخرى،
وتأثر
— بوجهٍ خاص — بالمذاهب الألمانية التي عرفها لأول مرة خلال رحلة قام بها في ألمانيا
وهو طالب. وقد كتب مورل — الذي كان مثل هاملتن قرَّاءةً ذا ذهنٍ متفتح — بعض المؤلفات
في تاريخ الفلسفة، منها كتابه: «نظرة تاريخية ونقدية إلى الفلسفة التأملية في أوروبا
في القرن التاسع
عشر Historical and Critical View of the Speculative Phil. of Europe in the XIX Century» (١٨٤٦) وقد اكتسب هذا الكتاب — عن حق — اهتمامًا كبيرًا، وأسهم
في توسيع أفق الإنجليز الفلسفي، كما ألَّف كتابًا في الأخلاق عن فشته (١٨٤٨)، غير
أن
مؤلَّفه الرئيسي هو «فلسفة الدين Phil. of Religion»
(١٨١٨) الذي نستطيع أن نلمح فيه تأثير شليرماخر Schleiermacher و. ر. روته R. Rothe وله
كتاب آخر هو «مدخل إلى الفلسفة الذهنية باستخدام المنهج الاستقرائي Introduction to Mental Phil. on the Inductive Method» نُشِرَ عام
١٨٦٢.
وهناك مفكرٌ آخر في مدرسة هاملتن، هو جيمس
ماكوش
J. M’cosh (١٨١١–١٨٩٤) الذي كان غزير التأليف في الفلسفة، وسافر إلى
أمريكا عام ١٨٦٨، فنقل إليها فلسفة الموقف الطبيعي (الإدراك المشترك) ونجح في تحقيق
شيء
من الاعتراف بها. وقد ألَّف ماكوش كتبًا منهجية، فضلًا عن كتابته لتاريخ كامل للفلسفة
الاسكتلندية الفلسفة
الاسكتلندية من هتشسون إلى هاملتن
Scottish Phil. from Hutcheson to Hamilton (١٨٧٥).
٥
أما هنري كالدروود Henry Calderwood (١٨٣٠–١٨٩٧)
الذي كان في البداية قسيسًا اسكتلنديًّا، ثم أصبح منذ عام ١٨٦٨ أستاذًا للفلسفة
الأخلاقية في إدنبرة، فقد بدأ تلميذًا لهاملتن، ولكنه حتى في كتابه الأول (فلسفة
اللامتناهي Phil. of The Infinite ١٨٥٤، والطبعة الثانية
١٨٦١) الذي نشره وهو ما زال طالبًا، قد أظهر استقلالًا يدعو إلى الدهشة عن أستاذه
الذي
كان لا يزال حيًّا، فقد قدم في هذا الكتاب نقدًا عميقًا لمذهب هاملتن، وكشف عن نقاط
ضعفه بلا رحمة، وكان يرمي إلى إعادة مذهب الموقف الطبيعي إلى مكانته الأولى بفصله
عن
تلك العناصر اللاأدرية التي أقحمها فيه هاملتن ومانسل، وكان هدفه الأساسي هو تفنيد
حجة
هاملتن القائلة: إن الذهن البشري لما كان متناهيًا، فإنه يعجز عن معرفة اللامتناهي،
فقد
بدا له أن الدين الذي يشيد مذابح لإلهٍ مجهول لا يمكن أن يُعرف، ويستبعد التفكير
العقلي
من مجاله؛ لا يعدو أن يكون خرافة، ولا ينطوي على تبجيلٍ حقيقي للطبيعة الإلهية. وفي
مقابل النسبية اللاأدرية، التي كانت كامنة لدى هاملتن، ولكنها أصبحت مبدأً فلسفيًّا
أساسيًّا لأول مرة على يد مانسل وسبنسر، عاد كالدروود إلى المذهب الحدسي الأصيل الذي
قال به المذهب الاسكتلندي الأقدم عهدًا؛ فلدينا بالله وعي مباشر بوصفه موجودًا شامل
الحكمة والقوة والخير، وهذه المعرفة مستقلة عن جميع الاعتبارات العقلية، وهي شفيفة
مؤكدة، ومن ثَم فهي حدسية، كذلك قال كالدروود بمذهبٍ حدسيٍّ مماثل في الأخلاق، عرضه
في
كتابٍ ناجح هو «الموجز في الفلسفة
الأخلاقية Handbook of Moral Phil. ١٨٧٢، الطبعة الرابعة عشرة في ١٨٨٨)، ومع مهاجمته للنزعة
الطبيعية ومذهب اللذة، فقد أكد الحاجة إلى قانون مطلق السلوك وهدف مطلق له، وهذا
الهدف
لم يكن في رأيه السعادة ولا اللذة، وإنما الاستخدام الكامل المنسجم لجميع القوى
والمواهب حتى يمكن الوفاء بأغراضها الطبيعية.
وأخيرًا ينبغي أن نلاحظ هذه الحقيقة، فالمذهب الاسكتلندي الذي كان مركز الحياة
الفلسفية في إنجلترا في أواسط القرن التاسع عشر، قد وجد نفسه في العقود التالية في
مركزٍ متدهور بالتدريج، كما وقع تحت ضغط خصمَين، هما الداروينية والمثالية، اللتان
كان
يتعين عليه الدفاع عن نفسه ضدهما، وعلى حين أن فيتش Veitch (انظر أدناه) قد أخذ على عاتقه الدفاع عنه ضد المثالية، فقد
تولى كالدروود مهمة الدفاع ضد الداروينية، ففي كتابه المنهجي الأخير «الداروينية
ومركز
الإنسان في الطبيعة Darwinism and Man’s Place In Nature» ١٨٩٣، وقد أعيدت كتابته بشكلٍ كامل في ١٨٩٦، دخل
في الجدل الذي احتدم حول المذاهب الداروينية التطورية، ومع اعترافه بالقيمة الكبرى
لنتائج الأبحاث البيولوجية الأخيرة، فقد أدرك نقطة الضعف في تطبيقها على المشاكل
العامة
للفلسفة، وانتهى إلى أن كون الإنسان منحدرًا من الحيوان هو أمر لا يمكن أن يفسِّر
العناصر العقلية والأخلاقية في طبيعته، فافترض وجود عقلٍ عالٍ هو العلة المشتركة
للتطور
الأخلاقي والكوني معًا، وعلى هذا النحو حاول الدفاع عن الفلسفة الاسكتلندية التي
قامت
دائمًا على الدين ضد هجمات النزعات المعادية للدين داخل المذهب الدارويني.
ونستطيع أن نقول أخيرًا: إن «جون فيتش John Veitch»
(١٨٢٩–١٨٩٤) كان آخر ممثل للمدرسة الاسكتلندية، بمعنى أنه كان آخر من التزم تعاليمها
بإخلاص، وكان فيتش أستاذًا للمنطق والبلاغة بجامعة جلاسجو، ومن المقربين كثيرًا إلى
هاملتن، وقد تتلمذ عليه بإخلاص، ثم أصبح مساعدًا له، واشترك بعد وفاته في نشر محاضراته،
وألَّف ثلاثة كتب على الأقل في تخليد ذكراه وشرح تعاليمه ونشرها «ذكريات عن هاملتن Memoirs of H.»، و«هاملتن» في سلسلة بلاكوود
للكلاسيكيات الفلسفية، ١٨٧٩، وهاملتن، شخصيته
وفلسفته H. the Man and His Philosophy ١٨٨٤)، ويكفينا هنا أن نذكر من مؤلفاته المستقلة بحثه في
«المعرفة والوجود Knowledge & Being»
(١٨٨٩) وتوجد قائمةٌ كاملة لمؤلفاته في كتاب نشر بعد وفاته، ونشره «ونلي R. M. Wenley» وعنوانه «الثنائية والواحدية Dualism & Monism»، ١٨٩٥، انظر
[مقدمة المترجم لهذا الكتاب وما يليها]، وقد عرض فيتش في هذا الكتاب مذهبه الخاص،
واشتبك في خصومةٍ دائمة مع النظريات المثالية لمدرسة كانت وهيجل، وحاول فيه الدفاع
عن
المواقع الأخيرة للتراث الاسكتلندي ضد هجوم الحركة الفكرية الجديدة، غير أن فيتش
كان
يحارب في جبهاتٍ خاسرة، وفي سبيل قضيةٍ خاسرة، ولا شيء يكشف الانهيار التام لهذه
الجبهة
التي كانت قوية وقتًا ما، بمثل الوضوح الذي تكشفه به هذه المقاومة التي كانت تبديها
قوات المؤخرة، كما تتبدى لدى هذا الممثل الأخير لتراث عظيم، فهنا يهيب المفكر ببساطة
الموقف الطبيعي وسطحيته ضد الأفكار العميقة لكانْت وهيجل، ويحاول فيتش بنظريته الواقعية
الفجة في المعرفة أن ينال من أعمال نقد العقل الخالص والتأمل النظري المثالي. وتنطوي
واقعيته الساذجة على عود إلى ريد، بل وإلى ما قبل ذلك. وعلى الرغم من أنه قد تتلمذ
في
مدرسة هاملتن، فإنه يفتقر تمامًا إلى حذر هاملتن النقدي، كما أنه يفتقر إلى الفهم
المتعاطف للمعنى الحقيقي للمشاكل الجديدة ولمقتضيات حلها، وهو فهم نصادفه لدى هاملتن،
على الرغم من مظاهر سوء الفهم العديدة لديه، وقد وجه فيتش انتقاداته — في المحل الأول
—
إلى نظرية العلاقات عند جرين، وإلى مذهبه في الوعي الذاتي الأزلي، فقال — ضد الأولى
—
بواقعيته البسيطة الخشنة النسيج (كقوله: إن الواقع الذي ندركه حسيًّا أو نعرفه يوجد
خارج وعينا، وهو مستقل عنه، سواء عرفنا هذا الواقع أم لم نعرفه، وهذه حقيقة ينبغي
قبولها على أنها معطاة فحسب)، وقال ضد المذهب الأخير بالأنا الفردي الواقعي وبالتحليل
السيكولوجي لمحتواه، وقد ظل طوال ذلك يحارب بوسائلَ غير كافية، ويقيس بميزانٍ معيب،
وفي
كل ذلك كان يكشف بمزيد من الوضوح عن الانهيار الكامل للفلسفة الاسكتلندية.
وعلى الرغم من أن آخر ممثلي المدرسة الاسكتلندية (وهم مورل Morell وماكوش M’ coch، وتوماس سبنسر بينز T. S. Baynes، وفيتش وكالدروود) كانوا لا
يزالون أحياءً في الأعوام العشرين الأخيرة من القرن الماضي، فلا يمكن القول: إن التراث
الاسكتلندي قد ظل محفوظًا بانتظام بعد السنوات الأولى من العقْد الثامن من ذلك القرن؛
إذ إن الفكر الاسكتلندي قد انحل بعد ذلك أو اندمج في مدارسَ أقوى وأقرب إلى الطابع
العصري، وهو ما زال يمارس تأثيره هنا وهناك، ولكنه لم يعد يستطيع الوقوف على قدمَيه
مستقلًّا، وقد بدأ هذا الميل إلى التباعد عن الخط الأصلي للمدرسة حتى لدى مفكرين
يمكن
أن يُعَدُّوا أعضاءً في المدرسة، وانفصل غيرهم عنها في وقتٍ مبكر، وساروا إما في
طريقهم
الخاص، أو انضموا إلى معسكراتٍ أخرى، وهكذا اعترف «فرييه Ferrier» مثلًا بأنه قد تَعَلَّمَ من هاملتن أكثر مما تَعَلَّمَ من كل
الفلاسفة الآخرين مجتمعين، غير أن تفكيره التالي قد سار في اتجاهٍ بعيد عنه، وغرق
في
خضمٍّ من التأملات النظرية العميقة، ضمنها صراعٌ حاد ضد كانت وهيجل (انظر فيما بعدُ
القسم الأول من الفصل الأول من الباب الثاني)، وسار لوري Laurie بعد ذلك بمدةٍ طويلة في طريقٍ مماثل؛ إذ تباعد بدوره كثيرًا عن
أصله الاسكتلندي، وكوَّن لنفسه اتجاهًا ميتافيزيقيًّا لا يكاد يشترك في شيء مع نقطة
بدايته الفلسفية [انظر فيما بعدُ القسم الثامن من الفصل الأول من الباب الثاني.]
وعلى
يد فريزر Fraser، تلميذ هاملتن وخليفته في إدنبرة،
انحرف الاتجاه الاسكتلندي الأصلي في اتجاه فلسفة باركلي (انظر فيما بعدُ الصفحات
الأخيرة من الباب الأول)، غير أن بعض مبادئ الفلسفة الاسكتلندية قد انتقل إلى مذاهبَ
فكرية لم تكن في الأصل مرتبطة بها، مثال ذلك أن النزعة الحدسية تتمثل في الأخلاق
والفلسفة الدينية عند مارتينو Martineau ولدى فلاسفة
«حركة أكسفورد» ج. ﻫ. نيومان Newman وو. ج.
وورد Ward»، على حين ظهرت اللاأدرية من جديد، كما
هو معروف، في المذهب التطوري عند سبنسر، وإن كان هناك فارق بين الحالتين، وهناك أيضًا
ارتباطات بين مذهب «مانسل» وبين مذهب الألوهية Theism
عند بلفور Balfour، وهكذا تسللت الأفكار الاسكتلندية —
في هذه الحالات وغيرها — إلى الفلسفة البريطانية في القرن التاسع عشر، وكانت أقل
المذاهب تأثرًا بها هي الاتجاهات الأشد محافظة في المذهب التجريبي، نظرًا إلى الفارق
الشاسع بين الأفكار التي ينطوي عليها كلٌّ من الاتجاهين، ولكنا نستطيع أن نلمح —
حتى في
هذه الحالة — عناصرَ مشتركة تظهر من آن لآخر. ومن الجدير بالملاحظة أن جيمس مل قد
تأثر
في شبابه تأثرًا قويًّا «بدوجالد ستيوارت»، واستمد من محاضراته أول معلوماته في ميدان
الفلسفة وعلم النفس.
ولقد كان من نتيجة التوسع الذي أحدثه هاملتن في الفلسفة الاسكتلندية القومية — إن
جاز
استخدام هذا الاسم — أن فُتح الطريق الذي كان مقدرًا له أن يؤدي بها إلى عبور حدود
بلادها الأصلية والانضمام إلى التيار الضخم للفكر الأوروبي، وفي الوقت الذي كانت
الفلسفة الاسكتلندية تسير فيه نحو نهايتها، تمثل هذا التيار في بريطانيا في الحركة
المثالية، ورغم أنه لم يحدث انتقالٌ تاريخيٌّ فعلي من الأولى إلى الثانية، فمن الممكن
القول: إن المثالية قد استوعبت وامتصت الفكر الاسكتلندي بعد أن أدى رسالته، وليس
من
قبيل المصادفة أن إحياء مذهبَي كانت وهيجل في العقْدين السابع والثامن قد لقي من
التشجيع في اسكتلندا أولًا ثم في الجامعات الاسكتلندية ما لم يلقه في أي مكانٍ آخر
ما
عدا أكسفورد، وحسبنا أن نشير إلى المؤلفات الهيجلية للاسكتلندي سترلنج، وتدريس
«كيرد Caird»، وهو اسكتلندي بدوره، في جامعة
جلاسجو. وإذا كان من قبيل المصادفة أن كتاب سترلنج الذي أحدث دويًّا هائلًا (في ١٨٦٥)
وتدريس «كيرد» الدقيق الواسع الانتشار في جلاسجو (ابتداءً من ١٨٦٦) — وكلاهما كان
من
أجل خدمة هيجل والحركة الجديدة — قد حدثا في نفس الوقت الذي بدأ فيه نجم هاملتن في
الأفول (إذ كان هجوم مل الحاسم عليه في عام ١٨٦٥)، فإن لهذه المصادفة دلالةً عميقة
في
تاريخ الفكر. وهكذا توطدت دعائم المذهب الهيجلي في أواسط العقْد السابع في اسكتلندا،
وتزايد ضغطهما على الدوام من جلاسجو، حيث اكتسبت مركزًا منيعًا، على التراث الفلسفي
الأصلي في البلاد، ولم تستطع المدرسة القديمة أن تحتفظ بمواقعها مدة أطول كثيرًا
إلا في
قلعة مذهب هاملتن، أي في جامعة إدنبرة، وهناك تأخر الانحلال حتى العقْد الأخير من
القرن
الماضي، ولما لم يكن هناك خلفاء منتمون إلى المدرسة الاسكتلندية، فقد انتقل كرسي
الأستاذية إلى أيدي الكنتيين المحدثين، فانتقل كرسي هاملتن — الذي ظل فريزر يشغله
حتى
عام ١٨٩١ — إلى «أندرو سث Andrew Seth» «برنجل باستون Pringle-Pattison» في ذلك العام نفسه، كما انتقل
كرسي دوجالد ستيوارت — الذي كان كالدروود آخر من شغله — إلى شقيق أندرو سث، وهو جيمس
سث. وهكذا جلت الفلسفة الاسكتلندية عن آخر معاقلها الأكاديمية، متخلية عنها للمدرسة
الجديدة، ومُحِيَت آثارها تمامًا، أما الأفكار القليلة التي ساهمت بها في القرن الجديد
فلا ترتبط بها على الدوام، وإنما هي عود غير منتظم تارةً إلى هذا المبدأ من مبادئها
وتارةً إلى ذاك، مع إيثار ريد على هاملتن في هذه الحالة، فآثار تعاليم المدرسة
الاسكتلندية ومؤسسها تظهر بوضوح حيثما يهاب بالذهن البشري السليم بما فيه من يقينيات
واعتقاداتٍ حدسية، ويعترف بأنه المعيار الحاسم للحقيقة، وحيثما تسعى المعرفة إلى
تحرير
نفسها من تدقيقات الأذهان الشكاكة المفرطة في نقديتها، وتلجأ إلى الوسائل المباشرة
للواقعية الطبيعية. ولما كانت هذه الآراء تتمثل لدى مفكرين من المدرسة الواقعية الجديدة
أكثر مما تتمثل لدى أية مدرسةٍ أخرى، وهي تتضح بأوضح صورها لدى ويلسون J. C. Wilson وستوت G. F. Stout ومور G. E. Moore وليرد J. Laird وجود C. E. M. Jood فإن معنى ذلك أن من واجبنا البحث عن الآثار القليلة الباقية من
المدرسة الاسكتلندية في الواقعية الجديدة قبل كل شيء.