محمد مهدي البصير
البصير: شعلة ذكاء وشعلة وطنية، حرمته الطبيعة البصر الذي يكل، ولم تحرمه البصيرة الوقادة التي لا تخبو ولا تكل، فأحسن استعمالها، ووافق ذلك حدة في طبعه، وخير في نفسه، وهمة بين جنبيه، فقام يؤدِّي واجب الخدمة لبني وطنه مما قصر عنه كثير من المبصرين.
سمعت شعر البصير من بعيد، يوم كان في معتكفه في مسقط رأسه، فشعرت بالشعور الذي فيه، وسمعته من فم الناظم، فزاد في عيني ما هو عليه الرجل من الغيرة الوطنية، والإحساس الدقيق، وكرم الطباع.
ومع أن الشيخ البصير وُلد وعاش شبابه في الحلة الفيحاء بعيدًا عن بيئة العلم والأدب، ولم يمنعه ذلك من النظر — بعين الفكر عن طريق السمع — في أسفار الأدب وكتب العلم، فحَصَّل منها شيئًا لا يُستهان به، ثم غزرت مادته العلمية بعد قدومه بغداد واستيطانه إياها زمنًا، فوقف على الكُتب الحديثة من مطبوعات مصر والشام، كما أنَّ دخوله معترك السياسة بالخطابة، وإنشاد القصائد الحماسية الاستنهاضية في المَحافل، رفعه إلى المنزلة التي يتمتع بها اليوم.
في شعر المهدي كثير من طباعه وأخلاقه، تعجبك معانيه البديعة، ويستفزك أحيانًا أُسلوبه المُبتكر، يحلي كل ذلك وطنية صحيحة، وشمم عربي طُبع عليهما هذا النَّابغة العراقي المحبوب.
•••
وُلد محمد مهدي في الحلة الفيحاء سنة ١٣١٣ هجرية، وتتصل أسرته بقبيلة كلاب، وهي أسرة دينية تتبادل المقام المنبري على سبيل الإرث، اشتُهر منها بضعة رجال في العلم والأدب قديمًا.
نشأ في مسقط رأسه، وبعد أن تعلم المبادئ قرأ على جملة مدرسين قديرين شيئًا من النحو والصرف والمنطق، وقد حصَّل بالمطالعة نصيبًا ليس بالقليل من العلوم العصرية، مع أنه فاقد البصر.
وأول شعر قاله سنة ١٣٢٧:
بارح الحلة سنة ١٩٢٠ وجاء عاصمة العراق، وظل فيها يخدم أمته بإلقاء الخطب والقصائد الاستنهاضية، ولقد كان من عمله تأثير كبير في بث الحماسة الوطنية، وتحبيب الاستقلال إلى أبناء الأمة في عهد عصيب، هو عهد ثورة ١٩٢٠ في العراق وبعده، فسُجن في بغداد مرة، ونُفي إلى هنجام مرةً ثانيةً لاشتراكه في التدابير السياسية التي قام بها جمهور من العراقيين في بغداد وخارجها.
•••
للمترجم قريحة وقَّادة وذكاء فوَّار؛ فلا تقرأ عليه شيئًا إلا ووعاه، ولا تبادهه بالكلام حتى يجيبك على الفور بجواب فيه النكتة، وفيه الروعة مع السداد.
وليس للشيخ البصير مذهب خاص في شعره أو كتابته، إنما هو مطبوع على محبة الجديد، فيحاول أن يسير في هذه الطريق في منظومه غير أن تحصيله من ذلك أقل من جهده الذي يحمد عليه.
وهو مثال الجلد وقوة الإرادة، وقد انْضَمَّ إلى طلبة مدرسة الحقوق ليستمع الدروس الحقوقية ويستفيد.
•••
واجتمع للمترجم مما نَظَمَه ديوانٌ ضخم، لم يسلم من نكبات الدهر مرتين؛ الأولى في واقعة الحلة الشهيرة، ففقدت مجموعته التي كانت تحوي ثلاثة آلاف بيت، والثانية اختلست منه في ٥ ربيع الأول سنة ١٣٣٦ مجموعة تضم نحو ألفَي بيت.
(١) آثاره
- البابليات: وقد أخذ في جمع ما يتذكر، وما هو محفوظ من أشعاره في مجموعة حديثة، أسماها «البابليات»، فيها الشيء الكثير من سحر بابل، وكنوز الأدب والوطنية (لا تزال مخطوطة).
- ديوان الشذرات: ديوان صغير يضمُّ مقطعات شعرية يتراوح عدد كلٍّ منها بين السبعة أبيات والبيت الواحد. طبعه سنة ١٣٤٠ﻫ في بغداد.
- المختصر: وطبع في بغداد مجموعًا ثانيًا صغيرًا من آثاره سنة ١٣٤٠ﻫ بعنوان «المختصر» حوى بدائع النظم ونفائس النثر.
(٢) لبيك أيها الوطن
•••
(٣) يا عِلم
•••