توطئة
١
دراسات عن مقدمة ابن خلدون!
أُسطر هذه الكلمات وكأني أسمع همس معترض يعترض عليَّ قائلًا:
دراسات عن مقدمة ابن خلدون؟ ولماذا اخترت هذا الموضوع المبتذَل المعاد؟ إن مقدمة ابن خلدون منتشرة بين أيدي جميع المتنورين من الناطقين بالضاد، وقد كتب الدكتور طه حسين أطروحةً عن «فلسفة ابن خلدون الاجتماعية»، كما نشر الأستاذ عبد الله عنان كتابًا عن «ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري»، وقد نشر عدد غير قليل من المفكرين والكُتَّاب عددًا لا بأس به من البحوث والفصول والمقالات عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون في مختلِف الكتب والجرائد والمجلات. فلا نتعدَّى الحقيقة إذا قلنا: ما من مفكر ولا مؤرخ عربي حظي من كثرة الذكر وذيوع الصيت بما حظي به ابن خلدون، فما الفائدة من العودة إلى هذا الموضوع بعد جميع هذه الكتابات والنشرات؟ ألم يكن من الأجدر بك ومن الأوفق لمصلحة قُرَّائك أن تنتخب موضوعًا آخر أكثر جدَّةً وطرافةً من هذا الموضوع؟
غير أني لم أُسلِّم بوجاهة مثل هذه الاعتراضات والملاحظات؛ لأنني أعتقد بأن الطرافة في الدراسات لا تتأتَّى من جدَّة الموضوع وحده، بل قد تتولَّد من طرافة الطريقة والاتجاه أيضًا. وأنا مع احترامي للكتب والمقالات والدراسات التي نُشِرت بالعربية عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون أرى أنها ظلت بعيدةً عن استيفاء حاجة البحث في هذا الموضوع الخصب الهام من نواحيه المختلفة، فأعتقد بأن هناك حاجةً ماسَّةً إلى إكمال تلك الأبحاث والدراسات وإتمامها، كما أن هناك ضرورةً قصوى لإعادة النظر واستئناف البحث في معظم تلك الدراسات بطرق وأساليب أخرى وفق وجهات نظر جديدة.
ومما يُظهر هذه الحاجة بجلاء أعظم، ويبرهن على هذه الضرورة بوضوح أتم؛ أن الأبحاث والدراسات المنشورة عن ابن خلدون باللغة العربية قليلة وضئيلة جدًّا بالنسبة إلى ما نُشر عنه في اللغات الأخرى، ولا سيما في اللغات الأوروبية، وهناك عدد غير قليل من الدراسات العلمية القيِّمة عن ابن خلدون وآرائه المختلفة لا تزال غير منقولة إلى العربية.
ومن الغريب أن أهم الدراسات التي كُتبت بأقلام بعض الشبان العرب أيضًا، ظلت خارجةً عن نطاق «المطبوعات العربية» إلى الآن؛ فقد نشر الدكتور كامل عياد — من الشام — أطروحةً باللغة الألمانية سنة ١٩٣٠ عن «نظرية ابن خلدون في التاريخ والاجتماع»، كما نشر الدكتور صبحي المحمصاني — من بيروت — أطروحةً باللغة الفرنسية سنة ١٩٣٢ عن «آراء ابن خلدون الاقتصادية»، وكلتا الأطروحتين بقيتا غير مترجمتين إلى العربية، بالرغم من مرور اثنتَي عشرة سنة على انتشار الأولى، ومرور عشر سنوات على انتشار الثانية، فاستفادة متنوري العرب من الأطروحة الأولى لا تزال تتوقَّف على معرفة الألمانية، كما أن الاستفادة من الثانية لا تزال تتطلَّب معرفة الفرنسية.
وإنني أعتقد لذلك كل الاعتقاد بأن الجيل المثقف الحاضر مقصِّر في أداء واجباته نحو هذا المفكر العربي العظيم تقصيرًا كبيرًا.
•••
إن هذا التقصير الكبير لا يتجلَّى في «ضآلة الدراسات فحسب»، بل يظهر في «رداءة الطبعات» أيضًا؛ فإن جميع طبعات المقدمة التي صدرت عن مطابع القاهرة وبيروت وانتشرت في جميع أنحاء العالم العربي مشوبة بنواقص كثيرة وأغلاط فادحة.
ذلك لأن جميع هذه الطبعات منقولة عن طبعة بولاق، التي كان قد قام بأعبائها الشيخ نصر الهوريني في القاهرة قبل مدة تزيد على ثمانية عقود من السنين، والشيخ المومأ إليه كان بعيدًا — بطبيعة ثقافته — عن إدراك المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في نشر مثل هذه المؤلفات القديمة.
فجميع الطبعات الشرقية تكاد تكون خاليةً من الشروح والتعليقات، فإن الشروح القليلة المبعثرة فيها لو جُمعت في محل واحد لَمَا ملأت أكثر من ثلاث صفحات، زِدْ على ذلك أن هذه الشروح قلَّما تخرج عن نطاق «الإيضاحات اللغوية»، فإنها لا تستهدف على الغالب شيئًا غير ذكر معاني بعض الكلمات، هذا مع أن الترجمة التركية مُوَشاة ببعض الإيضاحات المطولة، لا سيما والترجمة الفرنسية مملوءة بمئات ومئات من الشروح والتعليقات التي تحوم حول المعلومات اللغوية والأدبية والجغرافية والتاريخية الضرورية لفهم أبحاث المقدمة حق الفهم.
ومما يستلفت الأنظار في هذا الصدد أن الطبعات المتداولة مشوبة بعدد غير قليل من الأغلاط المطبعية، التي تارةً تغيِّر معنى العبارات، وطورًا تجرِّدها من كل معنًى معقول، وتارةً أخرى تقلب معناها رأسًا على عقب.
ومن الأمور الغريبة أن الطبعات المصرية والشامية ناقصة من حيث المتون والفصول أيضًا: فإذا قارنَّا إحدى هذه الطبعات بطبعة باريس التي كان تعهَّدها المستشرق «كاترمير» في نفس السنة التي كان قد أتمَّ فيها الشيخ نصر الهوريني طبعة بولاق في مصر، نجد أنه ينقص منها أحد عشر فصلًا كاملًا من الفصول المهمة، كما ينقص منها عدد غير قليل من الأبحاث والفقرات من الفصول المختلفة، وإذا أحصينا مجموع صفحات هذه الفصول والفقرات الناقصة نجد أنها تزيد على الستين.
ومن الغريب أن طبعات مقدمة ابن خلدون المنتشرة في العالم العربي ظلت على هذه الحال من النقص المعيب منذ مدة تزيد على ثلاثة أرباع القرن، ومن الأغرب أن الأبحاث والدراسات المنشورة بالعربية عن مقدمة ابن خلدون لم تنتبه إلى هذا النقص، فلم تعمل على تلافيه، ولم تلفت الأنظار إليه إلى الآن.
٢
هذا وإنني أرى أن هناك قضيةً هامةً أخرى تستحق الملاحظة والعناية أكثر من جميع الأمور التي ذكرتها آنفًا:
إن الذين يطالعون مقدمة ابن خلدون يقرءونها عادةً كما تُقرأ الكتب الحديثة، وينتقدونها بوجه عام كما تُنتقد المؤلفات العصرية، ومعظم الذين يكتبون عن المقدمة أيضًا يَنحون هذا المنحى نفسه، ويميلون إلى وزن الآراء الواردة فيها بموازين المكتسبات العلمية الحالية، من غير أن يلتفتوا إلى عدد القرون التي تفصل بيننا وبين تاريخ كتابة المقدمة المذكورة، في حين أن قيمة المؤلفات القديمة ومنزلة المفكرين القدماء — في تاريخ العلوم والأفكار — لا يمكن أن تُقدَّر على هذه الطريقة.
ذلك لأن كل عالم ومفكر يشترك — بوجه عام — مع معاصريه في معظم آرائهم، فيشاطرهم أكثر أخطائهم، ولا يمتاز عليهم إلا في «بعض الآراء» التي يتوفَّق إلى ابتكارها، و«بعض المعلومات» التي يتوصل إلى اكتشافها.
ولهذا السبب نرى أن منزلة الباحث والمفكر في «تاريخ العلوم والأفكار» لا تتعين بملاحظة «جميع الآراء الصائبة والخاطئة» المنبثَّة في كتاباته ومؤلفاته المختلفة، بل تتقرَّر بملاحظة «الآراء المبتكرة» التي يسمو بها على معاصريه، و«الحقائق الجديدة» التي يضيفها إلى المكتسبات الفكرية البشرية، و«الخدمات التي يقوم بها» بهذه الصورة في سبيل تقدُّم الأفكار والعلوم، كل ذلك بقطع النظر عن الآراء الخاطئة التي يبقى فيها مشتركًا مع معاصريه بطبيعة الحال.
إن عدم ملاحظة هذا الدستور الأساسي في دراسة المفكرين والعلماء القدماء يحول دون تقدير منزلتهم العلمية حق قدرها، ومحاذير ذلك تكتسب خطورةً خاصةً عندما يعود الأمر إلى عظماء المفكرين الذين يكونون في منزلة ابن خلدون، وإلى أمهات المؤلفات التي تكون على شاكلة مقدمته المشهورة؛ لأن مقدمة ابن خلدون من المؤلفات الجامعة التي تتطرَّق إلى عدد كبير من المسائل والمواضيع؛ إنها تتناول بالبحث والنظر مسائل كثيرةً ومتنوعةً جدًّا، من الديانة إلى التجارة، من النبوة إلى الطبابة، من الرؤيا إلى التربية، من السياسة إلى النجامة، من أوزان الشعر إلى عمران المدن، من مبادئ الموسيقى إلى أساليب الحرب، من موارد الدولة إلى أصناف العلوم. وخلاصة القول: إن كل ما له علاقة بالاجتماع الإنساني والعمران البشري يأخذ نصيبًا من بحوث المقدمة، فلا يُنتظر من مؤلفها أن يكون مبتكرًا ومصيبًا في جميع هذه المواضيع المتنوعة، بل لا بد له من أن يكون ناقلًا لآراء معاصريه في معظم تلك المسائل والمواضيع.
فإذا قرأ القارئ مقدمة ابن خلدون من غير أن يراعي الدستور الآنف الذكر، قد يعود بفكرة خاطئة تمامًا عنها وعن مؤلفها؛ لأنه قد يبقى تحت تأثير مختلِف الأخطاء المنبثة في صحائف الكتاب، والفكرة السيئة التي تستولي على ذهنه من جراء ذلك قد تؤثر على محاكمته، فتحول دون التفاته إلى الآراء القيِّمة المنتشرة في سائر أقسام الكتاب.
إن أصول البحوث العلمية تتطلَّب من كل باحث يُقْدِم على مطالعة كتاب قديم أن يتأمَّل في كل موضوع من مواضيعه، وكل مسألة من مسائله على حدة، وأن يعرف حق المعرفة بأن «خطورة الأخطاء» التي تُلْقَى في الكتب القديمة لا يجوز أن توزن بالموازين الفكرية العصرية، بل يجب أن تُقدَّر بموازين تاريخية خاصة. ولا حاجة للبيان، إن هذه الموازين الخاصة لا يمكن أن تتقرر إلا بتتبع «تطورات الفكر البشري» بوجه عام.
هذا مبدأ هام يجب ألا نهمله أبدًا، عندما نقرأ وندرس مقدمة ابن خلدون يجب علينا ألا ننسى أنه من رجال القرن الرابع عشر للميلاد، كما يجب علينا أن نرجع إلى تاريخ العلوم والأفكار عندما نقرأ كل فصل من فصوله، ونتأمل في كل رأي من آرائه، ونستعرض ما كان يقول به المفكرون في هذا الصدد في العصر الذي عاش فيه، وفي العصور التي أتت بعده.
٣
إنني لم أقُل بهذا المبدأ، ولم أضع هذا الدستور تعصُّبًا وتحزُّبًا لابن خلدون، بل قلت بهذا المبدأ لأنني وجدته سائدًا في تاريخ العلوم والعلماء، وسردت هذا الدستور لأنني رأيته رائد القوم على الدوام.
وأقول بلا تردد: لولا ذلك لما استطاع أحد من المفكرين والعلماء السالفين أن يحتفظ بمكانته العلمية والفكرية في هذا العصر، بين تطور العلوم الهائل وتقدمها المستمر.
هذا أرسطو، الذي يُعد أكبر المفكرين الذين عرفتهم البشرية، والذي يُلقَّب لذلك بلقب «المعلم الأول»، هذا أرسطو نفسه قد وقع في أخطاء وأغلاط كثيرة وكبيرة جدًّا في مؤلفاته المختلفة، فإذا أراد أحدنا أن يحصيها ويجمعها لاستطاع أن يؤلف منها مجلدًا ضخمًا.
إن بعض هذه الأخطاء والأغلاط كانت جوهريةً خطيرةً تتعلَّق بأسس العلوم نفسها:
كان أرسطو يقول مثلًا في ميدان علوم الطبيعة بنظرية العناصر الأربعة، ويعتبر كلًّا من الماء والهواء والتراب والنار عنصرًا من عناصر الأشياء، ومن المعلوم أن علمَي الفيزياء والكيمياء قد قاما على إنكار هذه النظرية من أساسها.
وكان يقول في ساحة علم الحياة بنظرية «التناسل التلقائي»، ويعتقد بأن الديدان والحشرات تتولَّد من تلقاء نفسها من الطين والجيف، ومن المعلوم أن علم الحياة الحالي قد برهن على بطلان هذه النظرية برهنةً قاطعة.
وكان أرسطو يقول في ساحة الاجتماعيات بضرورة الرق، ويعتقد بأن الاسترقاق من ضرورات الحياة الاجتماعية، وكان يُعلِّل اعتقاده هذا بقوله: «إن بعض الناس خُلقوا ليكونوا أسيادًا، وبعضهم خُلقوا ليكونوا عبيدًا.» حتى إنه كان يرى أن «الغزو للحصول على العبيد» مشروع بقدر «الصيد لاقتناص الحيوانات». ومن المعلوم أن تطوُّرات الحياة الاجتماعية سارت دائمًا على أساس إنكار هذا الرأي بوجه حاسم بات.
وزيادة على ذلك، فإن بعض الآراء التي قال بها أرسطو كانت من نوع السفسطات والمغالطات، فقد قال — مثلًا: «إن الخط المستقيم لا يمكن أن يكون كاملًا بوجه من الوجوه؛ لأن هذا الخط المستقيم إذا كان غير متناهٍ كان غير كامل؛ إذ إن الكمال في الخط لا يتم إلا عندما يكون له شكل مرسوم بوضوح، وأمَّا إذا كان الخط المستقيم المذكور متناهيًا فلا يكون كاملًا أيضًا؛ لأنه يُبقي في هذه الحالة ما هو خارج عنه بطبيعة الأمر …» ومن الواضح أن كل ذلك من لغو الكلام، وهو يدل على المغالطة في البرهنة والبيان.
فإذا كان أرسطو لا يزال يتمتع بمنزلة ممتازة ومكانة خارقة في تاريخ العلوم والأفكار، فما ذلك إلا لأن التاريخ المذكور يراعي على الدوام المبدأ الذي ذكرته آنفًا.
وما قلته عن أرسطو في هذا الصدد يصح في غيره من العلماء والمفكرين أيضًا؛ فليس بين هؤلاء — من سقراط إلى كونت، ومن بقراط إلى فرويد — من يُعَدُّ عظيمًا لأنه لم يخطئ في آرائه وكتاباته قط، بل إنهم يُعَدُّون من العظماء على رغم الأخطاء التي وقعوا فيها والأغلاط التي قالوا بها.
٤
ومما تجب ملاحظته في هذا الصدد أن موقفنا — نحن الناطقين بالضاد — تجاه مقدمة ابن خلدون، يختلف بطبيعته عن مواقفنا تجاه مؤلفات أمثاله من الغربيين؛ ذلك لأننا لا نطَّلع — عادةً — على آراء القدماء من الغربيين إلا من خلال بعض المقتطفات والدراسات، فنتوهم بأن كل ما قاله هؤلاء وكتبوه كان على ذلك الطراز، مع أن تلك المقتطفات والدراسات تستهدف — بوجه عام — إظهار منزلتهم العلمية، فلا تحتوي في حقيقة الأمر إلا على الجوهر الهام، والزبدة المنتقاة من آرائهم وكتاباتهم الأصلية، بينما نحن نطَّلع على ما قاله ابن خلدون من قراءة مقدمته مباشرة، ونحيط علمًا بكل ما جاء فيها من غثٍّ وسمين. فالمقارنة التي تحدث في أذهاننا — بهذه الصورة — بين ابن خلدون وبين أمثاله الغربيين تكون بعيدةً عن الحق والحقيقة بطبيعة الأمر.
إن مثلنا في مثل هذه المقارنات كمثل من يريد أن يقوم بمقارنة بين المناجم المختلفة، فيُقْدِم على الموازنة بين الفلز الطبيعي الموجود في أحدها، وبين المعادن الصافية والجواهر اللماعة المستخرجة من غيرها، من غير أن ينتبه إلى أن تلك المعادن والجواهر أيضًا كانت ممزوجةً ومخلوطةً بمواد ترابية وحجرية خسيسة، وأنها لم تظهر بمظهرها الحالي إلا بعد تصفيتها من النفايات، كما أن الفلز الطبيعي الموجود في المنجم الأول أيضًا يحتوي على جوهر ثمين قد يبهر الأبصار، مثل تلك الجواهر بل أكثر منها إذا ما عولج وصُفي مثلها.
من البديهي أن المقارنات يجب أن تجري تحت شروط متساوية؛ فعلينا إما أن نقارن الفلز الطبيعي بالفلز الطبيعي، وإما أن نقارن المعدِن المستخرَج والمصفَّى بالمعدِن المستخرَج والمصفَّى، وأمَّا مقارنة الفلز الطبيعي المستخرَج من منجم ما بالمعدِن المصفى المستحصَل من منجم آخر، فمما لا يتفق مع مقتضيات العقل والمنطق بوجه من الوجوه.
فيجب علينا أن نتجنَّب سلوك مثل هذه الطرق في دراسة ابن خلدون، ويجوز لنا أن نقارن المقدمة بكتاب من أمثالها مقارنةً شاملةً تامة، كما يحق لنا أن نقارن الآراء الثمينة المستخرَجة منها بما استُخْرِجَ من أمثالها، وأمَّا المقارنة بين المقدمة بهيئتها المجموعة وبين الآراء القيِّمة المستخرَجة من الكتب المماثلة لها فمما لا يجوز أبدًا.
•••
إن المقالات التالية ترمي — قبل كل شيء — إلى تطبيق هذا المبدأ في دراسة مقدمة ابن خلدون، وإظهار منزلة مؤلفها العظيم على هذا الأساس القويم.
تنبيه هام
من المعلوم أن طبعات المقدمة كثيرة ومتنوعة، وعدد صفحاتها يختلف اختلافًا كبيرًا من طبعة إلى طبعة؛ ولذلك رأيت من الضروري أن أصرح بأن أرقام الصفحات المذكورة في هذه الدراسات تعود إلى طبعة عبد الله البستاني في بيروت، وطبعة مصطفى محمد في مصر.
إنني رجَّحت الإشارة إلى صفحات هاتين الطبعتين مع علمي بكثرة أغلاطهما ونقص أبحاثهما؛ للملاحظات التالية:
إن طبعة مصطفى محمد المصرية منقولة عن الطبعة البيروتية نقلًا زينكوغرافيًّا؛ ولهذا السبب إن مبدأ الصفحات والأسطر في كلتا الطبعتين متماثل تمام المماثلة، فالرقم الذي يشير إلى صفحة من الصفحات في إحداهما يوافق الأخرى أيضًا تمام الموافقة، ومن المعلوم أن الأولى كثيرة الانتشار في سوريا، والثانية كثيرة الانتشار في مصر، ولا شك في أن نُسَخ هاتين الطبعتين أكثر انتشارًا من نسخ جميع الطبعات الأخرى.
ومع هذا، بما أن هاتين الطبعتين تنقصهما بعض العبارات والأبحاث، اضطُررت أحيانًا إلى النقل عن الطبعات الأخرى، ولا سيما عن طبعة باريس، وفي مثل هذه الحالات صرَّحت باسم الطبعة التي أشرت إلى صحائفها.
ففي كل موضع ذكرت فيه أرقام الصحائف — من غير ذكر لاسم الطبعة — يجب أن يراجع إحدى الطبعتين الآنفتي الذكر.
إن الأغلاط الثلاثة الأخيرة موجودة في طبعة المطبعة البهية ص٣٩٦، ٢٩، ٦٨، وفي طبعة مطبعة التقدم ص٤٤٦، ٣٢، ٧٧ أيضًا.
وأمَّا الغلطتان الأخيرتان فموجودتان في طبعة بولاق أيضًا.
(ص١٦٨) «إن الحيوانات المفترسة لا تسافد (إلا) إذا كانت في ملكة الآدميين.» والعبارة الصحيحة خالية من الأداة إلا.
(ص٤١٩) «والكمال في الصنائع إضافي بكمال مطلق» والعبارة الصحيحة هي: «والكمال في الصنائع إضافي، وليس بكمال مطلق.»
(ص٢٨) «حتى يكون مستوعبًا لأسباب كل خبره.» فقد سقط من هذه العبارة خمس كلمات، وأمَّا العبارة الصحيحة فهي: «حتى يكون مستوعبًا لأسباب كل حادث، واقفًا على أصول كل خبره.»