أبو المحاسن — كما وصفته في غير هذا المكان: شيخ كثير الحسنات في الأدب والوطنية،
له
غرام خاص بالنظم، وقد أبدع في قصائد لا تُحصى ضمَّنها عواطفه الوطنية وغيرته القومية،
يستعيد بها ذكر المجد العربي السالف، ويبشر قومه بعودة ذلك المجد إليهم، مهيبًا بهم إلى
شَدِّ العزائم والنهوض إلى العلى.
ومع أن الشيخ محمد حسن يعيش في كربلاء المشرفة منعزلًا عن عالم الأدب
والصحافة، فله منزلته العلية بين الأدباء المعدودين في ديار العراق.
وهو محمد الحسن ابن المرحوم الشيخ حمادي آل محسن، و«آل محسن» أسرته ورهطه يسكنون قرية
«جناجة» على مسافة ثلاث ساعات شرقي كربلاء المشرفة، وهم بطن من «آل علي» قبيلة كبيرة
تسكن الشامية، ومنهم فريقٌ في الحجاز ينتمون إلى مالك الأشتر النخعي، وجناجة هذه
موطن عدد عديد من كبار العلماء والشعراء والفضلاء.
وُلد المترجم في كربلاء المشرفة سنة ١٢٩٣ هجرية، نشأ في مسقط رأسه ثم طلب العلم وجدَّ
حتى وعى الكثير من آداب العربية وفنونها من معانٍ وبيانٍ ومنطق، ودرس الأصول والفقه
والتفسير وأدب اللغة والتاريخ والجغرافية وتضلع في كثيرٍ من هذه العلوم، ووقف وقوفًا
تامًّا على اللغة وفوائدها ودقائقها بالحفظ والضبط.
يمتاز شعر أبي المحاسن بالجودة والانسجام والرقة مع الجزالة، يجيد في كل باب،
ويتفنن في الأساليب تفنُّن أديب عارف، نمطه في نظمه أقرب إلى العصري، وبالجُملة تجد
فكرته تُمثل صورًا من الإحسان والإبداع تختلف أسلوبًا وتأتلف حُسنًا.
ومما كاد أن يَتَفَرَّد به بين نظرائه من أهل هذه الصناعة في بيئته أنه يصون مُخدرات
أفكاره فلا يبتذلها لغير أهلها، ولا يُهديها إلا إلى كل سيد أبي، وغطريف حر، وجل شعره
نظمه لصالح الأمة، فلم يمدح يومًا رجلًا لم يصب الأمة من عمله نفع أو من جهوده سعي، ولا
تغنَّى إلا بفضل دعاة «الوحدة القومية»، فغايته القصوى التي يتوخاها في تفكيره وكتابته
ونظمه إنما هي خدمة العرب والإسلام، تلك هي الخاصيَّة التي امتاز بها، والسنَّة التي
مشى عليها.
ويغلب على نظمه التجنيس والاشتقاق وسائر أنواع البديع، يكسو كل ذلك ثوب من الفَصَاحة،
ومطرف من البلاغة يجعل لشعره روعة.
وقد عرف بالبداهة والذَّكاء وسرعة الخاطر، يحدثك بما يعجب، وينظم ما يطرب من غير ما
تعسُّف أو تكلف.
وله رغبة في الشِّعر الفارسي ومُفرداته، فإذا أنشده جليسه بيتًا نادر المعنى نظمه
بسرعة وأنشده الجليس، وكثيرًا ما تجري له مناظرة فيُقال له ليس للعرب مثل هذا فيأتي على
الفور بمثله كأنه استحضره، في حين أنه أنشأه على البديهة. وقد جرى له نَادِرَة من هذا
القبيل مع المرحوم الحاج عبد المهدي آل حافظ مبعوث كربلاء، يوم أنشده بيتًا تركيًّا في
رثاء أحد السلاطينِ العثمانيينَ بعد أن بالغ في وصف معناه، وأنه لم يسبق إليه، فأجابه
صاحب الترجمة أن هذا منظوم بالعربية فقال: ومن الناظم؟ أجاب لا أعلم، ولكني أحفظه له
من
سنين، قال: أورده سريعًا. وألحَّ عليه في الطلب بدون إمهال خشية أن يكون له مجال للتفكير
والنظم، فقال:
فخجل مناظره، فلما رآه الشيخ حسن على تلك الحالة قال له: لا تتأثر يا حضرة الحاج
فالمعنى كما قلت مبتكر لم يسبق إليه الشاعر التركي، وقد نظمته الساعة.
أما أخلاقه وصنعاته فقد عرفه من عرفه حق المعرفة بأنه: شريف النفس، سامي الهمة، يحلي
أخلاقه الاتضاع وتزينها الدماثة، مع الشمم والإباء، واشتُهر بالصدق والوفاء والثبات على
المبادئ القديمة مهما كلفه الأمر، فقد خاطر بنفسه غير مرة، فلم يَحْنِ هامته، وله في
الثورة التي حدثت سنة ١٩٢٠م يد محمودة، وكان المرحوم آية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي
طاب ثراه، يثني عليه ويثق به، وقد تعين في تلك الثورة مندوبًا عن كربلاء المشرفة، ثم
عينه الميراز قدس سره رئيسًا للمجلس الملي والحكومة المؤقتة في كربلاء يومذاك فدبر أحسن
تدبير وظهرت مقدرته.
في مدح النبي ﷺ
حي المغانيَ بين البان والعلم
ففي المغاني معاني الحسن والكرم
يهيج برح الصبا للمُستهام صَبًا
في نشرها بشر قرب الركب من أضم
أراق بعدي لهم عيش فبعدهم
أراق فيض دم من دمعيَ السجم
إن السهاد نفى جسمي ضنًا فغدا
يحكي السهاد نفًا في حب بدرهم
أتملك العين من عين الظبا نظرًا
ودونها الأُسد تسطو بالظبا الخذم
رِيمُ الصريم إذا رمت العقيق ففي
عقيق دمعي غنًا عنه فلا ترم
في وجهك ابن أبي سلمى وبهجته
وفي لواحظك الوسنى أبو هرم
ضل الفؤاد فظل الجسم حلف ضنى
فالجسم في مرض والقلب في ضرم
إني أبحتُ دمي عمدًا فلا قوَد
عليهم في الهوى إني أبحت دمي
رأيت جورهمُ عدلًا وهجرهمُ
وصلًا وذليَ عزًّا في ودادهم
صبري وجسمي وطرفي والفؤاد أسًا
واهٍ نحيل غزير الدمع في ألم
يفك كل أسير في بيوتهمُ
إلا أسير جفون من ظبائهم
فليت شعري أوجْد أم لهيب غضًا
ما أودعوه فؤادي يوم بينهم
يهيج لي عاذلي في ذكرهم طربًا
فالعذل أحسن في سمعي من النغم
وصاحب لامني لما رأى كلفي
لو ذقتَ طعم الهوى يا صاح لم تلم
يزيد طبع الفتى في الحب طيب شذًى
كما تضوعت الأزهار بالنسم
مخضت رأيك واستجمت زبدته
ولست عندي على رأيٍ بمتهم
فجئت بالنَّقض والإبرام مُنتقيًا
من الحجى أفصح الألفاظ والكلم
وقد تبوأ مِنَّا واحدٌ رشدًا
فكِلْ إذا شئت أمرينا إلى حكم
حاشا الهوى وهو علق أن تفوز به
نفس العذول الغبي الساقط الهمم
إني رأيتُ كرام الناس في تعب
وأنت من تعب العلياء في سلم
هم أسعروا مُهجتي نارًا فخضت لها
في بحر عشق بموج العشق ملتطم
والحب أوَّله حلو وآخره
مُرٌّ ولذته تفضي إلى ندم
لا والهوى وليالينا التي سلفت
ما حلت عن عهدكم يا جيرة العلم
إن أبق بعدكمُ حيًّا فلا عجب
بقيت لكن لطول الحزن والألم
إن أومض الخال من شرقي كاظمة
حكاه دمعي بمنهلٍّ ومنسجم
قالوا الصبابة سقم لا شفاء له
قلتُ الوصال شفًا من ذلك السقم
قالوا سلوت فقلتُ العيش بعدكمُ
قالوا ألفْتَ فقلت النجم في الظلم
كأن جسمي وقطر الدمع يغمره
سلك يلوح بدرٍّ فيه منتظم
أغني بجوهر دمعي ناظريَّ على
أني من الصبر في فقر وفي عدم
دعني أرق نسقًا دمعي فلا بدل
منهم وإن منعوني نيل عطفهم
ورُبَّما شَبَّ في الأحشاء جمر غضًا
جنح الدُّجى ذكرُ جيران بذي سلم
طالت ليالي النوى حزنًا كما قصرت
من المسرة لي أيام وصلهم
فما لليل النوى صُبح يلوح وهل
في الصُّبح لي راحة من لاعج الألم
كم صابرت همتي صرف الزمان ولم
تضعف وصرف النوى أوْهى قُوى هممي
يا نفسُ جرعتِني مرَّ الغرام بهم
حتى أريق بأسياف الجفون دمي
والصبر كان حميمًا لي فأسلمني
غدرًا فكابدت أشجاني بغير حمي
يا قلب هل لك أن يمحو الضلال هدًى
بمدح خير البرايا سيد الأمم
طه أبي القاسم الهادي البشير رسو
ل الله صفوة عبد الله ذي الكرم
زاكي النجار كريم الطبع متصف
بالجود والباس والعلياء والعظم
الباذخ الهمم ابن الباذخ الهمم ابـ
ـن الباذخ الهمم ابن الباذخ الهمم
منزه الذات عن نقص يلم بها
قد هذبت واصطفاها بارئ النسم
عظيم خلق به الخلق اهتدى رشدًا
متمم كرم الأخلاق والشيم
سامي المعارج مهديِّ المناهج قضَّـ
ـاء الحوائج غوث الناس في الأزم
ونور قدس حباه النور من شرف
بالنور يهدي سبيل الرشد كل عمي
إن كان آنس موسى النار من بُعد
فالمصطفى آنس الأنوار من أمم
إن كان أحيى المسيح الميت معجزة
فذكر أحمد يحيي باليَ الرمم
الناطق الفصل في قول يُضمنه
براعة البالغين الحكم والحكم
غيث المؤمل غوث المُستجير به
هادي الأنام سبيل الواضح اللقم
فاق البرية في خَلْق وفي خُلُقٍ
وعمهم كرمًا بالنائل العمم
فجوده البحر في أسداد عارفة
وعلمه البحر يُلقي جوهر الكلم
سقى رياض الأماني جود راحته
سحًّا فأزهرن بالآلاء والنعم
ومثله فليرجِّي المرتجون وهل
يرجى مثيلٌ لذاك المفرد العلم
مسترشد راشد مستنجد نجد
مسترفد رافد مستمجد شهم
محمد المصطفى أصفاه خالقه
بالحمد في أشرف الآيات والكلم
رسول صدق عن الإرشاد لم يرم
يومًا وغير رضا باريه لم يرم
لو كان في الرُّسْل مَن في الفضل يشركه
ما خصَّه الله بالمعراج والعظم
فآدمٌ قد حوى فضل السجود به
ونال عفوًا به عن زلة القدم
وفيه قد رجعت نار الخليل له
بردًا فنال رغيد العيش في الضرم
سمح يحقق آمال النفوس فما
يخيب راجيه من لطف ومن كرم
فللجُناة لديه عفو مقتدر
وللعُفاة لديه جود مبتسم
أسماؤه وصفت أفعاله فغدت
من الجلالة تتلو أحرف القسم
هو المؤمَّل في الدنيا المشفَّع في الـ
أُخرى فلُذْ وتمسَّك فيه واعتصم
عزت به العرب وانقاد الزمان لها
وأصبحت تخضع التيجان للعمم
إذ قام مضطلعًا بالأمر مفترعًا
عزًّا تقاعس عنه كل معتزم
في السلم يحيي بعذب الجود ذا أمل
في الحرب يردي بمر الباس ذا أضم
بعزم أروع سامي الهم منصلت
ورفد أبلج طلق الوجه مبتسم
واستلَّ من عزمه عضب الغرار مضى
غربًا وشرقًا فبادت دولة الصنم
وأشرقت أنجم التوحيد محدقة
منه ببدر هدًى يجلو دجى الظلم
نبوة حاولوا إخفاءها فبدت
إن الشموس سناها غير منكتم
كأنَّ شرعته ضوءُ النَّهار جلت
من الضلالة ليلًا حالك العتم
من صفو أخلاقه سلسال كوثره
جرى بصفو معين سائغ شبم
فشكره والثنا والأجر مغتنم
في خير مُغتنم في خير مغتنم
ما نال من عَرَضِ الدنيا وقد عرضت
كنوزها رغبة عنها ولم يرم
إذا لجأت إليه فاشتكيت له
بؤسًا أمنت وزال البؤس بالنعم
يغزو العدا بعوادي الخيل حاملة
غلب الأسود أسود الحرب لا الأجم
بالظلم يجزي العداة الظالمين له
وظلمة العدل في تأديب مجترم
وتخجل البيض من ماضي عزائمه
إذا انتضاها فتكسى حمرة العتم
يقسم السمر والبيض الرقاق لهم
فللصدور القنا والبيض للقمم
وقلبه للتُّقى والذكر منقسم
وكفه للندى والسيف والقلم
مآثر قصرت عن دركها ونبت
أوهام كل بليغٍ بارعٍ فَهِم
حلم تخف الجبال الراسيات به
رزانةً وندًى يربي على الديم
لو شاء أن يَجْعَل الدنيا لساكنها
دار الخلود نجت من سطوة العدم
فيومه الدهر وهو الخلق قاطبة
بل كان علة خلق الكون في القِدم
صلى عليه إله العرش ما تُليت
آيات فضل له في نون والقلم
وآله الغُر أصحاب العباء ومن
قد باهل المصطفى أعداءه بهم
هم بعده خيرُ خلق الله شرفهم
على الورى قبل خلق اللوح والقلم
هم الخضارم فارشف در عرفهم
هم الأعاظم فارصف در وصفهم
سيوفهم في الوغى حُمر وأربعهم
خُضر وآمالنا بيض برفدهم
المغمدون الظبا في كل معترك
حيثُ الحجى ومناط البيض واللمم
بدور حسن إذا ما أشرقوا عكسوا
ضوء البدور بغر الأوجه الوسم
فالزهر تشرق والأزهار تعبق عن
شذاهمُ وسناهم فانتشق وشم
تأرجوا فطوى الآفاق ذكرهم
نشرًا به ضاع عرف المسك في الأمم
ما البارد العذب معلولًا لذي ظمأ
أحلى وأعذب من تكدير ذكرهم
أُولو الكمال ملاك العلم حكمهم
عدلٌ ولمع هداهم ساطع العلم
غطارفٌ عرفوا بالعرف واتصفوا
بالفضل والشرف الموفي بفخرهم
لا عيب فيهم سوى التقوى وأنهم
مصالت خشن في ذات ربهم
كم أوضحوا سُننًا كم أسبغوا مننًا
وكم جلوا حَزَنًا عنا ببشرهم
وقد بسطت وخير القول أصدقه
لسان صدق عليًّا في عليهم
ففي علي أمير المؤمنين ذكا
فكري وفي مجده قد رق منتظمي
وزيره وأخوه دونهم وأبو
سبطيه فخر به قد خص في القسم
قسيم طه علًا لولا نبوته
وفي الإمامة فضل غير منقسم
لم يأل شرعة طه جهد منتصر
بساعد ولسان ناطق وفم
مضاء ذي لبد مستبسل نجد
وحكم مُلتزم بالعدل معتصم
فسيفه جدول يَجْلُو الفرند به
روضًا سواه سوام الحتف لم تسم
وردت في حُبِّه العذب الزلال ولم
أخدع بلمع سراب من أتاه ظمي
وبالإمام الهمام المرتضى علقت
يدي فلاح فلاحي وانجلت غممي
•••
وصحبه النجُب المحيين سنته
إحياء نبت الرُّبى بالوابل الرذم
صيد جحاجحة قد طاب فرعهم
ففرعهم مُعرِب عن طيب أصلهم
تمضي الصوارم أيديهم إذا كهمت
ضربًا وإن قصرت طالت بخطوهم
معودين قِرى الأضياف إن نزلوا
وفي النِّزال قِرى العقبان والرخم
هم المحاريبُ إن صالوا بيوم وغًى
صلت سيوفهم في أرؤس البهم
بكل أهيف لدن القدِّ منعطف
يرنو بأزرق مشغوف بكل كمي
لا يخلفون لباغي الخير موعده
ورُبَّما أخلفوا الميعاد بالنقم
•••
يا أرض طيبة قد طلتِ السماء علًا
بالمصطفى فاشكري النعماء واغتنمي
قد ضم تربك وهو المسك جوهرة
قد أبدعتها يد الألطاف والحكم
دوح بها يشرف الروح الأمين على
غر الملائك إذ يُدعى من الخدم
كأنك الجنة الفردوس واصفة
جنان خلد وما فيهن من نعم
فهل تنال مُنَاها النفس ثانية
بزورة فيحل الأنس بالحرم
يا سيدي ليَ حاجات عُنِيتُ بها
وأنت أكرم مأمول وملتزم
وسائل البر إن كانت وسائله
إلى الكريم أصاب النجح من أمم
ومذ غدوتَ شفيعًا للأنام غدا
لواء حمدك منشورًا على الأمم
قد كاثرتني ذنُوبي فالتقيتُ بها
بجيش همٍّ على الأحشاء مزدحم
والنفس كالتبر تستصفى شوائبها
نار الهموم فترقى باذخ الهمم
جعلت مدحك لي ذخرًا ومعتصمًا
فاقبل مديحيَ يا ذخري ومعتصمي
فصار قدحي المُعلَّى وانجلت غممي
وسار مدحي المحلى واعتلت كلمي
وقيمة المرء ما قد كان يُحسنه
وفي مديحك ما تغلو به قيمي
ورُبَّ قول يحلي السمع جوهره
ورُبَّ قول يروع السمع بالصمم
محمد بك أضحى ظنه حسنًا
يا معدن اللطف والإحسان والكرم
حقق رجائيَ واشفع لي فقد علقت
يدي بحبل رجاءٍ غير منفصم
السيف والقلم
المجد أوله للصارم الخذمِ
ثم السياسة والتدبير للقلم
يقول فصلًا إذا كان المداد له
مما تمج المواضي من نجيع دم
ولا أرى حجة كالسيف بالغة
فإن تكليمه يغني عن الكلم
ما ضاع حق يحوط السيف جانبه
ولا أُبيح حمًى والمشرفي حمي
من ذاد عن حوضه بالسيف طاب له
ورد الحياة فلم يظمأْ ولم يضم
إن أسس السيف مجدًا واليراع له
مشيد كان مجدًا غير منهدم
وليس مستغنيًا عن مرهف قلم
والمرهف العضب يستغني عن القلم
محا أبو مسلمٍ ما كان نمَّقه
عبد الحميد من الأحكام والحكم
لم تنفع الكُتب إذا صالت كتائبه
فاستهزم العلم إيماءً من العلم
إذ القضية لم تحفل بساستها
فليس غير صليل السيف من حكم
كم أمة طلبت حقًّا فأعجزها
طِلابه بلسانٍ ناطقٍ وفم
حتى إذا نطقت صدقًا صوارمها
أصغى لحجتها من كان ذا صمم
أما ترى الحق لفظًا لا يوافقه
معنًى بغير دويِّ المدفع الضخم
أمَّا القوي فمشغوف بلذته
عن الضعيف الذي قد بات في ألم
في فوز منتصر محو لمنكسر
فلا يُقال لعًا من ذلة القدم
ما أسعد الأرض لو ساد السلام بها
لكنَّ للحرب سلطانًا على السلم
لو كان للحق نهج لا تُقام به
لأهله عقبات ذات مصطلم
سادت على القضب الأقلام قائلة
يا أرض قد سعدت أهلوك فابتسمي
لكن تنازعنا حب البقا خلق
ولا محيد عن الأخلاق والشيم
عصر تروق به ألفاظ ساسته
والرَّقص فيه على الإيقاع والنغم
نستعذب القول فيه والعذاب به
ويحفظ الله من سم مع الدسم
لا أجحد القلم الأعلى فضيلته
فإنه ذو اليد البيضاء في الأمم
كم ارتقى فيه شعب عند نهضته
أوج الحضارة ذات المجد والشمم
إذا جرى فوق أطراف البنان جلا
سحر البيان بمنثور ومنتظم
إنَّ الحقائق ما شقت غياهبها
إلا بشق اليراع الناصع العتم
يمر طورًا وتحلو لي عواطفه
إنْ هز عطفيه في بأسٍ وفي كرم
•••
كلٌّ يحرر أهليه وأسرته
من الأسار وكلٌّ خير معتصم
فاعجب لضدين قد حازت صفاتهما
تساويًا فهما صنوان من رحم
•••
قد قلت حقًّا على أني أخو قلم
إذا جرى فهو لم يقصر ولم يخم
لكنْ ضميريَ وهو الحي متبع
حقيقة حبها من أفضل القسم