رجاء هام من باحثي المخطوطات
(١) رجاء هام من الباحثين في المخطوطات العربية
إني أشرت في بحث «تاريخ المقدمة» إلى النسخة التونسية من مقدمة ابن خلدون، التي توهَّم الشيخ نصر الهوريني بأنها مختصرة من النسخة الفاسية، فأهملها من غير أن ينتبه إلى أنها النسخة التي قدَّمها المؤلف إلى السلطان الحفصي في تونس، قبل نزوحه إلى مصر، وقلت في نهاية تلك الدراسة: «إني أدعو الباحثين الذين يهتمُّون بأمر ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون إلى الاهتمام بالنسخة المذكورة؛ لأن مقارنتها بالنسخ المطبوعة لا بد أن توصلنا إلى معلومات هامة عن تطوُّر ابن خلدون الفكري» (ص١٣٢–١٣٤ من هذا الكتاب).
إني كنت نشرت الدراسة المذكورة في الجزء الأول من الدراسات التي طُبِعتْ في بيروت سنة ١٩٤٣، وكنت أظن عندئذٍ أن النسخة المذكورة محفوظة في إحدى دور الكتب في القاهرة؛ ولذلك لم أكتفِ بما نشرته في الكتاب، بل كتبت في الوقت نفسه إلى بعض الباحثين، راجيًا منهم أن يراجعوا النسخة التي أهملها الهوريني، ويزوِّدوني ببعض المعلومات عنها، ولكني علمت من الأجوبة التي تلقَّيتها أن أذهان الجميع كانت تتوجَّه — على الدوام — إلى الأحدث فالأحدث من كتابات ابن خلدون، والأوسع فالأوسع من أبحاثه؛ ولذلك ما كان يهتم أحد الباحثين بالنسخ المختصرة، فلم ينتبه أحد منهم إلى حقيقة النسخة التي ذكرها الشيخ نصر الهوريني.
بعد ذلك سافرت إلى مصر وكلي أمل بأني سأجد النسخة المذكورة بسهولة، طالما كانت تحت يد الشيخ الهوريني عند طبع المقدمة، لكن أملي خاب تمامًا؛ لأني لم أحصل عليها لا في دار الكتب المصرية، ولا في المكتبة الأزهرية، ولم أصادف أحدًا يستطيع أن يدلني على مصير المخطوطات التي كانت يراجعها الشيخ الهوريني عند طبع المقدمة.
ولذلك وجَّهت نظري إلى تونس، وخابرت بعض الباحثين في مخطوطات المقدمة، وفي الأخير سافرت إليها فعلًا سنة ١٩٥٠؛ لأبحث عنها بنفسي، ولكن مع الأسف الشديد لم أعثر عليها أو على ما هو مستنسخ منها هناك أيضًا.
إني كنت أرفض إعادة طبع الجزء الأول من الدراسات — التي كانت نفدت نسخها منذ سنين عديدة — وذلك على الرغم من مراجعة ناشرين عديدين؛ لأني كنت أطمح في نشرها مصحوبةً بدراسة عن النسخة التونسية، وبمقارنة بينها وبين النسخ المطبوعة.
ولم أُقْدِمْ على إصدار هذه الطبعة الموسَّعة والموحَّدة إلا بعد أن قطعت الأمل من الحصول على النسخة المذكورة.
ولكن هذا الأمل إذا كان قد انقطع بالنسبة لي — بسبب أحوالي الخاصة — فإنه يجب ألا ينقطع من باحثي المخطوطات العربية وهواتها.
ولذلك أتقدَّم إليهم مرةً أخرى راجيًا منهم ومن أمثالهم ألا ينقطعوا عن مواصلة البحث عن نسخة المقدمة المهداة إلى السلطان الحفصي في تونس، مؤكِّدًا لهم أن اكتشاف النسخة المذكورة سيكون ذا قيمة علمية وتاريخية كبيرة جدًّا.